تبدو العلبة الحمراء الزاهية بسعة 250 ملليترا مثل علبة كوكاكولا، إذ استُبدلت "كوكا" بـ"غزة" فصارت "كولا غزة" وزُينت بعلم فلسطين وكوفية حمراء حتى إن مذاقها يشبه الكولا، لكنه أقرب إلى النكهات الحلوة لمشروبات الكولا غير الكلاسيكية.

وتهدف "كولا غزة" إلى أن تكون بديلا لمقاطعي العلامة التجارية الشهيرة وليست مجرد محاولة لتقليد "كوكاكولا".

كولا غزة مشروب جديد يهدد وضع كوكاكولا في سوق المشروبات الغازية (الموقع الرسمي للشركة) مقاطعة واسعة

وفي تقريرها الذي نشرته مجلة (تايم) البريطانية، قالت الكاتبة ياسمين سرحان إنه منذ أن شنت إسرائيل حربها على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، الذي أسفر عن استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين وجعل معظم قطاع غزة غير صالح للسكن، تعرضت أكثر من 12 شركة متعددة الجنسيات تُعتبر داعمة لإسرائيل لحملة مقاطعة واسعة من قبل المستهلكين على مستوى العالم.

ومن بين هذه الشركات، شركة كوكاكولا التي تدير مصنعا في الضفة الغربية المحتلة، وماكدونالدز التي قدم صاحب امتيازها في إسرائيل وجبات مجانية لجنود جيش الاحتلال وقوات الإنقاذ بعد عملية طوفان الأقصى، وستاربكس التي رفعت دعوى قضائية ضد نقابة عمالها بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أُزيل لاحقا عبّر عن دعم الفلسطينيين.

وفي الوقت نفسه، أفسحت هذه الشركات المجال لعلامات تجارية جديدة وأخرى قائمة لتملأ الفراغ الذي تركته الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، وفق المجلة البريطانية.

وأوضحت الكاتبة أن كولا غزة، التي دخلت السوق البريطاني هذا الشهر، وتعد من البدائل الجديدة المتاحة، وتُعتبر شركة (فلسطين درينكس)، وهي علامة تجارية مقرها السويد تم إطلاقها في مارس/آذار وتزود الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وجنوب أفريقيا، ببديل آخر.

ونقلت المجلة عن محمد كسواني، مدير الاتصالات في شركة صفد للأغذية (الشركة الأم المالكة للعلامة التجارية فلسطين درينكس)، قوله إن الطلب على مشروبات الصودا كان هائلا، مشيرا إلى أن شركته لم تكن تتوقع أن تلقى هذا الإقبال الكبير، إذ باعت العلامة التجارية ما يقارب 16 مليون علبة في الأشهر الخمسة الماضية.

وتذهب عائدات المبيعات إلى مشاريع تدعم المجتمع المدني الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة.

وذكر الكسواني أن الهدف من هذه المبادرة ليس متعلقا بالمشروبات الغازية في حد ذاتها، قائلا "لا نبيع المشروبات. نحن نبيع العلامة التجارية (فلسطين) لنجعل الناس يتحدثون أكثر عن الإبادة الجماعية الجارية".

وفي قرار تاريخي صدر في يناير/كانون الثاني، أصدرت محكمة العدل الدولية حكما مؤقتا يقضي بأن ثمة خطرا معقولا بارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة لكن صدور حكم نهائي قد يستغرق سنوات.

الشارع العربي

وعلى الرغم من أن هذه المقاطعة ذات طابع دولي، فإنها تتجلى بشكل خاص في الشارع العربي، ففي الأردن، على سبيل المثال، صارت محلات ماكدونالدز وستاربكس التي كانت تعج بالزبائن قبل عام واحد فقط فارغة تقريبا.

وبينما لا يزال بالإمكان إيجاد منتجات مثل كوكاكولا وبيبسي على رفوف محلات البقالة في الشرق الأوسط، فإنها غالبا ما تُعرض بجانب لافتات تحث الزبائن على مقاطعتها، وفق المجلة البريطانية.

