د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم

تمهيد: ظهر في الغرب فى العصور الحديثه والمعاصره " اى الغرب : الليبرالى ، الرسمالى ، العلمانى، الديموقراطى" العديد من الأديان والمذاهب الدينية الوضعية الجديدة ، وسنحاول في هذه الدراسة الموجزه تقديم قراءه نقدية لهذه الأديان والمذاهب الدينية، من خلال التعريف بهذه الأديان والمذاهب الدينية أولا، ثم عرض مفاهيمها الاساسيه ثانيا، ثم عرض الانتقادات التي وجهت إليها ثالثا، ونختم الدراسة بتقديم نقد عام لهذه الأديان والمذاهب الدينية ، من منظور إسلامى مقارن .


اولا: السينتولوجيا " الكنيسة العلمية" :
تعريف: السيَنتولوجيا مصطلح مركب من كلمتين هما : “سِيِنتيا ” وتعنى علم في اللغة اللاتينية ، و” لوجيا ” وتعنى دراسة أو علم في اللغة اليونانية. و هي مجموعة من المعتقدات و التعاليم ذات الصبغة الدينية ، تستند إلى فلسفة علمانية، تأسست عام 1952 من قبل الكاتب رون هوبارد، ثم أعاد صياغتها لاحقا باعتبارها فلسفة دينية تطبيقية. وتتمثل هذه الفلسفة رسميا عن طريق كنيسة السينتولوجيا، التي تصف نفسها بأنها منظمة غير نفعية، تسعى لإصلاح وإعادة تأهيل الروح الإنسانية، وهي تطرح نفسها كبديل عن مدرسة التحليل النفسي.
مفاهيمها :
الإنسان: كائن حي خالد, تتجاوز خبرته حدود حياته الفردية, يتمتع بقدرات غير محدودة 'حتي لو لم يدركها في حينها.
البعد التطبيقي : عدم وجود علاقة بين الروح كمفهوم فلسفي ، وبين روح الإنسان الموجودة في جسده, وتسبب وجوده الشعوري ، وبناء عليه فإن السنتيولوجيا مبادئ قابلة للتطبيق, تفسر القوانين الأساسية للحياة, و تبين معوقات البقاء ، وأفضل السبل لتذليل هذه المعوقات.
الروح والعقل والجسم : وترى أن الإنسان كائن مكون من جسم و عقل و روح مسيطرة مسئولة عن تنشيط الجسم وعن استخدام العقل, ووفقا لأشكال العلاقة بين مكونات الإنسان الثلاثة، وقياس مناطق الضعف في علاقاتها ،وفي الروح يمكن تحديد أساليب حل مشاكل الإنسان المختلفة.
وسيله الاستماع والمقياس النفسي الكهربائي : وقد ابتكر مؤسسها وسيلة أطلق عليها اسم "الاستماع" لتصبح أساس ممارسة السنتيولوجيا ، وتعتمد على جهاز أطلق عليه اسم المقياس النفسي الكهربائي.
انتقادات :
أولا: وصف العديد من علماء النفس والأطباء مبادئ السنتيولوجيا بأنها علم كاذب" زائف ".
ثانيا: يرى بعض الباحثين أن وسيله "الاستماع "و جهاز المقياس النفسي الكهربائي ما هما إلا صياغة معاصره لفكره الاعتراف وطقوسها في الديانة المسيحية ،.
ثالثا: اتهمت السنتيولوجيا بالانغلاق والسرية ، وتشجيع أتباعها على قطع كل صلاتهم بأهلهم غير المعتنقين لها، رابعا: تم رفع العديد من القضايا ضدها في الولايات المتحدة وأوربا ، بتهمه ابتزاز أعضائها للحصول على أموالهم.
ثانيا: الرائيلية:
تعريف : نشأت الحركة الرائيليه في فرنسا عام 1973 ، من قبل كلاود فوريلهون والذي يعرف حاليا باسم ” رائيل”.وقد انتقل لا حقا الى الولايات المتحدة الامريكيه ، وأسس الحركة الرائيليه في أمريكا، والتي تعتبر المؤسس لشركة كلونايد،التي تعمل في استنساخ البشر، والتي زعمت أنها استنسخت أول طفل بشري
مفاهيمها:
لا نهائيه الكون:ترى أن الكون لانهائي .
