الفكر النقدي.. نحت الكيان وإغناء الذات
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
د. عزالدّين عناية
أخبار ذات صلة وثائقيات صُنعتْ في الإمارات «مدارس الحياة».. بيئة إبداعية تحفز على تبادل المعرفةلا تربط الفكر النقدي بالكائن البشري حاجة عابرة، وإنما هو عنصر أصيل من عناصر التفكير السويّ لديه. فلا ينحصر دور هذا الفكر في التنديد بما قد يتهدّد الرصيد القِيَمي والجمالي من تآكلٍ، أو بما قد يعتري حياة البشر من زيف جرّاء تغوّل الأيديولوجيا والديماغوجيا، وإنما تأتي الحاجة إلى الحضور المستدام للفكر النقدي لأجل تعزيز رصيد الناس المعرفي، والتوقّي من مخاطر فقدان الكينونة، وهو ما قد يحدث جراء الإيقاع بالناس من حيث لا يعلمون.
يتعزّز ذلك الحضور للنقد بغرض دفع الناس صوب المسلك القويم في تقييم الأشياء، وانتهاج سبيل الرشاد في تبنّي الخيارات الحرة. وبالتالي يبدو مفهوم الفكر النقدي، من هذا الجانب، مغرياً، وأداة فعالة بحوزة المرء لفرز الغثّ من السمين حين تختلط الثنايا، وتختلّ المقاييس. كون العملية النقدية تقف على نقيض الخيارات السلبية، وتؤسس لوجود متحرّر من شتى أوجه الاغتراب. لذا تلوح الفعلة النقدية، بصرف النظر عن دوافعها ونتائجها، مغامَرةً واعية وليست مقامَرة يائسة، تهدف لاستعادة الأصالة، وتأسيس الوجود الحق، والقطع مع السلبية.
أسئلة جوهرية
ومع هذه الحمولة الإيجابية التي ينطوي عليها الفكر النقدي، يظلّ في كثير من الأحيان مبهَماً، تغشاه ضبابية يعوزها التفصيل والتوضيح، وتفتقر إلى البيان والتبيين. ولو شئنا شرح تجليات الفكر النقدي في المعيش اليومي، وتقفّي آثاره المباشرة، لقلنا هو القدرة التي تتيح للمرء العيش في العالم وليس خارجه، والمشي معاً على قدميه وليس مكبّاً على وجهه. إذ يشكّل الفعل النقدي المتأتي من الوعي النقدي نحتاً للكيان، وإغناءً للذات قبل أن يكون تتبُّعاً لعورات الآخرين وترصُّداً لسقطاتهم أو تشهيرا بزلّاتهم. وبالتالي الفكر النقدي هو إدراكٌ واعٍ قائم على التحليل والتقييم لأيّ طرْح وأيّ عرْض، بغرض تبيّن حظوظ التلاؤم مع الواقعية. والأمر في هذا الجانب، يتعلق بآلة قياس تَقِي ضدّ الخديعة وسوء الفهم لذواتنا ولنظرائنا في العالم.
لكن ثمة أسئلة جوهرية على صلة بالموضوع على غرار علامَ يقوم الفكر النقدي؟ وما هي مقوّماته؟ وهل هو آلة متعددة الأوجه تناسب كل الوقائع والحالات بما يعني القدرة التي بوسعها التعامل والتكيف مع كل الظروف والأحوال؟
بادئ ذي بدء، نشير إلى أنّ اكتساب هذه المَلَكة يتضافر مع جملة من القدرات ينبغي بلوغها، على غرار التجرد في الحكم والنباهة. ومن ثَمَّ فإنّ الفكر النقدي هو أهلية يجري تطويرها على مراحل، وليس معطى مورَّثاً أو مكتَسباً في الحين، كما أنه ليس معتقداً أو خياراً يتبنّاه المرء ويركن إليه من دون مراجَعة أو إعادة نظر، كما قد يتصوّر بعضهم خطأ، وإنما هو سياق معرفي تصنعه عوامل تاريخية متداخلة وأوضاع اجتماعية حاضنة.
كان الفكر النقدي في مفهومه القديم مجرّد مجافاة للسائد المجتمعي والاعتقاد الجمعي، من قِبل أفراد أَبَوا الانخراط في الحشد ومجاراة المألوف. تلك العملية النقدية لم تغب في تاريخنا القديم عنّا، وقد ورد صداها عبر جملة من المواقف في التراث العربي القديم. ولكن تلك العملية النقدية ما كانت تتمّ في تصوّر الجاهليّ ضمن إطار نسقيٍّ جدليٍّ، وإنّما في ظلّ نفور عفويّ لا وعي معرفيّ. ولم يتطوّر الأمرُ إلى صياغة رؤى وجوديّةٍ سياقية قائمة على أسس مغايِرةٍ.
وبالتالي ما بلغنا من لوامع الوعي النقدي من الحقبة الجاهلية، قد دار حول رفض بعض الطقوس انطلاقاً من تخمينات ذاتيّة، ولم يتحوّل الأمر إلى تقليد رؤيويّ يطبع التصورات الجماعية. ومن ثَمَّ فالوعي النقدي ما كان مطلباً جماعياً، لِما يطبع حياة الحشد من ركون للسائد. ولو نظرنا إلى مستهلّ الحقبة الحديثة نرى أن الإنسانوية قد مثّلت فكراً ناقداً للسائد الكَنَسي، ولكن الإنسانوية التي أزهرت مع توماس مور، وإرازموس دي روتردام، وخوان لويس فيفاس، وجون كوليت لم تعمّر طويلاً لترثها رؤى أكثر نضجاً.
