هل يعزز القرار بشأن محرك البحث «جوجل» إنفاذ مكافحة الاحتكار؟
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
في وقت سابق من هذا الشهر، تلقت شركة جوجل ضربة قوية قد تمهد الطريق لموجة من قضايا مكافحة الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا الكبرى. في الأولى بين دعوتين قضائيتين أقامتهما وزارة العدل الأمريكية ضد الشركة، حكم قاضي المقاطعة أميت ميهتا بأن جوجل انتهكت قانون مكافحة الاحتكار من خلال الحفاظ على احتكار غير قانوني في البحث عبر الإنترنت وأسواق الإعلان على محركات البحث.
هذا يثير التساؤل حول العلاجات التي يتعين على جوجل تطبيقها، حيث أفادت التقارير أن وزارة العدل تفكر في حَـلّ الشركة. لكن السؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كانت القضية لتحفز الإصلاحات اللازمة لتعزيز المنافسة في صناعة التكنولوجيا الـمُـحـتَـكَـرة اليوم أو تنتهي بنا الحال إلى تذكر هذه المناسبة على أنها فرصة ضائعة.
بصفتي مسؤولة سابقة عن إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار أمضيت سنوات في التحقيق والتقاضي ضد شركة جوجل، أعتقد أن قرار ميهتا المدروس يحظى بفرصة ممتازة لتأييده في الاستئناف. في حين أن مجرد الاحتفاظ باحتكار ليس ممارسة غير قانونية بطبيعتها، فإن استخدام هذه القوة لخنق المنافسة ــ كما فعلت جوجل ــ غير قانوني.
من خلال الاستفادة من عقود الانفراد لمنع المنافسين من تأمين وضع ضمني على نقاط الوصول البحثية الرئيسية مثل متصفح سفاري على أجهزة آيفون وفرض أسعار شديدة التنافسية في سوق الإعلانات النصية، تمكنت جوجل من سحق المنافسين المحتملين. أعلنت شركة جوجل بالفعل عن نيتها استئناف القرار أمام محكمة الاستئناف الأمريكية في مقاطعة كولومبيا ــ ذات المحكمة التي قضت بأن شركة ميكروسوفت انتهكت قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار في عام 2001.
وهذا يؤكد على أوجه التشابه اللافتة للنظر بين القضيتين. فمثل الحكم في قضية ميكروسوفت، لم تكن قضية جوجل مبنية على نظريات قانونية جديدة أو تفسيرات هامشية لقانون مكافحة الاحتكار. بل اتَّــبَع ميهتا عن كثب المنطق الموضح في القرار بشأن ميكروسوفت، متبنيا نهجا محافظا من شأنه أن يعزز فرص حكمه في الصمود في وجه طعن جوجل. إذا حظي القرار بالتأييد، فقد يغير جوهريا الطريقة التي تدير بها منصات التكنولوجيا الكبرى وغيرها من الشركات المهيمنة أعمالها، فيجعلها أكثر عزوفا عن الدخول في عقود حصرية بهدف استبعاد المنافسين. لكن مدى هذا التحول سيعتمد على شدة العلاجات بدرجة أكبر من اعتماده على الحكم ذاته. لاستعادة المنافسة في البحث والإعلانات على محركات البحث، يجب أن تكون العلاجات متعددة الجوانب وبنيوية، والأهم من ذلك، يجب أن تعالج الأسباب الجذرية لحدوث الضرر الناجم عن ممارسات جوجل المناهضة للمنافسة. لن تكون صفعة على المعصم كافية؛ بل يجب أن تكون العقوبة شديدة بالقدر الكافي لتعمل كتحذير لمحتكرين آخرين.
الواقع أن التأثيرات المترتبة على هزيمة جوجل تتجاوز هذه القضية إلى حد كبير، حيث تُـظهِـر أن شركات التكنولوجيا الكبرى ليست محصنة ضد الـمُـساءلة وأن قانون شيرمان لعام 1890 لا يزال من الممكن تطبيقه لمحاسبة المحتكرين. ومع ملاحقة الحكومة الأمريكية بالفعل لشركة أبل وشركة أمازون بدعاوى مكافحة الاحتكار، فضلا عن قضية أخرى ضد جوجل ــ هذه المرة في سوق تكنولوجيا الإعلان (التكنولوجيا الإعلانية) ــ فقد تواجه شركات التكنولوجيا الـمُـحـتَـكِـرة الكبرى قريبا حسابا مؤلمًا.
