يجب أن يكون تاريخ بريطانيا في إرساء القانون الدولي ودعمه مصدرا للاعتزاز. فقد كانت المملكة المتحدة ذات يوم في صدارة الدول التي تحاكم جرائم الحرب وتحمي حقوق الإنسان الدولية وتشارك في وضع اتفاقية جنيف. غير أن حكومات حديثة تعاملت مع القانون الدولي بازدراء، إذ شرَّعت إدارات متعاقبة تابعة لحزب المحافظين ما ينتهك اتفاقية التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي بعد شهور من إقرارها، وانتهكت اتفاقية اللاجئين بخطة رواندا، وكررت التهديد بالانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

ولقد سنحت بالانتخابات العامة فرصة لإعادة ضبط المسار. فكان من أوائل ما قامت به حكومة ستارمر أن أوقفت محاولة المملكة المتحدة لإعاقة قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع في حكومته يوآف جالانت. كما استأنف رئيس الوزراء الجديد تمويل وكالة أونروا لغوث اللاجئين.

غير أن هذه الخطوات الإيجابية لا تحكي القصة الكاملة. فقد دعا ديفيد لامي حينما كان في المعارضة إلى نشر المشورة القانونية بشأن مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل. ومنذ تولى السلطة، يزعم لامي أن نشر المشورة «عملية شبه قانونية ومن المهم أن أتبع الإجراءات بالطريقة الملائمة». والحكومة لديها السلطة المطلقة لنشر المعلومات بموجب الفقرة الثامنة والسبعين من قانون المعلومات لعام 2000. أما قرار عدم النشر فهو قرار سياسي.

غير أن بوسعنا أن نرى لمحة من رؤية الحكومة القانونية في مذكراتها المقدمة بشأن الاعتراضات المستمرة على مبيعات الأسلحة لإسرائيل (إذ لا تزال حكومة ستارمر تدافع عن القضية). يبدو أن موقف الحكومة لا يزال بصفة عامة هو أن مبيعات الأسلحة قانونية لأن إسرائيل لا تنتهك القانون الدولي. غير أن الحكومة تعتمد بصورة كبيرة على الضمانات المقدمة من إسرائيل نفسها. وليس من الواضح ـ في هذه الأوراق على الأقل ـ ما لو أن المملكة المتحدة قد بذلت أي جهد للتحقق من مزاعم إسرائيل.

إن قضية مبيعات الأسلحة المرفوعة على الحكومة أمر يتعلق بالقانون المحلي. ولكن للمملكة المتحدة أيضا التزامات (بل ومسؤوليات محتملة) بموجب القانون الدولي. في مايو، انتهت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة إلى أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهذه تتضمن التعذيب والقتل والعنف الجنسي واستعمال التجويع ضد المدنيين باعتباره وسيلة حرب. وفي يوليو قضت محكمة العدل الدولية بأن احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة غير قانوني. وانتهت إلى أن إسرائيل انتهكت حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير واستحقاقهم للتخلص من «التمييز العنصري والفصل العنصري».

في غداة حكم محكمة العدل الدولية، كلفتني منظمة (العدالة العالمية الآن)، وهي منظمة تنموية غير حكومية، بتقديم مشورة قانونية حول ما إذا كانت المملكة المتحدة (أي أفراد في الحكومة) قد تكون انتهكت القانون الدولي بدعمها أنشطة إسرائيل. وحينما تقوم دولة أو فرد بتقديم «عون أو مساعدة» تيسِّر جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية أو انتهاكا لقانون دولي آخر، فمن الممكن معاملة أي منهما كما لو أنه ارتكب هذه الأخطاء بنفسه. فلو أن أسلحة أو معلومات من أسلحة المملكة المتحدة أو معلوماته ـ على سبيل المثال ـ قد استعملت في عمليات تتضمن تعذيبا أو قتلا، قد تقرر محكمة أن المملكة المتحدة أسهمت في هذه الأخطاء.

