محب الدين الخطيب.. الشرعي الذي بز أقرانه وعصره في صناعة الإعلام
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
كما كان محب الدين الخطيب أحد العناوين البارزة في زراعة المؤسسات وبذرها في كل مكان تطؤه قدماه؛ فإنه كان كذلك سابقا عصره في النظرة للإعلام وأثره والتعامل معه.
وكان اهتمامه بالإعلام نابعا من قناعته بضرورة امتلاك منابر التأثير لنشر الإسلام وخدمته؛ فهو يرى ذلك مسؤولية العرب والناطقين بالعربية بالدرجة الأولى إذ يقول: "للناطقين بالضاد ومن سار في قافلتهم من المسلمين والإنسانيين رسالة هم المسؤولون الأولون عنها وعن القيام بها في كل زمان ومكان، وأن على من يدرك هذه الحقيقة منهم أن يبادر إلى الإيمان بهذه الرسالة، ودعوة الآخرين إلى الإيمان بها".
كانت البواكير وهو ما يزال طالبا في المرحلة الثانوية في مدرسة "مكتب عنبر" وهي المدرسة العثمانية الوحيدة في دمشق آنذاك، والتي كان لها دور في صناعة مستقبله لاحقا، وقد كانت الدراسة فيها باللغة التركية، مما مكنه من إتقانها قراءة وكتابة.
بدأ الكتابة الذاتية وترجمة ما يراه جميلا من نصوص من التركية إلى العربية، وكان ينشر ما يكتب ويترجم في صحيفة "ثمرات الفنون" وهي صحيفة دورية كانت تصدر في بيروت وقد أسسها عبد القادر أفندي عام 1875م.
غير أن المشروع الإعلامي الأول الذي صنعه محب الدين الخطيب كان عند وصوله إلى اليمن للعمل في ميناء الحديدة؛ فقد بادر إلى تأسيس شركة للصحافة والطباعة، وأعلن عن تأسيس "مطبعة جزيرة العرب" ثم أصدر "جريدة العرب".
وعقب عودته من اليمن إلى دمشق؛ كان أول ما فعله محب الدين الخطيب انخراطه في كادر العمل في جريدة "القبس" وهي جريدة أسبوعية صدرت للمرة الأولى عام 1912م، وأغلقت نهائيا أواخر عام 1914م، وصاحبها هو شكري العسلي الذي أعدم مع مجموعة من السوريين يوم 6 مايو/أيار عام 1916م بأوامر جمال باشا السفاح.
وقد تولى محب الدين الخطيب حين عودته من اليمن رئاسة الملحق الأدبي في الجريدة، وأصدر ذلك الملحق بعنوان "طار الخرج" دون أن يذكر فيه اسمه، وقد انتقد فيه بطريقة أدبية ساخرة ممارسات رجال حكومة الاتحاد والترقي غير الأخلاقية، وسخر من ممارسات الحكومة الجديدة، فلقي إقبالا مبهرا ونفدت النسخ كلها فور تداولها، وثارت ثائرة حكومة الاتحاد والترقي التي وجهت شكوكها إلى محب الدين الخطيب الذي شعر بالخطر فهرب إلى بيروت ومنها إلى الأستانة التي هرب منها ليستقر به المقام في القاهرة.
وصل محب الدين الخطيب إلى القاهرة عام 1909م، وفور وصوله اشترك في تحرير "جريدة المؤيد" وكانت من أهم صحف العالم العربي، وقد أسسها الشيخ على يوسف والشيخ أحمد ماضي أبو العزائم عام 1889م، وكان العمل الرئيس لمحب الدين الخطيب في الجريدة ترجمة ما ينشره المبشرون البروتستانت في مجلتهم الصادرة بالفرنسية "مجلة العالم الإسلامي" ونشر ذلك مما يكشف الأهداف والآليات التبشيرية، وقد كان لهذه المقالات دوي في العالم الإسلامي حينها.
انتقل محب الدين الخطيب إلى الحجاز والتقى بالشريف حسين، وأسس له "جريدة القبلة" سنة 1916م كانت تطبع في المطبعة الحكومية الهاشمية الأميرية الواقعة في أجياد بمكة المكرمة، وكان محب الدين أول رئيس تحرير لها، واستمر مديرا مسؤولا للجريدة حتى العدد 419 الذي صدر عام 1919م ليعود إلى دمشق.
فور وصول محب الدين إلى دمشق تولى رئاسة تحرير "جريدة العاصمة" وهي الجريدة الرسمية الناطقة باسم حكومة الملك فيصل الأول، وقد أسسها رضا باشا الركابي الحاكم العسكري آنذاك، وأرسل في طلب محب الدين الخطيب ليستلم رئاسة تحريرها.
نضوج التجربة واستقرارها في مصررجع محب الدين الخطيب إلى مصر مستقرا فيها عقب الاحتلال الفرنسي لسوريا، فعمل في جريدة الأهرام قرابة 5 سنوات، وبعد ذلك باع بيته في دمشق، وأسس بثمنه "المطبعة السلفية" كما أنشأ في القاهرة "المكتبة السلفية" وهذه المطبعة كانت مشروعه الأبرز وقد أحدثت نقلة نوعية في عالم النشر في العالم الإسلامي، فنشرت كنوزا من التراث الإسلامي التي لم يكتب لها النشر قبل ذلك.
