الجزيرة:
2025-03-05@19:33:26 GMT

حياة الماعز وصناعة السينما

تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT

حياة الماعز وصناعة السينما

"حياة الماعز"، فيلم هندي أثار- وما زال يثير – جدلًا منذ أيام، تم إنتاجه بناءً على رواية عمرها ستة عشر عامًا لم ينتبه لها كثيرون، إلا بعد أن تحولت إلى فيلم درامي سينمائي تم عرض نسخة مترجمة منه على منصة "نتفليكس"، وهو ما جذب اهتمامًا إعلاميًا عربيًا مبالغًا فيه بعض الشيء، الأمر الذي زاد من شعبيته!

الفيلم، وإن حكى قصة حقيقية وقعت بالسعودية قبل سنوات، ولا تخلو أرقى المجتمعات منها، لم أجد أنه يحتاج لكل هذا التفاعل من الجانب العربي المسلم، سوى ما كان بالشكل الذي يتم عبره توضيح حقائق وخفايا أمور، دون رفض محتوى الفيلم جملة وتفصيلًا في الوقت نفسه.

فهو، إلى جانب أنه مبني على الأجزاء الإنسانية من القصة الحقيقية، والتي تحتاج كل المجتمعات الإنسانية إلى حملات توعوية مستمرة لبيان بشاعة الظلم، إلا أن منتجي هذا الفيلم تعمدوا لسببٍ أو آخر إخفاء مشاهد إنسانية أخرى مهمة من القصة، وبسبب ذلك الإخفاء يحدث هذا التفاعل معه، وبالتالي استحقّ النظر إليه بشك وريبة.

الزمن الأكبر من الفيلم كان يدور حول مشاهد من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، لكن تجاهل الفيلم الحقيقة الحياتية المعروفة أنه رغم جبروت الظلم، ينتصر الخير عليه نهاية المطاف.

وهذا هو الجزء المفقود من الفيلم، حيث تم تجاهل تعاطف أبناء الظالم مع العامل المظلوم، وتجاهل تعاطف أهالي حفر الباطن، حيث جرت أحداث القصة في صحرائها، وكيف أن هذا التعاطف أدى بالعامل غير المسلم إلى إعلان إسلامه، بعد أن عاين بنفسه رحمة البشر هناك، التي تجسدت في مشهد حقيقي غير سينمائي، وهو تنازل أبناء الرجل الظالم عن دية والدهم، الذي قتله العامل غير متعمد، بل وتم تسليم مبلغ الدية وزيادة، كان قد جمعها الأهالي كنوع من التعويض عن عشر سنوات عجاف عاشها العامل.

لو أن الفيلم أظهر الأجزاء الإنسانية الأخيرة من القصة، لما أثار ضجة وكان مقبولًا من الناحية الموضوعية والفنية، لكن يبدو أن رسالة الفيلم المبطنة وإن كانت مكشوفة، هي الإساءة إلى المسلمين بشكل عام وليس إلى الشعب السعودي وحده، الذي أظهره الفيلم كشعب ظالم لا يعرف رأفة ورحمة، وهذا افتراء غير مقبول ورأي غير مسؤول.

لكن إن توسعنا في الموضوع وانطلقنا من هذه القصة نحو موضوعات أخرى ذات صلة، لوجدنا أولًا أن مسألة الظلم التي يريد الفيلم أن يظهر أنها طبيعية في مجتمعات "الله أكبر" "حي على الصلاة"، هي منتشرة في الهند نفسها بصورة أشد وأوسع وأعمق.

ولو دققنا النظر ثانيًا في واقع المجتمع الهندي ورأينا كمية اعتداءات الهندوس الممنهجة والمستمرة على المسلمين في الهند نفسها مثلًا، لربما احتجنا إلى مئات الأفلام وآلاف الروايات للحديث عنها. هذا بفرض رغبتنا الدخول في سباق مع الآخر، وبيان ما عنده من مساوئ ومظالم وشرور، لكن ما هكذا تورد الإبل – كما تقول العرب – لأن المسألة تحتاج منهجية وعملًا واضحًا منظمًا لا يعتمد على ردود أفعال.