على وجه الخصوص، قد يؤثر قرار ميهتا بدرجة كبيرة على محاكمة شركة جوجل بشأن تكنولوجيا الإعلان، والتي من المقرر أن تبدأ في التاسع من سبتمبر. وفي حين لا يضمن الحكم بأن جوجل محتكرة في مجال البحث العام نتيجة مماثلة في قضية تكنولوجيا الإعلان، فإن الأمر لا يخلو من أوجه تشابه واضحة بين سلوك جوجل في السوقين. ففي كل منهما، استغلت جوجل هيمنتها لقمع المنافسة واستخراج أرباح مفرطة من خلال التلاعب بمزادات الإعلانات.
نظرا لأوجه التشابه هذه، من المرجح أن تعتمد قاضية المحكمة الجزائية الأمريكية ليوني برينكيما بشكل كبير على قرار ميهتا عند البت في قضية تكنولوجيا الإعلان. وفي حين لا يزال القرار في محاكمتي مكافحة الاحتكار ضد شركتي أبل وأمازون على بعد سنوات، فإن تأثير الحكم بشأن محرك البحث جوجل على هاتين القضيتين سوف يتوقف إلى حد كبير على نتيجة الاستئناف.
من المؤسف أن الحكم بشأن محرك البحث جوجل لم يكن انتصارا كاملا للقائمين على إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار، حيث رُفِـضَـت مطالبات إضافية رفعها مدّعو العموم في الولاية. على سبيل المثال، رفضت المحكمة الادعاء بأن أداة إدارة محرك البحث SA360 التابعة لشركة جوجل فضلت خدماتها بشكل غير عادل. في قراره، زعم ميهتا أن الشركة لم تكن مسؤولة عن هذا السلوك لأنها لم تكن ملزمة بالتعامل مع منافسيها، على الرغم من وعدها بأن تظل SA360 طرفا ثالثا محايدا عندما تم الاستحواذ عليها في عام 2008. حَـكَـم ميهتا لصالح الحكومة فقط في التهم الأكثر تحديدا. تُـرى هل يحفز القرار بشأن محرك البحث جوجل المنافسة الحقيقية في قطاع التكنولوجيا؟ ربما لا يفعل. فبرغم أن هذه القضية تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، فإن قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي لا يزال مثقلا بسوابق سيئة، وكثيرا ما تتردد المحاكم في الحكم ضد الشركات الضخمة. رغم أن المحاكمة بشأن محرك البحث جوجل كانت واضحة نسبيا ــ وهي في الأساس نسخة محدثة من قضية مكافحة الاحتكار ضد شركة ميكروسوفت ــ فقد استمرت عشرة أسابيع، وانتهت بقرار من 286 صفحة لا يزال من الممكن إلغاؤه.
من الواضح على نحو متزايد أن الكونجرس لابد أن يتدخل ويصلح قوانين مكافحة الاحتكار لضمان حصول الشركات الصغيرة على فرصة عادلة للنمو والازدهار. ربما خسرت جوجل هذه المعركة، لكن الحرب من أجل الأسواق التنافسية لن تُكْسَب في المحاكم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مکافحة الاحتکار شرکة جوجل لا یزال
إقرأ أيضاً:
سلطنة عُمان تعزز حماية المنافسة ومكافحة الاحتكار لتحقيق استقرار اقتصادي
العُمانية: شهدت سلطنة عُمان تطورات ملحوظة في تقليل الممارسات الضارة بأصحاب الأعمال ورفع مؤشراتها في مجال حماية المنافسة ومنع الاحتكار وزيادة وعي الجمهور بأهمية الإبلاغ عن الممارسات غير المشروعة؛ إذ تقلص عدد الممارسات الضارة المسجلة إلى 14 ممارسة خلال السنوات الخمس الماضية.