الالوهيم وتفسير خلق الحياة : وتقول ان كائنات فضائيه"اطلقت عليها اسم إلوهيم"، أتوا إلى كوكب الأرض منذ الأف السنين، وقاموا بإنشاء الحياة فيه، مستخدمين علوم الفضاء الشمسية والهندسة الجينية.
امكانيه خلق الحياة فى المستقبل:وتقول بإمكانية خلق حياة عندما يتحقق السلام بين البشرية وتتوقف الحروب، عندها سيتمكن الإنسان من السفر عبر الكون، واستخدام الاستنساخ والتعديلات الجينية لخلق الحياة ، وجعل الكواكب صالحة للحياة.
امكانيه استمرار الحياة بعد الموت: وترى أن تطوير حواسيب جبارة، وتقنيات عالية يمكن استنساخ بشر، ونقل ذاكرتهم وجيناتهم إلى الأجساد المستنسخة ، مما يسمح لهم متابعة الحياة بعد موت الجسد.
انتقادات :
أولا: أشار العديد من الباحثين أن أفكار رائيل مستقاة من روايات الخيال العلمي التي نشرت في ستينيات القرن الماضى
ثانيا : تعرضت محاوله الرائيين استنساخ البشر للانتقاد من العديد من المؤسسات والهيئات والجماعات الدينيه.
ثالثا. المونية"الكنيسة الموحدة":
تعريف : المونية أو الكنيسة الموحدة هى حركة دينيه مؤسسها هو صن مون المولود في كوريا عام 1920 ، والذي في انتقل إلى الولايات المتحدة عام 1973م .
مفاهيمها:
توحيد الأديان وتوحيد العالم : ترفع الحركة شعار السعي من أجل توحيد الأديان، كما تقول أن هدفها الرئيسي هو"العمل من أجل توحيد العالم تحت راية إله واحد "
الإنسان الكامل: وترى الحركة أن رسالة آدم الأساسية أن يخلق الأسرة الكاملة في الأرض، و ان هذه المهمة لم تتحقق نتيجة لعمل الشيطان ، و أن عيسى لم يتزوج ، وترك مبدأ تكوين الأسرة الكاملة، لكنه أحيا الجانب الروحي للإنسان، وقد ظل جسد الإنسان مستعبداً للشيطان، لذا يجب أن يوجد آدمً ثالثً بالاتحاد مع زوجة مثالية حتى يمكن تحقيق هذا الهدف لإنجاب الإنسان الكامل.
المنظور التكراري للتاريخ: وترى المونيه أن التاريخ والأحداث متكررة ومقدرة سلفاً – ويعبرون عن ذلك من خلال رسومات و جداول بيانية
انتقادات:
تستند الحركة المونيه إلى نظريه وحده الأديان ، و التي تقوم على أساس أن كل الأديان صحيحة بالتساوي ، وهى بذلك تستند إلى ذاتيه مطلقه تلغى اى موضوعيه .
رابعا: شهود يهوه :
تعريف: هي طائفة مسيحيه نشأت في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر في ولاية بنسلفانياالأمريكية على يد “تشارلز تاز راسل“. وكانت بدايتها مجموعة صغيرة لدراسة الكتاب المقدس ، وكبرت هذه المجموعة فيما بعد لتصبح “تلاميذ الكتاب المقدس”، ويرفض شهود يهوه الاحتفال بميلاد المسيح ، ولا يخدمون في الجيش ، ولا يتدخلون بأي شكل من أشكال في السياسة.
مفاهيمها:
يهوه: يؤكد شهود يهوه أن الاسم يهوه هو اسم الله وهو يرد في الكتاب المقدس (المخطوطات الاصلية) أكثر من 7200 مرة، ولكن المترجمين قاموا باستبدال الاسم بلقب “الرب”.
رفض الثالوث: لا يؤمن شهود يهود بالثالوث ولا بشفاعة القديسين ولا بنار الهاوية كوسيلة لتعذيب الأشرار.
التبشير بملكوت الله : ويقول شهود يهوه ان الهدف الأهم لهم هو التبشير بملكوت الله باعتباره الحل الوحيد والقريب لمشاكل العالم المتفاقمة، وكذلك تعريف الناس على اسم الله الفريد – يهوه – كما يذكر الكتاب المقدس.
انتقادات:
