العدالة في التوظيف
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
سليمان المجيني
tafaseel@gmail.com
حينما نتطرق لموضوع التوظيف نشعر بمسؤوليتنا تجاه وطننا لأنَّ المسألة ليست مسألة إيجاد وسيلة دخل لشباب اجتهدوا في دراساتهم أو أنهم كبروا بما فيه الكفاية ليستشعروا الاستقلال المادي عن الأسرة فقط؛ بل يمثل الأمر مستقبلا قادما لهم، والأمر يبتعد ليمثل مستقبل البلاد كلها، ولا نريد هنا أن نكرر حديثاً عن مساوئ ترك هؤلاء الشباب بتخصصاتهم المختلفة للزمن فلا تستفيد البلاد من تخصصاتهم بعد الموازنات الضخمة لتعليمهم.
يصل أمر الباحثين عن عمل إلى تغير الأفكار والمبادئ التي تؤثر على الأسرة وتأثر الأقران بأقرانهم في المجتمع الواحد، ولعل الحاذق منَّا يعلم أن العديد من هذه الأفكار تشكل خطرًا يهدد كيان الأسرة وربما المجتمع وهي انعكاس لحالة الفراغ والتوهان وربما غياب العدالة الذي يعانيه خريج الطب، والهندسة، وإدارة الأعمال والمحاسبة وغيرها بينما في المقابل لا يتوقف توظيف الأجنبي في جميع المجالات، وهو أمر غريب.
إعلانات التوظيف الخارجية مستمرة، وتوظيف الشباب غير العُماني مستمر، وليس أدل من هذا الأمر من الأحاديث المباشرة التي يتصادف معها شبابنا بين يوم وآخر وينشرها بصفحات التواصل، أو تلك الإحصائيات التي تخرج من المؤسسات الرسمية عن الزيادة في العمالة الوافدة بين سنة وأخرى، فكما تشير هذه الإحصائيات إلى وجود أكثر من مليون وثمانمائة ألف وافد بمختلف القطاعات والفئات حتى نهاية أبريل 2024، وبلغت نسبة الزيادة في شهر مايو من نفس العام 1.1%، بينما كان العدد أقل من ذلك في سنوات سابقة حيث بلغت عام 2022 أكثر من مليون وسبعمائة ألف وافد.
هذه الزيادة مستمرة في ظل معاناة المواطن للبحث عن عمل ولأسباب مختلفة تقل بنسبة بسيطة جدا في بعض السنوات، لكنها تتراوح فوق المليون والنصف بكثير، وهذا يدل على النمو الاقتصادي المتنامي الذي يستحوذ عليه الأجنبي في مقابل المواطن الباحث عن عمل ليسد به حاجته، وهو عدد كبير جدا لشعب عدد الباحثين فيه قليل بمقياس اقتصاديات البلدان الناهضة حيث بلغ أكثر من 100 ألف حسب إحصائية الشهور الأولى من عام 2023، والعدد يتزايد بزيادة الخريجين الأحدث في كل عام.
ندرك تمامًا أن وظائف هذه العمالة تتفاوت بين فنية اختصاصية وإدارية ومهنية مختلفة لكن الوظائف التي تناسب العمانيين الخريجين منهم أو الأقل تعليما تفوق بكثير وتستوعب جميع الأعداد الموجودة والباحثة عن عمل.
لم يكن موضوع الباحثين عن عمل مؤرق كهذا الوقت في ظل استمرار قطاع الأعمال استجلاب عمالة وافدة في تخصصات متوفرة لدى المواطن وهنا المعضلة الكبرى، حيث تعمل البلدان على استجلاب الخبرات الخارجية لعدم توفرها أو لندرة التخصصات ودقتها، وهنا يستحيل هذا الأمر لأسباب عدة أهمها منظومة القطاع الخاص، وعدم وجود حزم قانوني في ضوابط الاستثمار.
