أنقرة- استقبل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أمس الثلاثاء، نظيره الأذربيجاني جيحون بيراموف، في لقاء تركز على مناقشة تطورات القضايا الإقليمية الجارية.

وأكد فيدان على عمق العلاقات الأخوية التي تربط بين تركيا وأذربيجان، مشددًا على أنها تقوم على أسس تاريخية وثقافية ولغوية وهوية مشتركة، وشدد على أن البلدين سيظلان متضامنين في كافة الظروف، سواء كانت جيدة أو سيئة.

ولم تغب القضية الفلسطينية عن اللقاء، حيث تطرق النقاش إلى العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من 10 أشهر، مما أثار تساؤلات حول مدى تطابق الرؤى بين البلدين بشأن هذه القضية.

باكو وحرب غزة

في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان ازدهارًا ملحوظًا على جميع الأصعدة، فأصبحت الأخيرة واحدة من أكبر وجهات صادرات الأسلحة الإسرائيلية التي شكلت -بما فيها الطائرات الدقيقة وأنظمة اعتراض الصواريخ- عنصرًا حاسمًا في تفوق باكو خلال حرب قره باغ الثانية.

ووفقًا للخبراء، فقد قدمت إسرائيل حوالي 70% من ترسانة أذربيجان بين عامي 2016 و2020، مما منح باكو ميزة كبيرة أمام أرمينيا، وساهم بشكل كبير في تعزيز صناعة الدفاع الإسرائيلية.

وعلى الجانب الآخر، قامت أذربيجان بزيادة إمداداتها من الطاقة لإسرائيل، لتصبح مصدرًا رئيسيًا يوفر حوالي 40% من احتياجات الطاقة الإسرائيلية بعد اندلاع حرب أوكرانيا، ولم تقتصر العلاقة بين الطرفين على التعاون الاقتصادي والعسكري فحسب، بل امتدت إلى المجال الاستخباراتي، حيث تجد إسرائيل في أذربيجان موقعًا إستراتيجيًا لممارسة أنشطتها الاستخباراتية ضد "خصمها اللدود" إيران.

ومع تزايد التوترات الإقليمية، خصوصًا مع إيران، تبرز أذربيجان كلاعب رئيسي غير مستعد للتخلي عن علاقته المربحة مع إسرائيل، خاصة في ظل دعمها من تركيا وتفاهماتها مع روسيا. وخلال التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد الفلسطينيين في غزة، اكتفت أذربيجان بإصدار بيانات تندد بالعنف وتدعو إلى وقف الحرب والعودة إلى مفاوضات السلام، دون اتخاذ خطوات أكثر حدة ضد إسرائيل.

ورغم تعاطف الشارع الأذربيجاني مع الفلسطينيين، فإن غياب ضغط شعبي قوي أتاح للحكومة الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع إسرائيل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الامتنان الكبير الذي تحظى به الأخيرة، لدورها في تعزيز القدرات العسكرية لأذربيجان خلال نزاعها مع أرمينيا.

وفي السياق الدبلوماسي، صوتت أذربيجان لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دعا إلى هدنة إنسانية فورية في غزة، إلا أن هذا التصويت يعكس الحد الأقصى الذي قد تصل إليه باكو في دعم القضية الفلسطينية، في ظل توازناتها السياسية ومصالحها الإستراتيجية، بحسب مراقبين.

أسلحة إسرائيلية بمعرض أذربيجان الدولي للصناعات الدفاعية في باكو عام 2014 (غيتي) تباين مع أنقرة

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، اتخذت أنقرة موقفًا حازمًا ضد الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين، حيث تصاعدت ردود الفعل التركية بدءًا من الإدانات والاستنكارات العلنية وصولاً إلى وصف الرئيسِ رجب أردوغان رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "هتلر العصر".

واتخذت تركيا خطوات ملموسة كتعليق التعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة، كما فرضت قيودًا على تصدير 54 منتجًا إلى إسرائيل. وفي مطلع مايو/أيار الماضي، صعدت أنقرة من إجراءاتها بتعليق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل، في خطوة تعكس عمق الاستياء التركي من السياسات الإسرائيلية في غزة.

