قاصرون بالمغرب يُلقون أنفسهم في البحر أملا بغد أفضل.. عربي21 ترصد صفحات تحرّض على الهجرة (شاهد)
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
"حيث مافحالناش، مغانركبوش فالبابور، خرجنا بالليل، من مرسى الناظور.." بكلمات هذه الأغنية، الحاملة في معانيها كافّة الأسى، لواقع بات يدقّ ناقوس الخطر؛ تنشر عدّة صفحات على موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام"، في المغرب، جُملة مقاطع، توثّق لما تصفها بـ"مغامرة الحياة الأفضل، للهجرة سباحة"؛ فيما تُظهر من استطاع العبور نحو الضفّة الأخرى، بمظهر "البطل الذي يجب الاحتذاء به".
الكلمات التي تعني: "لأنّنا فقراء، لن نستطيع ركوب القوارب، خرجنا ليلا وعبرنا سباحة.."، باتت خلفية، لمقاطع تحمل تفاصيل "رحلة خطرة" لقاصرين مغاربة، اختاروا عبور شاطئ مدينة الفنيدق (شمال المغرب)، للوصول غير المضمون إلى سبتة، وهي مدينة مغربية خاضعة للحكم الاسباني.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Kamel H'r (@haraga_tn_official) عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Yahya Yahya (@piloto._.yahya) عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Yahya Yahya (@piloto._.yahya)
رصدت "عربي21" عدّة صفحات تحظى بتفاعل مُتسارع، تُحرّض بالصوت والصورة، على هجرة القاصرين، نحو الضفّة الأخرى، من خلال بثّ مقاطع تُشجّعهم على تعلّم السباحة، وتشير لهم إلى أن مسافة 6 كلم، الفاصلة بين الضفّتين، من السّهل عبورها؛ مُتغافلين كون المسافة نفسها، باتت تُعدّ "مقبرة الشّباب" بحسب وصف أهالي المنطقة أنفسهم.
"السمّ بالعسل"
تشير المقاطع التي تشهد تداولا وسط القاصرين، وتمزج "السّم بالعسل" وفقّ عدد من المعلّقين عليها، إلى أن "بلوغ سن الرشد في سياق الهجرة السرية، يعقّد الوضع الاجتماعي للشّباب؛ وأن القانون يعامل القاصرين بتسامُح نسبي، حيث يتم إدماجهم في مؤسسات الرعاية الاجتماعية وتقديم الحماية لهم".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Azzeddine Elmenchoud (@maghrebi_.news) عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Lmafrwaaa7???????????? (@mfarwaaaaaaaaa_7) عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة ❤️????الغربة ????❤️ (@europa_90)
وتتحدّث المقاطع نفسها، على أن: "سن الثامنة عشر، يُشبه العدّ العكسي لهروب الشباب من واقعهم؛ والنهاية لأحلامهم بالهروب إلى: الفردوس المفقود"، ما يدفعهم لرمي أجسامهم الصغيرة في البحر، في رحلة غالبا ما تنتهي بالموت، أو مُطاردة مع الأمن، والعودة مرّة أخرى للمغرب، بحُلم محطّم وآمال خائبة.
وعاشت المنطقة، ليلة الأحد 25 آب/ أغسطس، على إيقاع مُطاردات بين قوات الأمن بمدينة الفنيدق، ومئات الشباب (مغاربة وجنسيات أخرى أتت للمغرب بحثا عن فرصة للهجرة السرّية)، حيث أحبطت مُحاولاتهم للهجرة السرية، سباحة؛ فيما كانوا يُحاولون استغلال كثافة الضّباب وتوافد الزوار الذي تشهده المدينة، لمباغتة القوات المكلفة بحراسة الشواطئ والارتماء في البحر.
