تمتلئ سماء إعلامنا العربى بالكثير من الفضائيات التى تقدم مادة تثير التساؤلات بشأن طبيعة موقفها من قضايانا المصيرية، وفى القلب منها القضية الفلسطينية، ومن هذه القنوات قناة المشهد التى يطل علينا من خلالها المذيع اللبنانى طونى خليفة فى برنامجه ستوديو العرب عارضًا بعض الرؤى المثيرة للجدل من متابعة رؤى طونى وتوجهاته يمكن القول أنه يمثل ذلك التيار الذى يرى أن عملية طوفان الأقصى لم تأت بالنتائج المرجوة وهو ما يبدو فى تعليقه على خطاب أحد السياسيين من رموز المقاومة يشير خلاله إلى تحقيق انتصارات الأمر الذى يتحفظ عليه طونى باعتباره ليس هناك انتصار طالما لم نحقق أى تقدم على العدو، وأنه لا مجال لمثل هذا الادعاء فى ظل الثمن الغالى ومئات الآلاف من الضحايا وتسوية مدن بأكملها، يقصد ما يحدث فى غزة الآن.
هذه وجهة نظر يقدمها طونى من المؤكد أنها تحمل رؤيته الخاصة وربما تحمل توجه القناة التى يطل منها على المشاهد وهى قناة المشهد. وللأمانة فإن قطاعًا غير محدود من العرب دولًا وأفرادًا يميلون إلى هذا الرأى فى ضوء ما يرونه حقائق ومعطيات القوة بين إسرائيل والمقاومة سواء فى فلسطين أو غيرها.
لكن هذه الرؤية ذاتها يجب مناقشتها فى ضوء ما تفرضه من تساؤلات أبسطها هى: أنه إذا أقررنا بأن خيار المقاومة لم يعد مناسبًا فما هو البديل؟ وهل يمكن لهذا البديل أن يحقق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطينى أو الحد الأدنى منها؟ هذه نقاط مهمة وإلا فإنه قد يفهم من سياق طرح خليفة أو غيره أنه يدعو للتنازل عن الحقوق الفلسطينية والتسليم لإسرائيل رغم أنه فى سياق حديثه أشار إلى أن هذا ليس قصده.
نلمس ذلك مثلًا من رد أحد المشاهدين فى تعليق له على طونى بتساؤله أنه طالما أنك ترى أن كل ما يحدث انتصارات وهمية فقل لنا ما هو الحل فإما أن تقول نستسلم ونتنازل عن حقوقنا وعزتنا وشرفنا ونعيش فى العبودية، وإما أن تقول نقاوم ولا تستسلم أبدًا؟ مضيفًا ليس عندنا حل ثالث اما أنك تنتقد وتلوم من يرى أنه لا بد من زوال الاحتلال عاجلًا أم آجلاً هذه مشكلتك ومشكلة الكثيرين مثلك الذين لا يملكون إرادة ولا عزيمة.
وعلى المنوال ذاته راح مشاهد لبنانى يضع طونى خليفة أمام تحدى استرجاع أراضى بلاده بالسلام أو بأى طريقة غير الحرب وحسب هذا المشاهد فإن أهل جنوب لبنان يريدون استرجاع أراضيهم المحتلة. وهنا يقول: إذا قادر أستاذ طونى تسترجع مزارع شبعا دبلوماسيًا فافعلها ونحطك فوق راسنا. أما بالحكى فاترك المقاومة تقوم بدورها. أولادهم هم من يستشهدون وليس أبناؤك. ويفند آخرون طرح طونى مشيرين إلى أن الواقع يؤكد حقيقة ضرورة التضحيات من أجل نيل الحقوق وكانت التجربة الجزائرية هى المثل الأبرز فى الاستشهاد بها.
