تحليل جديد لـ«معلومات الوزراء» حول صناديق التحوط ودورها في مساعدة المستثمرين
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً، تناول من خلاله تعريف لصناديق التحوط، وكيف تساعد المستثمرين على تنويع استثماراتهم وتحقيق عوائد مرتفعة، والوضع الراهن لصناديق التحوط الأفضل بالعالم، واستراتيجيات صناديق التحوط، حيث ذكر التحليل أن الاستثمار يُعد بمثابة خط الدفاع الأول للوقاية من المخاطر الاقتصادية المحتملة، وتأتي المحافظ الاستثمارية كإحدى الآليات المهمة في هذا الصدد، وتتمثل القاعدة الأساسية للمحفظة الاستثمارية في أنه كلما زادت درجة التنوع بداخل المحفظة الاستثمارية، قلت درجة المخاطر المحتملة من قِبل المستثمر، ومن أبرز المحافظ هي المحفظة الوقائية أو ما يُعرف بـ "صندوق التحوط"، والتي أصبحت بمثابة تطوير لعلم الاستثمار، حيث ظهرت تلك المحفظة لتلبية حاجة كبار المستثمرين، وتحقيق عوائد مرتفعة باستخدام استراتيجيات ذات مخاطر عالية.
وقد أطلقت شركة A.W. Jones & Co أول صندوق تحوط في عام 1949، وقامت الشركة بإجراء عملية البيع على المكشوف للأسهم ذات الأداء الضعيف، كما قامت الشركة باستخدام الرافعة المالية لزيادة العوائد المحتملة.
وأشار التحليل إلى أن صناديق التحوط عبارة عن أدوات مالية تهدف إلى تحقيق عوائد كبيرة بصرف النظر عن تقلبات السوق، وتعد صناديق التحوط صندوق استثمار يستخدم سياسات وأدوات استثمارية لتحقيق عوائد أعلى من متوسط عائد السوق دون تحمل مستوى المخاطر نفسه. وتعد العقود الآجلة والمقايضات أبرز الأدوات الاستثمارية التي تستخدمها صناديق التحوط، ومن السياسات الاستثمارية التي تستخدمها تلك الصناديق هي الرافعة المالية، وتمتلك صناديق التحوط القدرة على بيع الأوراق المالية على المكشوف وشراء الأوراق المالية بأموال مقترضة، كما تُعفى صناديق التحوط الأمريكية من القيود التنظيمية المتعلقة بالأموال المقترضة وتُعفى من متطلبات الإبلاغ الخاصة بلجنة مراقبة الأوراق المالية.
كما تعمل صناديق التحوط على توزيع رأس المال على مجموعة من الأصول المالية كالأسهم والسندات والسلع، بهدف تحمل المخاطر لتحقيق عائدات أكبر عن طريق التنوع في الاستثمار في الأوراق المالية، كما تحمي المستثمرين من المضاربات السلبية التي قد تحدث في الأسواق من خلال قيام المستثمر بالاقتراض أو التبادل المستقبلي للأصول.
وفي إطار ذلك، فقد شهَّدت صناديق التحوط نموًا هائلًا خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ عددها في منتصف عام 2023 حوالي 29 ألف صندوق بقيمة سوقية تصل إلى 4.3 تريليونات دولار، وتتم إدارتها في الأسواق المالية، وتفرض صناديق التحوط رسومًا مرتفعة نسبيًّا، حيث بلغت رسوم الإدارة ورسوم الأداء 2% و20% من أي مكاسب محققة، وفي السياق نفسه، يأتي حوالي 35% من أموال صناديق التحوط، من صناديق التقاعد الخاصة والعامة، ويتطلب الحد الأدنى للاستثمار في بعض الصناديق 100 ألف دولار، والبعض الآخر يتطلب مليون دولار، وتضم الولايات المتحدة الأمريكية 67% من صناديق التحوط الموجودة حول العالم، كما تتضمن قارة أوروبا 18% من صناديق التحوط الموجودة حول العالم.
أشار التحليل إلى البيانات التي نشرتها شركة LCH Investments للصناديق الاستثمارية، التابعة لمجموعة Edmond de Rothschild Group، عن تحقيق أفضل (20) صندوق تحوط في العالم أرباحًا بقيمة 67 مليار دولار في عام 2023 وهو ما يُعادل ثلاثة أمثال ما تم تحقيقه في عام 2022.