وأثار التباين الواضح في موقف أنقرة وباكو تساؤلات حول مدى تأثير التوترات الأخيرة بين تركيا وإسرائيل على العلاقة الوثيقة التي تجمع الأخيرة بأذربيجان.

وفي هذا السياق، أشار عميد كلية الاقتصاد العالمي بجامعة أذربيجان الحكومية محمد يوجا -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن تركيا تدرك خصوصية العلاقة بين أذربيجان وإسرائيل، والتي تعتمد بشكل كبير على مصالح إستراتيجية لا يمكن لباكو التخلي عنها في الوقت الراهن.

وأضاف أن من أبرز هذه المصالح: الدعم الذي تتلقاه باكو، من اللوبي الصهيوني في واشنطن الذي يوازن تأثير اللوبي الأرمني، ويساعدها في تحقيق طموحاتها في التوسع بالمناطق الشمالية الغربية من إيران، المعروفة في أذربيجان باسم "أذربيجان الجنوبية".

ويرى يوجا أن الظروف الحالية تسمح باستمرار العلاقة بين أنقرة وباكو دون اضطرابات كبيرة، لكنه يحذر من أنه في حال نشوب حرب إقليمية، قد تجد أذربيجان نفسها مضطرة لاختيار حليف واحد، مع احتمال أن تكون تركيا هي الخيار الأقرب، نظرًا للعلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين.

انزعاج تركي

في حديثه للجزيرة نت، أكد المحلل السياسي المختص بالشأن التركي طه عودة أوغلو أن العلاقات التركية الأذربيجانية تتميز بصلابة واضحة، تجلت في الدعم الكبير الذي قدمته تركيا لأذربيجان خلال حرب قره باغ، واستمرار التواصل الوثيق بين البلدين.

ومع ذلك، أشار أوغلو إلى أن حرب غزة قد عقدت الأوضاع في عدة ساحات، حيث يظهر تناقض في العلاقة التركية الأذربيجانية على خلفية التصريحات المتتالية للرئيس التركي ضد إسرائيل ورئيس وزرائها، مقابل موقف أذربيجان الذي يتسم بالتحفظ وعدم انتقاد الاحتلال واستمرار التعاون العسكري والطاقوي مع إسرائيل.

وأضاف المحلل السياسي أن هذا التباين تسبب في تعقيد الأمور بين أنقرة وباكو، رغم متانة العلاقة التي تظهر في الإعلام، مشيرًا إلى وجود انزعاج تركي من موقف أذربيجان في هذا الملف، كما أوضح أنه لا يعتقد أن أنقرة تستطيع التأثير بشكل كبير على باكو فيما يتعلق باستمرار علاقاتها مع إسرائيل، خاصة وأن النفط الأذربيجاني يُنقل ويُصدر من ميناء جيهان التركي، وهو ما تحتاجه أنقرة بشدة الوقت الحالي.

وأكد أوغلو أن التوتر بين تركيا وإسرائيل سيؤثر بشكل كبير على أذربيجان، مشيرًا إلى أنه قبل اندلاع حرب غزة لعبت باكو دورًا بارزًا في تقريب وجهات النظر وتطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وهو ما أثمر عن اجتماع بين أردوغان ونتنياهو، وكان هناك توقعات بزيارة الأخير إلى أنقرة، إلا أن اندلاع الحرب في غزة أوقف هذا المسار وأجج التوترات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مع إسرائیل بین ترکیا بشکل کبیر إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

هآرتس: ما الذي تخشاه إسرائيل في غزة بمنعها دخول المراسلين الأجانب؟

دعت صحيفة هآرتس إسرائيل إلى السماح للصحفيين الأجانب بدخول قطاع غزة لتغطية الحرب، وتساءلت عما تخشاه بمنعها الإعلام الدولي من نقل ما يحدث هناك بصفة مستقلة، لا برفقة الجيش.

وفي افتتاحية بعنوان "لمَ تخشَ إسرائيل دخول صحفيين أجانب إلى غزة؟ ما الذي تخفيه؟"، كتبت الصحيفة أن الأسباب التي تذرّعت بها الحكومة الإسرائيلية لمنع دخول الصحفيين منذ بداية الحرب قبل 11 شهرا قد انتفت الآن، وأن الوقت قد حان لتسمح لهم بتغطية الأحداث في غزة بالشكل الملائم، خاصة أن دخول أي مراسل أجنبي إلى القطاع من دون إذن إسرائيلي رسمي بات مستحيلا مع تشديد الحصار، وتحديدا بعد احتلال رفح.

