الجزيرة:
2024-09-14@02:57:28 GMT

القرن الأفريقي في قلب صراع النفوذ بين مصر وإثيوبيا

تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT

القرن الأفريقي في قلب صراع النفوذ بين مصر وإثيوبيا

كان من الممكن لاجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في القاهرة في مارس/آذار 2020 أن يمر كغيره من الاجتماعات المماثلة مغلفًا بالرتابة والتوقعات المحدودة، غير أن معطيات التصويت في تلك الجلسة كانت تنطق عن واقع جديد يكشف توازنات القوى في القرن الأفريقي.

في ذلك الاجتماع، نُقل رفض الصومال مشروع قرار قدمته القاهرة لجامعة الدول العربية بشأن سد النهضة الإثيوبي يؤكد حقوقها التاريخية في مياه النيل.

 الموقف الصومالي ترددت أصداؤه في يونيو/حزيران من العام نفسه على إثر تحفظ كل من مقديشو وجيبوتي أيضًا هذه المرة على بند مدرج في قرار مماثل.

هذا النجاح الإثيوبي في استقطاب حلفاء القاهرة التاريخيين في شرق أفريقيا يعد بمثابة مولود شرعي لديناميكية السياسة الخارجية لأديس أبابا وقدرتها على بناء شبكة مصالح ربطتها بجيرانها، ولما وصفه الكاتب المصري فهمي هويدي في مقال له بغياب مصر عن أفريقيا واكتفائها بـ"الفهلوة" بديلًا عن الإستراتيجية.

ويكفي النظر على سبيل المثال في تاريخ التفاعلات بين مقديشو وأديس أبابا والقاهرة لاستكشاف عمق التحولات التي كانت تجري، فأحد الدبلوماسيين الصوماليين السابقين يصف العلاقة بين بلاده وإثيوبيا بأن كلا منهما يرى الآخر "تهديدًا وجوديًا" له، حيث خاض البلدان جولات حروب عنيفة عبر قرون من الزمان.

وفي المقابل، فإن مقديشو امتنعت عن مقاطعة القاهرة إثر اتفاقية كامب ديفيد، وسبقت ذلك بإرسال كتيبة مدفعية للمشاركة في الجبهة المصرية في حرب 6 أكتوبر 1937.

الطريق إلى القمة الإقليمية

في ورقته حول السياسة الإقليمية لبلاده، يرى الخبير الإثيوبي في شؤون السلام والأمن مدهني تادسي أن نفوذ أديس أبابا الإقليمي المتنامي خلال عهد حكم الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا (1991-2016)، ارتكز على مجموعة من العوامل المتعاضدة داخليًا وإقليميًا ودوليًا.

ووفقًا لتادسي فقد تبلور لدى القيادة الإثيوبية منذ تسعينيات القرن الماضي رؤية مفادها أن حدوث تحول جيوسياسي إقليمي لمصلحتهم مشروط اقتصاديًا بتحويل "إثيوبيا من كارثة فقيرة إلى بلد أكثر إنتاجية"، فالدولة التي تتمتع باقتصاد قوي ستكون في وضع أفضل كثيرًا للتنافس ومواجهة التهديد الإستراتيجي القادم من مصر.

بدأ هذا التحول بالمحافظة على بيئة سياسية داخلية مستقرة نسبيًا بشكل واضح، فرغم التحديات العرقية والاضطرابات الدورية استطاعت الحكومة المركزية بقيادة زعماء مثل ملس زيناوي، الذي وصفه مسؤول أميركي سابق بأنه "أحد أذكى خمسة قادة في أفريقيا"، فرض سيطرتها والحفاظ على الأمن مما أتاح لها البيئة المناسبة لتنفيذ نقلة اقتصادية كبرى.

هذه النقلة التي يصفها بعض المختصين بأنها "إحدى القصص العظيمة في القرن الحادي والعشرين"، قفزت إثيوبيا بموجبها من ثالث أفقر دولة في العام عام 2000 إلى أحد أسرع اقتصادات العالم نموًا بمعدل بلغ 10% في بعض السنوات، وكان هذا نتاج الاستثمار الكثيف من الدولة في المشاريع الاقتصادية ولا سيما المتعلقة بالبنى التحتية، مما حوّل البلد إلى المركز الاقتصادي الأبرز في المنطقة.