وتجنبت العديد من المقاهي والمطاعم في المنطقة إلى حد كبير هذه العلامات التجارية، مفضلة بدائل محلية مثل (ماتريكس كولا) الأردنية و(كنزا) السعودية، خشية أن تصبح هي نفسها عرضة للمقاطعة.

وأشارت الكاتبة إلى أن حملات المقاطعة الدولية ضد إسرائيل ليست جديدة بل تعود إلى سنوات عديدة، فمنذ عام 2005، تقود حركة فلسطينية شعبيّة الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها مع التركيز على الشركات الإسرائيلية والدولية التي يُعتقد أنها متواطئة في انتهاك حقوق الفلسطينيين.

مقاطعة مفيدة

ونشأت، كذلك، علامات تجارية جديدة تسعى إلى الاستفادة من هذه المقاطعة، وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في أوائل الألفية الجديدة بعد انهيار عملية أوسلو للسلام التي بدأت في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ظهرت علامات تجارية مثل (مكة كولا) و(كولا القبلة) كبدائل لمشروب الكولا.

وتم تسويق (مكة كولا) نفسها ضمن جزء من مقاطعة أوسع للبضائع الأميركية بسبب دعم واشنطن لإسرائيل، في حين وصفت (كولا القبلة) نفسها كبديل أخلاقي للمسلمين الذين يتساءلون بشكل متزايد عن دور بعض الشركات الكبرى متعددة الجنسيات في مجتمعاتهم.

وعادة ما أعقبت مقاطعة المستهلكين معظم حروب غزة، بما في ذلك الحروب التي جرت في الأعوام 2008-2009، و2012، و2014، و2018، و2021، لكن الوضع الحالي يختلف عن الحروب السابقة؛ فبينما كانت تلك الحروب تستمر لعدة أيام أو أسابيع في كل مرة، فإن الحرب الحالية دخلت شهرها الـ11، ولا يبدو أنها تقترب من النهاية في الوقت الراهن، وفق المجلة.

وحسب ويل تودمان، محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، الذي أمضى بعض الوقت في الأردن والمغرب وعمان وتونس وقطر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإن حملة المقاطعة هذه تحدث على نطاق مختلف تماما عن أي شيء سابق ذلك لأن هذه الحرب تحدث على نطاق أكبر وأكثر فظاعة من أي شيء من قبل.

دفاع بلا تأثير

حاولت بعض الشركات المتضررة الدفاع عن نفسها، وإن لم يكن ذلك دائما ذا تأثير يُذكر، وقد أدت محاولة صاحب امتياز شركة كوكاكولا في بنغلاديش إلى نتائج عكسية بعد أن أطلق حملة إعلانية تطمئن العملاء بأنها ليست علامة تجارية إسرائيلية.

واستخدم الإعلان، الذي أُزيل من جميع المنصات، جملة "حتى فلسطين فيها مصنع كوكاكولا"، والمصنع المعني هو مصنع كوكاكولا مملوك لصاحب امتياز إسرائيلي وقد أنشئ في مستوطنة إسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي في القدس الشرقية.

في الوقت نفسه، سعت شركة ماكدونالدز، التي يقع مقرها الرئيسي في شيكاغو، إلى النأي بنفسها عن تصرفات صاحب الامتياز الإسرائيلي، فقالت في فبراير/شباط الماضي إن دعم جيش الاحتلال "تمت بشكل مستقل من دون موافقة أو تأييد من ماكدونالدز".

وقالت سلسلة مطاعم البرغر لاحقا إنها ستعيد شراء جميع مطاعمها في إسرائيل بعد اتفاق مع صاحب الامتياز الإسرائيلي (ألونيال).

ونقلت المجلة البريطانية عن عمر البرغوثي، أحد مؤسسي حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، "لقد أظهرت حركة المقاطعة للشركات المتواطئة أن الثمن الذي يجب أن تدفعه لتورطها في جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين باهظ وسيزداد فداحة".