وفي عام 1924م أصدر "مجلة الزهراء" وهي مجلة شهرية تعنى بالموضوعات الأدبية والاجتماعية وتولى رئاسة تحريرها بنفسه، ثم أصدر "جريدة الفتح" عام 1926م وهي جريدة أسبوعية تولى بنفسه رئاسة تحريرها أيضا، وقد اكتشف محب الدين موهبة "حسن البنا" وطلب منه الكتابة فكان أول مقال نشره البنا في مجلة الفتح بتشجيع ودعوة ورعاية من الخطيب بعنوان "الدعوة إلى الله تعالى".
ويمكننا القول: إن مجلة الزهراء وجريدة الفتح هما امتداد لمجلة المنار التي كان يصدرها محمد رشيد رضا، والمنار كانت امتدادا لمجلة العروة الوثقى التي أصدرها جمال الدين الأفغاني مع محمد عبده.
وحين أنشأ الإمام البنا مجلة "الإخوان المسلمون" الأسبوعية وأنشأ بعدها بفترة صحيفة "الإخوان المسلمون" اليومية الناطقتين باسم الجماعة أوكل رئاسة تحريرهما إلى محب الدين الخطيب الذي لم يكن عضوا في تنظيم الإخوان في خطوة تدل على الانفتاح الفكري والتنظيمي وسعة الأفق عند الرجلين.
وفي عهد شيخ الأزهر الشيخ محمد الخضر حسين أسندت رئاسة تحرير "مجلة الأزهر" إلى محب الدين الخطيب، وفي وصف ذلك يقول المستشار عبدالله العقيل: "ثم سعدنا به رئيسا لتحرير مجلة الأزهر بناء على ترشيح شيخ الأزهر العلامة الإمام محمد الخضر حسين، ولقد كانت افتتاحيات محب الدين الخطيب زادا لنا نحن الطلبة الأزهريين، تشحذ هممنا، وتقوي عزائمنا، وتستثير نخوتنا الإسلامية للذود عن الإسلام وحرماته، والتصدي لأعدائه في الداخل والخارج، ممن ينالون من الإسلام، أو نبي الإسلام، أو صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
لقد كان محب الدين الخطيب نموذجا عظيما للعالم الشرعي والمفكر الإسلامي الذي تنبه ووعى من وقت مبكر أهمية صناعة الإعلام فوقف حياته على صناعة المنابر الإعلامية بعقلية مؤسسية فذة، سبقت عصرها وما تزال تؤثر فيما بعدها إلى يومنا هذا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات رئاسة تحریر
إقرأ أيضاً:
من الملكية إلى الجمهورية الجديدة.. «المصور» تكشف عن كنوزها في 100 عام
أصدرت مجلة المصور بمؤسسة دار الهلال الصحفية عدد تذكاري احتفالا بمرور 100 عام على صدورها، حيث صدر العدد الأول منها في 24 أكتوبر 1924، وعلى مدى قرن كامل من الزمان كانت ومازالت صفحات مجلة المصور سجلا صحفيا يوثق كل أحداث الوطن، والأمة العربية، وتفتح أبواب النقاش حول مختلف القضايا لرفع الوعى وزيادة المعرفة، مع نشر الفكر السليم ومواصلة طريق التنوير والتثقيف في كل الملفات من أجل الصالح العام.
من جانبه أكد الكاتب الصحفي عبد اللطيف حامد رئيس تحرير مجلة المصور، أن العدد التذكاري كان حلما فتحول إلى حقيقة، بداية من وضع خطة العمل في أول شهر مايو الماضي وحتى الانتهاء من طباعته، وبذل فريق العمل في إنجازه مجهود كبير على مدى 6 أشهر من البحث والأرشفة في أكثر من نصف مليون صفحة و5220 عددا، ومليوني صورة، وتكاتف كل أبناء المصور ودار الهلال حتى يخرج هذا العدد التاريخي بما يليق بالصحافة المصرية عموما ودار الهلال ودرتها مجلة المصور خصوصا.
ويقول "حامد" إن مجلة المصور ستفرج عن كنوزها في هذا العدد التاريخي، فهو يستعرض مسيرة الأحداث الفاصلة خلال 100 عام، ويسجل بالكلمة والصورة أهم 100 قضية وطنية كانت حاضرة على صفحات مجلة المصور، إلى جانب أهم 100 قضية تنويرية وفكرية، والشخصيات المؤثرة في مسار الأحداث وصناعها خلال قرن من الزمان.
ويشمل هذا العدد الاستثنائي نشر أكثر من 1000 صورة نادرة ضمن أرشيف المجلة تجسد حكاية الوطن وسجل المصريين بالصور في قرن كامل، بحكم أن مجلة المصور تعتمد طوال عمرها المديد على الصورة في المقام الأول، بالإضافة إلى قسم المنوعات من نوادر المجتمع إلى الرياضة والفن والكاريكاتير.
العدد المئوي لمجلة «المصور» يتجاوز كونه مجرد إصدار صحفي، بل هو وثيقة تاريخية ترصد الأحداث الكبرى التي شهدتها مصر.
ويضم حوارات نادرة مع أبرز الشخصيات التي أثَّرت في مختلف المجالات، إلى جانب مقالات نادرة لكبار الساسة والمفكرين، ومن خلال هذا العدد المميز، تؤكد مجلة «المصور» على مكانتها الرائدة في تاريخ الصحافة العربية، وعلى عزمها في الاستمرار كأداة تنويرية ومرآة تعكس حياة الأمة في ماضيها وحاضرها».
اقرأ أيضاًفي عيدها الـ 130.. «دار الهلال» تكرم الصداقة الروسية على دورها في دعم وتطوير العلاقات بين البلدين