نقطة أخيرة مهمة في هذه المقدمة الطويلة، هي أنه لا يوجد مجتمع ملائكي الصفات بين البشر، والظلم بأنواعه موجود في أرقى المجتمعات والأمم، وليس عند العرب فقط، كما يريد الفيلم أن يقول، في واحدة من رسائله غير المباشرة.  كما أن الفيلم لن يكون آخر الأفلام في سلسلة الإنتاجات الفنية الموجهة، سواء الهندية أو غيرها من تلك التي تسير على درب هوليود، والتي فعلت أكثر من بوليوود ونظيراتها آلاف المرات.

صناعة السينما

لكن السؤال الذي يفرض نفسه دومًا في مثل هذه المناسبات والأحوال: أين هي السينما العربية؟ وأين هو الإنتاج الفني الإعلامي العربي المسلم الذي يكشف الحقائق دون مبالغات أو إساءات؟

لا تجد أثرًا أو إجابة مقنعة، وإن وجدت بعض أعمال فنية هنا وهناك، فهي غالبًا لا تجد ذلك الدعم الذي يوصلها للعالمية أو إلى الساحات التي يمكن عبرها توصيل رسالتنا للعالم.

وهذا ما يدعونا للتساؤل المستمر: لماذا لا تنشط المؤسسات الفنية والإعلامية في إنتاج دراما فنية هادفة تخدم قضايا الأمة، أو تنشط في الوثائقيات وتكشف المستور في تلك المجتمعات التي تتفنن منذ عقود طويلة في الإساءة لنا كعرب ومسلمين، كالمجتمع الأميركي أو الغربي بشكل عام، ومعهم الآن المجتمع الهندوسي والصهيوني، وغيرهما من مجتمعات معادية؟

الفن السينمائي، أو إن صح التعبير، صناعة السينما، تحتاج إلى كثير من الرعاية والاهتمام في عالمنا الإسلامي. لا أقصد بالسينما الترفيهية العبثية، إنما تلك التي تحمل رسالة واضحة، وتسير وفق رؤى ومنهجية محددة ضمن عمل إعلامي واسع. هذا الفن الإعلامي لا يزال مدار بحث ونقاش طويل يتجدد بين الحين والحين في أوساط علماء الشرع، منذ أن عرف العالم الإسلامي فن التمثيل.

وما خرجنا من نقاش تلك المسألة بإجماع أو على أقل تقدير، برأي يتفق عليه عدد لا بأس به من العلماء، يكون موجهًا أو معيارًا لهذا العمل المهم في زمن الإعلام والمعلومات.

التخلف السينمائي غير مقبول

نعود للموضوع مدار البحث ونحن نعيش عصرًا متسارعًا في أفكاره وعلومه وتقنياته، والفن السينمائي واحد من المجالات التي اختلفنا عليها فتأخرنا، لنؤكد أن التخلف في هذا المجال أمر غير مقبول البتة، ونحن – كما أسلفنا – نعيش زمن الإعلام والمعلومات ومنها السينما، فيما غيرنا مستمر في إبداعاته وإتقانه في هذا المجال، حتى ساروا بعيدًا. بل صار هذا الفن سلاحًا فاعلًا بأيديهم لا يقل فاعلية وكفاءة وأثرًا عن الأسلحة العسكرية والاقتصادية وغيرها.