وتشير هذه الاتجاهات إلى أن تأثير المقاطعة على هذه العلامات التجارية سيكون على الأرجح "طويل الأمد" مشيرا إلى أن فعالية الحركة كانت في صالح البدائل المحلية، خاصة في الشرق الأوسط.

المآلات

ووفق المجلة البريطانية، فإن ثمة مراقبة لما ستؤول إليه هذه المقاطعة على المدى المتوسط على مستوى سلوك المستهلكين، وفي حين أنها أعطت العديد من المتضررين من الكارثة الإنسانية المستمرة في غزة إحساسا بالقدرة على التأثير.

وقال الكسواني، الذي يتذكر المقاطعات التي ظهرت خلال حروب غزة السابقة، إنها اتبعت جميعها النمط نفسه "كان ثمة مقاطعة قوية استمرت لبضعة أشهر، ثم انتهت بعد ذلك"، لكنه واثق من أن هذه المقاطعة لن تنتهي كسابقاتها، فأضاف "هذه المرة، يمكننا أن نرى أن المقاطعة أكبر بمئات المرات..".

ونقلت المجلة عن الخبير في تأثير المقاطعة في كلية كيلوغ للإدارة في جامعة "نورث ويسترن" الأميركية، برايدن كينغ، قوله إن معظم حملات المقاطعة ليس لها تأثير كبير على سلوك المستهلك على المدى الطويل، في حين الحملات التي تفعل ذلك قادرة على الاستفادة من المسؤولية العامة لصالحها، فيحاسب الناس بعضهم بعضا، وهي مهمة تصبح أسهل عندما يتعلق الأمر بالسلع التي يتم الاستمتاع بها عادة في البيئات الاجتماعية مثل الطعام والشراب.

ولكن ثمة مؤشرا آخر على المقاطعة الفعالة، وهي القدرة على إلحاق ضرر مستدام بسمعة العلامة التجارية، وعلى الرغم من تلاشي معظم المقاطعات بعد مرور 90 يوما، وفقا لكينغ، فإن المقاطعة المستلهمة من غزة تجاوزت ذلك منذ فترة طويلة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الحرب قد تجاوزت ذلك أيضا.

ويقول كينغ "الغضب الذي يشعر به كثيرون في العالم حيال هذا الأمر شديد للغاية، ولا يبدو أنه تبدد على الإطلاق، ويرجع ذلك جزئيا إلى استمرار هذه المأساة. وتوقع أن الضرر الذي سيلحق بسمعة العلامات التجارية المرتبطة بهذا الأمر سيكون أكبر بكثير.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات العلامة التجاریة هذه المقاطعة کولا غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

صهاينة أميركا.. ماذا تعرف عن الشخصيات الخفية التي أنشأت إسرائيل؟

في خمسينيات القرن الماضي كتب المفكر المصري عباس محمود العقاد كتابه "الصهيونية العالمية" يرصدُ فيه النشأة والتأثير الذي قامت به هذه الحركة، وقد شكك الرجل في "بروتوكولات حكماء صهيون" وهي توصيات كبار المؤثرين الصهاينة التي يخططون ويتآمرون فيها على العالم.

وقد كان العقّاد مقتنعا بأن الصهاينة لا يحتاجون لهذه البروتوكولات، لأن لديهم داعمين أقوياء يسعون بكل إخلاص في تنفيذ أجنداتهم، وعلى رأسهم الدول الغربية الكبرى التي قامت بهذه المهمة ليس حبّا في الصهاينة اليهود وإنما خدمة للمصالح الاستعمارية وعداوة أصيلة للإسلام، وضرب على ذلك أمثلة لافتة أدركها الرجل مبكرا بُعيد إنشاء إسرائيل.

