برنامج الأغذية العالمي يحقق مع كبار مسؤولي عملياته في السودان
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
نيروبي"رويترز": قال 11 مصدرا إن برنامج الأغذية العالمي يحقق مع اثنين من كبار مسؤوليه بالسودان في مزاعم تشمل التحايل وإخفاء معلومات عن المانحين حول قدرته على توصيل المساعدات الغذائية للمدنيين وسط أزمة الجوع الشديدة التي يشهدها السودان.
يأتي التحقيق الذي يجريه مكتب المفتش العام لبرنامج الأغذية العالمي في الوقت الذي يعمل فيه البرنامج -وهو ذراع المساعدات الغذائية التابعة للأمم المتحدة- جاهدا لتوفير المواد الغذائية لملايين الأشخاص في السودان الذي تمزقه الحرب والذي يعاني من واحدة من أشد أزمات نقص الغذاء في العالم منذ سنوات.
وقالت خمسة مصادر لرويترز إن المحققين يبحثون ما إذا كان موظفو البرنامج سعوا للتستر على دور مشتبه به للجيش السوداني في عرقلة المساعدات وسط حرب وحشية مستمرة منذ 16 شهرا مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وذكرت ستة مصادر أن من بين الذين يخضعون للتحقيق نائب مدير البرنامج في السودان خالد عثمان الذى جرى تكليفه "بمهمة مؤقتة" خارج السودان، وهو ما يُعتبر تعليقا فعليا لعمله.
وبحسب أربعة مصادر يجري التحقيق أيضا مع مسؤول كبير ثان هو محمد علي مدير مكتب البرنامج في مدينة كوستي السودانية، فيما يتعلق باختفاء أكثر من 200 ألف لتر من وقود المنظمة في المدينة.
وردا على سؤال من رويترز حول التحقيق قال البرنامج إن "مكتب المفتش العام يجري مراجعة عاجلة في مزاعم بارتكاب مخالفات فردية في العمليات بالسودان" ورفض التعليق على طبيعة المخالفات المزعومة أو وضع موظفين بعينهم.
وقالت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية -المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية والتابعة للحكومة الأمريكية- لرويترز في بيان إنها تلقت إخطارا من برنامج الأغذية يوم 20 أغسطس بشأن "وقائع تحايل محتملة تؤثر على عمليات برنامج الأغذية العالمي في السودان". وتقول الوكالة إنها أكبر مانح منفرد للبرنامج إذ تقدم ما يقرب من نصف المساهمات سنويا.
وجاء في بيان الوكالة أن "هذه الاتهامات تثير قلقا بالغا ويجب إجراء تحقيق شامل فيها... أحالت الوكالة الأمريكية للتنمية هذه الاتهامات على الفور إلى مكتب المفتش العام للوكالة".
يأتي التحقيق في وقت حرج بالنسبة لبرنامج الأغذية العالمي، الذي يصف نفسه بأنه أكبر منظمة للمساعدات الإنسانية في العالم. وفاز البرنامج بجائزة نوبل للسلام لعام 2020 لدوره في مكافحة الجوع وتعزيز السلام.
ويكافح البرنامج الجوع الحاد على جبهات متعددة. ويسعى إلى جمع 22.7 مليار دولار من التمويل لمساعدة 157 مليون شخص من بينهم نحو 1.3 مليون على شفا المجاعة، معظمهم في السودان وقطاع غزة وأيضا في دول مثل جنوب السودان ومالي.
وإلى جانب توزيع المواد الغذائية، يعمل البرنامج على تنسيق وتقديم الدعم اللوجستي لحالات الطوارئ الكبيرة في أنحاء العالم بالتعاون مع منظمات إنسانية أخرى.
يواجهون مستويات حرجة من الجوع
وفي السنوات القليلة الماضية، واجهت عمليات البرنامج مشاكل كبيرة بسبب سرقة المساعدات الإنسانية أو استخدامها في أغراض أخرى في بلدان مثل الصومال واليمن. وفي العام الماضي، علّق البرنامج والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية توزيع الغذاء في إثيوبيا في أعقاب تقارير حول سرقة المساعدات الإنسانية على نطاق واسع هناك.
وقال أكثر من ستة أشخاص من العاملين في المجال الإنساني والدبلوماسيين لرويترز إنهم قلقون من أن سوء الإدارة في مكتب برنامج الأغذية في السودان ربما ساهم في الإخفاق حتى الآن في توصيل مساعدات كافية خلال الحرب الدائرة منذ أكثر من 16 شهرا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
ويأتي التحقيق بعد أسابيع من تأكيد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مبادرة فنية دولية معنية بقياس مستويات الجوع، أن المجاعة تفشت في موقع واحد على الأقل في منطقة دارفور بالسودان. وصنفت المبادرة 13 منطقة أخرى في أنحاء البلاد على أنها معرضة لخطر المجاعة. وتقول إن أكثر من 25 مليون شخص أو أكثر من نصف سكان السودان يواجهون مستويات حرجة من الجوع أو أسوأ.