في أغلب الحالات تتحمل الدولة أو الفرد مسؤولية قانونية في حال «المعاونة والمساعدة» مع معرفتهما أن هذه المساعدة سوف تسهم «وفقا لمسار الأحداث الطبيعي» في ارتكاب الخطأ. وفي الجرائم الأشد خطرا، من قبيل الإبادة الجماعية أو انتهاك حق تقرير المصير، لا يلزم إثبات المعرفة. وبما أن كثيرا من جوانب علاقة المملكة المتحدة بإسرائيل تخضع للسرية، فمن المستحيل معرفة النطاق الكامل لمساعدة المملكة المتحدة أو معرفتها. غير أن هناك دواعي منطقية للقلق.

تتجاوز «المعاونة والمساعدة» المقدمة من المملكة المتحدة لإسرائيل كثيرا مبيعات الأسلحة. فاتفاقية التبادل التجاري بين البلدين تمنح كلتا الدولتين القدرة على الوصول إلى أسواق إحداهما الأخرى بشروط تفضيلية. والأراضي المحتلة مدمجة في اقتصاد إسرائيل. وبعض الشركات تجري أعمالا في هذه الأراضي قبل نقل المنتجات إلى إسرائيل للتصدير. ومن الصعب الاعتقاد بأن مسؤولي الحكومة لا يعرفون أن تيسير التبادل التجاري الذي يتيح لإسرائيل و/أو لشركات إسرائيلية التربح من الأراضي المحتلة يعين ويساعد الاحتلال الإسرائيلي. فبدلا من التفاوض من أجل اتفاقية أقوى، قد يتوقع المرء مراجعة، وبخاصة في ما يتعلق باتفاقية تساعد إسرائيل على التربح من احتلال غير مشروع بما يضع المملكة المتحدة يقينا في موضع انتهاك القانون الدولي.

والمملكة المتحدة أيضا تقدم المعلومات والمساعدة (وكذلك مبيعات الأسلحة). وثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الحكومة تعرف أن هذا ييسر ارتكاب أخطاء. وقد قال مارك سميث ـ المعني بكشف تجاوزات وزارة الخارجية ـ بشأن هجوم إسرائيل على غزة: إن «أي شخص لديه الحد الأدنى من فهم هذه الأمور يمكن أن يرى أن جرائم حرب تُرتكب...جهارا، وعيانا، وبانتظام». وفي شهر مارس، قالت أليشيا كيرنز، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية (آنذاك)، في فعالية لجمع التبرعات لصالح حزب المحافظين: إنها تعتقد أن الحكومة تلقت مشورة قانونية مفادها أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي.

لقد انتهى تحقيق تابع للأمم المتحدة إلى أن سلوك إسرائيل يعكس مبدأ الضحية. ويقتضي هذا المبدأ استعمال قوة غير متناسبة ضد المدنيين من أجل ردع المقاومة. ولو أن لدى الحكومة أسبابا للاعتقاد بأن إسرائيل تستعمل هذا المبدأ في غزة، فمن الصعب أن تنكر معرفتها بأن توفير المعونة والمساعدة لعمليات إسرائيل سوف ييسر «في مسار الأحداث الطبيعي» ارتكاب أخطاء. وفي حين أن لامي يميز بين الإمداد بأسلحة «هجومية» وأسلحة «دفاعية»، فلا قيمة للإشارة إلى أن عمليات إسرائيل في غزة هي جميعا عمليات توصف بـ«الدفاع عن النفس».

ثمة احتمال كبير بأن تكون المملكة المتحدة مذنبة ـ هي أو أفراد فيها ـ بمعاونة ومساعدة انتهاكات ثابتة أو مزعومة من إسرائيل للقانون الدولي. والحقيقة تكمن في المعلومات المتعلقة بمبيعات الأسلحة، وتبادل المعلومات، والتجارة، والمشورة القانونية التي لا تزال الحكومة تحافظ على سريتها دون الجمهور. ومن المفارقات أن تكون الحكومة وحدها هي التي تعرف على وجه اليقين ما لو أن المملكة المتحدة تنتهك القانون الدولي. إن على المملكة المتحدة، وهي عضو في مجال الأمن التابع للأمم المتحدة، واجبا بأن تكون قدوة في احترام القانون، وحكومة حزب العمال الآن لديها فرصة لأن تكون أفضل من الحكومات السابقة وعليها التزام بذلك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المملکة المتحدة القانون الدولی مبیعات الأسلحة أن إسرائیل أن تکون غیر أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

بريطانيا توسع نفوذها في أفريقيا تحت غطاء الأمن

"الجيش البريطاني يفتح الأبواب أمامي حقاً"، بهذه العبارة اختصرت المفوضة البريطانية العليا في ملاوي، هولي تيت، الحيوية التي تتصف بها "الدبلوماسية الأمنية" في الحفاظ على أهمية الدور الذي تلعبه لندن في القارة الأفريقية.

