المجالس الشعبية.. الدستور والثغرات (3)
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
تحدثت عن نشأة الإدارة المحلية فى مصرمنذ الحملة الفرنسية مرورًا بحكم محمد على، واستعرضت أهم الدساتير التى نصت عليها فى العصر الملكى، وما بعده فى العهد الجمهورى وحتى الآن، وذكرت أن مصر خضعت لنوعين أو مجلسين من الإدارة المحلية، الأول تنفيذى يضم كبار المسئولين بالمحافظة والوحدات المحلية والقروية، والثانى شعبى، يأتى أعضاؤه بالانتخاب، مع تعيين عدد محدود من الشخصيات العامة وبعض المسئولين بالوزارات.
وتطرقت إلى الاختصاصات، التى مكنت المجالس المحلية من ممارسة دور رقابى محدود خلف عباءة دستور 1971 وعبر القانون 43 لعام 1979 وتعديلاته ثم القانون رقم 84 لعام 1996 إلى أن جاء دستور 2014 وخصص تسع مواد للمحليات، باتت هى الأخرى فى حاجة شديدة لتغيير شامل يواكب الواقع السياسى المعاصر والتحديات الداخلية للجمهورية الجديدة.
واليوم، سأتوقف قليلًا عند هذه المواد التى تبدأ من المادة 175 وحتى 183، وتركز معظمها على استقلالية المحليات ماليًا وإداريًا، وانتخاب مقاعدها، مع تخصيص 50 % منها للعمال والفلاحين و25% للمرأة و25% للشباب، بالإضافة إلى تمثيل مناسب للمسيحين وذوى احتياجات الخاصة.
ومن محاسن مواد دستور 2014 التى لم تختبر ولم يعمل بها، أنها جعلت لكل مجلس محلى موازنة وحساب ختامي، ومنعت حل المجالس المحلية فى كل مستوياتها بأى إجراء إدارى، بالإضافة إلى منحها ـ ولأول مرة ـ حق استجواب المحافظ، الذى يمثل رئيس الجمهورية فى الإقليم، إضافة إلى بعض الأدوات الرقابية الأخرى مثل: توجيه الأسئلة وطلبات الإحاطة إلى المسئولين التنفيذيين وسحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، ومن المحاسن أيضًا: اعتبار قرارات هذه المجالس نهائية ولا يجوز للسلطة التنفيذية التدخل فيها، وفى حالة الخلاف يكون الفصل لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة. وعند وقوع أى تعارض بين المجالس المحلية للقرى أو المراكز أو المدن، يكون القرار لمجلس محلى المحافظة.
كما أصبح من حق هذه المجالس إقرار مشروعات خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وبرامج المشاركة بالجهود الذاتية فى دعم المشروعات المحلية، واقتراح مشروعات المرافق والإسكان والصحة والتعليم والمناطق الحرة والاستثمارية واللوجستية والتكنولوجية والبورصات السلعية وغيرها من المشروعات الخدمية والإنتاجية، إضافة إلى حق فرض رسوم أو ضرائب محلية، وتعديلها أو الإعفاء منها، وكذلك القيام بمشروعات مشتركة مع الشخصيات الاعتبارية والمحافظات الأخرى بعد موافقة الوزارات المعنية.
ونتيجة للأحداث السياسية التى مرت بها مصر، تقرر حل المجالس الشعبية المحلية، ولم يتمكن دستور 2019 المعدل من إعادتها، وأصبح غيابها واضحًا ومؤثرًا فى الشارع السياسى، وهو ما جعل الأحزاب وقوى المجتمع المدنى تطالب بسرعة إصدار قانون جديد يعيد تحديد اختصاصاتها وطريقة تشكيلها ويعالج ثغرات الممارسة، ويزيل العقبات التى تحول دون قيامها بدورها الرقابى بشكل حقيقى وواقعى.
ومن هذه الثغرات والعقبات، شروط الترشح لعضوية المجالس الشعبية، والمستمرة للأسف بكل عيوبها وتعقيداتها وفقا للقانون القديم 43 لسنة 1979، ما أفرزكوادر غير مؤهلة لتحمل هذه المسئولية. كما أنه وبسبب عدم وضوح وازدواجية اختصاصات المجالس الشعبية والتنفيذية، وطغيان الأخيرة على القرارات، لم تتمكن المجالس الشعبية من القيام بدورها، وهو ما خلق فجوة كبيرة عطلت الكثير من المشاريع بدلًا من الإسراع بها.