بجانب ما سبق تمكنت الحكومة الإثيوبية من بناء قواتها المسلحة من ركام الحرب الأهلية إلى أحد أكبر الجيوش في القارة الأفريقية، ومن خلال هذه القوة العسكرية قامت بالدخول في شراكات أمنية مع قوى غربية لمكافحة ما سُمي الإرهاب، مما أهلها للحصول على دعم اقتصادي وسياسي وأمني جعلها شرطي المنطقة المسنود غربيًا لسنوات طوال.

إثيوبيا في الصومال

إقليميًا، استفادت إثيوبيا من انهيار الدولة في الصومال وتراجع الدور الإريتري على إثر العقوبات والحصار الدولي على أسمرة، مبادِرة لملء كل هذه الفراغات بأدوات مختلفة استطاعت من خلالها بناء شبكة من المصالح التي تربطها بجيرانها واستدراجهم إلى الفلك الإثيوبي بشكل مواز لتراجع وغياب دور أبرز خصومها في وادي النيل: مصر المشغولة بأزماتها الداخلية وتداعيات الربيع العربي في الشرق الأوسط.

ففي الصومال مثلت القوات الإثيوبية أهم مكونات البعثة الأفريقية لحفظ السلام في الصومال (أميصوم)، وخليفتها (أتميس)، حيث تجد مقديشو نفسها بحاجة ماسة إليها في حربها مع حركة الشباب.

كما بنت أديس أبابا علاقات وثيقة مع بعض الأقاليم الفدرالية الصومالية، مما مكنها من التحول إلى وسيط بينها وبين مقديشو من جهة، وسهل لها كذلك الضغط على الأخيرة للوصول إلى بعض التفاهمات من جهة ثانية، وما يزال الدور الإثيوبي هناك مشهودًا حيث لم تنصَع أديس أبابا لمطالبات مقديشو بإغلاق قنصليتيها في إقليمي بونت لاند وأرض الصومال.

كما استفادت إثيوبيا من ورقة المياه من خلال الضغط على الحكومة الفدرالية الصومالية بإنشاء مشاريع على نهر شبيلي الذي ينبع من الهضبة الإثيوبية ويعد -هو وتوأمه جوبا- مورد الحياة الرئيسي في جنوب الصومال.

 

جيبوتي رئة إثيوبيا البحرية

من جانب آخر، مثلت جيبوتي المنفذ البديل للسوق الإثيوبي الضخم بعد حرب 1998-2000 التي أدت إلى قطيعة كاملة بين إثيوبيا وإريتريا، حيث تحول ميناء جيبوتي إلى معبر لـ95% من الواردات والصادرات الإثيوبية، وقدرت أرباح جيبوتي من هذا التعاون بمليار دولار سنويًا.

ومع تحول جيبوتي إلى رئة إثيوبيا البحرية، شهدت العلاقات بين البلدين توثقا مطردا، إذ تم ربط ميناء دوراليه الجيبوتي بأديس أبابا من خلال خط سكة الحديد البالغ طوله 756 كيلومترًا والذي يعمل بالكهرباء.

كما يوفر مشروع الربط الكهربائي بين البلدين 80% من حاجة جيبوتي من الكهرباء، وتم الإعلان عام 2019 عن توقيع اتفاقية في العاصمة الإثيوبية لمد خط أنابيب لتصدير الغاز الطبيعي بتكلفة 4 مليارات دولار.

ولمواجهة معاناة جيبوتي من توفير المياه العذبة للشرب والزراعة نتيجة البيئة الصحراوية القاحلة تم عام 2017 إطلاق مشروع بهدف ضخ 100 ألف متر مكعب من المياه يوميًا من الإقليم الصومالي في إثيوبيا إلى إقليم علي صبيح الجيبوتي، حيث تقدر كمية الضخ اليومي الآن بـ20 ألف متر مكعب.

من ذروة المد إلى الانحسار

مثّل قيام التحالف الثلاثي الذي ضم كلًا من إثيوبيا وإريتريا والصومال ذروة لحظة التفاؤل التي بدا فيها الإقليم متجهًا نحو طي صفحة الخلافات الماضية والانتقال إلى حالة من التكامل الاقتصادي والتنسيق السياسي الذي تقوده القاطرة الإثيوبية.

شكل هذا التحالف درعًا إقليميا لحماية إثيوبيا، حيث انقطع آخر تهديد يستهدفها بالمصالحة مع إريتريا، والتي فقدت القاهرة بموجبها مخلب قط متقدمًا في الخاصرة الإثيوبية، حيث تشير ورقة للصحفي الإثيوبي أنور إبراهيم إلى أن عامي 2013 و2014 شهدا محاولات تخريبية استهدفت سد النهضة وانطلقت من إريتريا.