وقد شهدت السنوات الماضية بروزا لاستخدام لندن مظلة التعاون العسكري الأمني لتعزيز نفوذها الجيوسياسي والانخراط في ما يصفه العديد من المراقبين بـ"التكالب الثاني على أفريقيا"، ببناء شراكات مع دول القارة السمراء، مستفيدة من شبكة من الأدوات تمتد من التدريب العسكري إلى المشاركة في مهام حفظ الأمن الأممية في القارة.

حكومة بوريس جونسون (السادس من جهة اليمين) كانت قد نشرت أوسع مراجعة شاملة لقضايا السياسة الخارجية والأمن (الفرنسية) بريطانيا العالمية

مثّل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) منعطفاً حاسماً دفع لندن إلى إعادة رسم شبكة تحالفاتها الدولية، وإعادة تعريف دورها العالمي بتعزيز إستراتيجية "بريطانيا العالمية".

ففي مارس/آذار 2021، نشرت حكومة رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون أوسع مراجعة شاملة لقضايا السياسة الخارجية والأمن، التي وفرت بدورها إطاراً شاملاً لمشاركة المملكة المتحدة في الخارج حتى عام 2030.

إعلان

التزمت هذه الرؤية المشاركة متعددة الأوجه في أفريقيا بما يخدم الدور العالمي للمملكة المتحدة، بالاستثمار الاقتصادي والتنموي، مشيرة خاصة إلى ضرورة القيام بدور فاعل في قضايا عسكرية وأمنية كدعم حل النزاعات وحفظ السلام ومواجهة المخاوف الأمنية ومكافحة الإرهاب وتوثيق التعاون الدفاعي مع دول في القارة.

كما حفز تزايد نفوذ قوى دولية وإقليمية في أفريقيا بريطانيا على السعي نحو دور نشط يضمن مصالحها الاقتصادية واستثمارات شركاتها في "قارة المستقبل"، وتشير دراسة صادرة عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة إلى ما وصفتها بـ"بيئة دولية متزايدة التنافسية" تفرض تحدياتها على صانع إستراتيجية لندن في شرق أفريقيا.

وبنشاطها العسكري، تسعى بريطانيا إلى تأمين حرية الملاحة وضمان استمرار تدفق السلع والطاقة إلى أوروبا عبر ممرات بحرية إستراتيجية هامة كمضيق باب المندب وخليج غينيا، حيث تلعب البحرية البريطانية دورا بارزا في هذا المجال.

ويؤكد كتاب أصدرته وزارة الدفاع البريطانية بعنوان "الدفاع في عصر تنافسي" على أهمية المساهمة الفعالة في مكافحة التنظيمات الإرهابية في القرن الأفريقي ومنطقة الساحل بالتعاون مع الحلفاء الأفارقة والدوليين.

إلى جانب ما سبق، تعزو لندن مشاركتها في أفريقيا إلى تعزيز الاستقرار الأمني ومكافحة الجريمة المنظمة وعصابات التهريب بما يسهم في الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، وهو ملف ضاغط سياسياً في بريطانيا دفع الحكومة السابقة إلى توقيع اتفاقية مع رواندا تستقبل الأخيرة بموجبها هذه الشريحة حتى يبت في ملفاتهم، قبل أن تلغى الاتفاقية في وقت لاحق.

وفق مقاربة تقوم على حل هذه المعضلة بتجفيف المنابع، وقد أعلن وزير وزارة الخارجية البريطانية ديفيد لامي عام 2024 إطلاق حزمة تمويل بلغت 84 مليون جنيه إسترليني سينفق جزء منها على تعزيز القدرة على مجابهة مخاطر النزاع وتغير المناخ في مناطق منها أفريقيا "بغية خفض أعداد المهاجرين".

