نشرت مجلة "نيولاينز" الأميركية مقالا طويلا للكاتب النمساوي فريد حافظ يسرد فيه كيف تم تصويره في النمسا كعدو للدولة، وهي قصة تسري على كثير من المسلمين هناك في إطار تصاعد السياسات المعادية للمسلمين مع صعود أقصى اليمين هناك.

يبدأ حافظ مقاله بشرح تفاصيل مداهمة منزله في العاصمة النمساوية فيينا في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إذ شارك في تلك المداهمة أكثر من 30 من رجال الشرطة المدججين بالسلاح الذين كانوا يصرخون ويصوبون أسلحتهم نحوه باستخدام مناظير الليزر، وترويع زوجته وأطفاله الثلاثة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز نقلا عن خامنئي: لا عائق أمام إجراء محادثات نووية مع أميركاlist 2 of 2فورين أفيرز: الأسلحة البيولوجية خطر خفي على العالم الانتباه لهend of list

وأوضح حافظ أن تلك المداهمة كانت جزءا من عملية أوسع نطاقا أطلق عليها اسم "عملية الأقصر"، وهي حملة واسعة النطاق استهدفت نشطاء المجتمع المدني المسلم في النمسا، حيث وُلد الكاتب ونشأ وترعرع في بلدة صغيرة لا يزيد عدد سكانها على 500 نسمة، قبل أن يصبح معلقا بوسائل الإعلام الحكومية وأكاديميا معروفا، وغالبا ما كان يكتب كمحاور في قضايا المسلمين للجمهور النمساوي.

تحطيم الشعور بالانتماء للوطن

وقال حافظ إنه كان يعد نفسه جزءا من النسيج الديمقراطي المتنوع الذي أعطى صوتا للمغمورين في النمسا. ولم تكن النمسا مجرد وطن بالنسبة له، بل كانت مكانا حظي فيه بثقة واحترام أبناء وطنه، ومن بينهم العديد من الشخصيات المؤثرة في الحكومة النمساوية والمجتمع المدني. لكن صباح يوم المداهمة حُطم هذا الشعور بالانتماء للوطن.

وعلم الكاتب خلال المداهمة عن صدور مذكرة اعتقال من المدعي العام تدعي أنه عضو في منظمة إجرامية و"إرهابية" وأنه عدو للدولة النمساوية. وفي تلك اللحظة، بدا له أن هويته السابقة ذهبت أدراج الرياح.

وقال الكاتب إنه لم يتم اتهامه بارتكاب أي جريمة في تلك الليلة، ولن يتم اتهامه في المستقبل، ومع ذلك تمت معاملته كمجرم وعدو للدولة، وتم تجميد حسابه المصرفي وأصول أخرى، وصادرت الشرطة جميع أجهزته الإلكترونية.

وبعد استجواب مطول في مركز الشرطة، أُطلق سراحه بضمان شخصي ليخرج دون أن يكون معه فلس واحد يملكه. واندفعت وسائل الإعلام النمساوية بحماس لوصفه بـ"المتطرف"، على الرغم من أنه كان كاتبا لفترة طويلة في العديد من مطبوعاتها المرموقة.

نقطة تحول

وأكد الكاتب أن صباح يوم المداهمة كان نقطة تحول في حياته، لكنه لم يكن الوحيد الذي تأثر بها، فقد استهدفت "عملية الأقصر" ما يقرب من 70 فردا ومنظمة، حيث قام ما يقرب من ألف ضابط شرطة بمداهمات في 3 ولايات نمساوية مختلفة.

وأوضح أن تلك المداهمات تم تصويرها على أنها ضد جماعة الإخوان المسلمين التي لم يكن على علاقة بها. وأشار إلى أن تلك المداهمات كانت في الواقع جزءا من جهود الحكومة اليمينية المتزايدة لمعاقبة وإسكات المسلمين النمساويين الناشطين سياسيا.

وقال إن تجربته في الانتماء إلى أقلية عرقية في الريف النمساوي مع معرفته بأنه قد يتعرض للتهميش أحيانا بسبب اختلاف لون بشرته أو لأن اسمه أجنبي، قادته إلى صحوة تدريجية حول العرق والهوية، حيث اكتشف كتابات مالكوم إكس في سن المراهقة وطوّر وعيا سياسيا، ودرس في البداية تاريخ معاداة السامية في النمسا ثم عالم سياسة المهاجرين والإسلام.

حصل على جوائز

وقد تطورت هذه القراءات تدريجيا إلى مهنة في المجال الأكاديمي والصحافة التي ركزت إلى حد كبير على دراسة العنصرية، منها العنصرية ضد المسلمين في أوروبا، وكتب عن مجموعة متنوعة من الموضوعات في الصحف النمساوية، حيث أصبح معروفا كمعلق عام. وحصل على جوائز وأجرى مقابلات منتظمة حول الأحداث السياسية اليومية على شاشات التلفزيون.