هنا نحتاج إلى وقفة وطنية حازمة فمن جانب ضرورة توعية المواطن بأهمية تقبل العمل الدائم بالقطاع الخاص حسب الظروف ونظام العمل المطلوب، وفي الجانب الآخر تأمين الوظيفة له خصوصا إذا كان ملتزما بمهامه دون نقصان؛ فلا يجد نفسه مسرحا في أي وقت وعلى رجال الأعمال تغليب المصلحة الوطنية قبل الخاصة.
ولا بأس من خلق وظائف حكومية جديدة تقتضيها الحالة الأمنية، ففي يوم ما قادنا الحديث مع أحد الأصدقاء لضرورة تكوين فرق محلية متجولة حسب كل منطقة جغرافية كمراقبين أمنيين للشواطئ الطويلة في السلطنة أو حتى الجبال ولا يُكتفى بعمل الجهات الحالية في هذا الجانب، لما نراه من كثرة التجاوزات وتنوعها على الشواطئ خصوصا، ودخول الوافد غير النظامي الذي يشكل خطرا جسيما على البلاد بشكل عام.
لقد اقتضت الضرورة مسبقا استقدام الأيدي العاملة الوافدة في مختلف قطاعات العمل، وتقتضي الضرورة حاليا توظيف العمالة الوطنية مهما كانت مواصفاتها، وعلى المستثمر أن يدرك أن أبناء البلاد أولى في ذلك إلا في حال عدم تواجد التخصص، ومن واجبه الأساسي تدريبه وتنمية قدراته.
كذلك فإنه يستوجب تفعيل مبدأ العدالة الاجتماعية في انتقاء الموظفين الجدد في القطاعات المختلفة، لأن ما نراه وما نلمسه كآباء وأفراد في هذا المجتمع مزعج وغير صحي؛ ففي الوقت الذي يستوجب على الخريج الجديد من الباحثين عن عمل انتظار دور الموافقة للانخراط في المقابلات وغيرها بسبب حداثة التخرج، نجد في المقابل من تنتظره الوظيفة فور تخرجه، بالإضافة إلى غياب العدالة في التوظيف بشكل عام وهي معضلة أخرى يستوجب الوقوف معها بحزم.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سؤال طفولي: لماذا تكرهين القوات المسلحة؟
سؤال طفولي: لماذا تكرهين القوات المسلحة؟
رشا عوض
ما هي مشكلتك مع الجيش؟ لماذا تكرهين القوات المسلحة؟
أسئلة مكررة في سياق التعليق على ما أكتب حول الجيش! إن شخصنة القضايا العامة هي طفولة سياسية وعجز فكري، لو أن مواقفي في الشأن العام تتحكم فيها الاعتبارات والمصالح الشخصية فلن تكون لي أدنى مشكلة مع الجيش! لأنني من الناحية الإثنية انتمي إلى تلك المجموعات المحظية بالرتب العليا في الجيش! ولي أقارب أعزاء من جهة الأم والأب ضباط في الجيش بعضهم ما زال في الخدمة! ورغم كل ذلك أرى أن هذا الجيش مؤسسة مأزومة تحتاج إلى إعادة بناء من جديد أو على الأقل تحتاج لإصلاحات هيكلية عميقة تفضي إلى إعادة البناء بالتدريج لأسباب فصلتها في عدد من المقالات السابقة، ونقد الجيش لا يعني مخاصمة وكراهية أي فرد انتمى لهذه المؤسسة ضابطاً كان أو جندياً أو قائداً لفرقة، مؤكد هناك أناس محترمين ونزيهين ووطنيين وأكفاء خدموا في الجيش، ولكن المعضلة تكمن في “عقل المؤسسة العسكرية” ومناهج عملها وشبكة المصالح الداخلية والخارجية المرتبطة بها والمتحكمة فيها، وقاصمة الظهر في عهد الإسلامويين هي التسييس المغلظ والهيمنة الحزبية!
