…في حفل تكريمه باثنينية الأستاذ عبدالمقصود خوجه، التي أقيمت في منتصف عام 1403هجرية، تحدث الأستاذ محمد حسين زيدان -رحمه الله- عن نفسه قائلاً: [أتعرفون أوَّل من علَّمني القراءة؟ لقد علَّمني سوق (الحراج) وجريدة “ألف – باء”، كنت لا أقرأ الصحف، لأن الصحف لا تأتينا. قبل “العهد السعودي”، كنا نفتّش في الحراج، لنجد بعض الكتب التي يعرضها أصحابها للبيع، نتيجة الفقر والعوز والجوع الذي ألمَّ بهم، فيبيعونها بمبالغ زهيدة لا تتجاوز قيمة الواحد القرش أو القرشين، فأنقِّب عن كتاب ينفعني، فأشتريه وأقرؤه، ومن هنا تعلَّمت القراءة من هذا السوق، ثم تعلَّمت القراءة، في مكتبة مدرسة الجواهرجي، وكان ناظرها الشيخ عبد القادر، فقرأت أكثر ما فيها من الكتب، ثم أولعت بالقراءة الدائمة، كنت أبيت فيها لمدة لا تقل عن سنتين، فيها أمهات الكتب وكنت أقرؤها.
]
ولد الأستاذ محمد حسين زيدان عام 1327هجرية، في المدينة المنورة، بلد النور، والعطر والشذا، وعاصمة الحب والمحبة والمحبين، وفي المسجد النبوي الشريف، تعلَّم ودرس وتادَّب،، وفي مقدمة كتابه:” تمر وجمر”، الذي جمع فيه ماكان ينشره تحت هذا العنوان من مقالات في الصحف اليومية، ومنها جريدة “البلاد” و”الندوة” و”عكاظ”.
يصف -رحمه الله- طفولته الأولى قائلا: التمر والجمر والقراقيش زاد البدوي وعدّته، والبداوة أحن إليها، في بيت شَعَر، نشأت فيه، أرضعتني فيه أم، وحضنتني به جدَة، وأعزني خال، وحماني أب، وبكت علي عين عم، في يوم قاس، ولاعبت فيه أترابي في فنائه، ذلك البيت من الشَعَر، أعرف مكانه الان في حوش خميس في المدينة المنورة “
وعن أمه الحبيبة، التي غادرت حياته مبكراً، يقول -رحمه الله-: [لا أدري كيف وضعتني الوحدة على الوسادة، ساعة أن أرحت رأسي، أنطق الكلمة التي لم أنطق بها وأنا طفل:(يا أمي)، لقد كنت طفلاً، ماتت أمي، ولم أقل لها: (يا أماه)، لأنني لم أعرف معنى الأم، وإن كنت حظيت بحنان الأمومة، لم أقل: (يا أماه) في طفولتي الخضراء، وفي شبابي النضر، وفي كهولتي، فكيف أقولها اليوم في شيخوختي؟! وامتلكني حزنُُ، كأنما الشيخ قد عاد طفلاً جديداً، فالشيخوخة كما قلنا من قبل: طفولة مستجدة، أتحدث إلى المخدة، وأنا لم أكن قد تحدثت إلى أمي، كانت طفولتي خرساء، لا عن مرض، وإنما لأن أمي ماتت ولم تقل لي: (تاتى تاتى خطي العتبة)، أعجزني أن أمشي مبكراً المرض، الملاريا، ذات الجنب، حتى إذا مشيت، كانت هذه الأمراض التي تواكبت، وسيلة لأن أطلب الصحة. قاومت البعوض، تجنّبت لفحات البرد، أرتاح إلى الكي، وإلى كل وصفات العطّارين، فإذا الأمراض أعراض، وإذا الأعراض تكوّنت بها مقاومة.