رغم أن بداية شهود يهوه أنها طائفيه مسيحيه، إلا أنها اختلفت مع سائر الطوائف والمذاهب المسيحية في العديد من المعتقدات ، كما أنها افترقت عن سائر الأديان السماوية في العديد من المعتقدات كإنكار وجود النار.
خامسا: المورمونية :
تعريف : هي مذهب ديني ذو أصول مسيحيه بروتستانتيه، تأسس عام 1820 على يد جوزيف سميث الابن ، وكان يأخذ شكل محاوله تقليد المسيحية الأولى في الفترة ما بين 1830 و1840 ، ثم بدأ تدريجيًّا يتميز عن المذهب البروتستانتي التقليدي، و عقب موت سميث أصبح بريغام يونغ رئيسًا للمورمون، و توجه بهم نحو جبال روكي، حيث أطلقوا على أنفسهم اسم أتباع كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة .
مفاهيمها:
استمرار الوحي الالهى: يعتقد المورمون أن كنيستهم هي وريثة الكنيسة التي أنشأها المسيح وتلاميذه والمسيحيين الأوائل وأن الوحي الإلهي عملية مستمرة ولم تتوقف .
نبوه سميث : كما يعتقد المورمون أن جوزيف سميث هو رسول ونبي مثله مثل موسى استلم ألواحا ووحيا.
الوجود الروحي قبل الولادة: يؤمن المورمون بفكرة الوجود الروحي قبل الولادة، والتي تعني بأن البشر في الواقع عبارة عن أبناء روحيون لله ،وإنه وقبل نشوء الأرواح كان هناك عنصر من الروح الإنسانية متواجدة بصورة أبدية مع الخالق الأعظم، ولعل هذا يفسر تعاليم الكنيسة المورمونية بفكرة اشتراك الإنسان والخالق في الأبدية.
عدم استعمال الصليب كرمز : ولا يستعمل المورمون الصليب للمسيحية .
تعدد الزوجات : كان جوزيف سميث يمارس ويعلم أتباع الكنيسة ممارسة تعدد الزوجات، وبعد موته، مارس هذا الأمر نخبة من أتباعه حتى عام 1890 عندما نهت الكنيسة رسميا هذا التقليد، ولكن لا زالت بعض الأقليات الأصولية المورمونية والمنشقة من الأكثرية المورمونية تمارس تعدد الزوجات.
انتقادات:
المورمونيه بقولها باستمرار الوحي تناقض مع مفهوم ختم النبوة في الدين الاسلامى، كما تتناقض مع الأغلبية المسيحية المؤمنة بأن عصر الوحي الإلهي قد انتهى برحيل تلاميذ المسيح وانتهاء العصر الرسولي المسيحي .
سادسا:حركة العصر الجديد: هى شبكة واسعة ومرنة ، من الأفراد والمجموعات والمنظمات...الذين يتمتعون بقدر كبير من الاستقلال التنظيمى، مع اشتراكهم فى تبني مفاهيم ذات طابع روحي ، مستمدة من مصادر فكريه وروحيه ودينية متعددة " كالاديان السماوية والأديان الوضعية الشرقيه القديمه...".
المفاهيم المشتركة للحركة :
مذهب الوحدة المطلقه :ترى ان التَعدُّدية الموجودة في الكون مُشتقة ومُستمدَّة من مصدر مطلق واحد، وكل التنوع الموجود يصدر من طاقة إلهية مُوَحَّدة.
مذهب وحدة الوجود : ترى ان الله هو الكل والكل هو الله.
السادهانا: من الواجب على كل شخص أن يقوم باختيار السادهانا أو المسار الذي سيخضع من خلاله إلى تحول، سيؤدي في النهاية إلى الوصول إلى معرفة مبدأ الألوهية الكامن فى الشخص..
التقمّص والكارما : إن السادهانا قد يكون طريقاً متعثراً بالنسبة للكثير من الأشخاص، وبالتالي فإنَّه يتطلب أكثر من حياة واحدة لاستكماله.وكبديل للجنة والنار فى الاديان السماويه تتبنى الحركة التقمص والكارما المُشتقَّة من الهندوسية. والتى مضمونها وضع الشخص في دورة من إعادة الولادة.