وأضاف التحليل إلى استمرار شركة Citadel التابعة للملياردير "كين جريفين" في صدارة ترتيب أفضل (20) صندوق تحوط في العالم خلال عامي 2022 و2023، كما بلغت أرباح الشركة منذ تأسيسها عام 1990 وحتى عام 2023حوالي 74 مليار دولار، وارتفع صندوق التحوط الاستثماري للشركة بنحو 15.3% في عام 2022 وقررت الشركة إعادة ما يقرب من 7 مليارات دولار للمستثمرين في صورة أرباح.
ومن ناحية أخرى، فقد عاد صندوق التحوط الاستثماري لشركة Pershing Square، الذي يملكه ويليام أكمان، إلى التصنيف العالمي لأفضل 20 صندوق تحوط خلال عام 2023 لأول مرة منذ عام 2015 في المرتبة العشرين عالميًّا بعد أن حقق 18.8 مليار دولار للمستثمرين منذ عام 2004، وحقق صندوق Pershing Square عائدًا بنسبة 26.7% في عام 2023 ليتعافى من الخسارة التي تكبدها في عام 2022.
وأوضح التحليل أن صناديق التحوط تَستخدم استراتيجيات مختلفة، يتبعها المستثمرون لتحقيق عوائد نشطة، ويجب على المستثمرين المحتملين في صناديق التحوط أن يكونوا على دراية بالمخاطر التي قد تواجه الصندوق، ويُمكن استخدام استراتيجية أو أكثر من استراتيجيات صناديق التحوط، وقد تم استعراض اثنين منها على النحو التالي:
-استراتيجية الأسهم الطويلة/ القصيرة: حيث تُعد تلك الاستراتيجية أول استراتيجية تم استخدامها من قبل صندوق تحوط شركة A.W. Jones & Co، وتعتمد على تداول المستثمرين للأسهم الطويلة/ القصيرة في شركتين متنافستين في السوق نفسها، كما تعتمد عملية تداول الأسهم الطويلة/ القصيرة على توقعات مدير الصندوق بارتفاع أو انخفاض الأسهم.
وأوضح التحليل أن شركة Bridgewater Associates تُعد هي أكبر مدير لصناديق التحوط الطويلة/ القصيرة في العالم، وتبلغ أصولها 235 مليار دولار أمريكي، تأتي خلفها في المركز الثاني شركة Two Sigma International والتي تبلغ أصولها 81 مليار دولار أمريكي، بينما تحتل شركة Viking Global Investors المرتبة الثالثة عالميًّا، وتبلغ أصولها 60 مليار دولار أمريكي.
-استراتيجية الاقتصاد الكلي العالمية: تُعد إحدى استراتيجيات صناديق التحوط، وتعتمد على التوقعات السياسية لمختلف الدول وعلى المبادئ الاقتصادية الكلية التي تؤثر بشكل كبير في اقتصادات تلك الدول، وقد تشمل الحيازات كلًا من مراكز طويلة وقصيرة في أسواق الأسهم، والدخل الثابت، والعملات، والسلع، والعقود الآجلة المختلفة.
وأضاف التحليل أن صناديق الاقتصاد الكلي العالمية تدور حول توقع الأحداث على المستوى المحلي والقاري والعالمي، حيث يقوم خبراء استراتيجية الاقتصاد الكلي العالمية بتحليل الاتجاهات العالمية وأسعار الفائدة والتجارة الدولية وسعر الصرف للعملة، وبناءً على توقعات وتحليلات الخبراء، تقوم صناديق الاقتصاد الكلي العالمية باستراتيجيات استثمارية للاستفادة من الاتجاهات الاقتصادية الكلية والتوجهات الجيوسياسية.
فعلى سبيل المثال، إذا كان المستثمر يعتقد أن اقتصاد الولايات المتحدة يتجه نحو الركود، فإن المستثمر يتجه نحو بيع الأسهم والعقود الآجلة للدولار الأمريكي، لأنه من الممكن أن يكون هناك فرصة أفضل لشراء أسهم في دولة أخرى ذات نمو اقتصادي مرتفع.
