لقد أصبح إصرار أميركا على الحفاظ على هيمنتها العالمية موضوعاً رئيسياً للنقاش بين الأكاديميين والصحفيين وحتى على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع مواجهة واشنطن لصعود الصين، هل يشكل الجهد الأميركي للحفاظ على هيمنتها عامل استقرار في العلاقات الدولية، أم عامل زعزعة للاستقرار؟ وبشكل أكثر تحديداً، كيف يرتبط هذا بالوضع في الشرق الأوسط؟

بشكل عام، ادعت الولايات المتحدة أنها دولة تعمل على تعزيز السلام والأمن في المنطقة، وبالتالي الاستقرار أيضا.

ولكن على كل هذه المستويات، كان سلوك واشنطن في العقدين الماضيين أقل كثيرا من خطابها. فقد كانت الولايات المتحدة انتقائية في تعزيز السلام والقيم الليبرالية التي تؤدي إلى ذلك؛ وكانت سياستها غير متوقعة في توفير الأمن، وكانت أفعالها عموما سببا في تفاقم عدم الاستقرار.

إن الحرب بين إسرائيل وغزة هي أحدث مثال على تقويض صورة أميركا لنفسها في هذه الفئات. إن عدم رغبة إدارة الرئيس جو بايدن في فرض وقف إطلاق النار بعد عشرة أشهر من القتل الجماعي هو دليل وحد على ازدواجية واشنطن. فهي تدعي أنها تريد وقف إطلاق النار، لكنها لم تستخدم أيًا من أدوات قوتها لإنهاء الصراع. والواقع أن الأسلحة الأميركية تسببت في خسارة مروعة للأرواح في غزة، كما أن الأميركيين لم يفعلوا سوى القليل في العقود الأخيرة لخلق بيئة يمكن أن تنجح فيها مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

راغدة درغام تكتب.. العالم حذر من دونالد ترامب لكنه لا يعرف سوى القليل عن كامالا هاريس

إن غزة ليست مجرد حرب أخرى في الشرق الأوسط. فهي تأتي في وقت تتنافس فيه الولايات المتحدة بشكل متزايد مع الصين الصاعدة، لذا فإن الاستياء الذي أحدثته غزة يلعب دوراً في هذه المنافسة. وتنظر العديد من الدول إلى الصراع باعتباره نافذة يمكن من خلالها تحدي الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، وحقيقة أن الولايات المتحدة متواطئة في معاناة غزة عززت وجهة نظر بين العديد من البلدان مفادها أن مثل هذه الهيمنة يجب أن تنتهي.

وينطبق نفس الشيء على القيم المرافقة للسلام. فإذا كان السلام، في نظر الولايات المتحدة، يوفر السياق المثالي لتعزيز المبادئ الليبرالية والإنسانية، فإن محاولات واشنطن السطحية لإنهاء الحرب في غزة تكشف عن أن التزامها بهذه المبادئ سطحي.

ولكن ماذا عن الأمن؟ إن الوجود الأميركي في الشرق الأوسط لم يعزز الأمن على المستوى الإقليمي كثيراً. فقد وفر الأميركيون الأمن لبعض الحلفاء، ولكنهم لم يفعلوا ذلك على المستوى النظامي. وحتى في هذا السياق، فإن السجل متباين. فعندما تعرضت منشأة بقيق النفطية في المملكة العربية السعودية لهجوم بطائرات بدون طيار إيرانية في عام 2019، لم تفعل الولايات المتحدة شيئاً، رغم أن حماية النفط السعودي كانت من الثوابت الاستراتيجية للوجود الأميركي.

قد يزعم البعض أن أحد المكونات الرئيسية للأمن الإقليمي هو مكافحة الإرهاب، وهو ما نجحت الولايات المتحدة في تحقيقه على رأس التحالف العالمي لهزيمة داعش. ربما، ولكن هذا مهد الطريق أيضًا للكثير من عدم الاستقرار، حيث كان التحالف الأمريكي مع القوات الكردية ضد داعش يُنظر إليه ولا يزال يُنظر إليه على أنه تهديد وجودي من قبل تركيا.

مأرب الورد يكتب لـ”يمن مونيتور” المنظمات الأممية.. من مجاراة الصرخة حتى توطين التحويث

وفي الوقت نفسه، فإن عجز الولايات المتحدة أو عدم رغبتها في تطوير أي حل إقليمي أو دولي لسجناء داعش وأفراد عائلاتهم لم ينتج إلا وضعا متفجرا يجعل إحياء التنظيم أكثر ترجيحا.

