أبوظبي - سكاي نيوز عربية

زادت السيول والفيضانات المدمرة التي اجتاحت أكثر من 100 مدينة وقرية في عدد من مناطق السودان مؤخرا، المخاوف من ارتفاع عدد المهددين بالجوع إلى 40 مليون من سكان البلاد البالغ تعدادهم 48 مليون نسمة.

منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل أكثر من 16 شهرا، ظل العالقون في مناطق القتال الذي شمل 13 من ولايات البلاد الثمانية عشر، يعتمدون على مساعدات متقطعة وقليلة من الجمعيات والهيئات الطوعية في تدبير معيشتهم اليومية، في حين كان سكان الولايات الخمس الآمنة نسبيا يعتمدون على أنفسهم لإعاشة أسرهم ومد يد العون لأكثر من 10 ملايين نازح لجأوا إليهم من مناطق القتال، لكن السيول والفيضانات التي اجتاحت مؤخرا 4 من الولايات الخمس البعيدة عن الحرب دمرت معظم المساحات الزراعية والمخزون الغذائي وجعلت السكان المحليين عاجزين حتى عن إطعام أسرهم.



وتواجه معظم مناطق السودان ندرة كبيرة في العديد من السلع العذائية الأساسية، وارتفاع كبير في الأسعار مما قلص من القدرة الشرائية للسكان الذين فقد أكثر من 60 في المئة منهم مصدر دخله بسبب الحرب.
وفي الأسبوع الماضي أظهرت إحصاءات حكومية رسمية ارتفاع معدل التضخم إلى 194 في المئة في يوليو، لكن مصادر مستقلة تقول إن معدلات التضخم تفوق 400 في المئة.

بدائل محدودة

يعتمد معظم النازحين في المناطق الداخلية والمقدر عددهم بنحو 10 ملايين على مساعدات الأقارب والمنظمات والهيئات الطوعية في تدبير معيشتهم اليومية، في حين يحاول القليل منهم إيجاد مصدر دخل بائس في مناطق النزوح.

لكن خالد علي المتخصص في التنمية الاجتماعية يقول لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الأعمال والأنشطة المتوفرة في مناطق النزوح نادرة ولا يوفر في الغالب سوى أقل من نصف الاحتياجات الغذائية اليومية.

ويشير علي إلى أن الكثير من السودانيين لجأوا إلى تقليص وجباتهم اليومية عددا ونوعا أو اللجوء إلى بدائل غذائية "بائسة".

ويكافح الملايين من العالقين في مناطق الحرب يوميا للحصول على الغذاء الكافي للبقاء على قيد الحياة، في ظل ظروف أمنية بالغة الخطورة وانعدام لمصادر الدخل وتوقف شبه كامل للأنشطة الإنتاجية والتجارية في العديد من المناطق خصوصا تلك التي تشهد اشتباكات يومية في العاصمة الخرطوم وعدد من مناطق دارفور والجزيرة والنيل الأزرق.

وزاد توقف النشاط الزراعي في مناطق الإنتاج الرئيسية مثل الجزيرة وسنار وسنجة من حجم الكارثة الغذائية، فبالإضافة إلى اعتماد أكثر من 90 في المئة من سكان تلك المناطق على الزراعة والرعي كمصدر دخل رئيسي لهم، إلا أن امتداد الحرب إلى مناطقهم لم يوقف الإنتاج فقط بل دفع بأكثر من 70 بالمئة منهم للنزوح إلى مناطق أخرى.

مجاعة مخيفة

تعكس مقاطع الفيديو والصور المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي حجم مأساة الجوع في مناطق الحرب، حيث يصطف يوميا المئات أمام مراكز بدائية تنشئها هيئات طوعية في عدد من مناطق القتال لتوزيع وجبات يومية مكونة من مواد بسيطة تكفي بالكاد لسد رمق المحظوظين من الذين يحصلون على تلك الوجبات.