وفي أبريل، ذكرت رويترز أن الأشخاص في بعض مناطق من البلاد اضطروا إلى تناول أوراق الشجر والتراب في مسعى للبقاء على قيد الحياة. وفي يونيو، أظهر تحليل أجرته رويترز لصور التقطتها أقمار صناعية أن مساحات المقابر تتسع بسرعة في ظل انتشار الجوع والمرض.
ويقول موظفو الإغاثة إنهم يواجهون صعوبة في توصيل الإمدادات، ويرجع ذلك جزئيا إلى القيود اللوجستية والقتال. لكنهم يشيرون أيضا إلى أن هناك سلطات مرتبطة بالجيش أعاقت وصول المساعدات عبر حجب التصاريح والموافقات اللازمة للانتقالات، بينما نهبت قوات الدعم السريع إمدادات المساعدات. وينفي الجانبان عرقلة وصول مواد الإغاثة الإنسانية.
وذكرت أربعة مصادر مطلعة أن من النقاط التي يشملها التحقيق أيضا شكوكا في أن موظفين كبارا في برنامج الأغذية بالسودان ربما ضللوا الجهات المانحة، بما في ذلك الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من خلال التهوين من شأن ما تردد عن دور للجيش السوداني في منع تسليم المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
اتخاذ "إجراءات سريعة"
وقال مصدران مطلعان على التحقيق إنه في إحدى الحالات في يونيو 2024 أخفى عثمان، نائب مدير البرنامج، عن الجهات المانحة أن سلطات متحالفة مع الجيش في بورتسودان رفضت منح تصاريح لخمس عشرة شاحنة كي تنقل مساعدات أساسية إلى نيالا بولاية جنوب دارفور حيث تواجه بعض المناطق خطر المجاعة.
وانتظرت الشاحنات سبعة أسابيع قبل أن يتم منحها الإذن أخيرا بالتحرك.
وذكرت ثمانية مصادر أن عثمان، الذي تمت ترقيته داخل مكتب برنامج الأغذية بالسودان بسرعة غير عادية، كانت له علاقات على مستويات عالية بالجيش. وتحكم عثمان في حصول زملائه في البرنامج على تأشيرات لدخول السودان، مما سمح له بتقييد وصول الإمدادات والحد من التدقيق في إدارة الجيش للمساعدات، وفقا لثلاثة مصادر مطلعة.
وفي رد مكتوب على أسئلة لرويترز قال برنامج الأغذية إنه اتخذ "إجراءات سريعة" لتعزيز عملياته في السودان بسبب حجم التحديات الإنسانية وبعد تأكيد التصنيف المرحلي المتكامل تفشي المجاعة في دارفور. وأضاف أنه بدأ "إجراءات توظيف فورية لضمان سلامة واستمرارية عملياتنا المنقذة للأرواح".
واندلعت الحرب في السودان في أبريل نيسان 2023. ودفعت أكثر من 10 ملايين إلى النزوح من ديارهم، مما تسبب في أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم فضلا عن تفاقم الجوع وارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال وتفشي أمراض مثل الكوليرا.
واتهمت الولايات المتحدة ومنظمات لحقوق الإنسان طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب، وهو ما ينفيه كل منهما.
عدم القدرة على الوصول إلى المحتاجين
وتعمل وكالات تابعة للأمم المتحدة انطلاقا من بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، حيث انتقلت الحكومة المتحالفة مع الجيش بعد فقدان السيطرة على معظم العاصمة الخرطوم في وقت مبكر من الحرب.
واشتكى برنامج الأغذية ووكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة من أن صعوبة الانتقالات ساهمت في عدم قدرتها على الوصول إلى المحتاجين، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع مثل الخرطوم وإقليمي دارفور وكردفان. لكن وكالات الإغاثة تجنبت إلى حد كبير إلقاء اللوم على أي من طرفي الصراع علنا.
وردا على طلب للتعليق على دور الجيش في أزمة الجوع، قال المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية نبيل عبدالله إن الجيش يبذل قصارى جهده لتسهيل المساعدات "لتخفيف معاناة شعبنا".
كما قال متحدث باسم قوات الدعم ردا على أسئلة إن التحقيق خطوة جيدة ويجب أن يشمل جميع المساعدات الإنسانية.
وفي الأول من أغسطس، قالت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إن الحرب وما ترتب عليها من قيود على توصيل المساعدات كانت الأسباب الرئيسية وراء أزمة الغذاء في السودان.
وقال بعض مسؤولي الإغاثة إنهم يخشون الإدلاء بتصريحات علنية تنطوي على اتهامات، خوفا من أن يطردهم الجيش من بورتسودان ويمنعهم من الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها حيث يشتد الجوع.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: برنامج الأغذیة العالمی المساعدات الإنسانیة قوات الدعم السریع للأمم المتحدة فی السودان أکثر من
إقرأ أيضاً:
ما حقيقة زيادة الاحتلال لكمية المساعدات الواردة لغزة بعد ضغط أمريكي؟
زعمت قوات الاحتلال الإسرائيلي أنها زادت من كمية المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة خلال الأيام القليلة الماضية، في أعقاب ضغط أمريكي، مدعية أنها فتحت معبرا جديدا لهذا الغرض.