ما يحدث إلى الآن مع الفنّ السينمائي هو تكرار لسيناريوهات ماضية وقعت ولم نستفد منها الدروس والعبر. فقد ظهر الراديو حتى هابه الناس في مجتمعاتنا وأدخلوه في عالم البدع والضلالة، وكل ضلالة في النار، إلى أن استأنس الناس به وعرفوا أنه ليس أكثر من صندوق يسمعون فيه القرآن والأخبار وغيرهما، فما المشكلة ولماذا تم تحريمه وتفسيق وتبديع من يمتلكه ويستخدمه؟

تكرر الأمر تارة أخرى مع ظهور التلفاز، ثم مع التطورات المصاحبة له، من فضائيات وأطباق لاقطة، واستمر الجدال سنوات ما بين الحِلّ والتحريم، حتى تبين أن هذا التلفاز الذي تم تحريمه -لأنه يعرض الهابط من الأعمال وما شابه – هو نفسه الذي يعرض برامج لدعاة يدعون للدين والأخلاق، وينقل خطب الجمعة وما شابه من أعمال نافعة، حتى صار من كان يحرم هذه البدعة يستخدمها لاحقًا، مما يعني أن الإشكالية ليست في العصر واختراعاته، بقدر ما هي في العقليات التي لا تستطيع التعامل مع كل جديد بشكل مرن وسريع، فتلجأ للتحريم والمنع زمنًا حتى يطمئن قلبها، ولكن بعد أن يكون الركب قد فات وسار زمنًا، فيما نظل كعادتنا في ذيل ذاك الركب!

الآن يتكرّر الأمر مع العمل السينمائي الذي لم نتوحد على رأي بشأنه – كما أسلفنا – رغم مرور أكثر من قرن من الزمان على ظهوره. هذا الفن أو هذه الصناعة، إيجابياتها تفوق سلبياتها. واستخدام البعض لها في الشر لا يجعلها شرًا كلها، وبالتالي نترك جلها. لا، الأمر أوسع من هذا بكثير. إن الكاميرات السينمائية التي تصور الأفلام الهابطة هي نفسها التي تصور أفلام الاستقامة. هي آلات صماء تأتمر بأمرك، وأنت من يحركها ويديرها وليس العكس.

إنها هي نفسها الكاميرات التي قام مصطفى العقاد – رحمه الله – باستخدامها لتصوير فيلمي "الرسالة" و"عمر المختار"، واستخدمها تلفزيون قطر لإنتاج أروع المسلسلات التاريخية مثل مسلسل "عمر الفاروق" و"الإمام أحمد بن حنبل" وغيرها الكثير من الأعمال النافعة.

السينما سلاح مؤثر

الأمم اليوم تتصارع ليس بالأسلحة العسكرية فحسب، بل بسلاح المعلومة، والتقنية، والسينما، والإعلام، وغيرها من أسلحة. نحن أمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة…) نحتاج فهمًا أوسع لهذه الآية الكريمة، وأن نعد من القوة الشيء الكثير لتحقيق هدف الترهيب كما بالآية، والذي يعني فرض احترامك على الآخر بعلمك وقوتك أو أسلحتك المتنوعة، وسلاح السينما إحداها. وهكذا النفس البشرية تحترم القوي المبدع.

لا شيء يمنع أبدًا استخدام فن السينما في تحقيق مقاصدك الطيبة وأهدافك الإنسانية النبيلة، وتقديم نفسك للعالمين بالصورة التي أرادها الله وأرادها رسوله الكريم محمد ﷺ. هذا فن وصناعة وأنت من يسيطر ويحدد الأطر والضوابط لها.

إن إنتاجًا فنيًا على غرار مسلسل "عمر"، أو "الرسالة" كأبرز نموذجين، يمكنهما فعل الكثير من التأثير في الآخرين.  وعلى غرارهما يستمر الإنتاج السينمائي أو صناعة السينما بهذا المستوى وأفضل، وفق رؤى واضحة وأهداف محددة. وبها نواجه المخالف الراغب في التشويه والإساءة بنفس السلاح الذي يستخدمه، لكن ليس للتشويه بالطبع، وإنما عبر إنتاج أعمال راقية بديعة تكون قادرة على كشف رداءة بضاعة المهاجم حين يأتي وقت المقارنة.

وبمثل هذا التفكير وهذه المنهجية نخدم ديننا، دون أن نشتت الجهود والأوقات في ردود أفعال قد تصيب، أو تخيب غالب الأحيان.

