جدلية العلاقة بين الواقع والخيال
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
الجدل حول العلاقة بين الإبداع والواقع قديم جدا وليس وليد اليوم، ولم يقتصر هذا الجدل على نقّاد الأدب والإبداع (تشكيل وسينما ومسرح)، بل تجاوزهم إلى الفلاسفة الذين شُغلوا بهذا الأمر كثيرا، وقدم الكثير منهم رؤية خاصة لهذه العلاقة الجدلية بين الإبداع والواقع. وتباينت الأطروحات حول تلك العلاقة وزاوية رؤيتها، فبين من يرى الإبداع على أنه إعادة تمثيل للواقع كما كان طرح أرسطو، وبين من يرى أن الإبداع ما هو إلا محاولة للتحرر من الواقع عبر ابتكار أبعاد جديدة للتجربة الإنسانية كما هو طرح كانط على سبيل المثال، وبين من يرى أن الإبداع ما هو إلا طريقة لفهم الواقع، لا من خلال تمثيله أو الهروب منه، بل عبر إعادة تشكيله وفهمنا له.
يتعمق هذا الجدل ويتحول إلى نقاش فلسفي وفكري في اللحظة التي يستطيع فيها الإبداع والخيال تمثيل الواقع بشكل دقيق تجعلنا نشعر أنه نحن بكل أبعادنا وبكل تعقيداتنا ومشاعرنا وصراعاتنا الداخلية، وهنا تكمن عبقرية الخيال الذي يستطيع كشف الدواخل الإنسانية وتمثيلها أمامنا؛ حيث يتجاوز الكلمة المكتوب أو الصورة المشاهدة ليتحول إلى انعكاس لتجاربنا وعواطفنا التي لا يستطيع الجميع التعبير عنها أو تمثيلها ونقلها للآخرين.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذه اللحظة هل علينا أن نسائل هذا الإبداع والخيال إذا ما كشف عن أعماقنا وتسلل إلى تعقيداتها إلى الدرجة التي تشعرنا وكأننا أمام أنفسنا حدّ التماهي؟
إن مثل هذه المساءلة من شأنها أن تجرد الإبداع من مهمته ودوره في تشكيل الواقع وتفسيره أو حتى التحرر منه كما في طرح الفيلسوف كانط. إن الإبداع مهما كانت وسيلته يبني حيوات جديدة وينفخ فيها الحياة، فنراها إلى جوارنا وكأنها واقعنا الذي نستطيع فهمه أكثر وأدق عبر محاكاته وتمثيله، وحينها لنا أن نتحرر منه أو أن نعيد تشكيله بطريقة تمكننا من فهمه أو من التعايش معه أو حتى تكريسه في دواخلنا .. وفق مختلف الأطروحات الفلسفية التي تفسر العلاقة بين الواقع والخيال الإبداعي.
إن الإبداع الحقيقي يكمن في قدرته على إثارة كل هذه الأشياء فينا، وفي التقاط جوهرنا الداخلي ووضعه أمامنا مباشرة لنسائله فكريا وفلسفيا بالضبط كما نسائل التاريخ.. والأدب والإبداع العظيم لا يقلد الحياة فقط، إنما دوره أن يرتقي بها، أن يرينا إياها كما لم نرها من قبل، أن يساعدنا على أن ندرك حقيقة الواقع في مرآة المتخيل.. وهذا النوع من الإبداع يستحق أن نحتفي به؛ لأنه يقربنا من التجربة الإنسانية بكل تعقيداتها وجمالياتها.
وفي جميع الأحوال فإن الجدل الحقيقي حول الواقع والخيال في التجربة الإبداعية ليس ساحة لبناء الفجوات الإنسانية وهدم التجربة الإبداعية نفسها، إنه مساحة لابتكار أبعاد جديدة للتجربة الإنسانية ومشاهدة تطورها في السياق الزمني الأمر الذي يسهل قدرتنا على فهم المستقبل وتوقع مساراته.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
قصور الثقافة تختتم ليالي الإبداع الرمضانية بالدقهلية وسط أجواء مبهجة.. صور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أسدلت الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، الستار على فعاليات ليالي رمضان الثقافية والفنية التي قدمها فرع ثقافة الدقهلية باستاد المنصورة، ضمن احتفالات وزارة الثقافة بالشهر الفضيل.
نفذت الفعاليات تحت إشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، من خلال إقليم شرق الدلتا الثقافي بإشراف الكاتب أحمد سامي خاطر، وشهد الحفل الختامي حضور د. عاطف خاطر، مدير عام ثقافة الدقهلية، د. تامر البسنديلي، رئيس مجلس إدارة استاد المنصورة، حيث أكد "خاطر" أن هذه الفعاليات تعكس دور الثقافة في تعزيز قيم المواطنة والانتماء، ودعم الموهوبين، وتحقيق العدالة الثقافية في جميع المحافظات.
وانطلقت الفعاليات بلقاء شعري قدمه الشاعر علي عبد العزيز، ألقى خلاله مجموعة من قصائده، منها "لا جدي غازي أجنبي"، "طول عمري شاطر في النشيد"، "بيحصل كل يوم"، "القاهرة"، و"موالي الأخضر بكأ".
تلاه عرض فني لفرقة موهوبين قصر ثقافة المنصورة، حيث أبدع الأطفال في رسم شخصيات تاريخية بارزة من أعلام الدقهلية مباشرة أمام الجمهور. كما قدم مسرح عرائس "الحلاتية" بقيادة الفنان محمد قطامش عروضًا ممتعة تضمنت شخصيات "بسنت وديسطي"، "البالون"، وسط تفاعل كبير من الأطفال.
وعلى وقع الأناشيد الروحانية، اختتمت فرقة تمي الأمديد للإنشاد الديني بقيادة المايسترو عادل الفقي الأمسية، حيث قدمت مجموعة من الابتهالات، منها "امدح المكمل"، "ميلاد طه"، "يا مواكب النور"، "لأجل النبي"، "عليك سلام الله"، "يا صلاة الزين".
كما أبدعت مواهب مدرسة السيدة خديجة في تقديم فقرات غنائية، منها "أما براوة"، "غني لي شوي". ولم يخلُ الختام من لمسات فنية إبداعية، حيث شارك الفنان محمد حسني بورشة رسم على الوجوه للأطفال، مما أضفى أجواء احتفالية مميزة على الليلة الأخيرة.
وفي ختام الاحتفالية، كرم مدير فرع ثقافة الدقهلية رئيس وأعضاء مجلس إدارة استاد المنصورة، وفريق العمل المنفذ للفعاليات، تقديرا لجهودهم في إنجاح البرنامج الثقافي والفني الرمضاني.
وضمن فعاليات إقليم شرق الدلتا الثقافي، أقيمت ندوة توعوية بمدرسة الشيخ شعيب الابتدائية تناولت "تعزيز القيم الإيجابية". تحدث خلالها الشيخ طاهر الخولي عن أهمية الصدق والأمانة في تماسك المجتمع، ودور المؤسسات في غرس القيم الإيجابية لدى الأجيال الجديدة.