وأضافت هآرتس أن حظر دخول الصحفيين الأجانب من دون مرافقة الجيش الإسرائيلي يضرّ بالحق في تغطية مستقلة وبحق الإسرائيليين والعالم في معرفة ما يحدث في القطاع، وذكّرت بأن مكان الصحفي الطبيعي هو الميدان وأن دوره مخاطبة المشاهدين مباشرة لا عبر ناطقين رسميين، لينقل أجواء الحرب.

وشددت على أن التغطية الميدانية المباشرة لا يمكن مقارنتها بتغطية من طرف ثالث أو عبر حوارات هاتفية وتحليل للأحداث بالاستعانة بتسجيلات فيديو أو صور ثابتة.

مصلحة إسرائيلية

وحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن من مصلحة إسرائيل نفسها السماح بتغطية مستقلة للحرب، لتستطيع -مثلا- التحقق في وقت فعلي مما تسميه حكومة بنيامين نتنياهو مزاعم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإن هذا المنع الشامل للعمل الإعلامي المستقل يجعل المرء يتساءل: "ما الذي تخفيه إسرائيل؟ وما مصلحتها في منع الصحفيين من الوصول إلى هناك؟".

وذكّرت هآرتس بأن منع الصحفيين الأجانب من دخول غزة ألقى بعبء هائل على الصحفيين الفلسطينيين الذين يعانون هم أنفسهم ويلات الحرب والحياة القاسية، وقالت إن 111 فلسطينيا يمتهنون الإعلام قد قتلوا منذ بداية الحرب، وذلك يجعل الحاجة ماسة إلى السماح بعمل صحفيين أجانب ليسوا طرفا في النزاع، خاصة أن إسرائيل تدّعي أن 3 من الإعلاميين الفلسطينيين القتلى ناشطون في حماس وحركة الجهاد الإسلامي.

وأضافت أن من المهم وجود صحفيين يغطون ما يحدث من دون ضغط مجتمعهم وحكوماتهم، وأن دور مراسل يعمل في الميدان بات أهم من أي وقت مضى خاصة في حروب السنوات الأخيرة، إذ باتت أي لقطة مثار شك بسبب تطور الذكاء الاصطناعي وقدرته على توليد الصور.

وسخّفت الصحيفة في الختام الزعم الإسرائيلي القائل إن تغطية الأحداث برفقة قواتها في غزة بديل كاف، وشددت على ألا غنى عن عمل صحفي مستقل في القطاع يستطيع فيه المراسل الحديث إلى السكان والسفر إلى أماكن تهمّ المشاهد والعاملين في حقل الإعلام.

ودعت الجيش إلى التوقف عن إملاء شكل التغطية وإلى السماح بدخول المراسلين الأجانب ليفهم الناس ما يجري هناك وينقشع قليلا ضباب الحرب.

مقالات مشابهة

  • بدأت عام 1960.. هل تقطع السنغال علاقاتها مع إسرائيل تضامنا مع غزة؟
  • تركيا تعلن عن فتح تحقيق بمقتل الناشطة عائشة نور برصاص إسرائيلي
  • تركيا تعلن فتح تحقيق بمقتل عائشة نور برصاص إسرائيلي
  • ملكة جمال تركيا 2024 ابنة سفير أنقرة في أوكرانيا
  • تركيا تفتح تحقيقا في اغتيال الناشطة عائشة نور بالضفة الغربية
  • بعد مقتل عائشة بالضفة.. تركيا تعتزم طلب مذكرات اعتقال دولية
  • تركيا تطالب بمذكرات اعتقال دولية بعد مقتل عائشة نور
  • تباين الآراء في الاتحاد الأوروبي: سانشيز يدعو لإعادة النظر في الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية
  • هآرتس: ما الذي تخشاه إسرائيل في غزة بمنعها دخول المراسلين الأجانب؟
  • الحواط: لإعادة النظر في تعرفة الكهرباء ورسم العداد