إعلان جهود تدريبية

تقدم المملكة المتحدة تدريبات متخصصة للجيوش الأفريقية لتعزيز قدراتها في مواجهة التحديات الأمنية والمساهمة في مهام حفظ السلام، وتشير معلومات منشورة على موقع الحكومة البريطانية عام 2017 إلى استثمار ثلثي إجمالي جهود فريق التدريب البريطاني قصير الأمد على مستوى العالم في أفريقيا، وهو ما يعادل نحو 18 ألف يوم تدريب سنوياً.

وعادة ما تكون هذه التدريبات مكثفة وقصيرة الأمد، تتراوح بين أيام وأسابيع، ويتم تنفيذ بعضها في المعسكرات البريطانية داخل أفريقيا، أو داخل الدول المستفيدة منها، كما قد يستضاف الجنود في المملكة المتحدة في برامج تدريبية متقدمة، وتشمل قائمة الدول المستفيدة من هذه التدريبات تونس ومالي وجنوب أفريقيا وسيراليون ومالاوي وغامبيا وتنزانيا وأوغندا إلى جانب دول أخرى.

وتعتبر نيجيريا وكينيا من أهم الدول المستفيدة من هذه البرامج، حيث تدرب آلاف الجنود على مجالات كمكافحة الجماعات المسلحة والتمرد والعمليات البرية والتكامل الجوي البري وتقنيات الإسعاف وتحسين الجاهزية العملياتية.

أما في الصومال فتركز الجهود البريطانية على دعم بناء قوات النخبة في الجيش الصومالي وتأهيلها للقيام بالعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب وحماية المنشآت الحيوية وتحرير الرهائن.

الأمير ويليام (الرابع يمين) يتحدث إلى كتيبة تتدرب تحت إشراف وحدة تدريب الجيش البريطاني في كينيا (باتوك) (أسوشيتد برس) الأمن البحري

يمثل أمن الممرات المائية أحد المحاور الرئيسية للنشاط العسكري الأمني البريطاني في القارة الأفريقية، ويُعتبر كل من خليج غينيا وباب المندب ركيزتين أساسيتين لأمن الطاقة والتجارة البريطانية، إضافة إلى كونهما مسرحين أساسيين لتعزيز الحضور العسكري والدبلوماسي لبريطانيا في مواجهة تحديات القرصنة والمنافسة الدولية.

ويحتوي خليج غينيا على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، وتعمل فيه شركات بريطانية كبرى مثل بي بي وشيل، ما يجعله مصدراً مهماً للطاقة للأسواق البريطانية والأوروبية.

إعلان

كما ذكرت مادة منشورة على موقع الحكومة الإنجليزية عام 2021 أن هذه المنطقة يمر عبرها سنوياً تجارة بريطانية تزيد قيمتها على 6 مليارات من الجنيهات الإسترلينية سنوياً.

وتشير ورقة صادرة عن "مجلس الجيوستراتيجية"، وهو مركز أبحاث بريطاني مهتم بالشؤون الجيوستراتيجية، للبحر الأحمر باعتباره يحمل خط الاتصال البحري الرئيسي لبريطانيا إلى احتياطيات الطاقة في الخليج العربي ومصانع شرق وجنوب شرقي آسيا.

وتزيد أهميته مع توجه لندن إلى جعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ "ركيزة دائمة" للسياسة الخارجية البريطانية وجمع منطقتي المحيطين الهندي والهادئ والأوروبي الأطلسي معاً.

ومع التزايد الكبير لتهديدات القرصنة والهجمات على السفن التجارية في المنطقتين، انخرطت المملكة المتحدة  في الجهود الدولية والإقليمية لتعزيز الأمن البحري في خليج غينيا، حيث أرسلت سفناً حربية مثل "إتش أم إس ترينت" لتنفيذ دوريات أمنية وتدريب القوات البحرية المحلية.

وشاركت في مناورات متعددة الجنسية، كما دعمت إنشاء مراكز معلومات بحرية مثل (MTISC) في غانا، وتشارك في مبادرات دولية مثل مجموعة أصدقاء خليج غينيا التي أسستها لندن عام 2013.

وفي نفس السياق، عززت بريطانيا وجودها البحري والاستخباري في باب المندب وخليج عدن، وشاركت في تحالفات بحرية دولية لتأمين الملاحة فيهما والمساهمة في إنشاء ممرات عبور آمنة ودعم عمليات المراقبة البحرية والتدريبات المشتركة مع حلفائها الدوليين والإقليميين.