لم أقل: (يا أمي)، الكلمة التي يفرح بها الطفل، وتفرح بها الأم. ونحن من جيل لا نعرف كلمة: (ماما)، إنما نعرف: (يا أماه).. (يا أمي).. (يا أم). أمّا هذه الأيام، فأطفالنا قد استعجموا، لا يقولون إلا (ماما). وكلمة الأب: (يا أبي)، قد قلتها آلاف المرات، لكني اليوم وإن استعذبت أن أقولها، فقد أمضّني الكرب إن لم أقل: (يا أماه).وكلمة:(يا حبيبتي)، لم أجرؤ أن أقولها لواحدة، أو لأي أحد، بل كنت أقول: (يا عزيزتي).. (يا سيدتي).. (يا غاليتي).. (يا فاغيتي)، كأنما كلمة الحبية قد سلبتني إياها كلمة:(يا أماه)، التي حرمتها.ولست جازعاً من هذا السلب، فالأم هي الحب، فكأنما هي حين ضاعت مني، أضاعت اسمها الثاني (الحب).. اسمها الثاني (الحبيبة).وانتصبت أبتعد عن المخدة، أطرد الفكرة الحزينة، أنادي إحدى بناتي: (تعالي يا أماه)، فالبنت أم أبيها، وفي شمائل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، ذكروا أنه كان ينادي ابنته فاطمة الزهراء بقوله الكريم وعاطفة الأبوة الراحمة: (يا أم أبيها)، كما كان يقول صلَّى الله عليه وسلم لحاضنته سيدتي أم أيمن: (يا أماه).
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: عبدالعزيز التميمي لم أقل
إقرأ أيضاً:
عبد الله النجار: على الزوجين التغافل عن المقارنات التي تفسد العلاقة بينهما
عقدت دار الإفتاء المصرية بجناحها بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ندوةً بعنوان: "الزواج بين مفهوم الفضل ومفهوم الحقوق والواجبات"، تحدَّث فيها الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، والدكتور عبدالله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، وبحضور فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية، ورئيسُ الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم.
وقال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف: إن الإسلام قد اهتمَّ بالأسرة اهتمامًا بالغًا، فلا تجد عقدًا من العقود التي تناولها القرآن الكريم ببيان أحكامه كما اهتم بعقد النكاح. فقد ذكر القرآن الكريم العديد من العقود، ولكن عقد النكاح تميَّز بأن القرآن الكريم اهتمَّ ببيان أحكامه بنصوص واضحة، وما ذلك إلا لأن عقد النكاح هو أساس الأسرة المسلمة ونواة المجتمع.
وأشار إلى أنه عندما تكون الأسرة مَبنيَّة على كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنها تكون أسرةً ناجحةً تُحقِّق أهدافَها، ويكون فيها أبناء وآباء يؤدون مسؤولياتهم وواجباتهم تجاه بعضهم بعضًا، ما يؤدي إلى نشوء ذُرية صالحة نافعة لوطنها وأُمَّتها ودينها، وتنجو وتسعَدُ في الدنيا والآخرة.
وتابع الدكتور الضويني قائلًا: "إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أرشد الشباب إلى التماس النكاح والتحصين من خلاله، فلا شيء يُسعِد أهل الإسلام كما يسعدهم اقتفاءُ سُنة رسول الله". وأكد أن دعوة الإسلام للشباب إلى الزواج هي دعوة تربوية، حيث يعدُّ الزواج الطريقَ الصحيحَ لتنشئة الأسرة الناجحة التي تُساهم في تقدُّم المجتمع. وبدون الأسرة، لا يمكن تصوُّر مجتمع آمن.
وأوضح أن الزواج هو نعمة وفضل من الله سبحانه وتعالى، كما جاء في القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، مشيرًا إلى أن الزواج هو آية من آيات الله ونعمة يجب شكرها بالحفاظ عليها وتحقيق العدل والفضل بين أطرافها.
كما أكد أن الزواج هو السكن، حيث تنتقل المرأة من بيت أبيها إلى بيت زوجها لتسكن إليه ويسكن إليها، والسكن هنا يعني أكثر من مجرد اللقاء، بل هو الراحة والطمأنينة التي يجدها كل طرف في الآخر.
وأضاف أن الله جعل بين الزوجين مودة ورحمة، وهذه الرحمة تظهر في مختلف المواقف، خاصَّة عندما يتقدَّم الزوجان في السِّن، أو يمرض أحدهما، حيث يقف كل منهما إلى جوار الآخر. واعتبر أن المرأة الصالحة هي زاد المؤمن في بيته، وأن هذا كله لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت هناك تربية صحيحة للفتاة والشاب على تحمُّل المسؤولية وإدارة البيت.
وأشار إلى أنه على الرجل أن يفهم أنه عندما يُقدِم على هذه الخطوة فإنه سيتحمَّل مسؤوليات عظيمة، ويجب أن يكون مسئولًا عن الحقوق التي سيقع عبئُها على كاهله، خاصة حقوق الزوجة التي انتقلت من بيت أبيها إلى بيته. وأكد أن القوامة في الزواج تعني المسؤولية عن البيت والزوجة، بشرط أن يكون الرجل قائمًا على حقوقها.