ما المطلوب؟ عقد مؤتمر يضم علماء دين، أصحاب فكر متجدد يعيشون العصر، مع خبراء في صناعة السينما ورجال أعمال ومسؤولي الإعلام في الدول الإسلامية، يكون المقصد منه الخروج بنتائج تدعو إلى إنشاء صناعة سينما تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي، بعد أن يكون قد تم حل المعضلات والإشكاليات التي منعت من السير في هذا المجال عقودًا طويلة، كالنظرة إلى الفن السينمائي أو التمثيل أو تجسيد الشخصيات التاريخية وغيرها من مسائل الخلاف. الدعوة إلى إنشاء مدينة إنتاج سينمائي على غرار المسماة بهوليود الأميركية، تتوفر فيها كافة مستلزمات هذه الصناعة، وتكون ممولة من قبل أعضاء منظمة التعاون الإسلامي مبدئيًا، ثم تتحول تدريجيًا نحو الاكتفاء أو الاعتماد على التمويل الذاتي. اعتماد ثقافة التمثيل ضمن المناهج الدراسية، بقصد تنشئة جيل محاور لا يهاب التعبير عن أفكاره أمام الجمهور. دعم المبدعين الأدباء وكتّاب السيناريو والروايات، وإنشاء معاهد متخصصة في كافة مجالات صناعة السينما. اعتماد منظمة التعاون الإسلامي منهجية واضحة لنهضة سينمائية، من ضمنها إرسال بعثات إلى مراكز الإنتاج السينمائي العالمية للاستفادة من خبراتها الفنية والتقنية، واستقدام الخبرات التعليمية والتخصصية لمعاهد التمثيل والفن السينمائي لإفادة أكبر شريحة من الطلاب الدارسين. تعزيز قيم الأخلاق في صناعة السينما، وربط مناهج تعليم الفنون بالقيم الإسلامية حتى يتحول الفن إلى رسالة حضارية، وليس مجرد مهنة من لا مهنة له أو مصدر كسب مادي ليس أكثر.

تلكم كانت بعض مقترحات وتوصيات يمكن البناء عليها مبدئيًا من أجل صناعة سينمائية تخدم الأمة وقضاياها، الدعوية والسياسية وغيرها من قضايا.

ومن المؤكد أن هناك آراء ومقترحات أكثر احترافية من أهل الخبرة والصنعة في عالمنا الإسلامي الكبير، يمكن أن تُناقش خلال ندوة أو مؤتمر إسلامي بين أهل الخبرة والرأي والمال تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي أو أي جهة أخرى عندها الإمكانات الضرورية واللازمة لتولي أمر المتابعة من بعد ذلك، كي لا تكون التوصيات كغيرها من مقترحات وتوصيات المؤتمرات العربية والإسلامية حبيسة الأدراج والملفات.. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات منظمة التعاون الإسلامی الفن السینمائی صناعة السینما إنتاج ا بعد أن

إقرأ أيضاً:

حكايات يرويها الحرفيون

سلام الشكيلي: مبالغ زهيدة نحصل عليها من السعفيات لكنها كانت كافية للعيش

خميس أمبوسعيدي:نصف ريال قيمة خياطة الدشداشة أوائل السبعينيات والقناعة سر الثبات والبقاء

مسعود الكندي: صناعة الدّعون شاقّة ومرهقة لكن تمسّكنا بها لظروف الحياة

مرّت على بلادنا عمان عبر الأزمنة المتتالية الكثير من التغيرات والعقبات والصعوبات أسوة بباقي الدول، حيث لم تخلُ دولة من هذه التغيرات ولعل ما يتذكّره العمانيون من كبار السن هو ضنك العيش وصعوبة الحياة وندرة الأعمال خلال فترة نهاية الستينيات من القرن الماضي وتحديدًا قبل 23 يوليو 1970 الذي يعد يومًا فاصلًا بين زمنين، حيث تغيّرت الحياة كثيرا، وبدأ العمانيون في شق طريقهم مع تغيرات جذرية في مختلف مناحي الحياة.

