* يطيب لمسيلمات الجنجويد (جمع مسيلمة) أن يتحدثوا في الفضائيات باستمرار عن سيطرة المليشيات على ما نسبته 80‎%‎ من مساحة السودان حالياً، فهل صحّ زعمهم؟

* هل تسيطر مليشيات الدعم السريع حقاً على ثمانين في المائة من أراضي البلاد حالياً؟
* سنستخدم لغة الأرقام لتفنيد ذلك الادعاء، وتبيان صحته من عدمها، والأرقام لا تكذب ولا تتجمل.

* سنتجاوز ابتداءً أن مناطق السيطرة المزعومة تشمل منازل المواطنين والأحياء السكنية ومراكز الخدمات ومؤسسات الدولة، وأنها تشمل مدناً وقُرَى لا توجد فيها حاميات للجيش أصلاً، وسنتغافل عن أن احتلال تلك المناطق لا يمكن أن يُحسب سيطرةً للمليشيات، وأن السيطرة المزعومة على أي ولاية لا تكتمل إلا باحتلال كل حاميات الجيش وإخراجه من حدود الولاية بالكامل!

* بالمعيار الأخير نذكر أن مليشيات الدعم السريع تسيطر (إذا حسبنا ما تقترفه من جرائم مروعة سيطرةً لها) على أربع ولايات فقط، هي غرب وشرق ووسط وجنوب دارفور.
* في المقابل يسيطر الجيش على ثماني ولايات، وهي الشمالية، ونهر النيل (ما خلا جيب صغير في حجر العسل)، والبحر الأحمر وكسلا والقضارف والنيل الأبيض والنيل الأزرق وجنوب كردفان.

* للجيش وجود مؤثر في ولاية شمال دارفور، وبالتحديد في عاصمة الولاية (والإقليم) الفاشر، وفي وادي أمبار ووادي هور ومناطق أخرى من الولاية مثل الطينة وخلافها.

* للجيش وجود قوي في ولاية غرب كردفان (الفرقة 22 بابنوسة ولواء هجليج)، وله وجود قوي في شمال كردفان (الفرقة الخامسة الهجانة والفرقة العاشرة أبو جبيهة وحامية أبو كرشولا وحامية النهود)، ومازال الجيش محتفظاً بكل حامياته في ولاية جنوب كردفان بما فيها الفرقة 14 كادوقلي واللواء 54 الدلنج.

* للجيش وجود قوي في الخرطوم، حيث حافظ على كل حامياته الكبيرة، بدءاً بالقيادة العامة وسلاح الإشارة والمدرعات وسلاح الذخيرة والمهندسين ووادي سيدنا وحطاب والكدرو والعيلفون، ولم يفقد من الحاميات الكبيرة في العاصمة سوى حامية جبل أولياء.

* إذا حسبنا مساحة الولايات الأربع التي يسيطر عليها متمردو الدعم السريع وهي وسط دارفور (34 ألف كيلومتر مربع)، وغرب دارفور (23 ألفاً)، وجنوب دارفور (72 ألفاً)، وشرق دارفور (55 ألفاً) ونسّبناها لمجمل مساحة السودان (مليون وثمانمائة وستة وثمانون ألف كيلومتراً مربعاً) سنجد أن المليشيات تسيطر على أقل من (10‎%‎) من مجمل مساحة السودان.
* وإذا فعلنا الشيء نفسه مع الجيش وحسبنا مساحة الولايات التي يسيطر عليها بالكامل، وهي (الشمالية 349 ألف كيلومتر مربع)، ونهر النيل (122 ألفاً)، والبحر الأحمر (219 ألفاً)، وكسلا (37 ألفاً)، والقضارف (75 ألفاً)، والنيل الأبيض (40 ألفاً)، والنيل الأزرق (46 ألفاً)، وجنوب كردفان (80 ألفاً.. مع ملاحظة أن جزء من الولاية تسيطر عليها الحركة الشعبية في كاودا تحديداً)، وأجرينا القسمة نفسها سنجد أن الجيش يسيطر على ما نسبته (52‎%‎) من مساحة البلاد.

* ⁠إذا أضفنا للجيش المساحات التي يسيطر عليها في ولايات شمال دارفور وشمال وجنوب وغرب كردفان، والخرطوم والجزيرة وسنار) سترتفع النسبة إلى حوالي (70‎%‎) من مجمل مساحة البلاد.

* وإذا أضفنا كامل مساحة ولاية شمال دارفور للمليشيات (296 ألف كيلومتراً مربعا)، وتجاهلنا سيطرة الجيش على عاصمتها الفاشر وتجاهلنا انتشار القوات المشتركة في وادي هور ووادي أمبار والطينة ومناطق من جبل مرة، سترتفع نسبة سيطرة المليشيات إلى حوالي (25‎%‎)!
* وإذاً أخرجنا ولاية شمال دارفور وحسبنا ولاية الجزيرة بكاملها للمليشيات (24 ألف كيلومتراً مربعاً) برغم وجود الجيش في غربها (محلية المناقل ومناطق أخرى في غرب الولاية) ستتراجع نسبة سيطرة المليشيات على أراضي البلاد إلى حوالي (11‎%‎)، وإذا أضفنا ولايتي شمال كردفان والجزيرة معاً للمليشيات سترتفع المساحة إلى حوالي (390 ألف كيلومتر مربع)، تقارب في مجملها مساحة ولاية البحر الأحمر وحدها (350 ألف كيلومتراً مربعاً)، وحينها سترتفع نسبة سيطرة المليشيات إلى حوالي (21‎%‎)!