وهذا التصور من العقاد تؤكده قوة روابط العلاقات الأميركية بالصهيونية منذ أوائل القرن الـ19، وذلك قبل أن تتبلور مشروعا عمليا مع الصحفي ومؤسس الصهيونية ثيودور هرتزل (ت 1904) وتتحول فيما بعد إلى هجرة منظّمة فاحتلال مُحكم.

بواكير الصهيونية في الولايات المتحدة

بدأت الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة بالجماعات الصهيونية غير اليهودية التي طالبت بتوطين اليهود في فلسطين أو في خارجها، حيث طالب الرئيس الأميركي جون آدمز الذي تولى الحكم بين عامي (1797-1801م) بأن يصبح اليهود أمة واحدة.

في ذلك الوقت، لم يزد عدد اليهود في الولايات المتحدة عن 4 آلاف، ولم يكن هناك لوبي يهودي أو صهيوني، وهو ما يدل على أن النزعة الصهيونية في الولايات المتحدة أصيلة متجذرة.

وكان من أهم الشخصيات الصهيونية المسيحية في تلك الفترة وليام بلاكستون الذي حرص على الاشتراك في مؤتمر الاتحاد الصهيوني الأميركي في فيلادلفيا، وأُعلن في ذلك المؤتمر أنه هو "أبو الصهيونية"، وكما يشير عبد الوهاب المسيري في موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" فإن الرئيس الأميركي الأسبق وودرو ويلسون يُوصف أيضا بـ"أبو الصهيونية"!

وقد بدأت أفكار الحركة الصهيونية تأخذ منحى مغايرا مع قدوم عشرات الآلاف من المهاجرين اليهود من شرق أوروبا منذ ثمانينيات القرن الـ19 حاملين معهم تقاليدهم وأفكارهم ومعتقداتهم وتنظيماتهم الفكرية والسياسية، والتي كان من بينها "جمعية أحباء صهيون"، وبحلول عام 1890م كان هناك فروع لهذه الجمعية في نيويورك وشيكاغو وبوسطن وفلادلفيا وغيرها.

وليام بلاكستون ينسب له أول جهد أميركي للدعوة لإنشاء دولة يهودية (شترستوك)

ويذكر المسيري أنه في عام 1896م طرح البروفيسور بول هاوبت من جامعة جون هوبكنز في الولايات المتحدة فكرة ترمي إلى توجيه المهاجرين اليهود القادمين من شرق أوروبا إلى بلاد بين النهرين وسوريا وأيّده في ذلك العديد من الشخصيات اليهودية البارزة حينئذ مثل سيروس أدلر وأوسكار شتراوس.

وفي العام التالي 1897م، عقد هرتزل مؤتمر الحركة الصهيونية الأول في بازل بسويسرا وحضره 4 من يهود الولايات المتحدة، وفي العام التالي 1898م تكونت مزيد من الجمعيات والعصب التي بدأت تعمل على دعم أنشطة الحركة الصهيونية وتحقيق أهدافها وجمع التبرعات لها، مثل "عصبة الجمعيات الصهيونية في الولايات المتحدة الأميركية الشمالية".

وكانت منظمة العمل الصهيوني في أميركا، التي تأسست في عام 1897، أول منظمة صهيونية أميركية، وركزت جهودها على توعية المجتمع اليهودي الأميركي بأهداف الحركة الصهيونية.

ورغم أن الحركة واجهت في البداية معارضة من بعض اليهود الأميركيين، وخاصة اليهود الإصلاحيين العلمانيين الذين كانوا يرون أن الاندماج في المجتمع الأميركي هو الحل الأمثل والأنجح لمشاكل اليهود، فإنها بدأت تكسب دعما لأهدافها بمرور الزمن.

فبعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، عقدت الجماعات الصهيونية التي ارتفع عددها إلى 150 ألف شخص في الولايات المتحدة مؤتمرا كبيرا في 15 ديسمبر/كانون الأول 1918 وبالتحديد في فيلادلفيا، وأعلنوا فيه تبنّيهم قرار عصبة الأمم بتولي بريطانيا مهام الانتداب على فلسطين.