كما تسعى صناديق الاقتصاد الكلي العالمية إلى الاستفادة من التغيرات السياسية والاقتصادية، وقد أعلنت مؤسسة Institutional Investor عن جائزة صناعة صناديق التحوط لعام 2019، وتضمنت قائمة المرشحين لتلك الجائزة عددًا قليلًا من صناديق الاقتصاد الكلي العالمية، وقفز صندوق التحوط الخاص بشركة Element Capital Management، التي يقع مقرها في نيويورك، بمعدل 17.3% في عام 2018 نتيجة اتباع الشركة استراتيجية الاقتصاد الكلي من خلال الجمع بين التحليل الأساسي الكلي والمنهجي والقيم النسبية.
أفاد التحليل أنه وفقًا لإحصاءات منصة hedge LISTS عام 2023، بلغ إجمالي أصول أكبر 30 صندوق تحوط تابعة لاستراتيجية الاقتصاد الكلي العالمي حوالي 1.58 تريليون دولار أمريكي، وتُعد شركة Field Street Capital Management أكبر صندوق تحوط عالميًّا، حيث تتجاوز أصولها 297 مليار دولار أمريكي، وتأتي في المركز الثاني شركة Bridgewaters Associates، والتي تبلغ أصولها 236 مليار دولار أمريكي، كما تأتي في المرتبة الثالثة شركة Rokos Capital Management، والتي تبلغ أصولها 138 مليار دولار أمريكي. وتُعد تلك الشركات من أكبر صناديق التحوط العالمية.
وأوضح التحليل في ختامه أن مستقبل صناديق التحوط يعد محل اهتمام الكثير من المستثمرين والاقتصاديين والمحللين الماليين، فقد شهدت صناديق التحوط تطورًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، ومن المتوقع أن تستمر في تطورها، نظرًا للتطورات التكنولوجية السريعة التي تساهم في تشكيل مستقبل صناديق التحوط.
اقرأ أيضاًمعلومات الوزراء يطلق سلسلة فيديوهات لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة
«معلومات الوزراء»: 2.2 مليار شخص حول العالم لا يحصلون على مياه شرب آمنة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الاستثمار تحليل مجلس الوزراء صناديق التحوط مجلس الوزراء مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء ملیار دولار أمریکی الأوراق المالیة ت صنادیق التحوط صندوق تحوط من صنادیق التحوط ا تحوط ا عام 2023 فی عام
إقرأ أيضاً:
«معلومات الوزراء» يستعرض مؤشرات المؤسسات الدولية حول أداء الاقتصاد العالمي
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريرا جديدا حول «أداء الاقتصاد العالمي خلال عام 2024 وتوقعات عام 2025»، من خلال تسليط الضوء على بعض الموضوعات المختارة كمجال السياسة النقدية والتضخم والتجارة والسياحة وسوق العمل العالمية، حيث أشار المركز إلى أن عام 2024 قد شهد تباطؤًا في النمو الاقتصادي العالمي مقارنة بعام 2023، ويأتي ذلك مدفوعًا بالعديد من التحديات الاقتصادية والجيوسياسية والمناخية العالمية، حيث استمرت أسعار الفائدة مرتفعة في ظل مساعي البنوك المركزية حول العالم لكبح التضخم، كما أثرت التوترات الجيوسياسية -لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشرق أوروبا- سلبًا على الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وكذلك استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. وقد جاء الأداء الاقتصادي في عام 2024 متباينًا بين المناطق المختلفة حول العالم، وبين الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة والدول النامية، حيث حققت بعض الاقتصادات نموًّا أفضل من غيرها، وتشير التوقعات لعام 2025 إلى أن التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا سوف تستمر خلال العام المقبل، مما يشير إلى استمرار التحديات الاقتصادية العالمية.
أشار التقرير، إلى أن الاقتصاد العالمي حافظ على صموده ومرونته نوعاً ما في عام 2024، متجنبًا الدخول في حالة ركود، رغم التشديد الحاد والمتزامن للسياسات النقدية العالمية، مع استمرار النمو ولكن دون التوقعات، فوفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2024، سيتباطأ النمو من 3.3% عام 2023 إلى 3.2% في عامي 2024 و2025.
