بعد زيارة مصر .. السوداني إلى تونس
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
شبكة انباء العراق ..
user.المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
زيارة جديدة للتاريخ
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
نحتاج جميعًا بين زمن وآخر القيام بزيارة ولو خاطفة للتاريخ؛ فالتاريخ كما يُقال يعيد نفسه، على اعتبار أن الإنسان هو الإنسان والظروف هي الظروف، لهذا تصدق مقولة من يقرأ التاريخ يقرأ المُستقبل.
وبما أن أكثر الناس في زماننا لا يقرأون؛ حيث سادت ثقافة السمع كثيرًا بين أهل زماننا، بما تحمله من غثٍّ وسمين، ولكن تبقى المادة التاريخية من أركان التحليل وعلوم الاستراتيجيات واستشراف المستقبل؛ فالربط التاريخي يجعل من التحليل والتنبؤ بالمستقبل من واقع تراكم الماضي والحاضر بمثابة معادلات رياضية لا تقبل الخطأ أو القسمة أو التجزئة.
الواقع العربي اليوم- على مرارته- لا يمكن فصله عن أحداث ووقائع تاريخية بعيدة وقريبة عاشتها الأمة، وكانت أغلب تلك الأحداث والوقائع لمن عايشها وكأنها القاضية التي لا خلاص منها ولا نهوض بعدها، ولكن مشيئة الله دائمًا وقوة السماء تحضر حينما تُستهلك طاقة قوة الأرض.
ولا حاجة لنا هنا في زيارات للتاريخ الموغل في القدم، كغزوات المغول ونابليون والحملات الصليبية الغربية؛ بل سننطلق من الاحتلال العثماني للوطن العربي تحت شعار الخلافة، وتسليمه ومباركته لأقطار عربية تحت حمايته وحكمه للاحتلالات الغربية (إنجلترا وفرنسا) تباعًا؛ حيث رحَّب بعض العرب حينها بـ"المُستعمِر الغربي" كـ"مُنقِذ" لهم من الاحتلال العثماني، متوهمين استفادتهم من رُقي الغرب، وكون الغرب مُستعمِرًا غير مُجرَّب حينها؛ حيث أبدى للعرب وجهه الحضاري المُراعي لحقوق الانسان، والمُحترِم للحضارات وتواريخ الأمم ومطامح شعوبها.
سرعان ما كشف الغرب الاستعماري عن وجهه الحقيقي عبر "وعد بلفور" واتفاقية "سايكس وبيكو" لتقاسم الوطن العربي والعبث بمكوناته الجغرافية وتقطيعها الى أوصال صغيرة تسمى أقطارًا؛ حيث انبرى الأحرار والشرفاء للدفاع عن أوطانهم حتى تحقق لهم نيل الاستقلال تباعًا. وبدأ الفصل الثاني من الاستعمار عبر تكريس التبعية، تلك التبعية التي دسَّها المُستعمِر في بنود اتفاقيات الاستقلال؛ ليعود من النافذة بعد أن طُرد من الباب، ويتسلل عبر العقول بعد أن طُرد من الحقول.
فكان حلف بغداد عام 1955، والذي رعته انجلترا وتشكَّل حينها من جغرافيات نفوذها والمتمثلة في تركيا والعراق الملكي وإيران الشاه وباكستان، وكانت مهمته الرئيسة تكمن في مقاومة المد القومي العربي والنفوذ الناصري بزعامة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر.
تشتت الحلف بعد ثلاثة أعوام على نشأته بقيام ثورة 14 تموز (يوليو) في العراق، ثم توالت نكساته بقيام الوحدة المصرية السورية عام 1958، ثم انسحاب باكستان بعد خذلان الحلف لها في قضية كشمير مع الهند؛ وصولًا الى نجاح الثورة في إيران عام 1979، وإعلان بريطانية إلغاء الحلف بصمتٍ دون طقوس أو مراسم.
عاشت الأمة فصولًا من الهزائم التكتيكية والتي لم تبلغ مراتب الهزائم الاستراتيجية؛ الأمر الذي سهل عليها استعادة السبق مُجددًا بعد كل انتكاسة، واستعادة مناعتها والتسلح بقيمها وخزينها الحضاري لمواجهة مخططات العدو.
المُتابع لتلك الاحداث الجِسام التي عاشتها الأمة، يتيقَّن بأن الأمة عصيّة في ضعفها وعصيّة في قوتها، وأنها قادرة على المواجهة وإفشال مُخطَّطات العدو رغم الوهن والشتات الظاهريْن؛ الأمر الذي لا يمكن تفسيره سوى بتأييد قوة السماء حين نفاذ قوة الأرض لتبقى هذه الأمة وكما وعدها الله وميزها "خير أمَّة أخرجت للناس".
ما تعيشه الأمة اليوم رغم مراراته، لا يمكن سلخه أو الحديث عنه بمعزل عن التاريخ القريب لتلك الأحداث؛ فمناعة الأمة ما زالت قادرة على فرز الغث والسمين وعلى إنهاك العدو واستنزافه، ومنعه من تحقيق أهدافه الاستراتيجية؛ فالأمة العربية حضارة، والعدو مدنية، والمدنيات لم تتغلب على حضارة في تاريخها.
الفخر التراكمي للنضال العربي ما زال ساريًا، وثقافة المقاومة اليوم في أوجها. والله غالب على أمره.
قبل اللقاء.. يقول المفكر والعالم الاجتماعي العربي العراقي الدكتور علي الوردي: "ما يشدنا للماضي ليس جماله؛ بل بشاعة الحاضر".
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصر