وجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة للقيادات المسيحية قال فيها: "لأن الفتنة تغلي والشرور فوارة، ولأن حرمة هذا البلد من حرمة أهله وطوائفه وحماته ومشروع دولته وسلمه الأهلي، ولأن البلد مكشوف والأجهزة الدولية تمارس لعبتها الخبيثة وتوقد الإعلام الممسوك وتطبخ الدم والخراب والقطيعة وتدفع نحو انفجار وطني كارثي".

    وأضاف: "ولأن بعض المنصات السياسية تمارس وظيفة الفتنة والإصطفاف خلافاً للقيم الأخلاقية والإنسانية وللمصالح الوطنية، من هنا أخاطب القيادات المسيحية الوطنية والروحية بأنّ هناك من يدفع البلد نحو فتنة مجنونة ويعمل ضد المصالح المسيحية الإسلامية ويريد حرق البلد بمن فيه، ولا يهمه كنيسة أو مسجد، ولا يعتقد بالمسيح ولا بمحمد، ولا وظيفة له إلا الفتنة والدم والقطيعة والمتاريس والخراب، ولأن تاريخ المقاومة أمن وأمان وحماية سيادة وكيان بعيداً من الداخل اللبناني والمصالح الطائفية، ولأن المقاومة بخطوط إمدادها، ولأن أحمد قصاص واحد من سلسلة الأخوة الذين حموا الكنيسة وفدوها بالنفس والروح والجراح وكانت عينه على فادي بجاني، ودمُه درعه وقلبُه سياجه، والمصاب مصاب وطن والقربان ما كان قلباً لهذا البلد الذي تتشارك عليه خناجر العسس وأبواق الفتن".     وتابع: "ولأن كمائن المعلومة نشطة للغاية، ولأن عرابي الفتن يلعبون على المكشوف، ولأن بعض الإعلام جاهز وموظف بدقة، ولأن الجهات الدولية الإقليمية تستثمر بالنار الطائفية، وتعتقد أن الخلاص من لبنان يكمن بخرابه وإشغال مكوّناته بحرب أهلية طويلة، ولذلك وحدتنا بالله والوطن ضرورة، ومنع الفتنة أعظم، وسلمنا الأهلي أوجب الواجبات، وحماية المسيحيين تبدأ بحماية المسلمين والعكس صحيح".

ورأى ان "لبنان بلا مقاومة خراب وفتن ومستنقع مقابر واحتلال، وتاريخ لبنان الماضي دليل مطلق على ذلك، والمقاومة ضمانة وطن لا ضمانة طائفة، والنيل منها نيل من صميم سيادة لبنان، ولا عدو للمقاومة إلا إسرائيل، ولا وظيفة لها إلا حماية الكيان، وأكبر وصايا المسيح الحق والإنصاف والشراكة والمحبة ومنع الفتنة والخراب، والفشل الوطني كارثي، والإنقسام الطائفي زيت على نار، وترك أبواق الفتنة حرق للبنان وتتويج للغرائز". 

وأردف: "ولأن مواقد الفتنة السياسية تغلي فلا نتكفّل بتحقيق أمنيات أعداء هذا البلد ولا نخوض بحرقه وخرابه لأن ما يجري من سنوات ليس صدفة، والأجهزة الدولية لها بكل منطقة كوع وبوع، وما نريده حماية شراكتنا ووحدتنا الوطنية وأمن بلدنا وناسنا ومنع فتنة الأوكار وإعلام السفارات وضغائن مرتزقة الدم وباعة الوطن"،  لافتا الى ان "هذا يحتاج جهداً كبيراً من القيادات المسيحية والإسلامية، ولا يفصلنا عن خراب لبنان إلا السكوت عن الفتنة وأبواقها. وأساس الأساس وأقدس الأقداس حماية لبنان ومنع فتنة دماء الإخوة، لأن ما يجري له ارتباط مباشر بالمشروع الأميركي الذي يريد تدمير لبنان وتأمين مصالح تل أبيب عن طريق الفتنة، ومن هنا تكريس الخيار الوطني والتلاقي العابر للطوائف الآن ضرورة مطلقة لحماية البلد من الإنزلاق، والقيادات المسيحية والإسلامية معنية بذلك وطنياً وأخلاقياً ودينياً وإنسانياً، والسكوت باللحظة المصيرية حرام".

 

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

فارس الخوري.. المسيحي خطيب الأموي ووزير الأوقاف الإسلامية

الله أكبر فالظُلام قد علموا

لأيِّ منقلب يهوي الألى ظلَمُوا

لقد هوى اليوم صرح الظلم

وانتفضت أركانه وتولّت أهلَه النّقمُ

هكذا هجا الشاب المتحمس فارس الخوري السلطان عبد الحميد بقصيدة قاسية عقب نجاح جمعية الاتحاد والترقي في عزله.

