سلطان بن محمد القاسمي
في عالمنا المليء بالضغوط والتحديات اليومية، نبحث جميعًا عن طرق بسيطة وفعّالة لتحسين جودة حياتنا وتعزيز رفاهيتنا الشخصية، وبينما قد تبدو هذه الطرق أحيانًا بعيدة المنال أو تتطلب جهودًا كبيرة، إلّا أنَّ الحقيقة تُشير إلى أن هناك وسائل مُباشرة يمكنها إحداث تغيير إيجابي كبير في حياتنا اليومية، ومن بين هذه الوسائل، تأتي الكلمة الطيبة، التي تلعب دورًا هامًا في تحسين التفاعلات الاجتماعية، وتعزيز الشعور بالانتماء، ونشر السعادة بين النَّاس.
علاوة على ذلك، فإنِّها ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي أداة للتعبير عن التقدير والاحترام. فعندما نقول "شكرًا" لشخص قدم لنا خدمة، أو "صباح الخير" لجارنا، فإننا لا نُعبر فقط عن الامتنان، بل نساهم أيضًا في تحسين مزاج الشخص الآخر وجعل يومه أفضل. وبالتالي، تمتلك هذه العبارات قدرة فريدة على خلق شعور بالانتماء والأمان، حيث يشعر الآخرون بالتقدير والاحترام.
إضافة إلى ذلك، فإن الحديث عن تأثيرها يقودنا إلى التفكير في كيفية تأثيرها على التفاعلات اليومية البسيطة التي قد تبدو عابرة، لكنها تحمل وزنًا كبيرًا في بناء علاقات قوية ومستدامة. وعندما نشعر بالتقدير من الآخرين من خلال كلمات صادقة، ينشأ في داخلنا دافع للرد بالمثل، مما يعزز من تماسك المجتمع. في هذا السياق، التفاعل الإيجابي المتبادل يساهم في خلق بيئة من الاحترام والتفاهم، مما يزيد من شعور الجميع بالانتماء إلى نسيج اجتماعي مشترك.
لنأخذ مثالًا بسيطًا على ذلك: قد يبدأ يوم أحدنا بشكل عادي أو حتى محبط، ولكن عندما نتلقى كلمة طيبة من شخص ما، قد يكون زميلًا في العمل أو شخصًا غريبًا، يتحسن مزاجنا بشكل ملحوظ. في الواقع، هذا التحسن في المزاج لا يبقى محصورًا في داخلنا، بل يمتد ليؤثر على الآخرين الذين نتفاعل معهم خلال اليوم. وبهذا، فإن لهذه العبارة تأثيرًا مضاعفًا؛ فهي تبدأ بتغيير شعور شخص واحد، ثم تنتقل لتؤثر على من حوله، مما يخلق سلسلة من التفاعلات الإيجابية.
من المهم أيضًا أن ندرك أن استخدام هذه الكلمات لا يتطلب مجهودًا كبيرًا، لكنه يحتاج إلى وعي بأهمية الكلمات وتأثيرها. لذا، فإن اختيار عباراتنا بعناية وضمان أنها تعكس نوايانا الطيبة يمكن أن يساهم بشكل كبير في خلق جو من الإيجابية. وعلى النقيض من ذلك، فإن استخدام كلمات سلبية أو جارحة يمكن أن يخلق جوًا من التوتر والعداوة، مما يؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية.
وفي سياق آخر، تؤدي هذه العبارات دورًا حاسمًا في بيئة العمل؛ حيث يتجاوز تأثيرها مجرد تحسين العلاقات بين الزملاء. فعندما يُستخدم التشجيع بصدق، تنشأ بيئة محفزة تُعزز شعور الانتماء والثقة المتبادلة. علاوة على ذلك، فإن تقدير المدير أو القائد لجهود الموظفين لا يقتصر فقط على رفع معنوياتهم؛ بل يسهم في إشعارهم بقيمتهم الحقيقية ودورهم المحوري في تحقيق أهداف المؤسسة. إلى جانب ذلك، يولد هذا التقدير اللفظي شعورًا بالمسؤولية والحماس لدى الموظفين، مما يدفعهم إلى تقديم أفضل ما لديهم. بالتالي، تشجع هذه البيئة الإيجابية على التواصل المفتوح وحل المشكلات بفعالية أكبر، حيث يشعر الجميع بأنهم جزء من فريق متكامل يسعى نحو هدف مشترك. ونتيجة لذلك، تؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى زيادة الإنتاجية والابتكار، مما يُسهم في تحقيق نجاحات أكبر للمؤسسة ككل.