الديانة الكونية: تتبنى الحركة ديانة كونية "طبيعية" هدفها اكتشاف الشخص مبدأ الألوهية الكامن فى ذاته ، اما كل الديانات الموجود فى العالم ـ سواء كانت سماوية او وضعيه ، فهى مجرد مسارات بديلة تسعى لتحقيق هذا الهدف.
التحوّل لشخصي: هو تحول نوعى للوعى من نظام معتقدات العالم القديم، إلى إدراك لنظام ”العصر الجديد“، وتتمثل الخطوة الأولى في عملية التحول هذه في تبني إدراك الوحدة المطلقه للوجود، وهذا التحول لا يحدث من خلال معرفة الحقائق المنطقية أو الصيغ العقائدة، إنما من خلال التجارب الروحية.
الرؤية الكوكبية"االعالميه ": وتؤكد فرضية غايا- التى تؤمن بها الحركة - بشكل أساسي على أن الأرض بذاتها هي كائن حيّ.
ظهور المخلص : و كان الرواد الأوائل لحركة العصر الجديد قد تصوروا مجيء زعيم عالميّ أو أڤاتار عظيم يُبشّر ببزوغ فجر العصر الجديد.
الخطيئة: الخطيئة عند الحركة هي جهل الفرد بإمكانياته الداخلية"اى مبدأ الألوهية الكامن فى ذاته".
الموت: والموت عند الحركة هو مجرد نقطة انطلاق للدخول إلى الحياة التالية في دورة إعادة الولادة أو التناسخ.
العصر الذهبى: وترى الحركة ان الوقت قد بات قريباً من الحاله المثاليه التى سيمثلها مجىْ العصر الجديد- بالوعى بهذا العصر - حيث تنتهي كل المشاكل من المجاعة العالمية، والتهديد بالحرب النووية، وتدمير البيئة، والمخدرات، والإيدز، والجريمة ، وغيرها من مشاكل عالمية.
عصر الدلو: وترى ان الأرض يجب أن تمر عبر حقب تدوم لمدة تقرب من ألفي عام "علامات الأبراج الفلكية " ، وتبشر الحركة بعصر برج الدلو التالى لعصر برج الحوت.
انتقادات:
هذه الحركه هى محاولة للبحث عن حل لمشكلة الفراغ الروحي فى الغرب ، لكن فى المكان الخطأ ، اى فى مذهب وحده الوجود ، الذى يتناقض مع التصور الصحيح للعلاقة بين الخالق والمخلوق، كما عرضت له الأديان السماويه.
نقد عام من منظور إسلامى :
محاوله خاطئه لحل مشكله الفراغ الروحى : إن استمرار ظهور أديان و مذاهب دينيه جديدة في الغرب ، هو تعبير عن محاوله- خاطئة – لحل مشكله الفراغ الروحي، الذي تعانى منه المجتمعات الغربية، نتيجة لتبنيها الفلسفة الليبرالية ذات الأسس الفلسفية الطبيعية "المادية "، وأركانها" من علمانيه ورأسماليه وفردية...". ووجه الخطأ في هذه المحاولة -عندنا – هو أن اغلبها تتناقض مع مفهوم ختم النبوة الذي قرره الإسلام.
التحول الى طوائف مغلقه: كما يلاحظ ان اغلب هذه الأديان والمذاهب الدينيه تحولت إلى طوائف، اى دين أو مذهب ديني مقصور على فئه معينه من الناس ، وهو يدل على فشل هذه الأديان والمذاهب الدينيه في اقنع قطاع غالب او كبير من هذه المجتمعات بصحة معتقداتها .
شكل من اشكال الاستغلال الراسمالى: كما أن اغلب هذه الأديان والمذاهب الدينيه، أصبح شكل من أشكال الاستغلال ، الذي يميز النظام الاقتصادي الراسمالى، فهو استغلال للفراغ الروحي الذي تعانى منه المجتمعات الغربية ..
...................
للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبرى محمد خليل:
.مجموعه الفيسبوك( إستخلاف: تيار فكرى لتحقيق استخلاف الأمة الثانى .مجموعه من د. صبرى م خليل).
.صفحه د.صبرى محمد خليل فى الفيسبوك(د. صبرى محمد خليلSabri Khalil khairi).
.الموقع الرسمى للدكتور صبرى محمد خليل: دراسات ومقالات Google
. القناه الرسميه للدكتور صبرى محمد خليل فى اليوتيوب.