وبحسب معلومات توصّلت بها "عربي21" تم ضبط أكثر من 700 مرشح للهجرة السرية، فيما تم نقل القاصرين منهم نحو مركز الرعاية الاجتماعية، المتواجد في مدينة مرتيل، ناهيك عن تفعيل المتابعة القضائية بحق الراشدين، خاصّة الذين ثبتت في حقهم حالة "العود" (تكرار المُحاولة).
كذلك، على خلفية التنسيق الثنائي بين السلطات المغربية ونظيرتها الإسبانية، عملت الأخيرة، على إرجاع كافّة الواصلين إليها، سباحة، بشكل فوري. وهو الأمر الذي بات يثير نقاشا مُتسارعا، خاصة بين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، ليعود السؤال إلى الواجهة: من المُستفيد من تشجيع القاصرين للارتماء في البحر غير آبهين بكمّية المخاطر التي قد يُواجهوها، في حالة العبور أحياء؟
حين يتحوّل الحلم لكابوس
تابعت "عربي21" عدّة صفحات على موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام"، حيث كان جُل مُتابعيها، من القاصرين، ممّن أُشبعوا بأفكار "حلم الهجرة"، وكانت جُل التعليقات على مقاطع توثّق رحلة الهجرة السّرية، سباحة، لعدد من الشباب، كالتالي: "أنتم اللاّحقون ونحن السّابقون" و"غامر أو غادر" أو "الحلم الذي لا يتحقّق يُصبح كابوسا".. وغيرها من الجُمل التي تكشف عن "ظاهرة" باتت تقضّ مضاجع الأهالي، خاصة في فصل الصّيف.
كذلك، تُشير عدد من التعليقات، إلى ما يصفونها بـ"وضعية مريرة في حياتهم، المُحاصرة بالتهميش والبطالة"؛ وبينما يشير بعض المُتفاعلين مع المقاطع التي أثارت علامة استفهام كُبرى، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى "الواقع الاجتماعي والاقتصادي الصّعب في مناطق الشمال المغربي"، يُطالب آخرين بـ"تمكينهم من تحقيق طموحاتهم دون الحاجة إلى المخاطرة بحياتهم في رحلة خطيرة".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة ???????????????????????? ???????????????????? ???????? (@haraga_ceutaa)
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة ???????????????????????? ???????????????????? ???????? (@haraga_ceutaa)
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة houda tv (@houda._tv)
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال خالد مونة، وهو أستاذ الأنثروبولوجيا المتخصص في شؤون الهجرة، إنّه: "من السّهل خلق رابط بين بعض الفيديوهات لأشخاص معيّنين هاجروا نحو الضفة الأخرى، وما حدث مؤخّراً من طرف فئة عريضة من المراهقين".
"ما حدث هو نتيجة بالأساس للفشل الذريع للسّياسات العمومية، والمؤسسات الحكومية، خصوصا المدرسة" أوضح مونة، مشيرا إلى أن "الأحداث الأخيرة ليست نتيجة لفديوهات تحريضية، والتي لعبت دور القشّة التي قسمت ظهر البعير. مراهقون يسبحون تجاه سبتة هو تعبير عن انعدام الثّقة في مغرب اليوم ومغرب الغد، من طرف مراهقين وشباب من المفروض أن يلتحقوا بأقسام الدراسة قريبا".
وأردف المتخصص في شؤون الهجرة، في حديثه لـ"عربي21": "أنا لا أقول بأن الصفحات التي تنشر الفيديوهات بريئة، بل إنّها فقط الشّجرة التي تخفي الغابة"، مطالبا في الوقت نفسه بـ"تدخّل الدولة على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة يا مع مـستـقبل بلا وليــدين يا مع لوليـدين بـلا مستقبــل ???????? (@cheairi_ghorba_34) عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Nizar Bouchfra (@bouchfra__rourba)
بدوره، قال سمير الباز، وهو صحفي مغربي مُتابع للشأن المحلّي، إن "المغرب اليوم يمر بمرحلة دقيقة حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية مع تحديات اجتماعية وسياسية معقدة، إذ يعاني العديد من الشباب المغربي من قلّة فرص العمل وارتفاع تكاليف المعيشة، مما يدفعهم إلى البحث عن آفاق أوسع خارج الحدود".