هذه المعضلة هي التي جعلت الجيش أكبر مشروع استنزاف للثروة القومية وفي ذات الوقت الغالبية العظمى من جنوده وضباطه الصغار فقراء يعانون شظف العيش!! وهؤلاء أصحاب مصلحة راجحة في إصلاح الجيش!
هذه المعضلة هي التي جعلت الجيش يفشل في وظيفته الأساسية “احتكار العنف نيابة عن الدولة في إطار دستوري وقانوني” وتحول إلى مصنع لإنتاج المليشيات أو على أحسن الفروض متحالف معها ومتوكئاً عليها في حروبه الداخلية!
هذه المعضلة هي التي جعلت الجيش يقصف مواطنين سودانيين بالبراميل المتفجرة والقنابل المحرمة!
هذه المعضلة هي السبب في أن المواطن السوداني يستقبل في بيته الدانات والرصاص الطائش وقذائف الطيران فيقتل ببشاعة أو ينزح بعسر ومذلة رغم أنه هو من دفع ثمن كل هذه الآليات العسكرية لحمايته وليس لقتله وترويعه في صراع سلطة!
هذه المعضلة هي سبب تحويل الجيش إلى “حزب سياسي مسلح” يردد جنوده شعارات سياسية “قحاتة يا كوم الرماد” و”براؤون يا رسول الله”.
معضلة الجيش هي جزء من معضلة السودان السياسية والاقتصادية المزمنة، ولا نهوض ولا تقدم إلى الأمام دون الاعتراف بكل عيوب مؤسساتنا العسكرية والمدنية على حد سواء ولكن المشكلة هي سياج القدسية الذي يحرم تحريماً غليظاً أي كلمة نقد للجيش!
الجيش يا سادتي مؤسسة خدمة عامة (الخدمة العامة في الدولة الحديثة هي الخدمة المدنية والخدمة العسكرية)، علاقة المواطن والمواطنة بمؤسسات الخدمة العامة لا مجال فيها للحب والكراهية أو الولاء والبراء، بل هي علاقة محكومة بحقوق وواجبات دستورية، المواطن هو دافع الضرائب ومالك الثروة القومية التي تمول مؤسسات الخدمة العامة التي من واجبها خدمة المواطن في مجال اختصاصها، ومن حق المواطن قياس جودة ما تقدمه له من خدمات بمعايير موضوعية.
ثقافة القهر والتخلف السائدة في مجتمعنا والتي تزاوجت مع مشاريع الاستبداد والفساد العسكري المتطاول أدخلت في روع السودانيين أن الجيش بحكم أن في يده السلاح ويستطيع أن يقتل فهو قاهر فوق السودانيين ومالك للدولة وللوطن بما فيه وبمن فيه، وأي نقد للجيش هو كفر بواح يخرج صاحبه من ملة الوطنية ويسلب حقه في ملكية الوطن إذ يتحول إلى خائن وعميل! وأصبح للجيش حصانة وقدسية لا تستند إلى أي منطق سوى منطق القوة، وللأسف لمنطق القوة هذا حاضنة ثقافية معتبرة في المجتمع بحكم الجهل والتخلف وثقافة العنف، وحتى في القطاع الحديث هناك فقر في الثقافة الديمقراطية وتواطؤ معتبر بين بعض التيارات على مشروعية الحكم استناداً إلى قوة السلاح وتمجيد من يحمله.
يجب أن نتذكر دائماً أن الجيوش المحصنة من النقد والتي تجعل من نفسها نصف آلهة أو آلهة كاملة هي أكثر الجيوش تلقياً للهزائم العسكرية وأقلها كفاءة ومهنية.
وأقوى الجيوش في العالم هي جيوش الدول الديمقراطية حيث الجيش خارج الصراع السياسي وملتزم بتنفيذ قرارات الحكومة المنتخبة ديمقراطياً.
الوسومالخدمة العامة الديمقراطية السودان الفساد العسكري القوات المسلحة المليشيات براؤون ثقافة القهر رشا عوض