وفي غضون السنوات العشرين التالية أصبحت الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة المساهم الأول في تطوير الخطط الاستيطانية في فلسطين، فبلغت التبرعات التي قدمتها المنظمة الصهيونية الأميركية حوالي 100 مليون دولار بين عامي 1929 و1939م، كما يرصد المسيري في موسوعته.

الشخصيات الخفية التي دعمت الصهيونية في الولايات المتحدة

ولكن الأمر اللافت أنه برز في خلال العقود الخمسة الأولى من القرن الـ20 العديد من الشخصيات اليهودية التي قادت الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة وأسهمت في تعزيز تأثيرها على السياسة الأميركية الخارجية لدعم وإقامة إسرائيل.

وقامت هذه الشخصيات التي لا نكاد نعرفها في المنطقة العربية بدور ضخم من العلاقات العامة والتقرب من الرؤساء الأميركيين والتأثير عليهم، فضلا عن المجتمع والمؤسسات الأميركية.

لويس برانديز

ويأتي على رأس هؤلاء لويس برانديز (ت 1941م) الذي انضم إلى الحركة الصهيونية عام 1914، وبعدها بعامين عُيّن أول قاضٍ يهودي في المحكمة العليا الأميركية، وكان يعتبر دائما أن الحركة الصهيونية تتطابق مع المبادئ الأميركية حول الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

وسعى برانديز إلى إقناع الأميركيين، سواء من اليهود أم غير اليهود، بأن إقامة دولة يهودية يتوافق مع القيم الأميركية، بل إنه حاول إقناع حكومة الولايات المتحدة في أثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) بدخول الحرب بجانب الحلفاء للقضاء على الدولة العثمانية وإسقاطها بُغية تسهيل وتسريع عملية السيطرة على فلسطين وتسليمها لليهود.

ومن المعلوم أنه في أثناء الحرب العالمية الأولى حصلت الحركة الصهيونية على دعم دولي محوري من بريطانيا عبر وعد بلفور الشهير وذلك عام 1917، والذي أيد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. هذا الوعد لاقى ترحيبا كبيرا من قبل الصهاينة في الولايات المتحدة، وعزز من دورهم في التأثير على السياسة الخارجية الأميركية.

وكان برانديز من أشد المؤيدين لهذا الوعد، وعمل على تسويقه بصورة ممتازة للرئيس الأميركي في ذلك الوقت وودرو ويلسون الذي أبدى تعاطفا وتأييدا لبريطانيا ولوعد بلفور.

برانديز دعم جهود جمع الأموال لدعم المستوطنات اليهودية في فلسطين (شترستوك)

وكان من اللافت أن دعم ويلسون للصهيونية مثّل نقطة تحول في السياسة الأميركية في عهده وفي عهود الرؤساء اللاحقين، حيث بدأت الولايات المتحدة تتبنى تدريجيا مواقف داعمة للصهيونية في سياستها الخارجية.

والحق أن تأثير برانديز كان شديد الخطورة والأهمية بسبب منصبه الرفيع في المحكمة العليا، وتقديره في الأوساط السياسية والقانونية الأميركية، حيث استخدم مكانته هذه لإيجاد تحالفات سياسية داخل الحكومة الأميركية لصالح الصهيونية.

وكان قادرا على كسب دعم مؤثرين أميركيين جدد من غير اليهود للمشروع الصهيوني، كما دعّم أيضا جهود جمع الأموال لدعم المستوطنات اليهودية في فلسطين، ووجه العديد من الحملات الإعلامية، وبفضل مكانته السياسية والاجتماعية تلك ساهم برانديز في جعل الصهيونية جزءا من التيار السائد في الولايات المتحدة.

