النمروش: الحملة الأمنية لا تستهدف مدينة زوارة ولا أهلها والهدف منها ملاحقة العصابات الاجرامية
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
ليبيا – أكد معاون رئيس الأركان العامة التابعة للمجلس الرئاسي الفريق صلاح الدين النمروش تمكنهم من تأمين طريق أبو كماش بالكامل حيث أصبح بإمكان المواطنين السفر من خلاله.
النمروش قال في تصريح لتلفزيون “المسار” إن حملتهم الأمنية جاءت بعد مناشدات عدة وشكاوى من المواطنين ضد قاطعي الطرق.
وشدد على أن الحملة الأمنية لا تستهدف مدينة زوارة ولا أهلها والهدف منها ملاحقة العصابات الاجرامية والخارجين عن القانون.
ونوّه إلى أن حق التظاهر السلمي مكفول في الميادين والساحات دون إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للمواطنين.
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
إقرأ أيضاً:
حاراتٌ ضيعها أهلها
يؤثر النمط العمراني الذي تعيشه المجتمعات البشرية في طبيعة التفاعل بينهم في شتى المجالات، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فيُمكن أن يحدد لهم ما إذا كانت هذه العلاقات تراحمية أم مادية بحتة، ولذلك فإن الاهتمام بالنمط العمراني الذي يبقي على الإنسان في تعامله مع غيره مهم لتعزيز تطور الفكر البشري.
في عُمان، كثيرٌ من الحارات بنيت لتكون بهذه الطريقة، فتجد أن البيوت متقاربة أو متلاصقة ببعضها، يفصل بينها طريق للمشي، ولذلك فإن كثيرا من القرى كانت تعيش بناءً على سواعد أبنائها في توفير الاحتياجات البشرية المتعددة، فتجد من يشتغل في الزراعة ومن يشتغل في التجارة وفي البنيان وغيره.
ذكر لي الشيخ محمد بن سعود الدغيشي، والد الكاتب والشاعر الصديق علاء الدين الدغيشي، أن جده وأعمامه كانوا يعملون في البنيان، فيبنون البيوت والمساجد وغيرها، وتكون العلاقة بين المؤجِّر والمؤجَّر علاقة يسودها التراحم والعاطفة الإنسانية أكثر من المادة، مما جعلني أفكر كيف تحول المجتمع العماني من هذه العلاقة التراحمية إلى العلاقة المادية في كثير من الأحيان مع القوى العاملة الرخيصة التي تشغل هذه الأشغال؟ الجواب البسيط بسبب التطور الذي عاشته عُمان، فجعلت الأغلب يهتم بالوظائف الإدارية أكثر من هذه الأشغال، لكنني أفترض أن نمط الحياة الذي اضطر إليه الإنسان بسبب النمط العمراني قد حدد أيضا كثيرا من المفاهيم في هذه العلاقة، فكثيرٌ منا يعيش غريبا في بلده، وفقد العلاقة مع الأرض والناس والمكان، فيبدو أنه يعيش حالة انفصال بينه وبين المجتمع.
إن النمط العمراني الذي يعتمد على التقوقع داخل البيوت في حارات تملؤها السيارات وقلة التفاعل البشري، تحدد هذا النوع من العلاقات الاجتماعية التراحمية، لأنها تحتم على المرء أن يعيش في حالة من الفردانية، فبيت مسور بسور، ثم طابق أو طابقين، ثم الغرفة، ثم جزء من الغرفة، وهكذا تتقلص المساحة إلى أقل فأقل حتى تصل إلى نوع من الانعزالية الفردانية.
وللأسف لم يتم الاهتمام بالحارات القديمة بسبب هجرة أهلها إلى أماكن أخرى أكثر حداثة، فبقيت متهدمة على أركانها، أذكر منها هنا على سبيل المثال، قصرى في الرستاق، وحارة اليمن في إزكي.