وتضرب موجة جديدة من الجوع أجزاء واسعة من قطاع غزة، في ظل منع الاحتلال دخول المواد الأساسية المنقذة للحياة، واستمرار فرض الحصار المطبق، لا سيما في مخيم جباليا والمناطق المحيطة فيه منذ ما يزيد على 40 يوما متواصلة.
ونفت مصادر خاصة لـ"عربي21" مزاعم الاحتلال بشأن المساعدات، وقالت إن دولة الاحتلال ما زالت تقيد دخول الغذاء والمستلزمات الأساسية الأخرى إلى قطاع غزة، ما أدى انتشار المجاعة مجددا، في ظل أزمة غذاء طاحنة وغير مسبوقة يعاني منها النازحون في شمال وجنوب قطاع غزة على حد سواء.
30 شاحنة فقط
وتستخدم دولة الاحتلال الجوع كسلاح في الحرب التي تشنها على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 400 يوم، حيث تحرم السكان من الضروريات الأساسية للبقاء على قيد الحياة.
وكشف مفوض عام وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، الاثنين أن حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع لا يتجاوز 30 شاحنة يومياً، وهو ما يمثل 6 بالمئة فقط من الاحتياجات اليومية للفلسطينيين.
ولم يقف الأمر عند حد المجاعة، بل إن النقص الحاد في المواد والمستهلكات الطبية والأدوية، يهدد حياة آلاف الجرحى والمرضى في مستشفيات قطاع غزة، خصوصا في المناطق الشمالية، لا سيما مستشفى كمال عدوان الذي يمنع عنه الاحتلال الدعم الطبي بالأدوية والكوادر الطبية، منذ ما يزيد عن 40 يوما متواصلة، على وقع عملية عدوان وحشي وإبادة جماعية مستمرة في جباليا والمناطق المحيطة فيها.
"معبر كيسوفيم"
وزعمت قوات الاحتلال، الثلاثاء، افتتاح معبر جديد لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وهو معبر كيسوفيم الواقع إلى الشرق من المحافظة الوسطى.
ويأتي إعلان الاحتلال فتح معبر "كيسوفيم" مع قرب انتهاء مهلة شهر واحد حددتها الولايات المتحدة لإسرائيل لزيادة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
الحكومة في غزة تعلق
وخلافا للادعاءات الإسرائيلية، نفى مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة دخول المساعدات إلى شمال قطاع غزة، مؤكدا في تصريح خاص لـ"عربي21" أن كل ما يروج له الاحتلال محض أكاذيب، وبعض العائلات فارقت الحياة بسبب تفشي الجوع.
وقال الثوابتة، إن "جيش الاحتلال يمارس محاولات تضليل للرأي العام، وهو يكذب ويقول إنه يسمح بادخال المساعدات إلى قطاع غزة، وشماله"، مضيفا: "ننفي نفيا قاطعا إدخال المساعدات إلى محافظة شمال قطاع غزة، وهناك عائلات ماتت من الجوع بسبب عدم تمكنها من الحصول على مساعدات أو طعام أو غذاء".
وشدد الثوابتة في حديثه لـ"عربي21" على أن جيش الاحتلال ما زال يحاصر محافظة شمال غزة، ويمنع عنها المساعدات والسلع والبضائع، في إطار سياسة التجويع، ما أدى إلى انتشار المجاعة بشكل كبير بين صفوف المواطنين.
وأكد المسؤول الحكومي على أن قوات الاحتلال تغلق جميع المعابر مع قطاع غزة، فمعبر رفح مغلق منذ ما يزيد عن 190 يوما، مذكرا بأن أكثر من ستمئة ألف طن من المساعدات والمواد الغذائية والسلع والبضائع متكدسة على الجانب الآخر من المعبر، لكن الاحتلال يرفض إدخال هذه المساعدات، الأمر الذي فاقم الواقع الإنساني بشكل كبير جدا.
ضغط أمريكي
وفي 13 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، وجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، رسالة إلى وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك يوآف غالانت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، تلوِّح بالإضرار بالمساعدات العسكرية بحال عدم إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة في غضون 30 يوما.
وأطلقت لجنة خبراء مدعومة من الأمم المتحدة، تحذيرات عاجلة، داعية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فورية "خلال أيام" وليس أسابيع لتفادي مجاعة محققة في قطاع غزة، خاصة في مناطقه الشمالية.
وبينما حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة أيضا من ارتفاع غير مسبوق في حالات سوء التغذية التي باتت تضرب جميع الفئة العمرية من أطفال وشباب ومسنين ونساء ورجال. ترفض دولة الاحتلال الاستجابة إلى هذه التحذيرات، خصوصا في شمالي قطاع غزة، حيث تنفذ هناك إبادة جماعية منذ نحو 40 يوميا متواصلة في إطار خطة لتفريغ تلك المناطق من سكانها.