ويقول محمود السر وهو أحد الناشطين الذين يعملون على إدارة واحد من نحو 160 من مراكز الدعم الغذائي المنتشرة في منطقة أم درمان شمال غرب الخرطوم، إن الموارد اليومية التي يحصلون عليها تكفي بالكاد لتوفير أقل من 30 في المئة من عدد المصطفين الذين يصل عددهم في بعض المراكز إلى أكثر من 400 شخص.

ويوضح السر لموقع "سكاي نيوز عربية": "نرى يوميا مشاهد مؤلمة حيث يعود الكثيرون إلى بيوتهم بأوانيهم الفارغة لأننا لا نستطيع تغطية كافة المحتاجين، فأسعار المواد الغذائية ترتفع بشكل مخيف، كما أن الحصول على معظمها يكون صعبا للغاية".

ويضيف "نعلم حجم معاناة الأطفال الجوعى عندما يعود إليهم زويهم بأواني فارغة لكننا نحاول بقدر الإمكان فعل شيء في ظل ظروف وأوضاع قاسية للغاية".

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: من مناطق فی مناطق فی المئة المئة من أکثر من

إقرأ أيضاً:

الحرب في السودان: كيف تؤثر أزمة الحكم علي الانتقال السلمي الديمقراطي

بروفيسور حسن بشير محمد نور

خلفية مختصرة:
تعد قضية تكوين الثروة في السودان وارتباطها بالطبقة السياسية ونظام الحكم من القضايا المحورية لفهم الأزمات المتتالية التي يعيشها السودان. يتطلب ذلك تتبع العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لفهم كيفية تراكم الثروات داخل الطبقة السياسية وتأثير ذلك على المجتمع، وعلاقته بانظمة الحكم المتتابعة منذ استقلال البلاد، مع استعراض تبعات ذلك علي اي حكم مدني وانتقال سلمي ديمقراطي.
- طبيعة تكون الثروة وارتباطها بالحكم
تتسم طبيعة تكون الثروة في السودان بالتداخل العميق بين الاقتصاد والسياسة والتكوين الاجتماعي. منذ استقلال السودان في 1956، اعتمدت الطبقة السياسية على استغلال الموارد الطبيعية (كالزراعة، والثروة الحيوانية، والنفط والمعادن) بطريقة غير عادلة لتحقيق مصالحها الخاصة. وقد تركزت الثروة في أيدي النخب السياسية والعسكرية، مما أدى إلى تهميش قطاعات واسعة من الشعب.
الخلفية التجارية والطائفية والقبلية (الادارة الاهلية) لعبت دوراً محورياً في توجيه الموارد، حيث تم تفضيل مجموعات عرقية وجهوية واجتماعية على حساب أخرى، ما خلق انقسامات عميقة في النسيج الاجتماعي. أضف إلى ذلك، أن الاستفادة من السلطة والوظائف العامة أصبحت وسيلة لتراكم الثروات من خلال الفساد والمحسوبية.
- طبيعة الطبقة السياسية والفساد
الطبقة السياسية في السودان لم تقتصر على دورها في إدارة الحكم، بل تحولت إلى فاعل اقتصادي يستغل السلطة لتعزيز مصالحه الشخصية. الفساد المتجذر في أجهزة الدولة، الذي اصبح فسادا هيكليا مرتبط بنظام الحكم خاصة في عهد الانقاد، ساهم في نهب الموارد العامة وتحويلها إلى أصول خاصة، ما أدى إلى تفاقم التفاوت الاقتصادي والاجتماعي.
استغلال الوظائف العامة كان من أبرز سمات الحكم في السودان، حيث أصبحت المؤسسات الحكومية مرتعاً للتوظيف السياسي والفساد المالي، وقد اخذ هذا الامر طابع ما عرف (بالتمكين) في عهد حكم الانقاذ. هذا الوضع أدى إلى تآكل الثقة بين الدولة والمجتمع، مما زاد من عمق التخلف السياسي والاجتماعي.
- أثر تكون الثروة على التخلف السياسي والاجتماعي
