العملية العسكرية “يوم الأربعين” والحدث الديني: مصدر إلهام وفخر وصمود
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
بقلم : د. محمد علي صنوبري ..
إن زيارة الأربعين، الحدث الذي يجتذب الملايين إلى العراق سنويًا، ليست مجرد مراسم دينية؛ بل إنها شهادة عميقة على المرونة والصمود والفخر التي ميزت النضال الإسلامي من أجل العدالة عبر التاريخ. إن الأربعين هي لحظة فارقة في الأهمية الدينية العميقة. ومع ذلك، فهو أيضًا بمثابة مصدر إلهام قوي للحركات المعاصرة التي تواصل الكفاح ضد الظلم والقمع في العالم الحديث.
إن المراسم التي تقام خلال الأربعين تتردد صداها خارج حدود العراق، وتردد صداها في قلوب وعقول المسلمين في جميع أنحاء العالم. في كل عام، عندما يتجمع ملايين الحجاج من مختلف الطوائف والأعراق والجنسيات في كربلاء، فإنهم لا يشاركون فقط في طقوس دينية، بل إنهم يؤكدون التزامهم بقيم المقاومة والكرامة التي جسدها الإمام الحسين. إن هذا التجمع السنوي هو بمثابة رمز قوي للوحدة بين المسلمين الذين يواجهون أشكالاً مختلفة من القمع اليوم.
لقد أصبحت روح الأربعين هذه، المتجذرة في المقاومة التاريخية ضد الطغيان، مصدر إلهام لمحور المقاومة. إن قرار الأمين العام لحزب الله بتسمية عملية عسكرية كبرى باسم الأربعين يؤكد التأثير العميق الذي يخلفه هذا الحدث الديني الهام على جهود المقاومة المعاصرة. إنه استحضار متعمد واستراتيجي للرمزية الدينية لتحفيز الهوية الجماعية والغرض الذي يتجاوز الحدود والطوائف والانتماءات السياسية وكل ذلك لقضية مركزية وواحدة هي فلسطين المحتلة.
وبهذه الطريقة، تطورت الأربعين من حدث ديني بحت إلى بيان سياسي قوي. إنها ترمز إلى العزم الراسخ على الوقوف ضد الطغيان، بغض النظر عن مدى قوة الخصم. إن محور المقاومة، من خلال ربط عملياته بمثل هذه الأحداث الدينية والتاريخية المهمة، لا يعزز أساس الالتفاف حول القضية الفلسطينية فحسب، بل ويبث أيضاً رسالة الوحدة والعزم إلى العالم. وهذه الرسالة واضحة هي إن النضال ضد الكيان المحتل ليس مجرد صراع سياسي، بل هو استمرار لمعركة تاريخية وأخلاقية لها جذورها في الأسس ذاتها للعقيدة الإسلامية.
إن وصول ملايين الحجاج إلى العراق لحضور الأربعين، قادمين من خلفيات متنوعة، هو مظهر من مظاهر هذه الوحدة. وهو يثبت أنه على الرغم الانقسامات الطفيفة التي قد توجد داخل العالم الإسلامي، هناك اعتراف مشترك بقضية عادلة تتجاوز هذه الاختلافات. إن وجود أشخاص من جميع مناحي الحياة، أعراق ولغات وثقافات مختلفة، متحدين في إخلاصهم والتزامهم بالمبادئ الإسلامية، يرسل رسالة قوية إلى العالم: العدالة والمقاومة قيم عالمية لا يمكن حصرها بالحدود أو الطوائف.
وعلى الصعيد السياسي، فإن هذه الوحدة والعزم يزعزعان استقرار الكيان الصهيوني وقيادته بشكل عميق. إن تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الأخيرة، والتي تم التقاطها في تسجيلات مسربة خلال اجتماع متوتر مع عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم قوات المقاومة الفلسطينية، تكشف عن القلق العميق داخل حكومة الاحتلال. إن اعتراف نتنياهو بأن الكيان الصهيوني يواجه تهديداً وجودياً، ليس فقط من الصراعات المباشرة ولكن من المقاومة الأوسع نطاقاً والمنسقة، يؤكد فعالية استراتيجية محور المقاومة.