وفي الوقت نفسه، كانت النمسا تمر بتحولات من شأنها أن تغير المشهد السياسي تدريجيا، فقد أصبح يورغ هايدر أحد أنجح قادة أقصى اليمين، وقام بالترويج لحزبه، حزب الحرية النمساوي، من خلال الاستفادة من المشاعر المعادية للمهاجرين في البلاد وتشجيعها. ووجد الكاتب حينها أن بحثه كان موضع ترحيب من قبل الجمهور طالما ركزت انتقاداته على هايدر وأحزاب أقصى اليمين الأخرى، التي لطالما تم اعتبارها الموجهات الرئيسية للعنصرية في البلاد.

وأفاد بأن فترة شهر العسل تلك استمرت فقط إلى أن أصبحت الإسلاموفوبيا سائدة سياسيا في النمسا، فقد تم تبني سياسات حزب الحرية النمساوي المعادية للمسلمين تدريجيا وتنفيذها من قبل حزب الشعب النمساوي اليميني الوسطي، تحت قيادة السياسي العبقري سيباستيان كورتس. وتحول محور عمل الكاتب من أقصى اليمين، حيث بدأ في انتقاد حزب في السلطة بدلا من حزب سياسي في المعارضة.

سياسات معادية للمسلمين

وبدأ حزب الشعب النمساوي في تطبيق قائمة طويلة من السياسات المعادية للمسلمين التي يبدو أنه اقتبسها من هايدر وآخرين كان يعتبرهم "متطرفين" خطرين. وتحت قيادة حزب الشعب النمساوي، تم إغلاق المساجد، وحُظر الحجاب في العديد من المؤسسات التعليمية، ووضعت خطط لحظره في نهاية المطاف على طلاب الجامعات وموظفي الخدمة المدنية. وتزايدت الرقابة على الجمعيات الإسلامية من قبل جهاز المخابرات، وتجريم الجمعيات الإسلامية من قبل سلطات الدولة، مما أدى إلى إنشاء مؤسسات ممولة من الدولة مثل مركز توثيق الإسلام السياسي، وهي منظمة استشارية ينظر إليها على نطاق واسع على أنها تنتقد الإسلام. وفي غضون سنوات قليلة، أصبح انتقاد أقصى اليمين أمرا غير ضروري، وأصبح التيار السياسي السائد معاديا للمسلمين.

وقد تطلب بدء هذا التوجه إعداد ونشر تقارير نقدية عن مسلمي النمسا. وكان التقرير الرئيسي الذي أرسى الأساس لسياسات حزب الشعب النمساوي المعادية للمسلمين، والذي سيتم الاستشهاد به 14 مرة في مذكرة التفتيش الخاصة بـ"عملية الأقصر" التي استهدفت الكاتب وآخرين، بعنوان "الإخوان المسلمون في النمسا"، وقد تم تمويل التقرير من قبل الحكومة من خلال مساهمة بحوالي 100 ألف دولار، وألفه شخص يدعى لورينزو فيدينو.

وأشار الكاتب إلى أن تقرير فيدينو زعم أنه يوثق أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في النمسا، ولكن تقريره كان واسع النطاق بشكل يجعله يضع في دائرة الشك أي شخص تقريبا.

استهداف المجتمع المدني الإسلامي

وأوضح الكاتب أنه غادر النمسا إلى الولايات المتحدة بعد أن عُرض عليه منصب تدريسي في إحدى الجامعات هناك. وبالرغم من أنه لم يُتهم بأي جريمة، فقد أصبح غير قادر على العمل في بلده الأم وتحول إلى شخص منبوذ من قبل الحكومة وأجهزتها الإعلامية. وتركت هذه التجربة أثرا عاطفيا عميقا في نفسه، وزاد من تأثيرها عدم فهمه لكيفية تحوله إلى هدف لاتهامات مثيرة. واستغرق الأمر سنوات طويلة حتى تمكن من إدراك القوى التي كانت تعمل خلف فيدينو والسلطات النمساوية في حملتهم للقضاء على المجتمع المدني الإسلامي في النمسا.

وأشار إلى أن تحقيقا استقصائيا نشرته مجلة "نيويوركر"، في مارس/آذار 2023، يكشف كيف ساعدت شركة سويسرية خاصة تُدعى "ألب سيرفيس" في تنظيم حملة لتدمير سمعة رجل الأعمال الأميركي حازم ندا، حيث وصفته بأنه واجهة لجماعة الإخوان المسلمين.

وبين الكاتب أن المعلومات التي شكلت أساس تحقيق "نيويوركر" جاءت من تسريب وثائق مُخترقة من شركة ألب، تم تسليمها إلى حازم ندا. وأظهرت الوثائق نفسها أن الكاتب كان أيضا هدفا للحملة ذاتها.

واعتبر أن الوثائق ستتيح له بشكل كاف رفع دعوى قضائية ضد فيدينو وشركة ألب سيرفيس وبرنامج جورج واشنطن حول "التطرف". لقد وصف فيدينو الكاتب بـ"المتطرف" و"المتشدد" لتعزيز علاقته كمتعاقد مع شركات مثل ألب.