وأوضح الباز، في حديثه لـ"عربي21" أن "الهجرة نحو سبتة ليست فقط هروبًا من الفقر، بل هي تعبير عن فقدان الأمل في تحقيق حياة كريمة داخل الوطن، ومع تزايد الفجوة بين الفئات المحتكرة للسلطة والمال، وباقي الفئات حتى المتوسطة التي كانت تحدث توازن، تعمّق الشعور بالإحباط، وطغى اليأس حتى أصبحت أطر البلاد تهاجر لدول مثل كندا وألمانيا".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة elgaout (@abdo__elgaout)
"أما سياسيًا، فإن غياب سياسات حكومية فعالة لمعالجة هذه القضايا يجعل الشباب يشعرون بالتهميش في ظل برامج لا ترقى لأن تصنع ببرامج تشغيل مثل أوراش وفرصة وغيرها" يردف المتحدث نفسه، مطالبا بـ"تغيير جذري في كيفية التعامل مع هذه التحدّيات، وخلق فرص عمل حقيقية وإصلاح حقيقي للتعليم والتكوين المهني".
الحواجز.. هل تحدّ من الهجرة السرّية؟
عقب ما شهدته مدينة الفنيدق، قبل أيام، من إقبال مئات الشباب نحو الهجرة السرّية، عبر السّباحة، عملت سلطات المنطقة على وضع حواجز حديدية، وتوزيع عدد مُتزايد من العناصر الأمنية على طول الشاطئ، لمنع استمرار محاولات الهجرة السرية، أو إعلام البحرية الملكية المغربية في حالة وقوع أيّ اختراقات.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة ???????????????????????? ???????????????????? ???????? (@haraga_ceutaa)
إلى ذلك، استنكرت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان (غير حكومية)، ما وصفته بـ"الصمت الحكومي" إثر الوضع الذي عاشته المنطقة، وبثّ الخوف في قلوب الأمّهات؛ معتبرة أن "الأوضاع التي يعيشها الشباب المغربي هي التي دفعت به إلى محاولة الهجرة نحو الضفة الأخرى".
وأوضحت الرابطة المغربية، عبر بيان لها، وصل "عربي21" نسخة منها: "اليأس وانسداد الأفق للشباب المغاربة أمام السياسة الحكومية التي تكرس الفقر والتهميش والفوارق الاجتماعية وغياب برامج الإدماج والتأهيل والمواكبة للشباب من أبناء الأسر الفقيرة".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Hamza Jaouad (@hamza_jaouad7)
"تابعت محاولة مئات الشباب المغاربة ومن جنسيات أخرى، الهجرة سباحة من الفنيدق إلى مدينة سبتة المحتلة، حيث تم ضبط أزيد من 700 مرشح للهجرة السرية، من بينهم عدد مهم من القاصرين" يضيف البيان نفسه.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الرابطة، عن رفضها "كافة أشكال التنسيق الثنائي بين السلطات المغربية ونظيرتها الاسبانية من أجل الإرجاع الفوري لجميع المرشحين الذين تمكنوا من الوصول إلى سبتة"، أدانت "تفعيل المتابعة القضائية في حق الشباب نظرا لظروفهم الصعبة.. بالأخص من فئة الأسر الفقيرة، مع تزايد انتشار المخدرات وغياب برامج حقيقية وواقعية خاصة بهم"، وفق البيان.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة AYOUB BDS (@ayoub_nouryn) عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Adnan Smaha (@adnan_essamaha)
من جهته، أصدر مرصد الشّمال لحقوق الإنسان، أرقاما، تشير إلى ارتفاع محاولات الهجرة بالسواحل الغربية للمغرب بـ 300 في المئة، خلال شهري آيار/ ماي وحزيران/ يونيو 2024. وذلك في ظل غياب معطيات رسمية.