وبرغم توفر عدة فرص للأعمال الحكومية والحرّة بعد نهضة 1970، إلا أن الكثير من العمانيين حافظوا وما زالوا على المهن التقليدية أو البسيطة التي مارسوها خلال حقبة فائتة من السنين، حيث نستعرض خلال هذه السطور تجارب عديدة لكبار السن لا يزالون حريصين على امتهان حرف تقليدية قد تندثر في قادم الأيام؛ نستمع منهم لتجاربهم وحكاياتهم وكيف استطاعوا شقّ طريقهم والتغلّب على ظروف الحياة ومرارة الأيام.

البداية مع الوالد خميس بن سعيد أمبوسعيدي الذي يمتهن خياطة الملابس الرجالية منذ ما يزيد على 55 عامًا، حيث روى قصة افتتاحه للمحل بسوق نزوى بعد أن عمل خيّاطًا في الجيش زمن السلطان سعيد بن تيمور، ونظرًا لظروف الحياة والتنقلات بين الكتائب يقول خميس أمبوسعيدي: توظّفت كخيّاط في الجيش بداية عام 1970 براتب 25 ريالًا في ذلك الوقت وكان من المفترض أن يكون مقر العمل في نزوى ولكن تم نقلي بعد مرور 20 يومًا إلى عبري ثم مرة أخرى إلى الجبل الأخضر ومنها إلى صلالة وكل ذلك خلال عام واحد من بداية 1970 إلى بداية عام 1971 لذلك آثرت الاستقالة، حيث أتقنت مهنة الخياطة وقررت بدء العمل الخاص بي مع رفيق دربي في المهنة محمد بن خميس النعماني -رحمه الله- من خلال افتتاح محل صغير كون الناس بدأت تُقبل على ارتداء الدشاديش العمانية؛ وتابع القول: قمت بشراء ماكينة خياطة يابانية بقيمة 45 ريالًا وكانت من النوع الأصلي الراقي في ذلك الوقت -وما زلت أعمل عليها حتى الآن- إذ أقوم بصيانتها وتنظيفها بنفسي، وقال: كانت قيمة خياطة الدشداشة الواحدة نصف ريال، حيث يقوم الزبون بإحضار القماش بنفسه، فالقناعة في ذلك الوقت كانت موجودة ولله الحمد ونستطيع خياطة ما لا يقل عن أربع دشاديش في اليوم تكفي لمستلزمات الحياة، حيث إن الحياة كانت بسيطة والمستلزمات قليلة ولله الحمد وبمرور الوقت ارتفعت الأجرة قليلاً ولكن لا نزال محافظين على المهنة رغم منافسة الوافدين الذين حاولوا مرارا إبعادنا عن المهنة.

صناعة الدعون

وننتقل مع مسعود بن ساعد الكندي الذي يمتهن صناعة الدعون منذ ما يقرب من 35 عاما، حيث يقول: تكمن فكرتها في جمع زور النخيل بعد تنظيفها من الخوص وربطها بالحبال لتشكيل قطعة متماسكة مختلفة الطول تصل إلى متر ونصف المتر أو أكثر تبعا للغرض الذي يتم استخدام الدعن والذي عادة يكون لتجفيف تمور النخيل، كما لها استخدامات أخرى كسقوف للمساجد والبيوت سابقا وحاليا تستخدم كمساكن كالعريش والخيمة ومظلات واقية من الحرارة؛ وبرغم أن معظم ممن عملوا في هذه الحرفة من الأجداد والآباء رحلوا عنها، إلا أنها بقيت قائمة تواجه تحديات الاندثار والنسيان؛ وقال: في السابق كان يمتهنها الكثير وكانت تقوم بالتعاون بين الجميع لذلك فهي مصدر رزق ولله الحمد، حيث يكثر الطلب عليها خاصة خلال فصل الصيف والحمد لله استطعنا من خلال هذه المهنة تسيير معيشتنا وأرزاقنا رغم التحديات الكثيرة؛ وعن سر اهتمامه وعشقه لهذه الحرفة قال: هي في المقام الأول إرث قديم يجب المحافظة عليه، فهي مهنة تقاوم الاندثار كما أن عائدها الاقتصادي مُجز وأن الإقبال على الدعون مستمر وقد يكون الطلب عليه حاليا أكثر سواء لأغراض البناء مثل الخيام والعرشان والاستراحات السياحية والفندقية والتخييم وغيرها، مُضيفًا أن أي عمل لا بد أن يكون فيه بعض الصعوبات، ولكن ما دام هناك رغبة وهمّة واجتهاد لإنجاز العمل، فإن الصعوبات تتلاشى وتبقى متعة العمل عالقة».