هنري مورغنثاو من أشهر الشخصيات اليهودية الصهيونية التي عملت على التأثير داخل الأوساط السياسية الأميركية (غيتي) هنري مورغنثاو

ومن أهم وأشهر الشخصيات اليهودية الصهيونية التي عملت على التأثير داخل الأوساط السياسية الأميركية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى ما بعد الحرب العالمية الثانية لصالح المشروع الصهيوني سنجدُ السفير الأميركي اليهودي هنري مورغنثاو الأب (ت 1946م)، وهو رجل أعمال وسياسي كان مقربا أيضا من ويلسون.

وقد اختاره ويلسون ليكون سفيرا للولايات المتحدة في الدولة العثمانية ما بين عامي 1913-1916م، وذلك في أثناء الفترة الحرجة التي قامت فيها الحرب العالمية الأولى، وكان من أشد المناهضين للدولة العثمانية.

وبعد الحرب أصبح مورغنثاو أكثر التزاما بدعم الصهيونية من خلال علاقاته الواسعة مع قادة الحكومة الأميركية، حيث استخدم نفوذه للتأثير في صنع القرار السياسي، ففي مذكراته أشار إلى أن التجربة المروعة للهولوكوست والفظائع التي ارتُكبت ضد اليهود في أوروبا جعلته يدرك أن الصهيونية لم تعد مجرد حركة قومية، بل ضرورة أخلاقية لضمان مستقبل اليهود.

الحاخام ستيفن وايز

كما يأتي الحاخام ستيفن وايز (ت 1949م) كواحد من أهم الشخصيات اليهودية التي لعبت دورا مؤثرا في دعم الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة، فقد أسّس المؤتمر اليهودي الأميركي في عام 1922، وهي منظمة صهيونية كان لها تأثير كبير في حشد الدعم الشعبي والسياسي لإقامة دولة يهودية في فلسطين.

وكان وايز شخصية كاريزمية وخطيبا مفوّها، مما جعله قادرا على التأثير في الرأي العام الأميركي لصالح مشروع الحركة الصهيونية.

ستيفن وايز  أسّس المؤتمر اليهودي الأميركي في عام 1922  (غيتي) وايزمان وترومان

ومن الشخصيات اليهودية الصهيونية التي أثّرت في السياسة الأميركية أيضا في ذلك الحين، سنجدُ حاييم وايزمان (ت 1952م) قائد الصهيونية العالمية والرئيس الأول لإسرائيل الذي لعب دورا شديد الأهمية في التأثير على الولايات المتحدة الأميركية قبل وبعد الاعتراف بدولة الاحتلال في نوفمبر/تشرين الثاني 1947 ثم في مايو/أيار 1948م.

نجح وايزمان، الذي كان كيميائيا وسياسيا قويا، في إقامة علاقات دبلوماسية وثيقة مع العديد من الشخصيات السياسية الأميركية من كافة الاتجاهات، ومنهم الرؤساء الأميركيون.

وخلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، زار وايزمان الولايات المتحدة عدة مرات للعمل على جمع الدعم المالي والسياسي للصهيونية، ولقد أسهمت جهوده في تحقيق وعد بلفور من قِبل بريطانيا عام 1917.

وكان لوايزمان دور كبير في الضغط على الإدارة الأميركية لدعم إنشاء دولة يهودية في فلسطين، ولديه علاقة وثيقة مع الرئيس هاري ترومان الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة بين عامي (1945-1953م)، مما ساهم في دعم الاعتراف الأميركي بإسرائيل فور إعلانها في عام 1948.

حاييم وايزمان (يسار) آرثر بلفور (بالمنتصف) وناحوم سوكولوف (غيتي) وساطة التاجر الغامض

لكن ثمة شخصية مؤثرة ومحورية وتكاد تكون خفية وكان لها الفضل الكبير في التقريب بين وايزمان وترومان، وهو التاجر ورجل الأعمال اليهودي الأميركي إدوارد جاكوبسون المعروف بإيدي جاكوبسون (ت 1955م).