* وإذا تجاهلنا وجود الجيش في كل حامياته الكبيرة بالخرطوم، وتجاهلنا سيطرته التامة على معظم أجزاء مدينة أم درمان وأضفنا ولاية الخرطوم بالكامل للمليشيات، واعتبرناها ضمن مناطق سيطرتها الكاملة، وحسبنا لها ولاية شمال دارفور بكاملها (وتجاهلنا وجود الجيش والقوات المشتركة في مناطق عديدة من الولاية ومنها الفاشر العاصمة) وأضفنا للمليشيات ولاية الجزيرة بكاملها، وولاية سنار بكاملها، سترتفع النسبة إلى أقل من (29‎%‎) من مساحة السودان، أي أقل من ثلث مساحة البلاد.

* وإذا تجاهلنا وجود الجيش في ولاية غرب كردفان (الفرقة 22 بابنوسة ولواء هجليج) وأضفناها لولايات دارفور الأربع، واعتبرنا أن المليشيات تسيطر على لايات دارفور الخمس (وتجاهلنا وجود الجيش في شمال دارفور)، وأضفنا إليها ولايات الجزيرة والخرطوم بكاملهما (وتجاهلنا وجود الجيش في مناطق واسعة منهما) وأضفنا إليها ولاية شمال كردفان بكاملها (وتجاهلنا وجود الجيش فيها)، وأضفنا ولاية سنار بكاملها للمليشيات (وتجاهلنا وجود الجيش فيها)، سترتفع المساحة إلى 750 ألف كيلومتراً مربعاً تساوي ما نسبته 40‎%‎ من مساحة السودان.

* الأرقام تؤكد أن المليشيات تسيطر (بالكامل) على أقل من (10‎%‎) من مساحة السودان بالحساب الصحيح للسيطرة (الولايات التي انتشرت فيها بالكامل وأخرجت الجيش منها) وهي أربع ولايات فقط.. من أين أتى مسيلمات الجنجويد بنسبة الثمانين في المائة التي يزعقون بها في الفضائيات يومياً بلا حياء ولا خجل؟

د. مزمل أبو القاسم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: ولایة شمال دارفور سیطرة الملیشیات ألف کیلومترا إلى حوالی فی ولایة أقل من

إقرأ أيضاً:

هل دخل السودان عصر الميليشيات؟

هناك أكثر من سردية لبداية الحرب في السودان، ومن هو صاحب المصلحة في إشعال الحرب، لكن السردية الحكومية الرسمية تقول إن ميليشيا «قوات الدعم السريع» تمردت على سلطة الدولة وحاولت الاستيلاء على السلطة، فاضطر الجيش للتصدي لها. لكن حتى من يقول بتلك السردية يعترف بأن «قوات الدعم السريع» تكونت في عهد حكومة الإنقاذ الإسلامية، وكانت مهمتها هي القيام بالأعمال التي لا يمكن للجيش أن يقوم بها، بخاصة في دارفور التي كانت مشتعلة. وصدر قانون «الدعم السريع» في ظل حكومة الإنقاذ، وتم السماح لها بالتمدد من ناحية العدد ونوعية التسليح حتى صارت تشكل خطراً حقيقياً، ثم جاء الفريق عبد الفتاح البرهان وعدّل قانون «الدعم السريع» ليمنحها مزيداً من الصلاحيات، ويعطيها قدراً من الاستقلالية عن القوات المسلحة السودانية.

إذا افترضنا حسن النية في كل ما حدث، إن كان ذلك ممكناً، فالطبيعي أن يتعلم الناس من التجربة، ويمتنعوا عن تكرارها، على الأقل في المستقبل القريب، ويتجهوا ناحية تقوية الجيش الرسمي، وإعادة تأهيله وتسليحه وتدريبه ليكون القوة الوحيدة الحاملة للسلاح، ولكن ما حدث عكس ذلك تماماً.

أعلنت الحكومة الاستنفار، وكان المفهوم هو قبول متطوعين من المدنيين للالتحاق بالجيش. وفعلاً بدأ هذا العمل في عدد من الولايات، لكن في الوقت ذاته ظهرت «كتيبة البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية، وبدأت من جانبها فتح باب التجنيد وسط الشباب، واتخذت لنفسها شعاراً وراية مختلفين، وأدبيات مستوحاة من تاريخ الحركة الإسلامية وفصائلها المسلحة في العهد الماضي، ثم أعلنت حركات دارفور المتحالفة مع الحكومة تخليها عن الحياد وانضمامها لصفوف الجيش، مع فتح معسكرات للتجنيد والتدريب داخل وخارج السودان، وبالتحديد في دولة إريتريا المجاورة، ثم ظهر نحو خمسة فصائل من شرق السودان فتحت معسكراتها في إريتريا وبدأت تخريج المتطوعين. وكان الملمح الظاهر لكل هذه المجموعات المسلحة، بما فيها حركات دارفور وشرق السودان، هو الطابع القبلي للحشد والتعبئة والتجنيد.