إن الاستقرار الإقليمي سوف يتعزز بشكل كبير إذا وافقت الولايات المتحدة على العمل مع الصين – وهي جهة فاعلة رئيسية أخرى لها مصلحة في مثل هذا الاستقرار لضمان استمرار تدفق النفط لاقتصادها. ومع ذلك فإن الأولوية للولايات المتحدة هي الحد من نفوذ الصين في الشرق الأوسط. والمفارقة هنا هي أن التقارب السعودي الإيراني الذي توسطت فيه بكين العام الماضي، على سبيل المثال، ساعد في تهدئة التوترات الإقليمية. وقد دفع هذا دول الشرق الأوسط إلى النظر بشكل أكثر إيجابية إلى دور الصين، وعلى النقيض من ذلك، إلى دور أميركا بشكل أكثر انتقادا.

إن الموقف الأميركي غامض ويكشف الكثير عن نواياه. فمنذ إدارة أوباما، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها لا تريد الحفاظ على دورها البارز في الشرق الأوسط. ولكنها في الوقت نفسه لا تنظر بعين الرضا إلى الدور الصيني الأكبر، ولا تريد أن ترى مزاياها العديدة موضع تحدي.

إن هذا الغموض مربك ويضر بتبريرات تصرفات الولايات المتحدة في المنطقة. ففي سعيها إلى الحفاظ على تفوقها (وبالتالي تفوق حلفائها مثل إسرائيل)، جعلت الولايات المتحدة المنطقة أكثر تقلباً وأقل سلمية. وفي فرض أولوياتها الأمنية الخاصة، اصطدمت واشنطن بدول أخرى لديها أولويات أمنية خاصة بها. وفي معارضة صعود الصين، تخلت الولايات المتحدة عن تعاون قيم محتمل من شأنه أن ينزع فتيل العداوات الإقليمية.

لا شك أن تحركات الأميركيين محكوم عليهم بالفشل إن فعلوا ذلك، ومحكومة بالفشل إن لم يفعلوا. ذلك أن دعم حليف واحد، إسرائيل، قد يؤدي إلى عدم الاستقرار، في حين أن الفشل في دعم حليف آخر، المملكة العربية السعودية، قد يؤدي بنفس القدر إلى توليد عدم الاستقرار. والمشكلة هي أن الولايات المتحدة لا يبدو أنها تمتلك استراتيجية شاملة لتسوية هذه التناقضات. ويرجع هذا إلى حد كبير إلى حقيقة مفادها أن واشنطن تقاوم إعادة النظر في هيمنتها في الشرق الأوسط.

سوف يدرك الأمريكيون عاجلاً أم آجلاً أنه كما ساعد الانفراج مع الاتحاد السوفييتي قبل عقود من الزمان في تهدئة العداء العالمي، فإن بعض أشكال القبول بدور الصين سوف تكون ضرورية للقيام بنفس الشيء في المستقبل. وهذا صحيح بشكل خاص في الشرق الأوسط، حيث لا يهتم الصينيون، أكثر من الأميركيين، بالحروب الجديدة، وحيث تتمتع الدولتان بالقدرة على حل النزاعات من خلال العمل في انسجام.

*نشر أولاً في صحيفة “ذا ناشيونال”

*ترجمة وتحرير “يمن مونيتور“

 