ومن جهة أخرى، توقع تقرير «الآفاق الاقتصادية العالمية»، الصادر عن البنك الدولي في يونيو 2024، أن يسجل الاقتصاد العالمي نمواً ضعيفاً ثابتًا عند 2.6% في عام 2024 قبل أن يرتفع إلى 2.7% في عامي 2025 و2026، وهو أقل من المتوسط البالغ 3.1% في العقد السابق للجائحة. كما توقعت وكالة ستاندرد آند بورز تباطؤ في النمو العالمي من 3.5% في عام 2023 إلى 3.3% في عام 2024، ثم إلى 3% في عام 2025.
أشار التقرير، إلى أن تقديرات صندوق النقد الدولي للاقتصادات المتقدمة تظهر نمواً طفيفاً من 1.7% في عام 2023 إلى 1.8% في عام 2024 مع بقاء النسبة نفسها في عام 2025 حتى عام 2029، ومن المتوقع تباطؤ النمو في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقدر الصندوق أن يصل إلى 2.8% عام 2024 من 2.9% عام 2023، وأن يتباطأ إلى 2.2% في عام 2025، وفي منطقة اليورو من المتوقع أن ينمو الاقتصاد من 0.4% عام 2023 إلى 0.8% عام 2024 و1.2% في عام 2025، وفي المملكة المتحدة من المقدر أن يصل النمو إلى 1.1% عام 2024 من 0.3% عام 2023.
أما بالنسبة لليابان، فمن المقدر أن يتباطأ النمو في عام 2024، ليصل إلى 0.3% من 1.7% عام 2023، وبالنسبة لكندا فمن المقدر أن يرتفع معدل النمو الاقتصادي من 1.2% عام 2023 إلى 1.3% عام 2024، وأن يصل إلى 2.4% عام 2025.
أوضح التقرير أنه وفقًا لوكالة ستاندرد آند بورز (S&P)، سوف ينتعش اقتصاد اليابان في عام 2025 ليحقق نمو نحو 1%، في حين سيبلغ معدل نمو اقتصاد المملكة المتحدة 1.5%. وفي الأسواق الناشئة الرئيسة، تُعَد الهند محركًا رئيسًا للنمو العالمي، حيث من المتوقع أن يبلغ نموها 7% أو أقل على مدى السنوات المقبلة. كما يتوقع أن ينمو اقتصاد البرازيل والمكسيك نحو 2% في عام 2025، وجنوب إفريقيا بنحو 1.5%.
ومن جهة آخري، يقدر صندوق النقد الدولي أن تسجل اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية انخفاضًا محدودًا في النمو من 4.4% في عام 2023 إلى 4.2% في عامي 2024 و2025. كما أشار الصندوق إلى أن معدل النمو الاقتصادي في الصين انخفض من 5.2% عام 2023 إلى 4.8% في عام 2024، ومن المتوقع أن يبلغ هذا المعدل نحو 4.5% في عام 2025. أما في روسيا، فقد ظلَّ معدل النمو الاقتصادي ثابتًا عند 3.6% في عامي 2023 و2024. فيما ارتفع معدل النمو الاقتصادي في البرازيل من 2.9% عام 2023 إلى 3.0% عام 2024.
أكد التقرير أنه رغم توقع انتعاش الاستثمار وتحسن الإنتاجية ستظل توقعات النمو على المدى المتوسط للاقتصادات المتقدمة دون تغيير. أما الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، فتظل آفاق نموها ضعيفة مقارنة بتوقعات صندوق النقد الدولي لآفاق الاقتصاد العالمي لشهر أبريل 2024، وأدنى من المستويات المتوقعة قبل الجائحة. وذلك بسبب تأثير الصدمات التي شهدتها السنوات الأخيرة.