الاختلاف الوحيد ظهر في منطقة البطانة، شرق الجزيرة، وولايتَي سنار والنيل الأزرق، حيث ظهرت مجموعات مسلحة انضمت لـ«الدعم السريع»، بقيادة أبو عاقلة كيكل في منطقة البطانة، والبيشي في منطقة سنار، والعمدة أبو شوتال في النيل الأزرق. وبالطبع كان الطابع القبلي لـ«قوات الدعم السريع» أظهر من أن يتم إخفاؤه؛ فقد اعتمدت بشكل أساسي على القبائل العربية في ولايات دارفور.

كانت التحذيرات تتردد من دوائر كثيرة، ليست فقط بين المجموعات المدنية التي وقفت ضد الحرب، ولكن حتى من بين صفوف السلطة والقوات المسلحة، واتفقت كلها على أن تمرد ميليشيا لا يمكن محاربته بتكوين عشرين ميليشيا أخرى لا تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات المسلحة، وإنما لسلطة القبيلة.

بعد الانقلاب الكبير الذي قاده أبو عاقلة كيكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وانضمامه للقوات المسلحة مع قواته المسماة «درع السودان»، شنت «قوات الدعم السريع» حملات انتقامية على مدن وقرى منطقة البطانة وشرق النيل، وقتلت المئات من المدنيين، وشردت مئات الآلاف من قراهم، ونهبت متاجرهم وممتلكاتهم. ورغم السخط الكبير على كيكل باعتبار أنه كان مسؤولاً عن استيلاء «قوات الدعم السريع» على ولاية الجزيرة، فإنه استفاد من التعبئة القبلية في المنطقة وضاعف حجم قواته، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة ضد «الدعم السريع».

مع تقدم الجيش وتحقيق الانتصارات سرعان ما بدأ صراع الفصائل يظهر على السطح، بخاصة من خلال صفحات «السوشيال ميديا»، بين مجموعات «القوات المشتركة» المكونة أساساً من حركات دارفور المسلحة، وقوات «درع السودان» التي تمددت في منطقتَي شرق وغرب الجزيرة حتى غطت على ما عداها، ومجموعات الكتائب الإسلامية التي أحست بوجود منافسة مبنية على الأساس القبلي والمناطقي تحد من تمددها في المناطق المختلفة. وتحولت الانتقادات إلى اتهامات بالفساد وارتكاب الجرائم والتصفيات، ووصلت لمرحلة تبادل اتهامات الخيانة والعمالة. وتزامن ذلك مع تبني البرهان وأركان الحكومة لما يُعرف بـ«خريطة الطريق» لمرحلة ما بعد الحرب، والتي أعدتها قوى سياسية ومسلحة متحالفة مع البرهان لم تشرك الحركة الإسلامية في إعدادها. وتضمن «الخريطة» للبرهان حكماً مطلقاً خلال فترة انتقالية قادمة، رأت فيها بعض الفصائل إنكاراً لدورها في الحرب.

الخطر الذي يخشاه السودانيون هو تحول هذه الصراعات الإسفيرية إلى صراعات ميليشيات مسلحة على الأرض، وهو ما بدا ظاهراً الآن؛ إذ تحول السودان إلى «كانتونات» تدخل البلاد في دوامة لا يعرف أحد حدودها وخطوط نهايتها.

فيصل محمد صالح
نقلا عن الشرق الأوسط  

مقالات مشابهة

  • السيطرة على حريق نشب بكنيسة القديس أثناسيوس الرسولي «المحطة» بقليوب
  • الجيش السوداني يستعيد السيطرة على الخرطوم تلاتة
  • إعفاء قيادات بارزة من الإدارة الأهلية جنوب كردفان
  • الجيش السوداني يواصل التقدم "وسط الخرطوم" ويحكم السيطرة على "مواقع استراتيجية"
  • أخبار التوك شو| مفاجأة عن الطقس.. أسعار الذهب والدولار والعملات.. الجيش السوداني يقترب من السيطرة على الخرطوم
  • بعد نيالا.. ثلاثة إنفجارات عنيفة تهز الضعين
  • الجيش الإسرائيلي: هجوم بيت لاهيا استهدف أحد منفذي هجوم 7 أكتوبر
  • مكتوم بن محمد: سيبقى مجتمعنا بروابطه المتينة نموذجاً ملهماً للتلاحم ومنارة للتسامح
  • الفراج: تصوير زيارة القاسم كدعم ضد النصر أمر غريب.. فيديو
  • هل دخل السودان عصر الميليشيات؟