أما في المجتمع، فإنها تسهم بدور محوري في بناء الثقة وتعزيز التماسك الاجتماعي. وعندما نستخدم كلمات مشجعة مع الجيران أو أفراد المجتمع الذين نتفاعل معهم يوميًا، نساهم في بناء مجتمع قائم على الاحترام المتبادل والتفاهم. في الواقع، هذه الروابط الاجتماعية القوية تخلق بيئة يسودها الأمان والطمأنينة، حيث يشعر الجميع بأنهم جزء من مجتمع يهتم بهم ويقدرهم.
كما إنها تشكل أساسًا قويًا في بناء علاقات أسرية متينة ومستدامة، حيث تسهم في تعزيز ثقة الأطفال بأنفسهم وتنمية قيم إيجابية تستمر معهم طوال حياتهم؛ فالتواصل الدافئ بين الآباء وأبنائهم يعزز من نموهم العاطفي والنفسي، مما ينعكس على قدرتهم في مواجهة تحديات الحياة بثقة. ولا شك أن عبارات مثل: "أنا فخور بك" أو "أنت قادر على تحقيق أحلامك" تساهم في ترسيخ شعور الأمان والانتماء داخل الأسرة، مما يقلل من التوترات والصراعات اليومية. إلى جانب ذلك، فإن هذه العبارات تعزز الروابط العائلية، وتجعل المنزل مكانًا للراحة والتعافي، حيث تكون طوق نجاة يعيد التوازن النفسي ويقوي التضامن بين أفراد الأسرة، مما يجعلهم قادرين على مواجهة الصعوبات بروح الفريق الواحد، ويؤكد أهمية الكلمات الطيبة كأساس لبناء مستقبل مشرق ومستدام للجميع.
وفي الختام.. إنَّ الكلمة الطيبة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن اللطف؛ بل هي قوة قادرة على إحداث تغيير حقيقي في حياتنا وحياة من حولنا. ومن خلال استخدامها بوعي واستمرار، يمكننا المساهمة في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وسعادة، وتعزيز روح الإيجابية والاحترام المتبادل. لذلك، لنكن جميعًا جزءًا من هذه الدائرة الإيجابية، ونعمل على نشر السعادة والسلام في حياتنا وحياة الآخرين من خلال قوة الكلمة الطيبة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الدورات الصيفية.. جبهة تربوية استراتيجية لإعادة بناء الأمة
يمانيون : جميل القشم
في وجه عواصف التغريب والانحلال، تبرز الدورات الصيفية كمشروع وطني تربوي استثنائي، لبناء جيل قرآني محصن، متجذر في هويته، وراسخ في وعيه، شامخ في انتمائه.
هذه الدورات هي إحدى جبهات الصمود، التي أدركت القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى منذ وقت مبكر ضرورتها، فكان التوجيه والرعاية والدعم والمواكبة في أعلى مستوياتها، لإدراكهم أن المعركة الكبرى هي معركة وعي.
من قلب هذا الإدراك العميق، جاءت الدورات الصيفية لتعيد تشكيل الوعي الجمعي لأبناء اليمن، لتغرس فيهم مفاهيم الحق والحرية والعزة والكرامة، في مواجهة آلة التضليل الإعلامي والحرب الناعمة التي تستهدف العقول والنفوس قبل الأجساد.
في كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي الأخيرة، تتضح ملامح هذه الدورات، كمسار يحصن النشء من الانجراف، ويصنع إنسانا مختلفا، لا تنطلي عليه الخدعة، ولا يستسلم للهزيمة النفسية، ولا يقبل بالمسخ الثقافي الممنهج.
ومع كل صيف، يتحول التوجيه الثوري إلى مشروع عمل وطني واسع النطاق، تتلاقى فيه جهود الدولة، ووعي المجتمع، وحماس المعلمين، وحرص أولياء الأمور، لصناعة بيئة بديلة، ومؤسسة وعي شاملة، تقود الجيل إلى ضفاف الأمان الروحي والفكري.