وقال المرصد، عبر بيان، وصل "عربي21" نسخة منه: "تميزت الفترة المذكورة بنجاح ما بين 1200 و1300 مهاجر غير نظامي، جلّهم شباب من الفئة العمرية 15 و 24 سنة، من الوصول إلى سبتة المحتلة، أغلبهم مغاربة، 90 في المئة عبر الحدود البحرية مع الفنيدق، 5 في المئة منهم عبر حدود المدينة البحرية مع بليونش و 5 في المئة، عبر السياج الحدودي".
وأكّد المصدر نفسه، "استمرار تفضيل أغلب المهاجرين غير نظاميين، من ضمنهم قاصرين غير مصحوبين، الوصول إلى مدينة سبتة سباحة. مع تحول نوعي من الهجرة سباحة بشكل فردي إلى الشكل الجماعي عبر استغلال نزول الضباب الذي يعوق المراقبة الأمنية عبر الحدود البحرية".
"بمعدل سباحة تصل إلى أزيد من 10 كلمترات، تستغرق ما بين 10 إلى 15 ساعات بين المقطع البحري الفنيدق – سبتة، أو بليونش- سبتة الذي يستغرق ساعتين كمعدل ويعرف تيارات بحرية، وتزداد خطورة، هذا المقطع، بسبب الصخور التي توجد على شواطئه" يردف مرصد الشّمال لحقوق الإنسان.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية المغرب الهجرة اسبانيا المغرب حقوق الإنسان الهجرة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشارکة منشور بواسطة الهجرة الس فی البحر فی المئة ة الأخرى من الم ة التی
إقرأ أيضاً:
متى سيهزم الليبراليون العرب أنفسهم ؟
يبدو أن عامًا كاملًا من الإبادة الجماعية فـي غزة وعقودا سبقتها من العنف الممنهج ليست كافـية للمثقف الليبرالي العربي حتى يراجع موقفه من دولة الاحتلال. اعتدنا على تنويعات الاتهامات التي يسوّغون بها أفعال المحتل، من قبيل مراجعة التاريخ، وترويج سرديات مثل بيع الأرض أو استعادة الحق فـي الحصول عليها بعد أن طرد منها أصحاب الحق بها. وفـي أكثر سردياتهم نشازًا وإثارةً للشفقة عليهم، حديثهم عن مشروع إسرائيل للسلام فـي المنطقة. قد نظن أن ما يحدث الآن قد جعل موقف هذا المثقف أكثر صعوبة، خصوصا بعد أن بدا الغرب الذي يعبده هذا المثقف أكثر تعقيدًا مما يظن حول الموقف مما يحدث فـي فلسطين، وتصبح تبعية الغرب فـي هذه الحالة مهددة، وهي شرط وجودي أساسي فـي علاقته بذاته، يستمد من هذا الشرط استحقاقه، وعلامات امتثاله للواقع والقوة والنور بدلًا من البربرية التي نشأ فـيها. لكنني لم أتوقع أن ألاحظ أن نمطًا ما يستحوذ على تفكير المثقف الليبرالي العربي ساهمت فـيه الأنظمة العربية بقمعها واستبدادها غير المحدودين، وبهذا حتى هذا المثقف هو -وإن بطريقة يؤسفني الاعتراف بها- ضحية الفضاء العام الذي نشأ فـيه. صادفتُ إجازة الأسبوع الماضي، فتيات يقدمن أنفسهن على أنهن متحررات ومثقفات. كنتُ أشرت لأمر يتعلق بالمقاطعة، لأفاجأ بموجة غضب وانفعال منهن، وصدمة من موقفـي أنا التي كنّ يعولن عليه الكثير، بصراحة كان الموقف صعبًا بالنسبة لي، وكان صادمًا، لم أتخيل أن يحدث هذا فـي مسقط، الآن فـي هذا التوقيت، مع