صوابية الفعل
وفي تاريخنا الحديث نعرف أن كانط في ثلاثيته، «نقد العقل الخالص» و«نقد العقل العملي» و«نقد ملكة الحكم»، قد أدرج النقد شرطاً ضمن سياق صوابية الفعل، بوصف النقد أحد دعامات فلسفة التنوير، غير أنّ النقد مع تطور القراءة الماركسية للرأسمالية، ونقد البنى الاجتماعية، والقوى المتحكمة بالأوضاع الاجتماعية، اتخذ طابعاً أيديولوجياً، وهو ما تطور لاحقاً بشكل موسع مع جورج لوكاش وأنطونيو غرامشي. فالفكر النقدي قد تتهدّده من داخله أعراض الانحراف التي تظهر في التأدلج والتحزب والتمذهب. مع هذا، فالخطّ النقدي، بصرف النظر عن حمولته الأيديولوجية أحيانا، يظلّ مسعى للكشف عن فحوى ما هو سائد وبيان ما يعتريه من نقص. وبشكل عام، وضمن فهمٍ سياقي للفكر النقدي، فهو عملية ذهنية تطورية تجري داخل صيرورة تاريخية وليس معطى ثابتاً.
وفي عصرنا الحالي المشبع بالتفرّع، تنوعت حقول النقد: النقد الأدبي، والنقد الفني، والنقد السينمائي وغيرها، وكأن هذه الحقول الرخوة بحاجة إلى صرامة لا يتكفّل بها سوى العقل الناقد، وذلك لفرز ما هو محض وخالص مما هو مزوَّر وشبيه ودخيل. ومن ضمن تلك الفروع النقدية نشير إلى النقد السياسي أيضاً. فإن يكن الهدف الرئيس للنقد السياسي التطلع إلى إيجاد مواطنين مسؤولين، وإشاعة ثقافة المسؤولية لا ثقافة الأداء، فإن العملية في جوهرها هي ممارسة مستقلة وراقية للقدرات العقلية.
ولكن ينبغي أن نعي أن صعود تلك المراقي النقدية لا ينبع من فراغ، بل يتأتى عبر سياق بحث، كما يقول جون ديوي في كتاب «كيف نفكر». لسبب واضح، أنّ الفكر هو بحث وحفر، وإحاطة واستقصاء، أو باختصار هو تساؤل، والفكر النقدي يعلّمنا كيف نكون عقلاء في زمن تدحرجت فيه حشود إلى ما دون سنّ الرشد.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: النقد الأيديولوجيا النقد الأدبي السينما
إقرأ أيضاً:
تضامن النواب تجدد الموافقة على مشروع قانون الدعم النقدي
كتب- نشأت علي:
جددت لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب، برئاسة الدكتور عبد الهادي القصبي، الموافقة النهائية على مشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي المقدم من الحكومة.
جاء ذلك خلال اجتماع اللجنة اليوم الأربعاء، تمهيدا لمناقشته في الجلسة العامة لمجلس النواب.
جاءت الموافقة فى ضوء المادة 179 من قانون اللائحة الداخلية بمجلس النواب والتى تنص على: تستأنف اللجان عند بدء كل دور انعقاد عادي بحث مشروعات القوانين الموجودة لديها من تلقاء ذاتها، وبلا حاجة إلى أي إجراء.
أما التقارير الخاصة بمشروعات القوانين واقتراحاتها التى بدأ المجلس النظر فيها في دور انعقاد سابق، فيستأنف نظرها بالحالة التى كانت عليها، ما لم يقرر المجلس إعادتها إلى اللجنة لإعداد تقرير جديد بشأنها.
وأكد الدكتور عبد الهادي القصبي، رئيس لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب، أن اللجنة سبق ووافقت على مشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي المحال من الحكومة في دور الانعقاد الماضي، ولكن لم يتثني للمجلس مناقشة التقرير الذي أعدته اللجنة بشأن مشروع القانون الجديد، مما تتطلب إعادة تجديد الموافقة
وأشار إلى أهمية إصدار قانون منظم للضمان الاجتماعي والفئات المستحقة له، مؤكدا أن مشروع القانون ينتظم في 4 مواد إصدار و43 مادة موضوعية بواقع 6 أبواب.
وأوضح رئيس لجنة التضامن الاجتماعي، أن مشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي، مر بجميع مراحل المناقشة التشريعية بداية من إحالته من الحكومة إلي البرلمان، وبدوره قام مجلس النواب بإحالته إلى مجلس الشيوخ والذي وافق عليه نهائيا بعد مناقشات مستفيضة.
ولفت رئيس لجنة التضامن الاجتماعي، إلى حرص الوزراء المعنيين، على حضور الاجتماعات التى عقدتها اللجنة لمناقشة مشروع قانون الضمان الاجتماعي، بهدف تحسين شبكة الأمان الاجتماعي.
وأكد الدكتور عبد الهادي القصبي، أن لجنة التضامن الاجتماعي أعدت تقريرها المقرر عرضه فى الجلسات العامة.
تضامن النواب مشروع قانون الدعم النقدي مجلس النواب الدكتور عبد الهادي القصبي
تابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة الإيجار القديم.. اتحاد المستأجرين: الملاك الجدد سبب المشكلات.. ونطالب أخبار أول طلب إحاطة لحجب التيك توك عن مصر بعد منعه بـ19 دولة أخبار برلمانية: إقرار مشروع قانون اللاجئين يتماشى مع الحقوق والالتزامات أخبار