سفينة إتش إم إس ترينت بورتسموث بعد مشاركتها في دوريات في المياه (غيتي) اتفاقيات عسكرية وأمنية

وقعت بريطانيا العديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية مع دول أفريقية، بما يوفر للندن مدخلاً لتحقيق مجموعة من الأهداف، يأتي على رأسها تعزيز علاقاتها مع حكومات هذه الدول، وقد وصفت مندوبة بريطانيا في ماولاي، هولي تيت، التعاون العسكري بأنه "طريقة رائعة لفتح محادثات مع الرئيس ومع كبار الوزراء ومع آخرين للحديث عن شراكتنا الأمنية".

إعلان

إلى جانب ما سبق، تعمل بريطانيا من خلال هذا المعاهدات على مواجهة تعاظم نفوذ القوى الدولية والإقليمية المنافسة كالصين وروسيا وتركيا، والترويج "للعلامة التجارية" للجيش البريطاني سواء في ما يتعلق بالتدريب أو التصنيع في مواجهة منافسين كمجموعة فاغنر الروسية على سبيل المثال، كما أن هذه الشراكات تمثل جسراً لتعزيز الصادرات العسكرية البريطانية إلى أفريقيا.

وفي هذا السياق، تأتي اتفاقية التعاون الدفاعي مع كينيا، التي وقعت في عام 2021، ضمن جهود تعزيز الأمن والدفاع المشترك وتبادل الخبرات والتدريبات المشتركة بين البلدين.

إضافة إلى ذلك، أبرمت لندن مذكرة تفاهم أمنية مع نيجيريا في عام 2018، تهدف أساسا إلى مكافحة تنظيم بوكو حرام و"تنظيم الدولة-ولاية غرب أفريقيا".

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يجري محادثات مع الرئيس الكيني ويليام روتو في اجتماع ثنائي في الأمم المتحدة (الفرنسية) قوات حفظ السلام القوة الناعمة

تشارك بريطانيا بفعالية في قوات حفظ السلام في بؤر توتر مختلفة بالقارة، ومن خلال مساهماتها العسكرية والمالية، إضافة إلى برامج التدريب وبناء القدرات، تسعى لندن إلى دعم الاستقرار في أفريقيا بما يصب في حماية أمنها القومي، حيث إن النزاعات في القارة يمكن أن تؤدي إلى تهديدات عابرة للحدود مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

وبالنظر إلى الأهمية التي أولتها إستراتيجية "بريطانيا العالمية" للتجارة والاستثمار في أفريقيا تستهدف لندن من خلال مشاركتها في عمليات حفظ السلام خلق بيئة مواتية للاستثمار وتعزيز العلاقات التجارية مع الدول الأفريقية.

ويشير مقال للدكتور فولا آينا المتخصص في الأمن إلى أن انخراط بريطانيا في عمليات السلام في غرب أفريقيا سيحمي مصالح المملكة المتحدة في المنطقة عبر ضمان سوق سلمية وناجحة ومستقرة تستفيد منها، لا سيما في ظل تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد البريطاني.

إعلان

من جهة أخرى تعد المشاركة في قوات حفظ السلام مدخلاً للندن تمارس عبره نوعاً من "القوة الناعمة" تعزز مكانتها في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وتظهر التزامها بالسلام والأمن الدوليين، وتحسن علاقتها بالمجتمعات المحلية في القارة.​

وفي هذا السياق ساهمت بريطانيا في العديد من البعثات الأممية والأفريقية في دول كمالي وجنوب السودان والصومال، بما يتضمن توفير قدرات استطلاع طويلة الأمد، وجمع المعلومات الاستخبارية، ودعم المجتمعات المحلية في مواجهة التهديدات الأمنية، وتحسين البنية التحتية، وتقديم الدعم الطبي.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 أعلنت المملكة المتحدة عن نموذج تدريب محسّن لقوات حفظ السلام، يشمل مرافقة الجنود البريطانيين للقوات الأممية خلال أداء مهامها وتقديم تدريب متقدم في مجالات مختلفة، إضافة إلى ذلك، توفر لندن الدعم المالي والمدربين لتعزيز مركز كوفي عنان الدولي لتدريب حفظ السلام في غانا.