صناعة السعفيات

ننتقل مع سلام بن عديم الشكيلي الذي يمتهن صناعة السعفيات منذ قرابة 30 عامًا، حيث يقول بدأتها كهواية للتسلية وقضاء الوقت بسبب فقدان بصري، حيث استهوتني فكرة صناعة الحبال من خوص النخيل وكذلك صناعة السعفيات كالخصاصيف التي تستخدم للشواء وكذلك جراب التمر وبدأت في بيع بعض المنتجات وما لبثت أن تعلقت بها، حيث كانت ترد عليّ مبلغا من المال يساعدني في قضاء بعض احتياجاتي؛ وقال لم تكن قيمة الخصفة في ذلك الوقت كثيرة، إذ لم تتجاوز ريالا واحدا فقط وكنت أقوم بصنعة أعداد كبيرة قبيل الأعياد لبيعها لمن يطلبها. مضيفًا: إنه لا يعرض منتجاته وإنما له زبائنه المعروفون الذين يتعاملون معه بصورة دائمة وقال: إن هذه الحرفة ساعدته كثيرًا على تحسين وضعه رغم ظروفه وبرغم صعوبتها كانت عاملًا مساعدًا في الجانب المادي، وقد ارتفع سعرها خلال هذه الفترات، حيث تصل الكبيرة منها إلى خمسة ريالات للواحدة.

ختامًا، يقول سلام الشكيلي: «أنصح الشباب بتعلم هذه الحرفة للحفاظ عليها من الاندثار، كونها حرفة قديمة وتناقص عدد ممارسيها في الوقت الحاضر، كما يمكن خياطة بعض الأعمال السعفية للزينة وحفظ الأطعمة، ويمكن استخدامها في عدة أشياء كما كانت تُستعمل سابقًا. على سبيل المثال، تقوم بعض مصانع الحلوى بوضع الحلوى في أوان سعفية صغيرة تُسمى «قزقوزة»، وهي طريقة كانت منتشرة قديمًا لبيع الحلوى. كما أن صناعة هذه الأواني قد تتيح للشباب مورد رزق، ولو بسيطًا، يساعدهم ماديًا».

مقالات مشابهة

  • إطلاق مخيم وَثِّق للأفلام الوثائقية لتمكين صناع السينما العمانيين
  • الموسم السينمائي على خط المنافسة مع دراما رمضان.. نقاد: زحام المسلسلات سيؤثر
  • رحاب هاني: الموسم السينمائي لا يتأثر بموسم دراما رمضان
  • الشرير وعازب السينما المصرية.. أسرار تعرفها لأول مرة في ذكرى ميلاد زكي رستم
  • بعد عرضه الدورة السابقة.. إدارة القاهرة السينمائي تعلق على فوز أنا مازلت هنا بالأوسكار
  • حكايات يرويها الحرفيون
  • ياسر جلال: لا أسعى للبطولة المطلقة في السينما.. وجودر 2 كان أصعب من الجزء الأول
  • داليا مصطفى: لم أقاطع مهرجان القاهرة السينمائي ولما بغضب بخرج تصريحات انفعالية
  • بين الدين والرأسمالية: كيف تَصنع الأنظمة القمعية «المَاعِز الأليف»؟
  • إيناس الدغيدي: السينما المصرية والعربية مش هتجيب حد زي سعاد حسني