لكن سرعان ما قادت التطورات اللاحقة إلى تغير ملامح المشهد في القرن الأفريقي، حيث أدت مخرجات حرب التيغراي (2020-2022) واتفاقية بريتوريا بين أديس أبابا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى توتر بين الأخيرة وأسمرة التي اعتبرت أن هذا الاتفاق "مكيدة أميركية" تستهدفها.

في حين دفعت المطامح الإثيوبية في الحصول على منفذ بحري إلى زيادة منسوب التوتر في العلاقات مع أسمرة والمخاوف في جيبوتي، وإلى اندلاع أزمة ما تزال تتصاعد منذ أشهر عقب توقيع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، وصفها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود "بالمساس المباشر بسيادة" بلاده، طاردًا السفير الإثيوبي من البلاد وواضعًا إلغاء المذكرة شرطًا رئيسيًا لإعادة تطبيع العلاقات مع أديس أبابا.

العودة المصرية

يمكن ملاحظة تصاعد نشاط الدبلوماسية المصرية في منطقة القرن الأفريقي منذ مايو/أيار 2021 مع هبوط طائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي على مدرجات مطار جيبوتي في أول زيارة يقوم بها رئيس مصري إلى هذه الدولة ذات الموقع الإستراتيجي الحساس.

وبينما يرى العديد من المراقبين أن غيوم التوتر التي تخيم على المنطقة تمثل بيئة مثالية لتزايد الحضور المصري، يذهب الباحث الصومالي الشافعي أبتدون، إلى أن أهم أسباب الانعطافة المصرية نحو القرن الأفريقي تتمثل في فشل المسار التفاوضي مع أديس أبابا في الوصول إلى تفاهمات نهائية حول ملف سد النهضة.

بجانب أن التوترات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وتداعياتها على الاقتصاد والأمن المصريين، طرحت أسئلة ملحة على القاهرة حول كيفية التعامل مع الواقع المستجد، حيث تطل بعض دول القرن على باب المندب الذي يعد البوابة الجنوبية لقناة السويس.

وفي سياق التنافس المصري الإثيوبي، يعتقد أبتدون أن جانبًا من التحرك المصري مرتبط بالتهديدات التي تراها القاهرة ماثلة في احتمالات حصول أديس أبابا على منفذ بحري وقاعدة عسكرية في إقليم أرض الصومال، مما يلقي بظلاله على مصالح مصر في المنطقة وعلى حركة التجارة العابرة إلى قناة السويس أيضًا.

السيسي يزور جيبوتي في أول زيارة يقوم بها رئيس مصري إلى هذه الدولة (موقع الرئاسة المصرية) الأدوات المصرية

وضمن محاولاتها للاستفادة من الواقع الجديد في القرن الأفريقي، تستخدم القاهرة العديد من الأدوات، إذ تبرز الدبلوماسية المتمثلة في الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين بين الطرفين، فكانت كل من جيبوتي ومقديشو أولى وجهات وزير الخارجية المصري الجديد بدر عبد العاطي.

كما أن القاهرة أعلنت عن نيتها افتتاح مبنى جديد لسفارتها في العاصمة الصومالية مقديشو، بجانب إطلاق خطوط طيران مباشرة بين العاصمة المصرية وكل من جيبوتي والصومال.

ويشير أستاذ الدراسات الأفريقية بدر شافعي إلى أن أمام القاهرة فرصة تاريخية لمحاولة تشكيل تحالف إقليمي بقيادتها يضم دول الجوار الإثيوبي، مستغلة حالة التوتر بين هذه الدول وأديس أبابا، وهو ما بدأت ملامحه بالظهور مع الأنباء التي ترددت مطلع هذا العام حول تزايد احتمالات تكوُّن تحالف مصري إريتري صومالي.

في حين يظل الانخراط في شراكات أمنية عسكرية مع دول المنطقة أحد الخيارات المتاحة أمام القاهرة، إذ أقر مجلس الوزراء في كل من الصومال ومصر اتفاقية أمنية دفاعية ستتيح للأخيرة -ضمن أشياء أخرى- تدريب القوات الصومالية ودعم المؤسسات الأمنية الصومالية تقنيًا ولوجستيًا.

كما أن القاهرة طالبت بالمشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لدعم الاستقرار في الصومال والتي ستبدأ مهامها العام القادم.