بريطانيا تشارك بفعالية في قوات حفظ السلام في بؤر توتر مختلفة بالقارة الأفريقية (غيتي) تحديات

تواجه الإستراتيجية البريطانية لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية باستخدام الأدوات العسكرية والأمنية العديد من التحديات، وقد أبرز الانسحاب المفاجئ للقوات البريطانية التي كانت جزءاً من مهمة الأمم المتحدة في مالي عام 2022، نتيجة الاضطرابات السياسية وتعاون باماكو مع مجموعة فاغنر الروسية، صعوبة العمل في بيئات سياسية غير مستقرة ملقياً بظلاله على إمكانيات التخطيط الإستراتيجي بالنظر إلى موجة الانقلابات التي ضربت القارة أخيراً على سبيل المثال.

كما تواجه لندن العديد من الانتقادات من المنظمات الحقوقية على خلفية دعمها أنظمة قمعية وتغاضيها عن سجلها المشين مقابل الحصول على أثمان سياسية.

وفي هذا السياق، يؤكد تقرير نشرته "ديكلاسيفايد يو كي"، وهي منظمة تعمل على التحقيق في أنشطة الوكالات العسكرية والأمنية البريطانية، أن الوثائق توضح الدعم الكبير المقدم من هذه الوكالات لنظام رئيس الكاميرون بول بيا رغم معرفة مسؤوليها بانتهاكاته حقوق الإنسان، في سبيل ضمان تصويت ياوندي إلى جانب لندن في "منظمة حظر الأسلحة الكيمائية".

إعلان

إلى جانب ما سبق، لا تبدو علاقة "جنود جلالة الملك" مع المجتمعات المحلية في أفضل أحوالها في كينيا التي تستضيف القاعدة العسكرية البريطانية الوحيدة في القارة.

ويسرد تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية تحقيقات علنية وشهادات مؤلمة عن انتهاكات مزعومة ارتكبها جنود بريطانيون في قاعدة نانيوكي، مضيفاً أن أكثر من 7 آلاف كيني رفعوا دعاوى على الجيش البريطاني بعد حريق في محمية طبيعية سببه تدريبات عسكرية، أدى إلى أضرار بيئية وصحية جسيمة.

ويوجّه العديد من الناقدين البريطانيين والأفارقة سهامهم نحو المقاربة الأمنية للندن في التعاطي مع القارة، متجاهلة المشكلات الجوهرية التي تعاني منها كالفقر وفساد النظم السياسية وفشل الدول في العديد من المجالات.

واعتبروا أن حلحلة هذه الملفات الشائكة هي المدخل الحقيقي لتمكين الأفارقة من بناء واقع أفضل يحول دون ازدهار العديد من الأنشطة الإجرامية التي تهدد بالتأثير على بريطانيا كتهريب البشر وغيرها.

مقالات مشابهة

  • بريطانيا توسع نفوذها في أفريقيا تحت غطاء الأمن
  • بريطانيا تعزز دعمها الطبي لغزة مع وصول أطفال إلى المملكة المتحدة لتلقي الرعاية الطبية
  • الخارجية الروسية: رفع حكومة الاحتلال الحصانة عن أونروا انتهاك خطير لميثاق الأمم المتحدة
  • الخارجية الروسية: رفع الاحتلال الحصانة عن الأونروا انتهاك لميثاق الأمم المتحدة
  • المملكة: على إسرائيل احترام حقوق الإنسان الأساسية للشعب الفلسطيني
  • مسؤول أممي ينتقد استهانة العالم بتعديات “إسرائيل” على القانون الدولي بغزة
  • العفو الدولية: الهجمات على القانون الدولي وحقوق الإنسان تسارعت منذ عودة ترامب
  • المجتمع الدولي يعرّي إسرائيل ويفضح جريمة التجويع والحصار
  • وزير الخارجية يجتمع مع مندوبة بريطانيا في الأمم المتحدة ويؤكد أهمية دعم المجتمع الدولي لجهود الحكومة السورية في تعزيز استقرار البلاد
  • منظمة انتصاف: جرائم العدوان الأمريكي في صعدة انتهاك صارخ يستوجب محاسبة دولية