وتعد حماية المنافسة ومنع الاحتكار من العناصر الأساسية التي تسهم في تحقيق التوازن الاقتصادي وتعزيز العدالة في الأسواق، حيث تحفز المنافسة الابتكار والتطوير وتحسين الجودة والخدمات، بينما يمثل الاحتكار تهديدًا للمنافسة ويؤثر سلبًا على الاقتصاد،؛ إذ يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتقليل الجودة وتقليل الابتكار.
وأكد أحمد بن سالم الراسبي مدير عام مركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن الوزارة عززت تعاونها مع منظمات دولية مثل منظمة التجارة العالمية والاتحاد الأوروبي لتبادل الخبرات وتطبيق أفضل الممارسات ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، كما وقّعت مجموعة من الاتفاقيات مع الدول الرائدة في مجال المنافسة ومنع الاحتكار.
وقال في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية: إن هذا التعاون يعكس التزام سلطنة عُمان بالاندماج في الاقتصاد العالمي وتبنّي معايير دولية في مجال حماية المنافسة؛ مما يسهم في تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات العالمية في هذا المجال.
وأشار إلى أنه وفق التقرير الأخير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا فإن موشرات سلطنة عُمان في مجال حماية المنافسة ومنع الاحتكار شهدت تحسنًا ملحوظًا في عدد من المؤشرات منها مؤشر ممارسات إنفاذ قوانين المنافسة ومؤشر مكافحة الهيمنة والاحتكار ومؤشر التوافق مع اتفاقيات التجارة الدولية.
وأوضح أن هناك تحسنًا ملحوظًا في مؤشر أطر الدمج والتركيز الاقتصادي؛ ما يعكس تحسن جاهزية سلطنة عُمان لتيسير عمليات الدمج والاستحواذ وتعزيز الاستثمارات مع التركيز على الأحكام التشريعية وإجراءات مراجعة معاملات الدمج والاستحواذ والموافقة عليها.
وأضاف: إن التحسن في مؤشرات سلطنة عُمان في هذا المجال يؤكد التزامها بتعزيز بيئة الأعمال وتحسين الأطر التشريعية المتعلقة بحماية المنافسة ومنع الاحتكار، ما يعزز جاذبية السوق للاستثمارات ويسهم في النمو الاقتصادي المستدام.
وبيّن مدير عام مركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن سلطنة عُمان تابعت 169 موضوعًا متعلقًا بحماية المنافسة في النصف الأول من عام 2024، وتعمل الوزارة على مبادرة لتحويل خدمات المركز إلى خدمات إلكترونية لتسهيل الإجراءات وتحسين جودة الخدمات المقدمة.
وأشار إلى أن الوزارة قامت بتحديث التشريعات الخاصة بحماية المنافسة ومنع الاحتكار، وقد استخدمت تقنيات حديثة لتحليل البيانات التجارية والكشف عن التلاعب ونفّذت عددًا من الدراسات بما نسبته 80 بالمائة من مخرجاتها وتوصياتها.
كما لفت إلى أن مركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار يقدم مجموعة من الخدمات تشمل بحث حالات الاحتكار والتركيز الاقتصادي والتحقيق في الممارسات المحظورة ومن بينها تحقيقات مكافحة الإغراق والدعم والتدابير التعويضية والوقائية والبالغ عددها حاليًّا 20 تحقيقا ضد الواردات الأجنبية والتي فرض رسومًا نهائية ضد بعض منتجاتها بقيمة إجمالية تقدر بـ 1.5 مليون ريال عُماني وأكثر من 10 تحقيقات ضد الصناعة الوطنية ودراسة طلبات التركيز الاقتصادي المقدمة للمركز واستلام الشكاوى والبلاغات المقدمة من الأشخاص والتحقيق فيها.
وأكد مدير عام مركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن جهود الوزارة تجسد حرصها لضمان سوق تنافسية غير مشوهة؛ إذ وضعت سياسات صارمة لمكافحة الاحتكار ورصد الممارسات الضارة بالسوق وتعزيز الشفافية من خلال تقديم تقارير دورية عن مستوى التنافسية في الأسواق، كما تتعاون مع الهيئات الرقابية لضمان الالتزام بالقوانين المعمول بها.