غير أنه سرعان ما اكتشف أنه كان ثمرة خديعة كبيرة من هذه الجمعية فانسحب منها بعد انتسابه إليها ظنا منه أنها ميدان نصرة الحق وبقي يحمل في نفسه الندم على مناصرتها ضد السلطان عبد الحميد؛ إذ كتب في آخر حياته:

"لم أندم في حياتي على شيء قدر ندمي على القصيدة التي نظمتها وهجوت فيها السلطان عبد الحميد، وتأكد لي فيما بعد بما لا يقبل الجدل أن هذا الخليفة المسلم راح ضحية ثأر اليهود، فشرعت منظماتهم للعمل مع الدول الاستعمارية على مناوأته شخصيا وعلى كيان الدولة العثمانية".

كان الخوري في غمرة الشباب والحماسة والاندفاع فظن أنه بمعارضته السلطان عبد الحميد يناصر الحق فقد كان همه تحسين مستوى التعليم والبريد والبرق، ورفض الرقابة الأمنية فقد اشتهر بمعارضته لمسألة فتح المكاتيب ومراقبتها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2سفيرة الأناقة والتراث.. الدار العراقية للأزياء رحلة عبر التاريخ وهوية وطنlist 2 of 2"تحيا فلسطين" نصف قرن من نشيد مناهضة الحرب بالسويدend of list

وبعد انسحاب الخوري من جمعية الاتحاد والترقي عام 1912م؛ دخل في مواجهتها مرشحا لـ"مجلس المبعوثان العثماني" (البرلمان العثماني) وفاز بأغلبية كبيرة رغم محاربة الاتحاديين الشرسة له.

خطيبا على منبر الأموي

عندما احتلت فرنسا سوريا حاولت استمالة المسيحيين فأبلغ الجنرال غورو فارس الخوري بأن فرنسا جاءت إلى سوريا لحماية مسيحيي الشرق، فقصد الخوري الجامع الأموي يوم الجمعة وصعد المنبر وقال مخاطبا المصلين:

"إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سوريا لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي أطلب الحماية من شعبي السوري، وأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله".

فأقبل عليه المصلون وحملوه على الأكتاف وخرجوا به في مظاهرة تطوف أحياء دمشق وخرج المسيحيون من أهل دمشق يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون "لا إله إلا الله".

إعلان مسيحي وزيرا للأوقاف الإسلامية

سنة 1944م، غدا فارس الخوري رئيسا للوزراء في سوريا فاحتفظ لنفسه بوزارة الأوقاف، فكان عامة العلماء والدعاة حينها في سعادة بالغة لهذا القرار، غير أن البعض حاول الاعتراض في البرلمان غامزا من قناة الخوري كونه مسيحي، فتصدى لهم نائب الكتلة الإسلامية في المجلس آنذاك الشيخ الدمشقي عبد الحميد طباع قائلا:

"إننا نؤمن فارس بك الخوري على أوقافنا أكثر مما نؤمن أنفسنا".

جلسة الاستقلال وموقف لا ينساه الزمن

في الأمم المتحدة التي ساهم الخوري بوضع نظامها وبروتوكولاتها، وكان يمثل سوريا فيها؛ طلبت سوريا اجتماعا للمطالبة برفع الانتداب الفرنسي عن أراضيها.

دخل الخوري بطربوشه الأحمر وبذلته البيضاء قبل بدء موعد الاجتماع متوجها بسرعة إلى مقعد المندوب الفرنسي وجلس على الكرسي المخصص لفرنسا.

لم يستطع السفراء المتوافدون على القاعة إخفاء دهشتهم من جلوس فارس الخوري المعروف لديهم جميعا باتزانه وزعامته في مقعد المندوب الفرنسي بينما مقعد سوريا موجود!

عندما دخل المندوب الفرنسي ووجد الخوري يحتل مقعد فرنسا توجه إليه طالبا منه المغادرة كون المقعد مخصص لفرنسا مشيرا بأصبعه إلى علم فرنسا الموجود أمامه، ومشيرا إلى مقعد سوريا الفارغ.

فارس الخوري: لم أندم في حياتي على شيء قدر ندمي على القصيدة التي هجوت فيها السلطان عبد الحميد (الجزيرة)

لم يتحرك فارس الخوري ولم يبد اكتراثا بل أخرج ساعته ووضعها أمامه وبدأ ينظر إليها والمندوب الفرنسي يحاول تمالك أعصابه وهو يطالب الخوري بترك مقعده.

ولكن فارس الخوري مستمر بالنظر في ساعته وهو يقول بصوت مرتفع يسمعه الجميع: 10 دقائق، 11، 12 دقيقة.