فقد استطاع هذا الرجل الشريك والصديق المقرب من ترومان منذ أيام الحرب العالمية الأولى إقناعه بضرورة مقابلة وايزمان والاستماع له، وذلك على الرغم من اعتراض كثير من موظفي وزارة الخارجية الأميركية وتوصياتهم بضرورة الحياد والابتعاد عن الدعم المباشر والقوي لإسرائيل إذا أرادت أميركا أن يكون لها تأثير في الشرق الأوسط.

لقد وصف إيدي جاكوبسون صديقه زعيم الصهيونية العالمية وايزمان بأنه مثل "موسى عصره"، وهو تشبيه ديني كان له تأثير مباشر في قناعة ترومان وحرصه على مقابلته.

وفي تلك المقابلة لعب وايزمان بهدوء شديد على المعاناة الإنسانية التي تعرض لها اليهود في محارق النازية في أثناء الحرب العالمية الثانية، وكيف أنه يسعى لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وحل المشكلة اليهودية بصورة جذرية.

ترومان (يسار) في متجر ترومان وجاكوبسون (شترستوك)

وكما يذكر ترومان في مذكراته أنه تأثّر للغاية بمنطق وايزمان ولغته العاطفية والإنسانية، حتى وصفه بأنه "قادر على تحريك قلوب الرجال"، ونظرا لغياب الصوت العربي المؤثر، واللعب على العلاقات الدينية والسياسية شديدة الصلة بين اليهود والأميركان. وكان ترومان أول من اعترف بقيام دولة إسرائيل بعد إعلانها بـ11 دقيقة فقط.

وفي مذكراته، أشار وايزمان بتقدير كبير للدور الضخم والتعاطف اللافت الذي كان يُبديه ترومان للقضية الصهيونية ودعمها أمام اعتراضات بعض مستشاريه وموظفي وزارة الخارجية الذين كانوا يسعون لإفساد الأمر في الأمم المتحدة وفي دهاليز الحكومة، بل أمام مندوبي الدول الأخرى.

يقول وايزمان في مذكراته "كنتُ كلما اصطدمت القضية (الصهيونية) بشيء تنقلت من مندوب إلى آخر من مندوبي الدول (في الأمم المتحدة)، أو اتصلتُ بالرئيس ترومان لأحلّ الأزمة قبل تفاقمها".

تلك هي أهم المسارات والشخصيات الصهيونية التي لعبت أدوارا حاسمة في تشكيل السياسة الخارجية الأميركية، وجعلها تميل ناحية الطرف الإسرائيلي على حساب القضية الفلسطينية، وإننا نرى أن العلاقات العامة والشخصية، والمناصب المرموقة التي تولاها هؤلاء اليهود الأميركان كان لها الفضل الكبير في حسم واشنطن قرارها ناحية تل أبيب!

مقالات مشابهة

  • قائمة بالدول التي حظرت أو قيدت مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل
  • يديعوت أحرونوت: حكومة نتنياهو أبلغت المحكمة العليا في إسرائيل بعدم السيطرة الفعلية على #غزة
  • غارديان تنشر قائمة بالدول التي حظرت أو قيدت مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل
  • حملات بـ«مياه الشرقية» لتعريف العاملين والعملاء بالمبادرة الرئاسية «بداية جديدة»
  • إسرائيل تهدد بتقويض السلطة الفلسطينية
  • صهاينة أميركا.. ماذا تعرف عن الشخصيات الخفية التي أنشأت إسرائيل؟
  • أبو الغالي يقدم تفاصيل جديدة عن "النزاع التجاري" الذي أفضى إلى تجميد عضويته في "البام"
  • هوكشتاين سيصل إلى المنطقة.. ما هي الرسالة التي يحملها إلى إسرائيل؟
  • هآرتس: ما الذي تخشاه إسرائيل في غزة بمنعها دخول المراسلين الأجانب؟
  • بزشكيان: مذكرات التفاهم التي أُبرمت اليوم تمثل انطلاقة جديدة للتعاون بين البلدين