جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-06@14:06:15 GMT

الزلاقة

تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT

الزلاقة

 

سعود بن حمد الطائي

 

الزمن: 23 من أكتوبر 1086م

المكان: سرقسطة- الأندلس

 

كانت سرقسطة وهي من ولايات الثغر الأعلى في شرق الأندلس تُعاني من حصار خانق وشديد فرضته عليها قوات الملك الإسبانيَّ ألفونسو السادس المُنتشي باستيلائه على طليطلةَ في السنة الماضية.

عندما دخل على والديه طفل شبَّ للتو عن الطوق، وقال لأبيه: يا أبتي إني أرى جمعًا وأُبْصِر نقعًا وأسمع مِنْ وراء التلال رغاءً وثغاءً؛ فاستبشر والده خيرًا وقال له: يا بني إنه خميس المرابطين وقد جاءوا لنصرة إخوانهم في الأندلس بعد أن جاوز السيل الزبى، فهَلُم يا بني لنلحق بركبهم فعسى أن يكرمنا ربي ونكون من الشهداء المقبولين.

كان ألفونسو السادس قد علم بالعبور الكبير لقوات المرابطين من المغرب إلى الأندلس بقيادة أميرهم يوسف ابن تاشفين فأرسل إلى حكام سرقسطة من بني هود المحاصرين، إنه سوف يرفع عنهم الحصار ويعود أدراجه إذا دفعوا له مصاريف جيشه وزوّدوه بالمؤن والهدايا ولكن أخبار العبور الكبير كانت قد تناقلتها الأسماع والعيون فسخروا من رسالته وقالوا: له إنهم يكادون أن يسمعوا حوافر خيل المرابطين وهي تقترب يومًا بعد يوم.

فأسقط في يد ألفونسو وتخلى مرغمًا عن الحصار والفتح وكان على وشك أن يقطف ثماره وأنَّ عليه أن يذهب سريعًا للقاء المرابطين قبل أن يصلوا إليه وتولى عن سرقسطة وجمع كيده، ثم أتى بجنوده وفرسانه إلى سهل الزلاقة وهو يُمني النفس بالنصر العظيم وقد كتب إلى ملوك أوروبا ولجميع الكنائس أن توافيه بالمال والجنود فاجتمع لديه جمع غفير ومال كثير.

وعند وصوله إلى سهل الزلاقة كتب للأمير يوسف بن تاشفين رسالة يقول فيها: إن غدا الجمعة، وهي عيد للمسلمين يَذَرون فيها البيع ويُصلّون للإله الذي خلقهم من نطفة وأمشاج وإن السبت عيد لليهود والأحد عيد للمسيحيين يذهبون فيه إلى الكنائس؛ فالموعد الإثنين وليحشر النَّاس ضحى.

جمع يوسف أمير المرابطين ملوك الأندلس وقادة الجيوش، وقرأ عليهم رسالة ألفونسو وسألهم الرأي والمشورة، فأوجس المعتمد ملك إشبيلية في نفسه خيفةً، وعرِف أنها خديعة حرب وحقٌّ يُراد به باطل، فقال ليوسف: إن ألفونسو يُريد خداعنا وأن يأخذنا على حين غرة يوم الجمعة فلنُعِدّ له ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل نرهب به عدو الله، فأثنى يوسف والحاضرون على نصيحة المعتمد وجعله وملوك الأندلس جميعًا في مقدمة الجيش وجعل من خلفهم أشجع فرسانه وأفضل قواده داوود بن عائشة حتى إذا التقى الجمعان وحمي وطيس المعركة واعتقد ألفونسو أنْ لا جيش آخر في الميدان وعندئذ سيقوم يوسف وكتائبه السوداء بالهجوم الأخير.

وصدق المعتمد في قراءته وحدسه، فما إن بدأ أول ضوء للشمس من صباح يوم الجمعة حتى تدافعت موجات ثقيلة من الفرسان المدججين بالسلاح والدروع على جيوش ملوك الأندلس حتى أزاحتها عن مواقعها وشتت فصائلها لكثرة عددها وقوة اندفاعها ولكن فرسان المرابطين بقيادة داوود بن عائشة أعادتهم على أعقابهم، وردَّت كيدهم فعادوا مرة أخرى بأعداد أكبر  وفرسان أكثر.

ولما رأى ألفونسو داوود بن عائشة، ظن أنَّه أمير المرابطين يوسف بن تاشفين وأن لا جيش آخَر من بعده فجمع كل ما أحضره من جنود وفرسان ونزل بنفسه إلى الميدان في حملة واحدة فاشتد القتال وحمي الوطيس وسالت الدماء أنهارا حتى أخذت الخيول تنزلق من كثرة ما سال من الدماء وفي اللحظة التي ظنَّ ألفونسو أنَّه أوشك على النصر سمع أصوات استغاثة قادمة من خلف الجيش ورأى حراس معسكره يهربون وقد مسهم الخوف وتنادوا صائحين فتلفت ألفونسو مستطلعًا وشاهد لأول مرة في حياته كتائب سوداء وهي الحرس الخاص ليوسف بن تاشفين وهم فرسان سود طوال القامة من السنغال كان يوسف قد دربهم وجعلهم في حرسه الخاص يرتدون ملابس حمراء وفي أيديهم رماح طويلة، جفل ألفونسو ومسّه الخوف لرؤية الكتائب السوداء، وقد انبثقت من باطن الأرض واستدار بجيشه لصد هجومها المفاجئ من خلف الجيش؛ فاندفعت نحوه تلك الكتائب السوداء في قوة ومضاء وطعنت برماحها الطويلة فرسان جيش ألفونسو وأخذتهم على حين غرة فكانت مفاجأة قاسية لم يتوقعها ألفونسو وعندما استدار بجيشه لصدهم.. تَنَفسَ جيش داوود بن عايشة وملوك الأندلس الصعداء وأعادوا تنظيم صفوفهم مرة أخرى واندفعوا صفا صفا نحو جيش ألفونسو الذي وقع بين الكتائب السوداء وفرسان داوود بن عائشة من المرابطين فكانت النهاية.