فتيات عربيات يعشن معنا ما يحدث لحظة بلحظة. حاولتُ تمالك نفسي، وبدأتُ بمحاولة أن أفهم ما الذي يدفع أحدًا للإيمان بأن إسرائيل بريئة، أبحث عن شيء آخر غير المسوغات التي حفظناها ظهرًا عن غيب منذ نكسة 1967 مرورًا بالثورة الإسلامية فـي المنطقة وصولًا للربيع العربي. طبعًا سردن لي، حكايات دعوات إسرائيل للسلام، وعن من بدأ هذه الحرب فـي السابع من أكتوبر وقد كان هذا متوقعًا، ما لاحظته باهتمام هذه المرة هو استخدام حجة: الشك فـي القصة السائدة. لقد ساهمت الأنظمة العربية لعقود بطمس التاريخ المعاصر، وترويج سردية واحدة على حساب ما حدث بالفعل، إذ لم تكتف هذه الأنظمة بفرض السردية التي تلائمها فحسب بل محت وهددت أي بعث لأي قصة مختلفة، وأنا لا أتحدث هنا عن السردية الفلسطينية، لا بل أي شيء يتعلق بتاريخ أي دولة من هذه الدول وما مرت به. لقد رأينا هذه الممارسة حتى وقت قريب عندما اتخذت بعض الدول العربية قرار حذف أي إشارة للإسلاميين أو المبادئ الإسلامية من المنهاج المدرسي، ووضع مكانه نسخة وطنية تعزز القومية، وتنبذ هذا المكون المهم من هويتنا وثقافتنا، ظنًا من هذه الدولة أنها بهذا تحمي مستقبلها الذي يتوافق ومبادئ واستراتيجيات حكامها. ما لا تعرفه هذه السلطة، أن القصص المنبوذة، التابوهات، أو المسكوت عنها، المحرمات، تصبح مثيرة للفضول، فـي كونها مقصية بسبب تضادها المشروط مع السلطة، الأمر الذي يجعلها جذابة، ومثيرة للاهتمام والبحث والتقصي. وبما أن هنالك اتفاقا على أن التاريخ يكتبه المنتصر، يصبح تبني السرديات الهامشية، نوعًا من هزيمة السلطة، كما يصبح تهميش أي سردية، مانحًا الشرعية المطلقة تلك السردية بغض النظر عن حقيقتها! ألا يبدو الأمر مروعًا؟ وبهذا فإن نشأتهن فـي العالم العربي والإسلامي الذي يؤمن بحق الفلسطينيين فـي أرضهم ينطبق عليه ما ينطبق على ما قالته السلطة عن تاريخ بلدانها. تفاجأتُ عندما امتد الحديث لأعرف أنهن زرن إسرائيل، لستُ بصدد السؤال عن القوانين التي تحول من دون ذلك، وكيف يمكن لمن زار إسرائيل أن يكون بيننا هنا، ما يهمني الآن ما رأينه فـي تلك الزيارة من اختلاف كبير بين الواقع الذي يعشنه وبين ما يحدث هناك، بين استقبال الإسرائيليين لهن كعربيات وبين ما يروج عن كراهية وعداء الصهاينة للعرب واحتقارهم لهم، على العكس من ذلك وجدنّ بلدًا مسالما، بتعليم ممتاز، وتطوير لا تحظى به الدول العربية، وثقافة واسعة، وتجارة مزدهرة والأهم من ذلك قوة كبيرة. لاحظوا أن كل ما بدأن بسرده معتاد عليه من المثقف الليبرالي العربي مجددًا، لكن أريد أن ألفت انتباهكم بشكل خاص، لتقديس مبدأ القوة، الأمر الذي يخبرنا عن مبادئ الليبرالية، وما تحلم به لعالمنا هذا. من يمتلك القوة يحق له الوجود، وهو المبدأ الذي يجب أن نحتكم إليه، أما الأخلاق والجماليات والواجب فهذه أشياء لا يشار لها على الإطلاق. |