أدى تراكم الثروات في أيدي قلة من النخب السياسية إلى تفاقم التخلف السياسي والاجتماعي في السودان. تفشي الفساد واستغلال السلطة عمّق الفجوة بين النخب والمواطنين، ما خلق شعوراً بالظلم والإقصاء لدى غالبية الشعب. انعكس كل ذلك علي مكونات اساسية في المجتمع تطور الي انفصال الجنوب وتعمق الازمة في اقليم دارفور وتشكلت ارهاصات انفصال محتمل لهذا الاقليم بالغ الاهمية وكبير الثراء بالموارد.
التخلف السياسي تجلى ايضا في غياب الديمقراطية الفاعلة وضعف المؤسسات السياسية، حيث أصبحت السلطة تتركز في أيدي القلة المسيطرة على الموارد. أما التخلف الاجتماعي، فقد انعكس في ارتفاع معدلات الفقروالتهميش.
بذلك اصبحت القوى السياسية في السودان تواجه أزمات هيكلية عميقة أثرت على قدرتها على تحقيق استقرار سياسي وبناء نظام ديمقراطي مستدام. ويمكن تحليل الأزمة من عدة جوانب:
1. طبيعة تكوين القوى السياسية في السودان
الطابع التقليدي والطائفي: العديد من الأحزاب السياسية نشأت في سياقات اجتماعية تقليدية متأثرة بالقبائل والطوائف الدينية، مثل ما يعرف بالاحزاب التقليدية الكبرى، مما جعلها تميل إلى تمثيل مصالح ضيقة بدلاً من صياغة رؤى وطنية شاملة.
التفكك الداخلي لكثير من الأحزاب جعلها تعاني من الانقسامات والصراعات الداخلية بسبب ضعف الهياكل التنظيمية والتركيز على الولاء الشخصي بدلاً من العمل المؤسسي، وهذا يتجلي بشكل كبير داخل حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي ولم تنجا منه الاحزاب الاخري حتي العقائدية.
كما ادي الافتقار إلى التجديد في القيادات الي غياب القيادات الشابة واعتماد الأحزاب على نفس النخب القديمة وإلى فقدان المصداقية لدى الشباب، مما جعل اكبر مكون للشباب الذي يعرف بلجان المقاومة في حالة ارتباك او رفض للأحزاب.
2. ضعف الأحزاب السياسية والقوى المدنية
فقدان الرؤية الاستراتيجية عند معظم الأحزاب جعلها تفتقر إلى برامج واضحة ومحددة لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما اعتمدت بعضها علي الدعم الخارجي حتي حديثة النشأة، اذ تعتمد بعض الأحزاب والقوى السياسية، بل والمدنية بشكل كبير على الدعم الإقليمي أو الدولي، مما يجعلها عرضة للتأثيرات الخارجية.
ما ذكر اعلاه مع جملة من العوامل الاخرى المهمة ادي الي غياب الوعي الديمقراطي الداخلي نتيجة لضعف الممارسات الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها، مما يعكس غياب الالتزام الحقيقي بالديمقراطية على المستوى الوطني، وهذه المشكلة تنعكس في واقع اليوم وقناعة كثير من السودانيين بحكم العسكر و (جيش واحد شعب واحد) بالرغم من كل المآسي الناتجة عن الدكتاتوريات العسكرية، بما في ذلك كارثة انشاء وتكوين مليشيا الدعم السريع نفسها وغيرها من التشكيلات العسكرية الموازية، التي ما زالت تتناسل وتتكاثر متغذية بالحرب الحالية.
كما تعاني القوي السياسية والمدنية من الانفصال عن القواعد الشعبية وضعف التواصل معها واهتمامها اكثر بالمناصب السياسية والامتيازات الشخصية.
3. التحديات أمام الانتقال الديمقراطي في السودان
في هذه الظروف تؤدي الصراعات المسلحة واستمرار النزاعات سواء الحرب الراهنة او الصراع المزمن في دارفور وكردفان والنيل الأزرق الي تشكيل عوائق خطيرة أمام الاستقرار السياسي.
ويظهر هنا دور المؤسسة العسكرية (القوات المسلحة السودانية) التي تلعب دورًا مركزيًا في الحياة السياسية والاقتصادية معا، حيث تمثل عقبة أمام الانتقال السلمي للسلطة المدنية، وهذا ليس قولا نظريا وانما ظهر بشكل عملي عقب ثورة ديسمبر وفي انقلاب 25 اكتوبر 2021 وصولا لمجريات الحرب الراهنة.