إن خوف نتنياهو من أن “وجود الكيان برمته، ووجود المستوطنات في الجنوب والوسط والشمال في خطر” هو اعتراف مباشر بالتأثير المتزايد لمحور المقاومة. إن إشارته إلى إيران وحزب الله يحاصران الاحتلال، يسلط الضوء على العمق الاستراتيجي لهذه التحركات المنسقة، التي لا تستلهم فقط من الحسابات السياسية المعاصرة ولكن أيضاً من الشعور العميق بالواجب التاريخي والديني. إن المقاومة لا تتعلق بالقوة العسكرية فحسب؛ بل تتعلق بتجسيد روح الأربعين والصمود في مواجهة الصعاب الساحقة.
إن هذا خوف للكيان الإسرائيلي ليس بلا أساس. إن محور المقاومة، يعمل على توسيع نطاق المقاومة إلى ما هو أبعد من الحدود المباشرة لغزة، وخلق بيئة في شمال إسرائيل تعكس التحديات التي يواجهها أهل غزة. ومن خلال تعطيل الحياة الطبيعية، إغلاق المدارس، وخلق حالة دائمة من التأهب، وتحدي الشعور بالأمن الذي يشكل أهمية حيوية لاستقرار إسرائيل، تهدف المقاومة إلى ممارسة ضغوط مستمرة على الكيان الإسرائيلي لوقف عدوانه على غزة. وهذه الاستراتيجية ليست مجرد تكتيك عسكري؛ بل هي حملة نفسية مصممة لتآكل ثقة ومعنويات السكان وقيادة الاحتلال.
وفي العودة إلى الحدث الديني علينا القول، إن تجمع الملايين من الزوار من خلفيات ودول متنوعة هو أعجوبة لوجستية وإنسانية. إن قدرة الشعب العراقي على استضافة مثل هذا العدد الهائل من الزوار بالدفء والرعاية هي شهادة على قيمهم الراسخة في الضيافة والأخوة. في وقت ينقسم فيه العالم غالبًا على أسس عرقية ودينية وسياسية، أظهر العراقيون أن التزامهم بخدمة الإنسانية يتجاوز هذه الانقسامات. إن هذا الكرم الرائع لم يمس قلوب الزوار فحسب، بل استحوذ أيضاً على انتباه العالم، وحول صورة العراق من أمة مزقتها الحرب إلى واحدة من أكثر البلدان ترحيباً وكرماً على وجه الأرض.
إن نجاح حج الأربعين ليس مجرد انتصار ثقافي أو ديني؛ بل إنه أيضاً بيان سياسي. إن التعاون السلس بين الحكومة العراقية وشعبها في ضمان سلامة وأمن وراحة ملايين الزوار يعكس قوة واستقرار المؤسسات السياسية العراقية. كما يوضح قدرة الحكومة على إدارة الأحداث واسعة النطاق ويسلط الضوء على إمكانات الأمة للنمو والتنمية في مجالات أخرى. ومن خلال تسهيل المراسم الدينية، أثبتت الحكومة العراقية قدرتها على الحفاظ على النظام وتوفير احتياجات شعبها وزوارها على حد سواء، مما يشير إلى العالم بأن العراق ليس فقط أمة ذات تراث روحي عميق، بل وأيضاً أمة ذات نضج سياسي وكفاءة ناشئة.
وعلاوة على ذلك، فإن الدعم والتشجيع من إيران المجاورة لعراق قوي ومتطور يؤكد على الأهمية الإقليمية لاستقرار العراق. إن مصلحة إيران في العراق المزدهر ليست مجرد مصلحة إيثارية، بل إنها استراتيجية أيضاً. فالعراق المستقر والمزدهر يساهم في الأمن الشامل والنمو الاقتصادي في المنطقة، ويعزز الشعور بالتعاون والمنفعة المتبادلة. وتدرك إيران أن العراق القوي يمكن أن يلعب دوراً محورياً في موازنة ديناميكيات القوة في الشرق الأوسط، والعمل كجسر بين المجموعات الثقافية والدينية المتنوعة، وتعزيز السلام والاستقرار في منطقة مضطربة تاريخياً.