وفي منطقة تتسم التحالفات فيها بسرعة البناء والتفكك، فإن فعالية هذه الأدوات المصرية وديمومتها مرتبطان بوجود إستراتيجية واضحة قادرة على استقطاب دول القرن الأفريقي، وموازنة أدوات النفوذ الإثيوبي في المنطقة، ومزاحمة القوى الدولية والإقليمية الأخرى المحتشدة هناك، وهو ما ستتكفل قادمات الأيام بكشفه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القرن الأفریقی فی الصومال أدیس أبابا فی القرن من خلال

إقرأ أيضاً:

إثيوبيا تمنع القوات المصرية من الوصول إلى الصومال بتصعيد مفاجئ

سيطرت القوات الإثيوبية على مطارات رئيسية في منطقة جيدو بالصومال، بما في ذلك لوق ودولو وبارديري، وذلك في محاولة لمنع النقل الجوي المحتمل للقوات المصرية إلى المنطقة التي من المقرر أن تحل محل القوات الإثيوبية التي تدير عشرات القواعد في ولايات جنوب غرب البلاد وجوبالاند وهيرشابيل.

وبحسب صحيفة "صومالي غارديان" المحلي يأتي الاستيلاء على هذه المطارات وسط تصاعد التوترات بين حكومتي مقديشو وأديس أبابا، ومؤخرًا، أصدر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تحذيرًا صارمًا ضد أي محاولات لغزو إثيوبيا، مما يشير إلى خطورة الموقف.

وينظر إلى التدخل الإثيوبي باعتباره خطوة استراتيجية لتعطيل النشر المخطط له للقوات المصرية، حيث تعد سيطرة إثيوبيا على المطارات مهمة كونها نقاط الوصول الوحيدة إلى المدن في منطقة جيدو.


وتتضمن اتفاقية الدفاع الأخيرة بين الصومال ومصر نشر 5000 جندي مصري في إطار مهمة حفظ السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي، مع 5000 جندي إضافي بموجب اتفاقية ثنائية منفصلة، وقد حشدت إثيوبيا الدول الإقليمية المتحالفة لمعارضة هذا النشر، مما أدى إلى تصاعد التوترات.

ويعكس الموقف صراعًا جيوسياسيًا أوسع نطاقًا في الصومال، والذي تفاقم بسبب الاتفاق الأخير بين إثيوبيا ودولة أرض الصومال المعلنة ذاتيًا. وقد أثار هذا الاتفاق، الذي يتضمن استئجار أرض على طول البحر الأحمر لقاعدة بحرية، غضب الحكومة الصومالية، التي تعتبره انتهاكًا لسيادتها.

حذر المسؤولون الصوماليون من وجود القوات الإثيوبية مطالبة بانسحابها من الصومال بحلول العام المقبل، ومع ذلك، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت الحكومة الصومالية قادرة على فرض هذا الانسحاب، نظرًا للوجود الراسخ للقوات الإثيوبية في مناطق مثل جيدو وهيران وباي وباكول.

وتزداد الصراعات تعقيدا بسبب النزاع المستمر بين إثيوبيا ومصر بشأن سد كهرومائي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل. وكان هذا السد نقطة خلاف، مضيفا طبقة أخرى من التعقيد إلى الديناميكيات الإقليمية.


مقالات مشابهة

  • خارجية الصومال: إثيوبيا ترفض التحكيم وفق قانون البحار وتطالب بالوجود في مياهنا
  • عاجل| وزير الخارجية الصومالي يكشف حقيقة المزاعم بشأن نقل صراع سد النهضة الإثيوبي إلى بلاده
  • إثيوبيا تمنع القوات المصرية من الوصول إلى الصومال بتصعيد مفاجئ
  • الجيش الإثيوبي يسيطر على مطارات جنوبي الصومال
  • سكرتير إيقاد يبحث مع المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي الأزمة السودانية
  • إثيوبيا أول دولة في العالم تحظر سيارات البنزين والديزل.. ماذا يعني القرار؟
  • شجار وضرب في برلمان إثيوبيا.. ما حقيقة الفيديو؟
  • ما وراء عرض جيبوتي منفذا بحريا لإثيوبيا؟
  • المستشار المفلحي يكشف عن سبب جوهري لمشكلة الصراعات والحروب في اليمن
  • ما خيارات مصر للرد على مساعي إثيوبيا لإنشاء مفوضية «حوض النيل»؟ أديس أبابا تقدمت بطلب للاتحاد الأفريقي