ويحاول البعض توصيف منطق طونى فيراه نوعا من الإنهزامية قائلا إن الانهزامية فى مفهوم الحروب هى رفع الراية البيضاء وترك المحتل يفعل اى شئ لكن يوجد فئة قليلة ما زالت تدافع عن شرف الامة ولم تستسلم، مضيفا إننا نعلم أن عقلية الانهزامية التى أصبحت سائدة فى وسائل الاعلام العربية تحظى بدعم صهيوأمريكى.
هذا هو مضمون ما دار بين طونى ومعارضيه من المشاهدين، ولعل طبيعة الردود تجعلنا نتساءل أيهما يمثل الواقعية العربية وأيهما يمثل الوقوعية العربية أو بمعنى أحرى الإنهزامية؟ الإجابة متروكة للقارئ الكريم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات د مصطفى عبدالرازق
إقرأ أيضاً:
ضجيج بلا طحين
قديما قالوا "سمعنا ضجيجا ولم نر طحينًا، كثيرًا من الصخب قليلًا من الأثر"، هذا هو حال المجتمع المصري فى هذه السنوات العجاف، فهل يأتى قريبًا عام الفرج الذى يُغاث فيه القوم ويُرزَقون؟
سنوات تمر والفجوة تتسع رويدًا رويدًا بين الشعب المصرى والنخب وسط حالة مثيرة للتساؤلات عن أسباب الاختفاء الواضح للرموز والمبدعين فى ظاهرة تستحق الدراسة، فمصر التى عرفناها دائمًا (ولادة) ورائدة فى كل مجالات الثقافة والسياسة والرياضة والفن يبدو أنها قد بلغت سن اليأس فجأة وتوقفت عن الإنجاب بلا أى مبرر منطقى.
أين ذهبت الرموز الوطنية الذين طالما التفت حولهم الجماهير لتتعلم وتقتدى بهم وتسير فى نور إبداعهم نحو الأفضل؟ ما الذى منع ظهور أجيال جديدة من المبدعين بعد رحيل أو اختفاء آخر أجيال العملاقة فى شتى المجالات، كان لدينا قبل فترة قريبة أسماء خلدها التاريخ استطاعت أن تجر قاطرة الوطن نحو الريادة والتميز، وأن تشكل وجدان المصريين بكل ما هو محترم وراقٍ، فلماذا لم يتسلم الجيل الجديد هذه الراية منهم.
أين تلامذة هؤلاء؟ وهل ماتوا دون أن ينجبوا للوطن أجيالا جديدة على نفس مستوى الإبداع والتميز؟ هل وصل الحال إلى أن يصبح المتصدرون للمشهد بهذا السوء والفقر والخواء الثقافي والعلمي في مصر الرائدة التى علّمت الجميع معنى الإبداع والفن والحضارة عبر آلاف السنين؟ فكيف تصل إلى هذه الحالة من الضحالة الفكرية والفنية؟ وكيف يتصدر مشهدها الثقافى والفنى والإعلامى بعض معدومى الموهبة وفقراء الإبداع؟!
حالة مؤسفة من اختفاء الرموز المضيئة ربما لم تشهدها مصر عبر تاريخها، وظاهرة تستدعى أن ينهض مثقفو هذه الأمة ومبدعوها من كبوتهم وسباتهم العميق سريعًا فعجلة الزمان لا تتوقف، ومن يسقط لا ينهض مجددًا، ليست مشكلة دولة فحسب ولكنها مشكلة شعب بأسره ارتضى مرغمًا أو تحت وطأة السنوات العجاف بهذه الحالة المزرية من الانحطاط الأخلاقي والثقافى والفنى دون أدنى محاولة لتغيير الواقع والعودة إلى الجذور والثوابت التى تربت عليها أجيال سابقة، فهل فات الأوان، أم أن أبناء هذه الأمة مازالوا يستطيعون قلب المعادلة وإحياء تاريخ الأجداد وإعادة مصر لمكانتها وريادتها فى شتى مجالات الفكر والعلم والفن والثقافة؟!!