sabri.m.khalil@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الکتاب المقدس العصر الجدید العدید من من خلال

إقرأ أيضاً:

ماذا يريد الغرب وكياناتنا القُطْرِيَّةُ؟

وأنا أهمّ بكتابة هذا المقال أمهلت إسرائيل بعض سكان حي الحدث في ضاحية بيروت الجنوبية سُويعات، كي يغادروا منازلهم المجاورة لعمارة أرادت قصفها بحجة تخزين عتاد لحزب الله فيها.

وبينما كانت أعمدة الدخان الأسود تتصاعد من العمارة التي أصبحت ركامًا، كان الرئيس اللبناني وقائد جيش لبنان السابق العماد جوزيف عون، يتحدث في مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس.

رفعت صوت التلفاز، وقد كنت أتوقع أن يستهل الرئيس العماد حديثه بالتنديد الشفوي، كما هي عادة الزعماء العرب، بالعدوان الإسرائيلي على لبنان وانتهاكه الصارخ قرارَ وقف إطلاق النار، لكن الرئيس المتأنق، من جلدة رأسه حتى أخمص قدمه، استهل كلامه بغزل تاريخي مع ماكرون، وقال إن علاقة لبنان مع فرنسا علاقة عضوية تعود لما قبل 750 عامًا، زمن الإمبراطور لويس التاسع الذي شمل موارنة لبنان برعايته!

لكن مهلًا أيها الرئيس العماد! لقد كان لويس الذي تسبح بحمده اليوم على رأس حملة صليبية تعزم غزو بلاد العرب كلها، عندما التقى الموارنة أثناء توقف حملته في قبرص وشملهم برعايته الصليبية.

وإن كنت أيها الرئيس اعتبرت ذلك رعاية للبنان كله، كما نعرفه اليوم، فقد اختلطت لديك الخيوط بين الوطن والطائفة. فلبنان ليس كله لطائفة بعينها، وأنت يفترض بك تمثيل كل اللبنانيين.

إعلان

وهكذا فإن تلك العلاقة التي تغنيت بها لا يتغنى بها كل اللبنانيين. ثم هل كان لبنان أيام لويس التاسع كيانًا مستقلًا حتى تسحب رعاية لويس التاسع لموارنته على كل لبنان؟

ولا تنسَ يا سيادة الرئيس أن حامي لبنان كما تراه من منظورك، أسرَه المصريون في معركة المنصورة، وأُطلق سراحه بفدية كبيرة. فهو لم يحمِ نفسه ولا حمى الموارنة آنذاك. وفرنسا اليوم، التي تتفاخر بالعلاقة التاريخية معها حتى وإن كانت علاقة غزو صليبي، لن تشمل لبنان برعايتها، ولا تستطيع.

انظر إليها يا سيادة الرئيس تنسحب من أفريقيا التي استعمرتها لقرون، وانظر إليها تتوسل الحماية من الشواطئ الأخرى للأطلسي. أو لم تسمع ما قاله ماكرون في المؤتمر الصحفي من أن لبنان أصبح اليوم في المسار الصحيح؟! لبنان في المسار الصحيح بعد أن احتلت إسرائيل أرضه في الجنوب، ودمّرت قراه وتواصل قصف عاصمته، وأنت تتغزل بفرنسا وتاريخها، أم إن ذلك الجنوب المدمّر والبقاع المهشم ليس هو لبنان الذي تراه وطنًا؟

لكنني، رغم كل شيء، أود أن أشكرك على صراحتك يا سيادة الرئيس، إذ لم تتستر على مكنوناتك، وأفصحت باختيارك غير الموفق لشاهد من التاريخ، عما تشعر بالانتماء إليه أولًا، وهو الانتماء للطائفة قبل الانتماء للوطن كله، خلافًا لما تفعله وفعلته بعض رموز الأقليات الطائفية في بلداننا.

فها هي سوريا تتكشف فيها كل دمامل الأقليات الطائفية والإثنية، بعد أن توارت لعقود وراء ستارات وشعارات قومية مخادعة، فما إن رحل الطاغية حتى يمم بعض أولئك الذين تشدقوا بعروبتهم من ربابنة أقليات الطوائف شطر تل أبيب، ورفعوا أعلامهم الطائفية، وأعلن بعضهم جهارًا حبه المذهبي القادم من الشرق، وطالب آخرون ألا ينسحب حماتهم الأميركيون من سوريا.

شكرًا لك أيضًا يا سيادة الرئيس، فقد جسدت لنا معضلتنا الحقيقية في الوطن العربي، ألا وهي التشظّي القُطْري. فقد أزاحت الانتماءات القٌطْرِية الانتماء للأمة الجامعة في بعدها العربي القومي، وبعدها العقدي الإسلامي، وكلاهما لا ينفصمان عن بعضهما.

إعلان

وإن حدث، كما هو حالنا اليوم، تشظّت الأمة إلى كيانات قٌطْرِيَّةٍ يتساوى في عجزها أمام العالم كبيرها وصغيرها، فكيف سيكون حالنا من العجز حين يتشظى الكيان القُطْري نفسه من داخله فيصبح الانتماء فيه للطائفة، مهما صغرت وانحصرت في الجغرافيا، على حساب الانتماء للوطن!