حارة قصرى حارة قديمة في الرستاق، كبيرة ببيوت كبار أغلبها يتكون من طابقين بُنيت بالجص والحجارة، سُميت قصرى لأن فيها قصور بمعايير الزمن الذي بُنيت فيه، تتقابل البيوت فيها وتتراص دون وجود ما يسورها، وأغلبها مبنيّ بطريقة تضمن الخصوصية العائلية، فالفناء في وسط البيت لا خارجه، مع وجود طرق تضمن المشي والالتقاء بسكان الحارة أثناء تقضية المشاوير اليومية أو إنهاء الأعمال. أسست الفاضلة زكية اللمكية متحفا مجاورا للحارة اسمه بيت قصرى الغربي، وكان منزلا لوالدها، وأخبرتني أثناء زيارة المتحف أن البيت كان متهدما لكنها أعادت ترميمه وتعديله مع الحفاظ على نفس التصميم والغرف التي كانت فيه، وقالت إنها تعبت كثيرا في الحصول على التحف المعروضة فيه حاليا. يزور المتحف العديد من الزوار من داخل عُمان وخارجها.
أقول: ماذا لو تم الاهتمام بالحارة أيضا وعاد الناس للسكن فيها لإعادة الحياة فيها فتُشكل أنموذجا لأنسنة الحارة يُمكن اتباعه في حارات أخرى؟ فهذه حارة ضيعها أهلها! وبأهلها لستُ أعني ورثة الممتلكات فيها فقط، لكني أعني الجميع ممن ارتضوا أن يعيشوا في بيوت منغلقة على ذاتها وضيعوا هذا الإرث الاجتماعي والعمراني الذي يهتم بالمكان والإنسان على السواء.
أما حارة اليمن فهي حارة في إزكي، وهي كذلك حارة كبيرة وممتدة، فيها بيوت قديمة بُنيت بالجص والحجارة، تتنوع أحجامها، بين الصغير جدا الذي يشبه الغرفة، وبين الكبير في طابقين. في الحارة مسجدان، واحد صغير، وجدتُ على سقفه خشبة مكتوب عليها اسم الشيخ عبدالله بن محمد بن غيث الدرمكي، مع آية «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله...» وأن الفراغ من بنائه كان في سنة 1388هــ، وجامع كبير بمساحة واسعة نسبيا. في الحارة الكثير من الشواهد العمرانية، لكن أهمها هي طريقة بناء الحارة، فهي من جانب دفاعية لأنها مسورة وعليها ما لا يقل عن أربعة أبراج، ومن جانب آخر تراعي الإنسان في تعامله مع غيره، وكيفية الالتقاء والتفاعل مع ساكني الحارة الآخرين. المثير للاهتمام، أن بجانب الحارة القديمة هذه -التي لا يهتم بها أحد وتركت لأن يجور فيها الزمن والأشباح- بيوتا أخرى حديثة، يُمكن للناظر من خلال هذا المشهد أن يدرك تقارب أولئك القدامى وتراحمهم، وتباعد هؤلاء المعاصرين. فهذه حارة أخرى ضيعها أهلها!
كم حارة أخرى، كان ينبغي أن تشكل أنموذجا معماريا يُمكن أن يُحتذى به لبناء الحارات الجديدة مع عدم إهمال الحارات القديمة هذه وإحيائها، لأن هذا الأنموذج هو الذي يهتم بالإنسان ويجعله في علاقة تراحمية دائمة مع جيرانه مع حفاظه على خصوصيته وأهله.
ما أود قوله، هو أننا يجب أن ندرك أهمية ما ضيعناه من أيدينا، وسوء ما عشنا فيه، هذه الغربة عن بعضنا لا تزيدنا إلا نفورًا، فهي سيئة على جميع الأصعدة، مما ولد مشاكل أخرى، مثل الاعتماد الكامل على السيارة في التنقل، الذي ولّد بدوره مشاكل أخرى أكبر وأكثر ضررا، فيجب أن ندرس هذه النماذج قبل أن نفقدها تماما، ونؤسس لمجتمعات ومدن وقرى مؤنسنة تتناسب مع طبيعة معيشتنا وأفكارنا، وأن نستلهم من أنفسنا طريقة حياتنا لا من غيرنا.