أشار التقرير إلى أنه من المتوقع أن ينخفض التضخم العالمي من 6.7% في عام 2023 إلى 5.8% عام 2024 و4.3% في عام 2025 على أساس سنوي. ويعكس هذا الانخفاض في التضخم العالمي تراجعاً واسع النطاق في عامي 2024 و2025، على عكس الوضع في عام 2023، حيث انخفض التضخم العام بشكل أساسي بسبب انخفاض أسعار الوقود.كما أنه من المتوقع أن ينخفض التضخم الأساسي بمقدار 1.3 نقطة مئوية في عام 2024، يليه انخفاض بنسبة 0.1 نقطة مئوية في عام 2025.
أشار التقرير إلى أنه من المتوقع أن يستغرق تحقيق معدلات التضخم المستهدفة في معظم الاقتصادات حتى عام 2025. وعلى الرغم من أن وتيرة انخفاض التضخم كانت أسرع من المتوقع في أكتوبر 2023، فإن التباين بين أداء الاقتصادات المختلفة يُتوقع أن يصبح أكثر وضوحًا خلال الفترة المقبلة. أما عن الاقتصادات المتقدمة فتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن التضخم في عام 2023 بلغ 3.1%، في حين تشير التوقعات إلى تراجع معدلات التضخم في عامي 2024 و2025، إذ إنه من المتوقع أن يبلغ التضخم 2.2% في عام 2024، وإلى 2% في عام 2025. كما تشير التقديرات إلى انخفاض معدل التضخم في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية من 8.1% عام 2023 إلى 7.9% في عام 2024 مع وصوله إلى 5.9% في عام 2025.
أوضح التقرير أن السياسات النقدية لدى البنوك المركزية شهدت تحولات كبيرة خلال العامين الماضيين والعام الجاري، نتيجة لارتفاع التضخم والتباطؤ الاقتصادي والاضطرابات الجيوسياسية، فخلال عامي 2022 و2023 اتجهت البنوك المركزية إلى تشديد سياساتها النقدية، ومع تراجع التضخم في عام 2024 بدأت بعض البنوك المركزية في تنبي سياسات نقدية أكثر مرونة، وفيما يلي عرض لأبرز مسارات وتوقعات السياسة النقدية لدى البنوك المركزية الكبرى في العالم:
-الولايات المتحدة الأمريكية: بعد رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة في 11 اجتماعًا متتاليًا في عامي 2022 و2023، ثم أبقاها بين 5.25% و5.5% لأكثر من عام، وفي اجتماع 18 سبتمبر 2024 خفض الفيدرالي أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أربع سنوات بمقدار 50 نقطة مئوية، لتتراوح بين 4.75% و5.0%. وفي اجتماع نوفمبر 2024، خفضها للمرة الثانية على التوالي خلال 2024 بمقدار 25 نقطة لتتراوح بين 4.50 بالمئة و4.75 بالمئة. ثم خفضها للمرة الثالثة على التوالي في ديسمبر 2024، وذلك بواقع 25 نقطة أساس بحيث باتت تتراوح بين 4.25 و4.50%
-منطقة اليورو (البنك المركزي الأوروبي): في اجتماعه الذي انعقد في 12 ديسمبر 2024، خفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الرئيس بمقدار 25 نقطة أساس، مع خفض سعر الفائدة على الودائع من 3.25% إلى 3.00%. وكان هذا الخفض الرابع منذ انتهاء دورة رفع أسعار الفائدة في سبتمبر 2023 (حيث كان الخفض الأول في يونيو 2024). ومنذ مارس 2023، بدأ البنك تفكيك أحد برامجه الرئيسة للتيسير الكمي، مع تخفيضات في الحجم الإجمالي لبرنامج التيسير الكمي المرتبط بالجائحة أيضًا في النصف الثاني من عام 2024، وكان البنك قد أطلق استجابته للجائحة في 12 مارس 2020 ووسعها بشكل كبير في 18 مارس و4 يونيو من العام نفسه. بالإضافة إلى تقديم قروض رخيصة للبنوك لتشجيعها على إقراض الشركات.
وفيما يتعلق بالتجارة الخارجية، أشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أصدرت يوم 5 ديسمبر 2024 تقريرًا بعنوان "تحديث التجارة العالمية: ديسمبر 2024"، توقعت فيه أن يصل حجم التجارة العالمية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند نحو 33 تريليون دولار في عام 2024، بزيادة قدرها تريليون دولار عن العام السابق.