تتكامل تلك المشكلة مع ضعف البنية الاقتصادية، فالازمة الاقتصادية الطاحنة والضائقة المعيشية التي تهدد الملايين بالموت جوعا، تعزز من عدم الاستقرار وتخلق بيئة خصبة لاستغلال الأزمات من قبل مختلف القوى داخليا وخارجيا بما في ذلك تهديد الارهاب.
ومن هنا فان الانقسام السياسي وغياب التوافق بين القوى السياسية والمدنية يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق حول شكل الحكم ومستقبل البلاد، يتضح ذلك هذه الايام من كثرة المبادرات والدعوات لتشكيل جبهات وطنية، والتوجه نحو تأسيس مشروع وطني دون تبلور رؤية عملية حتي الان، فمعظم النقاش عبارة عن تنظير دائري من جهات دورها مفترض ان يكون عمليا وواقعيا علي الارض.
4. آفاق المستقبل
الازمة الراهنة تتطلب الإصلاح الداخلي للأحزاب، ولكن كيف لذلك ان يتم في بيئة غير مواتية بل بيئة حرب؟.، تحتاج الأحزاب السياسية إلى إعادة هيكلة داخلية تعزز من الشفافية والممارسات الديمقراطية وجذب الشباب والنساء وعليها ان تسعى نحو هذا الهدف رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهها.
كما يجب تعزيز دور المجتمع المدني حتي يتمكن أن يلعب دورًا أساسيًا في تعزيز التوعية السياسية ودعم المبادرات الديمقراطية. ولبناء تحالفات وطنية شاملة تمكن القوى السياسية والمدنية من تجاوز الانقسامات وبناء تحالفات تستند إلى برامج وطنية واضحة ومقنعة للمواطن العادي.
من البديهي ان تقليص دور العسكر في الحياة السياسية والاقتصادية والسير نحو الانتقال الديمقراطي يمر عبر إصلاحات هيكلية تضمن خضوعها (المكونات العسكرية) للسلطة المدنية، لكن هذا الهدف دونه خرط القتاد كما يقال، واول متطلباته وحدة القوى السياسية والمدنية ومشروع وطني متوافق عليه.
التوجه نحو عقد اجتماعي جديد او مشروع وطني توافقي يعتمد علي رؤية شاملة تعالج المظالم التاريخية وتضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة بين مختلف المناطق، وهذا محورا اساسيا لاي نجاح للانتقال السلمي الديمقراطي.
في خلاصة القول يتوقف مستقبل الحكم الديمقراطي في السودان علي قدرة القوى السياسية والمدنية على تجاوز خلافاتها والعمل بشكل جماعي، على بناء مشروع يعكس تطلعات الشعب السوداني نحو الحرية والعدالة، وأرساء اسس الحكم الرشيد وأنهاء الاحتراب والنزاعات المزمنة.

mnhassanb8@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • تعرف على أبرز المفاوضين الذين أنجزوا اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
  • الأمم المتحدة: إعمار منازل غزة المدمرة قد يستمر لعام 2040
  • 40% من عناصر المليشيا الذين قاتلوا مع المليشيا فى الجزيرة هم من جنوب السودان
  • برلمانية الوفد: اتفاقية الهدنة أنهت أكبر أزمة بالتاريخ والسيسي رجل من ذهب
  • خليل الحية: “أنصار الله” هم إخوان الصدق الذين غيّروا من معادلة الحرب والمنطقة
  • «النقل» تؤكد أهمية الممرات اللوجستية التي يجري تنفيذها لربط مناطق الإنتاج بالمواني
  • واشنطن تدعو لمحاسبة إيران وتتهمها بالوقوف خلف هجمات الحوثيين التي صارت "أكثر تعقيدا"
  • ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع
  • معدل الولادات في فرنسا يتراجع إلى أدنى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية
  • الحرب في السودان: كيف تؤثر أزمة الحكم علي الانتقال السلمي الديمقراطي