في ظلال #طوفان_الأقصى “112”

#التفاوض باسم #المقاومة منزلةٌ ومكانةٌ لكن بولاءٍ وأمانة

بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي

لعلها فرصة للتوبة والندامة، ومناسبة للعودة والإنابة، وبوابة للتكفير والتعويض، قد مَنَّ الله بها على بعضهم، وآثرهم بها وقدرها لهم دون غيرهم، وهيأها لهم لظروفهم، رغم أنهم قد لا يستحقونها، ولم يعملوا من أجلها، ولا تمنوا أن يقوموا بها، إلا أن مكانتهم فرضتها، ونفوذهم قدمها، وموقعهم عززها، ودورهم جعلهم الأنسب لها والأقدر عليها، وربما حاول بعضهم أن يعمل ضدها، وسعى لأن ينأى بنفسه بعيداً عنها، وامتنع قاصداً عن القيام بها، لكن الحاجة ألجأت الجميع لهم، وأجبرتهم على اللجوء إليهم، والطلب منهم أو الضغط عليهم، والاتصال بهم والتوسل إليهم.

مقالات ذات صلة القابضون على الجمر 2024/08/28

إنها فرصةٌ قد لا تتكرر مرةً أخرى، وقد لا يجود الزمان الذي ارتكس فيه الرجال بمثلها، وتراجعت فيها الدول وانكفأت فيها الحكومات، وارتضت أن تكون رخيصةً ذليلةً، تابعةً مهانةً، لا مروءة عندها ولا شرف، ولا نبل فيها ولا شهامة، ولا تنتفض لأهلها ولا تثور لشعبها، ولا تغضب من عدوها ولا تثأر لأمتها، ولا يتمعر للحق وجهها، ولا تنتفخ غيرةً أوداجها، ولا يشعر قادتها بالإهانة أو يتأثرون بالإساءة، إذ استمرأوا الذل وقبلوا بالخسف، وأعجبتهم الحياة في أذيالها، والعيش تحت أقدام أنذالها.

إلا أن الفرصة قد لا تطول، وقد لا تبقى حصراً لهم ورهناً بهم، فقد تتجاوزهم الظروف وتتغير الأحوال وتختلف الأوضاع، وتتبدل في الميدان وعلى الأرض الوقائع والمعطيات، وقد تستغني عنها المقاومة، ولا تكون في حاجةٍ ماسةٍ لها كحاجتها إليها اليوم، وهي فعلاً تحتاجها اليوم وتتطلع إليها، كما تحتاج من الأخوة والأشقاء ومن المناصرين والأصدقاء، إلى كل سندٍ وعونٍ، وتأييد ومساعدة، في السياسة والإعلام، وفي الميدان والمفاوضات، وفي الإغاثة والعلاج، لكن في حال ضياعها وتجاوز الزمان لها، فإنها ستصبح على من فرط فيها ولم يحسن استغلالها والاستفادة منها، لعنةً تلاحقهم وتطاردهم، وحسرةً في نفوسهم تكويهم ولا تفارقهم، وسبةً في جباههم تحفظها صفحات التاريخ، وتخلدها سير الأمم والشعوب.

أثبتت المقاومة الفلسطينية على الأرض وفي الميدان، أنها قويةٌ صابرةٌ متينةٌ حازمةٌ حاسمةٌ، متماسكة مترابطة وكلها عزيمة وإصرار، لا تمل ولا تتعب، ولا تيأس ولا تقنط، ولا تعرف الصعب ولا تؤمن بالمستحيل، وتخوض معاركها بكل قوةٍ واقتدار، ضد العدو وتجمعاته، وتهاجم عرباته وآلياته، وتشتت صفوفه وتحشداته، وتباغته قصفاً وقنصاً وتفجيراً وتفخيخاً، وتستدرجه بخفةٍ ومهارةٍ إلى مصائدها، وتوقعه في فخاخها، وتنال منه بحق، وتوثق عملياتها ضده بمهنيةٍ ومصداقيةٍ، وتصور جنوده قتلى وجرحى، وفارين وهاربين، وخائفين ومذعورين، وتعده بمفاجئاتٍ قادمة وضرباتٍ صاعقة، إذ ليس أمامها سوى الصمود والثبات، ولا خيار لها سوى الانتصار والانتصار، ودحر الاحتلال وإخراجه من غزة بالقوة، وعودة أهلها إلى مناطقهم كراماً أعزةً.