يمن مونيتور29 أغسطس، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام العالم حذر من دونالد ترامب لكنه لا يعرف سوى القليل عن كامالا هاريس إيران تعلن موافقة الحوثيين على السماح لسفن إنقاذ بالوصول إلى الناقلة سونيون مقالات ذات صلة إيران تعلن موافقة الحوثيين على السماح لسفن إنقاذ بالوصول إلى الناقلة سونيون 29 أغسطس، 2024 العالم حذر من دونالد ترامب لكنه لا يعرف سوى القليل عن كامالا هاريس 29 أغسطس، 2024 نمو تحويلات الوافدين بالسعودية 21.5% 29 أغسطس، 2024 انفوجرافيك- كابوس المحويت… الكارثة الأعظم منذ سنوات 29 أغسطس، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق أخبار محلية ماذا وراء زيارة العليمي “التاريخية” إلى تعز؟ 28 أغسطس، 2024 الأخبار الرئيسية إيران تعلن موافقة الحوثيين على السماح لسفن إنقاذ بالوصول إلى الناقلة سونيون 29 أغسطس، 2024 كيف جعلت الولايات المتحدة الشرق الأوسط أكثر تقلباً؟ 29 أغسطس، 2024 العالم حذر من دونالد ترامب لكنه لا يعرف سوى القليل عن كامالا هاريس 29 أغسطس، 2024 نمو تحويلات الوافدين بالسعودية 21.5% 29 أغسطس، 2024 انفوجرافيك- كابوس المحويت… الكارثة الأعظم منذ سنوات 29 أغسطس، 2024 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك العالم حذر من دونالد ترامب لكنه لا يعرف سوى القليل عن كامالا هاريس 29 أغسطس، 2024 ماذا وراء زيارة العليمي “التاريخية” إلى تعز؟ 28 أغسطس، 2024 اللغز الاستراتيجي في تهامة 28 أغسطس، 2024 تعز .. قلب البلاد وشريانها !! 28 أغسطس، 2024 الحروب الثلاث والوعي البديل 28 أغسطس، 2024 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 19 ℃ 26º - 18º 62% 1.76 كيلومتر/ساعة 26℃ الخميس 27℃ الجمعة 25℃ السبت 25℃ الأحد 25℃ الأثنين تصفح إيضاً إيران تعلن موافقة الحوثيين على السماح لسفن إنقاذ بالوصول إلى الناقلة سونيون 29 أغسطس، 2024 كيف جعلت الولايات المتحدة الشرق الأوسط أكثر تقلباً؟ 29 أغسطس، 2024 الأقسام أخبار محلية 27٬673 غير مصنف 24٬179 الأخبار الرئيسية 14٬388 اخترنا لكم 6٬952 عربي ودولي 6٬754 غزة 6 رياضة 2٬280 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬213 كتابات خاصة 2٬053 منوعات 1٬970 مجتمع 1٬826 تراجم وتحليلات 1٬728 ترجمة خاصة 24 تحليل 5 تقارير 1٬578 آراء ومواقف 1٬494 صحافة 1٬472 ميديا 1٬372 حقوق وحريات 1٬296 فكر وثقافة 881 تفاعل 809 فنون 471 الأرصاد 288 بورتريه 63 صورة وخبر 35 كاريكاتير 32 حصري 21 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 4 يوليو، 2024 دراسة حديثة تحلل خمس وثائق أصدرها الحوثيون تعيد إحياء الإمامة وتغيّر الهوية اليمنية 26 فبراير، 2024 معهد أمريكي يقدم “حلا مناسباً” لإنهاء هجمات البحر الأحمر مع فشل الولايات المتحدة في وقف الحوثيين أخر التعليقات محمد عبدالله هزاع

يا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...

.

نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...

issam

عندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...

مروان عباس محمد فارع

المنتخب اليمني ............. لماذا لم يكن زي منتخب اليمن الف...

صالح البيضاني

سلام الله على حكم الامام رحم الله الامام يحيى ابن حميد الدين...

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: فی الشرق الأوسط عدم الاستقرار

إقرأ أيضاً:

البنتاجون: حاملة الطائرات «روزفلت» غادرت الشرق الأوسط

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بشكل رسمي مغادرة حاملة الطائرات "روزفلت" منطقة الشرق الأوسط.

وقال المتحدث باسم البنتاجون بات رايدر - في مؤتمر صحفي نقلته قناة (الحرة) الأمريكية - إن " حاملة الطائرات روزفلت غادرت الشرق الأوسط وتتجه الآن إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ"، موضحًا أن الولايات المتحدة تأخذ التهديدات الإيرانية بضرب إسرائيل على محمل الجد.

وتابع:" لقد أشارت إيران إلى أنها تريد الرد على إسرائيل لذلك سوف نستمر في التعامل مع هذا التهديد بجدية شديدة، وسوف نستمر في الحفاظ على وجود قوي في القيادة المركزية وفي مناطق العمليات التابعة للقيادة الأوروبية، ولن يتغير هذا وسوف نحافظ على قدراتنا وعلى زيادة القوات أو القدرات في أي مكان في العالم ونحن في حاجة إليها عند الضرورة".

اقرأ أيضاًأمريكا تهدد الشرق الأوسط بإرسال حاملة الطائرات إبراهام لينكولن والمجموعة المرافقة لها

حركة الحوثي تستهدف حاملة الطائرات الأمريكية آيزنهاور بصواريخ باليستية

مقالات مشابهة

  • تُعلن دبي أوبرا عن إطلاقها برنامج الفنون العالمية لموسم (2024-2025) المركز الثقافي الرائد في الشرق الأوسط
  • البنتاجون: حاملة الطائرات «روزفلت» غادرت الشرق الأوسط
  • استئناف عملية إنقاذ الناقلة سونيون المحفوفة بالمخاطر في البحر الأحمر هذا الأسبوع
  • التصريحات لا تنهى حربًا
  • وزارة الدفاع الأمريكية تعيد حاملة الطائرات "ثيودور روزفلت" إلى قاعدتها في الولايات المتحدة
  • أمانة جدة تنفّذ أكثر من 12 ألف جولة رقابية على المنشآت خلال شهر أغسطس
  • عمرو خليل: ترامب وهاريس حريصان على حماية مصالح أمريكا في المنطقة
  • قبل القرار المنتظر.. التضخم يتراجع في الولايات المتحدة
  • على طريق القرار المنتظر.. التضخم يتراجع في الولايات المتحدة
  • فتح باب الترشيحات لجوائز ستيفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام ٢٠٢٥