تمكن ألفونسو بضغط من ضباطه وحرسه من الهرب مع خمسمائة من فرسانه وآووا إلى جبل قريب يعصمهم من سيوف المرابطين وحال بينهم الليل فكانوا من الخاسرين.

في الصباح وقد انجلى غبار المعركة وصمتت أبواق الحرب خرج يوسف من خيمته الحمراء وخرج معه ملوك الأندلس وقادة الجيش إلى ميدان المعركة، وقد تناثرت فيه جثث الفرسان والجنود فأمر بدفنهم جميعاً والصلاة على المسلمين منهم بعد فصلهم عن سائر القتلى من غير المسلمين وصلى الجميع صلاة شكر للمولى عزَّ وجلَّ.

ولم يعد هنالك من جيش أو أثر يذكر لألفونسو وجيشه الجرار الذي كان يهدد به ملوك الأندلس الضعفاء وكتب يوسف للأندلس وللإسلام أن يبقى 400 عام أخرى في الأندلس ومنحها بفضل الله عمرًا جديدًا أوشك أن ينتهي وتطوى أيامه على أيدي أصحابه وتذهب ريحهم بعد نزاعهم وفشلهم في حفظ ما تركه لهم آباؤهم، إلى أن جاء أبوعبدالله الصغير في سنة 1492م وسلم مفاتيح غرناطة وقصر الحمراء للملكة إيزابيلا وفرديناند!

وبتسليم غرناطة واستسلامها، طُوَيَت صفحة مشرقة في تاريخ الحضارة الإنسانية أشرقت أنوارها ذات يوم من جبال مكة فملأت الوجود ضياءً ونورًا.

وجاءت من بعدهم أقوام أخرى غزت القارة الأمريكية، وأعملت في شعوبها السيف وأحرقت الأخضر واليابس، ولم تُبقِ على أحد من رجال أو نساء وأطفال وقضت على حضارات إنسانية قديمة مثل المايا والأزتك والإنكا ولم يسلم من هذه الأقوام، إلّا أهرامات في المكسيك دفنتها الغابات واحتضنتها لتبقى ما بقي من أثر لها وقرية في أعالي جبال الانديز هرب الناس إليها خائفين  لتبقى شاهدة على تلك الإبادة التي لم تعرف لها الإنسانية مثيلا من قبل... فسبحان الله مُغيّر الأحوال!

"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ" (آل عمران: 26).

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الأنبا عمانوئيل يحتفل بقداس أحد الرفاع برعية القديس يوسف بالغردقة

ترأس نيافة الأنبا عمانوئيل عياد، مطران إيبارشية طيبة للأقباط الكاثوليك، قداس أحد الرفاع المبارك، وذلك برعية القديس يوسف، بالغردقة.

زمن الصوم الأربعيني 

شارك في الصلاة الأب يوحنا معطي، بحضور راهبات قلب يسوع المصريات، حيث قدم صاحب النيافة الذبيحة الإلهية، من أجل قداسة البابا فرنسيس طالبًا له نعمة الشفاء، وكذلك من أجل القمص يؤانس أديب، راعي الكنيسة.

في كلمة العظة، تأمل الأب المطران في "زمن الصوم الأربعيني المقدس"، حيث دعا نيافته إلى أهمية الالتزام بتعليم الكنيسة، وأن مسيرة الصوم هي رحلة داخلية، من أجل مراجعة الذات، وتجديد ونمو العلاقة الشخصية مع الله، وعيش وصية المحبة التي هي تاج كل الوصايا.

مطران الكنيسة اللاتينية بمصر يترأس احتفالات يوبيل الرجاء بشرم الشيخالكنيسة القبطية تشارك في حفل إفطار السفارة المصرية بأبيدچاناليوم الأول من زيارة الأنبا باسيليوس الرعوية لكنيسة السيدة العذراء بنزلة غطاس70 عاما من الخدمة.. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بذكرى نياحة هوشع النبيالطائفة الإنجيلية تناقش تحديات الكنيسة ودورها في المجتمع

وفي الختام، هنأ راعي الإيبارشيّة جميع الحاضرين، بمناسبة بدء مسيرة الصوم الأربعيني المقدس.
 

مقالات مشابهة

  • عمرو يوسف: لا يوجد ما يسمّى بالأعلى أجرًا.. ورقم واحد أكذوبة
  • الأنبا عمانوئيل يحتفل بقداس أحد الرفاع برعية القديس يوسف بالغردقة
  • عمرو يوسف: أول أجر ليا كان 10 آلاف جنيه والعمر مجرد رقم
  • أول ظهور للطفل يوسف ساويرس بعد فوزه بـ 50 ألف جنيه من مدفع رمضان| شاهد
  • لغز بلا أدلة.. رصاص فى هيلتون أسكت يوسف السباعى والفاعل مجهول
  • وزير الاتصال يزور الصحفي الرياضي السابق بن يوسف وعدية
  • «الشارقة للكتاب» تجمع فنانين إماراتيين ومغاربة ليعيدوا تخيّل الأندلس
  • طلعت يوسف يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة سموحة في الدوري
  • زينة في "رامز إيلون مصر": "أعدائي كلهم رجال.. ومعرفش رانيا يوسف"
  • مسلسل جريمة منتصف الليل الحلقة 3 .. رانيا يوسف تفقد الذاكرة