وذكر أنه اكتشف لاحقا أن فيدينو عمل أيضا 3 مرات شاهدا خبيرا في التحقيقات المتعلقة بقضية الإرهاب ضده، محاولا خلق صلة بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين، التي صنفها المدعي العام النمساوي منظمة إرهابية. ولم يُمنح أبدا الفرصة للدفاع عن نفسه في هذه الاجتماعات المغلقة، ولم يتم إخباره حتى بأنه متهم.

التزام بالدفاع عن العدالة

وشدد الكاتب على أن التهجير القسري الذي تعرض له عمّق التزامه بالدفاع عن العدالة، وهو التزام بدأ منذ سنوات عديدة عندما كان شابا يافعا. وبعد أن عاش هذا الكابوس، يعتبر الكاتب أن الفرصة قد أصبحت سانحة لتثقيف وإلهام جيل جديد من الطلاب، وتعزيز فهم أعمق للإسلاموفوبيا وآثارها السلبية.

وذكر الكاتب أن محنته بدأت في تلك الليلة من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عندما دهمت الشرطة منزله، مشددا على أنه لا ينوي الاستسلام بصمت أو التنازل عن حقوقه.

وأعلن، في ختام مقاله، عن اعتزامه مواصلة الكفاح ضد الإسلاموفوبيا والظلم بالقوة نفسها التي حارب بها طوال حياته، حيث يأمل أن يتمكن من خلال كفاحه هذا من حماية الأجيال القادمة من المسلمين في النمسا وفي جميع أنحاء القارة من مواجهة المصير نفسه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات حزب الشعب النمساوی المعادیة للمسلمین الإخوان المسلمین أقصى الیمین الکاتب أن فی النمسا على أن فی تلک إلى أن من قبل

إقرأ أيضاً:

أمطار غزيرة ورياح رعدية تضرب النمسا بسبب منخفض جوي قوي

تتعرض النمسا لمنخفض جوي قوي تسبب في تغير الطقس بشكل مفاجئ من ارتفاع قياسي في درجات الحرارة إلى هطول أمطار غزيرة، ورياح قوية، وعواصف رعدية، وانخفاض كبير في درجات الحرارة وتساقط الثلوج بكثافة في ولايات تيرول وسالزبورغ وشتاير مارك.

وأطلقت الإدارات المحلية في ولايات النمسا المختلفة تحذيرات من استمرار هطول الأمطار الغزيرة وتساقط الثلوج في المناطق المرتفعة، وحدوث انهيارات طينية وفيضانات.

ونصحت السلطات النمساوية بتجنب السفر غير الضروري بسبب تعرض جميع أنحاء النمسا لعواصف رعدية قوية، وطلبت من المواطنين توفير كميات كبيرة من المواد الغذائية، ونصحتهم بالبقاء في المنازل وتجنب قيادة السيارات، بسبب وضع البلاد بأكملها في حالة تأهب.

وتتعرض العاصمة فيينا وولاية “بورغنلاند”، منذ أمس (الخميس) لأمطار غزيرة متواصلة رفعت مستوى المياه في الأنهار وتسببت في حدوث فيضانات صغيرة الحجم، عطلت حركة المرور على بعض الطرق وخطوط السكك الحديدية، بسبب تساقط الأشجار وسوء حالة الطرق.

وفي ولايتي سالزبورغ وكارنتن تم غلق بعض الشوارع ووقف بعض مسارات السكك الحديدية بسبب سقوط الأشجار وهطول الثلوج مع تشغيل الحافلات البديلة.

وحذر معهد الأرصاد الجوية في النمسا من تزايد خطر الفيضانات، خلال الأيام الثلاثة القادمة، في مدن ولايات سالزبورغ، شتاير مارك، النمسا العليا، النمسا السفلى، فيينا وبورغنلاند في ظل هطول كميات أمطار قياسية تبلغ نحو 200 لتر لكل متر مربع، وفي بعض الحالات أكثر من 300 لتر.

وتتابع أجهزة الدفاع المدني النمساوية بقلق ارتفاع منسوب المياه في نهر الدانوب، خوفا من تضرر المدن المنخفضة التي تقع على ضفافه في عدة ولايات.وام


مقالات مشابهة

  • عاصفة رعدية مصحوبة بأمطار غزيرة تضرب النمسا
  • أمطار غزيرة ورياح رعدية تضرب النمسا بسبب منخفض جوي قوي
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. “ويفيقني عليك” 
  • في مئوية الراحل حنا مينة.. الكاتب الذي دوّن تاريخ سوريا الحديث
  • الكاتب الصحفي هشام الهلوتي يهنئ رجل الأعمال أسامة عبدالصمد بزفاف نجله
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. هدايا مُدبَّرة!
  • السفير المصري في فيينا يقدم أوراق اعتماده لدى النمسا
  • محمد نصر يقدم أوراق اعتماده سفيرا لمصر لدى النمسا
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. سيمضي الصيف
  • خطوة واحدة تفصل هالاند عن التاريخ مع منتخب النرويج