قد لا تكون المقاومة الفلسطينية على الأرض وفي الميدان بحاجةٍ إلى جنودٍ تناصرها، ولا إلى عتادٍ يقوي ساعدها، ولا إلى جيوشٍ تقف معها وتقاتل إلى جانبها، وإن كانت تتوق لذلك وتتمنى، لكنها في حاجةٍ على طاولة المفاوضات إلى سندٍ يقف معها، ونصيرٍ يقويها، وحليفٍ يدافع عنها، وصديقٍ يصدقها، وأخٍ يحنو عليها، وحضنٍ يحفظها، ودولةٍ عربيةٍ قويةٍ تؤمن بروايتها، وتعزز مواقفها، وتدافع عن حقها، وترد بقوة على عدوها، وتتصدى له بقوتها وتمنعه، وترفض عليه شروطه وتجبره، وتشعره أن أمنها هو من أمن غزة وأهلها، وأن سلامتها هي من سلامة غزة وشعبها.

العين على جمهورية مصر العربية، أرض الكنانة وعمق العرب، وحاضنة الإسلام والبلاد التي تؤمن الداخلين إليها، والتي تجير من استجار بها، وتنصر من استنصرها، وتعد العدة وتجهز الجيوش التزاماً بواجبها، وعملاً بمكانتها، فمصر دائماً قوية ما كانت قائدة للأمة ورائدة لها، تتقدمها وتقودها، وتنافح عنها وتحميها، وتلوح بعصاها في وجه كل من يعاديها، وتضرب بيدٍ من حديدٍ على يد كل من يستخف بها ويعتدي عليها، وتاريخنا القديم والجديد لا ينسى حطين ولا عين جالوت، كما لا ينسى شهداء جيش مصر وأبناءها المخلصين، لهذا فإن العين عليها، والرهان كبيرٌ على دورها، وهي على ذلك قادرة، وتستطيع فرض ما تريد، وإكراه العدو على ما لا يريد.

نأمل من مصرنا العزيزة في هذا الوقت بالذات أن تؤمن بدورها، وأن تستعيد مجدها، وأن تفرض على طاولة المفاوضات شروطها، وتثبت أنها تستحق مكانتها، وتحافظ على قدرها، وتحترم تاريخها، وأنها لا تترك الفلسطينيين وحدهم على الطاولة، ولا تتخلى عنهم وقت الحاجة ولا عند النازلة، فيطمع بهم العدو ويستضعفهم، ويستفرد بهم ويستقوي عليهم.

وهي إن فعلت ذلك فسيسمع الجميع لها، وستخضع الأطراف لكلمتها، وسيخاف العدو من غضبتها، فمصر ماردٌ عظيمٌ إن نهض، وعملاقٌ قوي إن انطلق، وإرادةٌ جبارةٌ إن صدقت، والعدو وحلفاؤه يعرفون أن لمصر شوكةً حادةً تؤلم، وسيفاً ماضياً يقطع، وتاريخاً ناصعاً ينصح، وما عليها إلا أن تبادر بالتموضع الحقيقي الذي يوازي ثقلها، ولو على طاولة المفاوضات.

إنه شرفٌ عظيمٌ لا يمنحه الله عز وجل إلا لمن يستحقه، ولا يناله إلا أهله ومن عملوا له وتطلعوا إليه، ولا يتقدم إليه ويقوم به إلا الخيرون، ممن اصطفاهم الله عز وجل وانتقاهم على عينه لقدرٍ عنده، ومنزلةٍ يستحقونها وذكرٍ طيبٍ بين الخلائق يرتفع بهم.

فطوبى لمن كان درءَ المقاومة وسياجها، ولمن كان حصنها وقلعتها، وحماها ودافع عنها، وخذل عنها وطرد الأعداء من حولها، وأتيحت له الفرصة لأن يكون لسانها الصادح، وصوتها المدافع، وترجمانها الصادق.

فهل تنبري لهذه المهمة النبيلة دولةٌ أو تحالفٌ عربيٌ، يستند إلى عمقٍ إسلامي، وإرثٍ قومي وديني أخلاقي، فتتصدى للعدو وتقف في وجهه، وترفض شروطه وتصر على انسحابه، فتعوض بما أدركت ما قد فاتها من واجبٍ كبيرٍ، وتجبر بنصرتها للمقاومة الكسر الذي أحدثه غيابها وتسبب به بعدها.

بيروت في 28/8/2024

moustafa.leddawi@gmail.com

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: طوفان الأقصى المقاومة فی المیدان

إقرأ أيضاً:

تأكيد لما ذكرته بغداد اليوم.. عراقجي في قطر وسط حديث عن قرب التفاوض مع أمريكا

بغداد اليوم -  طهران

أكدت وسائل إعلام رسمية إيرانية، اليوم الخميس (30 كانون الثاني 2025)، ان وزير الخارجية عباس عراقجي يزور العاصمة القطرية الدوحة وسط حيث عن قرب التفاوض بين طهران وواشنطن.