هذا هو حالنا اليوم أيها الناس! فكياناتنا القُطْرِية تريد أن تستنسخ لنا تاريخًا جديدًا تصبح فيه حروب أعدائنا السابقة علينا مؤازرة لنا، علينا أن نكون لها من الشاكرين. وكذلك حرو بهم الراهنة علينا لا بدّ لنا أن نشكرهم عليها؛ لأنها أعادتنا إلى المسار الصحيح، كما قال ميشيل ماكرون. أَوَ ليس هناك من العرب اليوم من يستحث إسرائيل على القضاء على حماس في غزة وفي كل فلسطين، بل ويلومها لأنها ما استطاعت، بعد أكثر من 17 شهرًا من حرب الإبادة الجماعية على غزة، أن تنهي حماس.

هذا هو حالنا اليوم أيها الناس! كياناتنا القُطْرِيَّة تريد أن "تنزل" علينا دينًا جديدًا باسم الإبراهيمية، كي تنفي العقيدة الإسلامية الجامعة التي هيمنت بكتابها الكريم على كل ما سبقها من الأديان السماوية.

هذا هو حالنا اليوم أيها الناس! كياناتنا القُطْرِية تريد أن تعيد تعريف جغرافيّة وطننا العربي لتنفي وحدته الطبيعية والتاريخية، فلا تعود جزيرة العرب هي جزيرة العرب كما عرفناها قبل الإسلام وبعده، بحدودها الممتدة من بحر العرب جنوبًا إلى هضبة الأناضول شمالًا، ومن جبال زاغروس شرقًا إلى شواطئ المتوسط غربًا. ولا يعود شمال أفريقيا العربي الإسلامي ووسطها السوداني العربي والمسلم، كما عرفناه ونعرفه منذ أن صهلت خيول عقبة بن نافع عند شواطئ الأطلسي، ولا يعود بحر القلزم الأحمر بحيرة عربية كما كان حتى عهد قريب.

هذا هو حالنا اليوم أيها الناس! الغرب يريد، وكياناتنا القُطْرِيَّة تذعن وتنفذ، كي تصبح إسرائيل جزءًا أصيلًا من تاريخنا وعقيدتنا وجغرافيّة وطننا، وكي يصبح ما تشنه علينا من حروب خدمة لنا، ينبغي أن نشكرها عليها، ونقدم لها المزيد من طقوس الطاعة والانصياع.

إعلان

وهكذا تكون حرب الإبادة على غزة وفلسطين في مصلحة كياناتنا في حدودها الطائفية والإثنية بعد أن ينتهي مفهوم الأمة القطب الجامع أرضًا وفكرًا وعقيدة.

لا حول ولا قوة إلا بالله. إنه زمن إسرائيلي شئت أم أبيت، ولو أن هولاكو قائد المغول، الذين اجتاحوا بغداد عام 1258، عاد للحياة ورأى مدى هوان الأمة وانصياعها وخنوعها لإسرائيل لاعتبر نفسه فاشلًا، إذ فاقته إسرائيل في إذلال 400 مليون عربي، بل وتحويل بعضهم لمطايا تعصب عيونهم وتلهب سياطها ظهورهم، فلا حصان من خيولهم يصهل، ولا معتصم منهم يسمع وينتخي!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • بوقعيقيص: نحن مخدوعون بديمقراطية الغرب
  • المداخل الثلاثة للتكامل المعرفي.. قراءة نقدية في المنهج والتطبيق
  • وزير المالية: حوافز نقدية من 3 إلى 5 مليارات جنيه للمشروعات المتوسطة والصغيرة
  • تضارب مثير بين أرقام المسابقات الدينية بمصر خلال رمضان.. وخبراء: مؤشر خطير
  • ماذا يريد الغرب وكياناتنا القُطْرِيَّةُ؟
  • منظمة إسلامية: مصرع أكثر من 700 مصل أثناء صلاة الجمعة إثر انهيار مساجد بسبب زلزال ميانمار
  • قراءة في خطاب حميدتي
  • والي الخرطوم ووزير الشئون الدينية يدشنان برنامج الزكاة بتوزيع الدعم النقدي على المرضى بالمستشفيات
  • أبدا أزلا.. لماذا استعان السيسي بتعبيرات توراتية وإنجيلية في مناسبة إسلامية؟
  • سيرة الفلسفة الوضعية (14)