وفي الختام، فإن مراسم الأربعين هي أكثر من مجرد احتفال ديني؛ إنها رمز قوي للمقاومة والوحدة والصمود الذي لا يزال يلهم ويشكل المشهد السياسي في الشرق الأوسط. ومن خلال الاستفادة من هذا التقليد الغني، نجح محور المقاومة في صياغة سرد يتجاوز الصراعات المباشرة ويستفيد من البئر العميق للتاريخ والمعتقد الإسلامي. إن هذه الرواية لا تتحدى الكيان الصهيوني في ساحة المعركة فحسب، بل إنها تتحدى أيضاً الأفكار والهوية، مما يجعل النضال يدور حول الحفاظ على الكرامة والعدالة بقدر ما يدور حول المكاسب الإقليمية أو السياسية. إن روح الأربعين، بما تحمله من دروس التضحية والشجاعة والالتزام الثابت بالعدالة، سوف تستمر في توجيه وإلهام المقاومة لسنوات قادمة وحتى تحرير فلسطين المحتلة. محمد علي صنوبري
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات محور المقاومة من خلال
إقرأ أيضاً:
“حماس”: مصر أبلغتنا أنه لا اتفاق لوقف الحرب دون التفاوض على نزع سلاح المقاومة
الثورة نت/..
قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إن “مصر أبلغتنا أنه لا اتفاق لوقف الحرب دون التفاوض على نزع سلاح المقاومة، وأبلغناها أن نقاش مسألة سلاح المقاومة مرفوض جملة وتفصيلا”.
ونقلت قناة /الجزيرة/ الفضائية عن قيادي في حركة قوله اليوم الاثنين، أن “المقترح الذي نقلته مصر لنا يشمل إطلاق سراح نصف أسرى العدو بالأسبوع الأول من الاتفاق، ويشمل تهدئة مؤقتة لـ45 يوما مقابل إدخال الطعام والإيواء”.
وأشار إلى أن “وفدنا المفاوض فوجئ بأن المقترح الذي نقلته مصر يتضمن نصا صريحا بشأن نزع سلاح المقاومة، وأن الحركة أبلغت مصر أن المدخل لأي اتفاق هو وقف الحرب والانسحاب وليس السلاح”.
وكان القيادي في “حماس”، طاهر النونو، قد صرّح في وقت سابق من اليوم أن “استعداد الحركة لإطلاق سراح جميع الأسرى الصهاينة في قطاع غزة، في إطار صفقة تبادل شاملة، مشروطة بوقف إطلاق نار جاد وانسحاب كامل لقوات العدو الإسرائيلي من القطاع”.
وفي تصريح صحفي ، اتهم النونو العدو الإسرائيلي بـ”تعطيل” التوصل إلى اتفاق، مشيراً إلى أن العقبة الأساسية لا تكمن في أعداد الأسرى، بل في “تنصّل العدو من التزاماته، وتعطيله تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، واستمراره في شن العدوان”.
وأوضح أن “حماس” أبدت “مرونة كبيرة وتعاملت بإيجابية” مع مختلف المقترحات التي طُرحت خلال جولات التفاوض الأخيرة، مشدداً على أن الحركة أبلغت الوسطاء بـ”ضرورة وجود ضمانات تُلزم العدو بتنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه”.
وأشار النونو إلى أن العدو يسعى إلى “إطلاق سراح أسراه دون التطرق إلى قضايا المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً من قطاع غزة”.
وفي ما يتعلق بالموقف من سلاح المقاومة، شدّد النونو على أنه “خط أحمر، وليس مطروحاً للتفاوض”، موضحاً أن “بقاء هذا السلاح مرتبط باستمرار وجود العدو”.
وكان الوفد المفاوض التابع لحركة “حماس”، برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد أجرى أمس سلسلة لقاءات في العاصمة المصرية القاهرة، مع مسؤولين مصريين، وبمشاركة مسؤولين قطريين، ضمن المساعي المشتركة بين القاهرة والدوحة لتقريب وجهات النظر وتثبيت اتفاق الهدنة.
وتأتي هذه التحركات في أعقاب انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 /يناير الماضي، واستمر لمدة 58 يوماً، قبل أن يتنصل العدو من بنوده ويستأنف عدوانه فجر 18 /مارس 2025، مع فرض حصار مشدد على القطاع.