وقالت الوكالة الرسمية الإيرانية "إيرنا" في تقرير لها ترجمته "بغداد اليوم"، إن "وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتوجه اليوم إلى قطر لبحث تطورات فلسطين والعلاقات الثنائية.

وأوضحت ان "عراقجي، يتوجه اليوم (الخميس) إلى قطر في زيارة رسمية، حيث سيلتقي مسؤولين من حركة حماس لبحث آخر المستجدات في فلسطين، وتهنئة الشعب الفلسطيني على المقاومة البطولية في معركة طوفان الأقصى التي استمرت 16 شهرًا".

كما سيجري عراقجي محادثات مع كبار المسؤولين القطريين حول التطورات الإقليمية والعلاقات الثنائية بين طهران والدوحة، في إطار تعزيز التعاون بين البلدين.

وكانت مصدر بالخارجية الإيرانية ذكرت أمس الأربعاء، لـ"بغداد اليوم"، أن عراقجي سيبحث الخميس في الدوحة مبادرة وساطة تقدمت بها قطر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

وقال المصدر مشترطاً عدم الكشف عن هويته، إن "وزير الخارجية عباس عراقتشي يتوجه غدًا الخميس للعاصمة القطرية الدوحة لبحث مبادرة تقدمت بها قطر للوساطة بين إيران والولايات المتحدة".

وأضاف المصدر إن "ترامب يسعى لاتفاق مع إيران قبل صيف 2025 لكنه سيكون أصعب من الاتفاق النووي السابق الذي جرى التوصل إليه عام 2015 وانسحب منه ترامب في مايو 2018".

وتابع المصدر الإيراني "إذا نجحت المبادرة القطرية فإن مفاوضات مباشرة مع واشنطن قد تكون قيد الإعداد"، منوهاً أن "مطالب ترامب لم تتغير، بل غيّر فقط أسلوبه في تحقيقها، وكلا الطرفين (إيران وأمريكا) لديهما نية للتفاوض، لكن ينبغي انطلاق المحادثات لمعرفة مواقف كل طرف بشكل دقيق".

واستبعد المصدر الإيراني أن يكون ترامب يريد جرّ إيران إلى طاولة المفاوضات وإجبارها على تقديم تنازلات في كل الملفات، منوهاً "ترامب يفضل تحقيق مطالبه عبر الدبلوماسية بدلاً من تحمل تبعات خيارات أخرى، ويسعى لإنجاز هذا الهدف خلال فترة زمنية قصيرة".

وتزايد التكهنات حول اتفاق مؤقت بين طهران وواشنطن، وسط استمرار الملف النووي كإحدى القضايا الرئيسية في الصحافة الإيرانية.

وقالت صحيفة "اعتماد" أن إدارة ترامب كانت قد طرحت صيغة معينة لاتفاق مع إيران، فيما ترى الصحيفة أن إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد بين الجانبين قد تكون خيارًا أكثر واقعية، رغم التأكيدات الرسمية الإيرانية بعدم وجود أي تغيير في استراتيجيتها النووية.

المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • الناطق باسم حماس: استشهاد قيادات الحركة بمعارك الطوفان وليس اغتيالًا
  • سوريا الجديدة.. نقاط الضعف وأوراق التفاوض.. في الطريق إلى الدولة
  • كيف يتعامل الإيرانيون مع خيار التفاوض المباشر بين طهران وإدارة ترامب؟
  • تأكيد لما ذكرته بغداد اليوم.. عراقجي في قطر وسط حديث عن قرب التفاوض مع أمريكا
  • الأسلوب الإيراني في التفاوض
  • بوتين: المحادثات مع أوكرانيا ممكنة باستثناء زيلنسكي
  • مدبولي: الرئيس كلّف الحكومة بوضع حزمة اجتماعية جديدة يتم العمل عليها حاليًا.. والإعلان عنها قريبًا.. الكشف البترولي الجديد في خليج السويس يفتح الباب أمام المزيد من الاكتشافات في هذه المنطقة
  • مدبولي: الرئيس كلّف الحكومة بوضع حزمة اجتماعية يتم العمل عليها حاليا.. والإعلان عنها قريبا
  • وزير خارجية إيران: لم نتلقَ أية رسالة من ترامب بشأن التفاوض والأساس هو عدم الثقة
  • القيادي بحماس د. باسم نعيم: المقاومة كسرت أنف الاحتلال وأجبرته على الرضوخ لشروطها والشكر لليمن قيادة وشعبا