ولذا فإننى أضم صوتى إلى صوت ممثلى الأحزاب والقوى السياسية ونواب الشعب وخبراء الإدارة المحلية، وأطالب بقانون مستقل للمجالس الشعبية المحلية وليس قرارًا بقانون، يعالج كل ثغرات الممارسة، وخاصة شروط الترشح ونظام الانتخاب ليصبح بالقائمة النسبية المفتوحة وليست المطلقة المغلقة، ولا الجمع بينهما، لضمان تمثيل كل فئات الشعب المصرى.
وللحديث بقية إن شاء الله
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ذ الحملة الفرنسية المجالس الشعبیة
إقرأ أيضاً:
توزير النواب: بين الدستور والواقع
كتب سعيد مالك في"نداء الوطن": نصّت المادة/28/ من الدستور على جواز الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة. وأضافت أنه يجوز انتقاؤهم من أعضاء المجلس النيابي أو من أشخاص خارجين عنه أو من كليهما.
هذا لجهة النصّ. أمّا لجهة المبادئ الدستورية فمِنَ الثابت أنّ توزير النواب ينسُف مبدأ الفصل بين السلطات، ويشلّ دور البرلمان في الرقابة والمحاسبة.
في لبنان، وبعد تعديلات عدّة لنصّ المادة/28/ من الدستور، استقرّ النصّ على جواز الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة. مع التأكيد، أن السلطة التشريعية هي سلطة رقابية على الحكومة والوزراء. فلا يُعقل أن يُراقب النائب نفسه في الوزارة. عندها ستتعطّل الرقابة على الحكومة، إذ من غير الواقعي أن يُراقب وزير نفسه.
إضافةً لما تقدّم، فإن تفرُّغ الوزير لمهامه الوزارية، سيستتبع حُكماً تقصيراً لجهة أداء دوره كنائب. إن كان تشريعياً أم رقابياً أم خدماتياً.
لكن ما يهّمنا في هذا الإطار التركيز على مُخالفة أحكام الفقرة "هـ" من مقدّمة الدستور، التي تنُصّ على أن النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.
فكيف بالاستطاعة الحديث عن الفصل بين السلطات، فيما نُجيز الجمع بين النيابة والوزارة؟
فذلك ما يدفعنا إلى المُطالبة بتعديل نصّ المادة/28/ من الدستور مُستقبلاً، في خِضّم ورشة التعديلات الدستورية المُنتظرة، على غِرار ما ذهب إليه الدستور الفرنسي في هذا الخصوص.
واستناداً لما تقدّم، وإذا أجَزْنا توزير النواب، سيتحوّل مجلس الوزراء إلى سُلطة مُطلقة، تتحكّم بمُقدّرات الدولة، تُمارس وظائفها اعتباطياً، مع إمكانية انتهاكها للحقوق والحرّيات. سيما مع غياب الرقابة الفعلية عليها من قِبَل المجلس النيابي، الذي سيكون مُمّثلاً في الحكومة وشريكاً فيها. وبالتالي، فإن ضمانة صون الحقوق والحرّيات هي الفصل بين السلطات. فالسلطة تكبح جماح سلطة أُخرى، وتمنعها من تجاوز حدّها. والهدف الأساسي من هذا الفصل يبقى ضمان الحقوق المدنية والسياسية ورفض الحُكم المُطلق، وذلك ثابتٌ بنظرية "مونتسكيو" كذلك في تعريف "جون لوك" من قَبْلِهِ.
فالأساس هو الفصل بين السلطتين الاشتراعية والاجرائية. ولا يتحقّق هذا الفصل إلاّ بمُمارسة كلّ منهما، من قبل مؤسسة دستورية قائمة بذاتها، مُستقلّة عن الأُخرى. علماً، أنه يقتضي وإعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات، عدم توزير نواب في الوزارة من جهة، أي عدم الإجازة لمجلس النواب الدخول إلى السلطة الاجرائية.
بالمُقابل ومن جهةٍ أُخرى، حصر صلاحية التشريع في البرلمان، أي عدم إصدار أي قانون إلاّ بعد إقراره في البرلمان. أي عدم الإجازة لمجلس الوزراء الدخول إلى اختصاصات السلطة التشريعية.
وبالختام، الفصل بين السلطات واجب، وتجاوز هذا الفصل جريمة. فلنُشكّل الحكومة من أخّصائيين من خارج النواب. تأميناً لمبدأ الفصل بين السلطات، وتمكيناً لمُمارسة السلطة الاشتراعية رقابتها على السلطة الاجرائية.
مع التأكيد، أنه يقتضي اعتماد وحدة المعايير في التشكيل. إن كان لجهة التمثيل أم التسمية. وإلاّ سنبقى حيث نحن، ولا خلاص لِلُبنان.