فقد المندوب الفرنسي أعصابه فبدأ بالصراخ في وجه فارس الخوري مطالبا بترك مقعد فرنسا وسط ذهول جميع المندوبين ومراقبتهم.

وفارس الخوري مستمر بعدم الاكتراث والتحديق في ساعته، مرددا بصوت عال: 19 دقيقة، 20؛ فهاج المندوب الفرنسي وحاول التهجم على فارس الخوري فحال بينه وبين مراده سفراء الدول ناظرين باستغراب إلى الخوري.

إعلان

تماما عند انتهاء الدقيقة الـ25 وضع فارس الخوري ساعته في جيبه ووقف مخاطبا المندوب الفرنسي بصوت يسمعه كل من في القاعة:

"سعادة السفير: جلست على مقعدك 25 دقيقة فكدت تقتلني غضبا وحنقا، وقد احتملت سوريا سفالة جنودكم 25 سنة، وقد آن لها أن تستقل".

وفعلا في هذه الجلسة نالت سوريا استقلالها.

صوت فلسطين

سنة 1947م أصبح فارس الخوري رئيسا لمجلس الأمن، وهذه السنة كانت ساخنة جدا فيما يتعلق بإرهاصات احتلال الصهاينة لفلسطين.

وكان الخوري في كل الجلسات رافضا لقرار التقسيم وكل القرارات المنبثقة عنه، وكذلك رافضا لكل اقتراحات الهدنة لأنها تأتي خدمة للصهاينة.

وكانت كلمته المشهورة التي يكررها دوما:

"قضية فلسطين لن تحل في أروقة مجلس الأمن، لكنها ستحل على ثرى فلسطين".

في الأمم المتحدة، دخل فارس الخوري إلى مقعد المندوب الفرنسي وجلس عليه قبل بدء الجلسة (مواقع التواصل) ما سبب خيبته واعتزاله؟

كان الخوري يظن أن القيادة المصرية التي عرفت دوره وتفانيه في الدفاع عن قضايا مصر في المحافل الدولية ستقدره وتحفظ له تلك المواقف.

لهذا سارع إلى مصر متوسطا عند جمال عبد الناصر لعدم تنفيذ حكم الإعدام بـ6 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين عقب حادثة المنشية الشهيرة، وقد كان يخاطب عبد الناصر بكل رجاء ويبين استعداده للتذلل التام لإنقاذ هؤلاء الأبرياء من حبل المشنقة.

كان رد عبد الناصر مخيبا للغاية، وأصيب فارس الخوري بعد إعدام قادة الإخوان المسلمين بحالة من الاكتئاب والإحباط فاعتزل في بيته ولم يعد يشارك في أي عمل سياسي ولم يبد رأيا في قيام الوحدة مع مصر ولا في الانفصال.

هل مات مسلما؟

عام 1960م أصيب فارس الخوري بكسر في عنق الفخذ وهو في غرفة نومه فلزم الفراش حتى وفاته في الثاني من يناير/كانون الثاني عام 1962م.

يقول الشيخ علي الطنطاوي في ذكرياته عن مرض فارس الخوري ووفاته:

"لما مرض وطال مرضه رأيناه كلما عاده أحد من المسلمين حدثه عن الإسلام، وكان يكثر أن يطلب من شيخنا الشيخ محمد بهجة البيطار ومن غيره أن يقرأ عليه القرآن، وأوصى -ونفذت وصيته- أن يتلى القرآن في مجلس التعزية به إذا مات.

فكنت أحار في تفسير هذا كله، حتى نشر الأستاذ محمد الفرحاني كتابه عنه وقد كان ملازما له في مرضه لا يفارقه أبدا فإذا هو يؤكد أنه مات على دين الإسلام، فرحمه الله ورحم الفرحاني الذي فرّحنا بهذا النبأ".

مقالات مشابهة

  • فارس الخوري.. المسيحي خطيب الأموي ووزير الأوقاف الإسلامية
  • رسالة ناج من تيتانيك تباع بسعر خيالي.. هذا ما وجد فيها
  • كولر يوجه رسالة للأهلي بعد تكريمه وجهازه المعاون.. ماذا قال؟
  • نجيب ساويرس يوجه رسالة إلى حماس.. اعرف ماذا قال
  • في هذه المنطقة.. توقيف مطلوب يُحطّم زجاج السيّارات ويسرق ما بداخلها
  • النيابة الإدارية تشارك في المؤتمر السنوي الثاني لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية
  • النيابة الإدارية تشارك في المؤتمر السنوي الثاني لجهاز حماية المنافسة
  • قبلان: عندما تعجز الدولة عن حماية شعبها لا بد من البحث عن وسيلة للحماية
  • قبلان: لبنان بلا جيش ومقاومة ليس أكثر من فريسة دولية إقليمية
  • المفتي طالب: للعمل الجماعي من أجل فكّ الحصار عن لبنان