في هذه المدارس، لا يقتصر تعليم الطلاب على القراءة والكتابة، بل كيف يكون الإنسان إنسانا… كيف يعرف هويته، ويتمسك بدينه، ويعتز بانتمائه، ويقف بثقة في وجه كل ما يراد له أن يكون نقيضا لحقيقته.
إنها منارات للحق وسط ظلام الحرب الناعمة، ومرافئ نجاة في زمن العواصف، وغرف عمليات حقيقية لتأهيل جيل لا يُخدع بالإعلانات ولا تنطلي عليه الشعارات الفارغة.
هنا، تبذر البذور الأولى للنصر، ويغرس الإيمان في قلوب طرية لم تتلوث بعد، فتكبر معهم مفاهيم الصبر والكرامة والتضحية، وتتشكل مع الأيام رؤيتهم لما يجب أن يكون عليه وطنهم، وموقعهم من معركة الوجود.
ومن بين دفتي القرآن، تنطلق دروس النور، والموقف، والإيمان ليتعلم الطالب فيها أن للحق طريقا، وللحرية ثمنا، وللهوية معنى لا يباع، ولا يشترى.
لم يعد غريبا أن تحظى هذه الدورات بحفاوة مجتمعية متزايدة، بعدما لمس الناس أثرها العميق على سلوك أبنائهم، وعلى طريقة تفكيرهم، وتفاعلهم مع قضايا أمتهم ووطنهم.
تلك الفصول والحلقات المليئة بالقرآن والوعي والأنشطة الحية، هي مصانع رجال الغد، ومحاضن القادة، ونقاط الانطلاق نحو وطن أقوى، وأكثر تجذرا في هويته وقيمه ومبادئه.
ومن المدن، إلى الأرياف والقرى، تتشكل خارطة صيفية مفعمة بالحياة، يقودها معلمون متطوعون، وطلاب متحمسون، وأسر تدفع بأبنائها بثقة إلى حضن النور.
في هذه المدارس والدورات، لا مكان للفراغ، ولا وقت للضياع، فكل لحظة فيها تصنع فارقا، وكل درس يضاف إلى جدار الحماية النفسية والفكرية للنشء والشباب.
لقد أثبتت هذه المدارس أنها الرد الحقيقي والعملي على كل مشاريع التفاهة والانحلال، وعلى كل محاولات اختطاف الجيل من هويته، وزرعه في تربة لا تمت له بصلة.
المدرسة الصيفية اليوم هي مشروع بناء، ومنصة مقاومة، ومنبر نور، وجبهة تربوية لا تقل أهمية عن الجبهات العسكرية، لأنها تصنع وعيا هو السلاح الأهم في معركة الأمة.
ومع انطلاق هذه الدورات، يتجدد الأمل، ويكبر الطموح، بأننا أمام صناعة واعية لأجيال لا تعرف الهزيمة، ولا تقبل بالمسخ والثقافات المغلوطة، ولا تخشى في الحق لومة لائم، وأكثر تمسكا بالقرآن، وفهما للإسلام المحمدي الأصيل، وأكثر وعيا بمؤامرات العدو، وأشد عزما على نصرة قضايا الأمة وفي مقدمتها فلسطين.
جيل يكتب على جبين الزمن: نحن أبناء هذه الأرض، وهذه الهوية، وهذا الدين… جيل من المدارس الصيفية سيحمل الراية، ويصنع الفرق، ويمضي بثبات نحو المستقبل.
ومع كل فصل صيف، تتجدد العزيمة، وتزداد الإرادة صلابة، إذ تظل الدورات الصيفية لتنير درب الأجيال القادمة، وتحصنهم ضد عواصف الفكر الهدام، كونها جبهة تربوية ممتدة في الزمن، تستهدف بناء الإنسان في أعمق جوانبه، وتنمية وعيه، وتعميق انتمائه لأرضه ودينه.
وفي ظل التحديات التي يواجهها وطننا، فإن هذه الدورات تظل السلاح الأقوى في معركة الوعي والتطوير، إذ تشكل حجر الزاوية في بناء جيل قادر على حمل راية الأمة، يمضي نحو مستقبل مشرق لا يعرف الاستسلام.
المصدر: وكالة سبأ