اتصالًا، يأتي هذا النمو السنوي في التجارة العالمية والبالغ 3.3% مدفوعًا إلى حد كبير بارتفاع بنسبة 7% في تجارة الخدمات، حيث نمت تجارة السلع بمعدل أبطأ بلغ 2% هذا العام، لكنه أقل من ذروتها في عام 2022. وشهد كلا القطاعين (تجارة السلع - تجارة الخدمات) ارتفاعًا في قيم التداول في الربع الثالث، ومن المتوقع أن يستمر الزخم في الربع الأخير من عام 2024.
وفي الربع الثالث من عام 2024، قادت الاقتصادات المتقدمة نمو التجارة العالمية، حيث نمت وارداتها بنسبة 3%، وصادرتها بنسبة 2%. وسجلت اليابان أقوى نمو ربع سنوي في صادرات السلع (5%) وأعلى ارتفاع سنوي في صادرات الخدمات (13%). كما ارتفعت واردات السلع الأمريكية بنسبة 4%، مع زيادة الصادرات بنسبة 2% على أساس سنوي و1% في الربع الثالث.
وعلى النقيض، عانت البلدان النامية خلال الفترة نفسها، حيث انخفضت الواردات بنسبة 1%، خلال الربع الثالث من عام 2024، في حين ارتفعت الصادرات بنسبة 1% فقط. وتراجعت التجارة بين البلدان النامية بنسبة 1%. ومع ذلك، ظلت تجارة البلدان النامية إيجابية على أساس سنوي، حيث نمت بنحو 3%.
أما بالنسبة لمعدلات السياحة الدولية، فقد أشار تقرير مركز المعلومات لارتفاعها إلى 96% من مستويات ما قبل الجائحة في الأشهر السبعة حتى يوليو 2024، مدفوعة بالطلب القوي في أوروبا وإعادة فتح الأسواق في آسيا والمحيط الهادئ. فوفقًا للبيان الصادر عن منظمة السياحة العالمية، سافر حوالي 790 مليون سائح دولي في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024، أي بزيادة قدرها 11% عن الأشهر نفسها من عام 2023، وأقل بنسبة 4% فقط عن تلك الأشهر في عام 2019.
وأوضح التقرير أنه بفضل زيادة الربط الجوي وتسهيل الحصول على التأشيرات ودعم تعافي السفر الدولي، أظهرت البيانات أن جميع مناطق العالم سجلت عامًا قويًّا حتى الآن. حيث كانت منطقة الشرق الأوسط الأقوى نموًّا نسبيًّا، حيث ارتفع عدد الوافدين الدوليين بنسبة 26% فوق مستويات عام 2019 في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024. كما استقبلت إفريقيا 7% زيادة في عدد السياح في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024 مقارنة بالأشهر نفسها من عام 2019. واستعادت أوروبا والأميركتان 99% و97% على التوالي من الوافدين إليهما قبل الجائحة خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024. أما منطقة آسيا والمحيط الهادئ فقد سجلت نموًّا بنحو 82% من أعداد السياح خلال السبعة أشهر الأولى من عام 2024 مقارنة بما قبل الجائحة، حيث وصل إلى 85% في يونيو 2024، و86% في يوليو 2024. وفيما يتعلق بإيرادات السياحة الدولية، فقد استعادت 47 دولة من أصل 63 دولة تتوفر لها بيانات، قيمتها قبل الجائحة في الأشهر الستة الأولى من عام 2024.
أشار التقرير إلى أن البيانات المُعدَّلة لعام 2023 تُظهِر أن عائدات السياحة الدولية بلغت 1.8 تريليون دولار أمريكي، وهو المستوى نفسه تقريبًا قبل الجائحة، كما تعافى الناتج المحلي الإجمالي المباشر للسياحة من مستويات ما قبل الجائحة في عام 2023، ليصل إلى ما يقدر بنحو 3.4 تريليونات دولار أمريكي، أي ما يعادل 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومن المتوقع أن يكون الأداء السياحي في العام 2024 إيجابيًّا رغم التحديات، حيث يُظهر مؤشر ثقة السياحة التابع للأمم المتحدة توقعات إيجابية للأشهر الأخيرة (سبتمبر: ديسمبر) من عام 2024، عند 120 نقطة، وإن كان أقل من توقعات شهري مايو وأغسطس، والتي بلغت 130 نقطة (على مقياس من 0 إلى 200، حيث تعكس 100 أداءً متوقعًا). ووفقًا لتوقعات المكتب الوطني للسفر والسياحة التابع لإدارة التجارة الدولية من المتوقع أن يستمر إجمالي عدد الوافدين الدوليين في الزيادة بشكل كبير على مدى العامين المقبلين. وسيرتفع إجمالي عدد الوافدين الدوليين بنسبة 16.8% إلى 77.7 مليون وافد في عام 2024، ويرتفع أيضًا بنسبة 9.7% إلى 85.2 مليونًا في عام 2025، علاوة على ذلك، فقد يرتفع بنسبة 7.0% إلى 91.1 مليونًا في عام 2026.
أشار تقرير "التوظيف والتوقعات الاجتماعية في العالم: تحديث سبتمبر 2024" الصادر عن منظمة العمل الدولية (ILO)، إلى تصاعد الضغوط على عدم المساواة في التوظيف مع تراجع حصة دخل العمالة وبقاء نسبة كبيرة من الشباب خارج العمل أو التعليم أو التدريب. فقد انخفضت حصة دخل العمل العالمية بنسبة 0.6 نقطة مئوية من عام 2019 إلى عام 2022 وظلت ثابتة منذ ذلك الحين، مما زاد من تفاقم الاتجاه الهبوطي. ولو ظلت الحصة عند المستوى نفسه كما كانت في عام 2004، لكان دخل العمل أكبر بمقدار 2.4 تريليون دولار أمريكي في عام 2024.
كما أشار التقرير إلى دور التطورات التكنولوجية، بما في ذلك الأتمتة، في تعزيز الإنتاجيةَ، إلا أن العمال لا يحصلون على نصيب عادل من المكاسب الناتجة. وفي حالة غياب سياسات شاملة لضمان تقاسم فوائد التقدم التكنولوجي على نطاق واسع، فإن التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى تعميق التفاوت، مما يعرض تحقيق أهداف التنمية المستدامة للخطر.
أشار التقرير في ختامه إلى أنه في ضوء المعطيات سالفة الذكر، فإن آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2025 تتسم بوجود مجموعة من التحديات والفرص، ومن تلك التحديات استمرار معدلات التضخم المرتفعة وإن كان بمعدلات أقل من السنوات السابقة، وذلك بسبب مجموعة عوامل، منها: اضطراب سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الطاقة، مما سيجعل البنوك المركزية حذرة تجاه تخفيف سياساتها النقدية، كما ستستمر التوترات الجيوسياسية في التأثير السلبي على الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل الصراعات الدائرة وتزايد حدة التنافس بين القوى الكبرى واحتمالات نشوب حرب تجارية جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها التجاريين الرئيسين، وخاصة الصين.
وبالرغم من تلك التحديات، فإن هناك نقاطًا مضيئة، حيث سيشهد العالم تسارعًا في التحول الرقمي، مما يفتح آفاقًا جديدة للنمو والابتكار، بالإضافة إلى ذلك ستزداد أهمية الاستدامة البيئية، في ظل مساعي الحكومات والشركات إلى تبني ممارسات صديقة للبيئة، كما ستشهد بعض القطاعات نموًّا ملحوظًا كقطاع السياحة في ظل التنامي الكبير في أعداد السياح عالميًّا، وقطاع التكنولوجيا الذي يأتي نموه مدفوعًا بالتطور المستمر في الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، وكذلك قطاع الطاقة المتجددة في ظل تزايد الاهتمام العالمي بالطاقة المتجددة، كما ستشهد الرعاية الصحية نموًّا مستمرًا، أيضًا ستواصل التجارة الإلكترونية توسعها مدفوعة بتغيير سلوك المستهلكين.
اقرأ أيضاًالقيادة المركزية الأمريكية: نفذنا ضربة دقيقة ضد منشأة لتخزين الصواريخ للحوثيين
أستاذ استثمار: توطين الصناعة إحدى الاستراتيجيات الأساسية التي انتهجتها الدولة لتغير واقع الاقتصاد