ولفتَ إلى أهميَّة تربية الفتاة على إدراك واجب الزوجة في أن تكون عونًا لزوجها في بناء أسرة صالحة، وأن يكون لها دور في تربية الأطفال.
وفي ختام كلمته، شدد الدكتور محمد الضويني على أهمية البحث عن ذات الدين في الزواج، حيث إن المرأة المتدينة هي التي تعرف حقوق زوجها وبيتها، وهي الطريق إلى الفوز برضوان الله. وأكد أن دور الآباء والأمهات في تربية أبنائهم على هذه القيم أمر بالغ الأهمية، حيث يُعِدُّونهم للبيت الذي سيُبنَى بين الرجل والمرأة.
كما دعا إلى أن يكون الاهتمام بالزواج متوازنًا، فلا ينبغي التركيز فقط على الجانب المادي، لأن ذلك قد يضيع الهدف الحقيقي من الزواج. وقال: إن الزواج يُغنِي الإنسان إذا رُوعيت القيم النبيلة التي دعا إليها الإسلام، وأنه يجب أن يُربَّى الشاب على حقوق الزوجة، بينما ينبغي أن تُربَّى الزوجة على حقوق الزوج. بهذه الطريقة يُمكننا الحدُّ من نسبة الطلاق التي تشير الإحصائيات إلى أنها ترتفع بشكل كبير في السنة الأولى من الزواج، مما يعكس أهمية التربية على القيم الإسلامية في بناء أسرة مستدامة ومستقرة.
من جانبه، تحدَّث الدكتور عبدالله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية عن أهمية العلاقة الأسرية في التشريع الإسلامي، مشيدًا بكلمة الدكتور الضويني وبفضيلة المفتي. وأكد فضيلة الدكتور عبد الله النجار أن العلاقة بين الزوجين هي مزيج من داعي الطبع وداعي الشرع. داعي الطبع يتمثل في الحب الذي يزرعه الله في قلوب الرجال، حيث يتقدم الرجل بمشاعر الحب، كما هو الحال في جميع الثقافات. هذا الحب ليس مجرد عاطفة عابرة، بل هو علاقة تستند إلى الوفاء والحفاظ على العلاقة.
كما أكد أن الزواج نعمة من نعم الله عز وجل وليس مجرد متعة يقضيها الشاب، وهذا أول خطأ يفكِّر فيه الشاب؛ إذ إنه يريد أن يرى زهرةً جميلةً يشمها، حتى إذا ما انتهى تركها ومضى إلى حال سبيله، وإنما كل نعمة من الله عز وجل لا بد أن يكون لها عوامل صيانة ورعاية تُبقي عليها وتُنمِّيها.
وأشار إلى أن دواعي الشرع تهدف إلى الحفاظ على استمرارية العلاقة الزوجية من خلال معرفة الحقوق والواجبات والمسؤوليات، سواء كانت مادية أو عاطفية أو اجتماعية.
وأوضح أن نصوص الشريعة الغراء التي جاءت في كتاب الله تعالى وسُنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم تدعو الشاب والفتاة والزوج والزوجة إلى أن يكون قوَّامًا بالقسط عند أداء الحقوق والواجبات، وأشار إلى أن الله تعالى غيَّر منظومة الأسرة بسبب الزواج فأنشأ لها صِلة قرابةٍ جديدةٍ.
وفي هذا السياق، أضاف فضيلته أن العلاقة الزوجية علاقة مقدسة في الإسلام، حيث يكون الرجل والمرأة جزأين يكمل بعضهما بعضًا، ويؤديان معًا دورًا في الحفاظ على الأجيال القادمة ونقل القِيَم الدينية من جيل إلى جيل.
كما تحدث عن أهمية الحفاظ على الأسرة كونها أساسًا لاستمرارية الدين من جيل إلى جيل، وأوضح أن تفشي المشاكل الأسرية يأتي نتيجة لتغيير النظرة التقليدية التي تفترض أن الرجل يأخذ ولا يعطي، وأنه يجب على المرأة أن تطيع فقط دون النظر إلى حقوقها.
وأشار إلى تأثير التفاوت الاجتماعي على الحياة الزوجية، وأنه من المهم أن يحترم كل طرف حقوق الآخر، كما أكد على أهمية التغافل عن المقارنات غير العادلة التي قد تُفسد العلاقة بين الزوجين.
وقبيل ختام الندوة زار الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة جناح دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث أشاد بعناوين الموضوعات التي تتناولها الدار في جناحها، والتي تعكس دورها الريادي في معالجة القضايا المجتمعية والفكرية برؤية تجديدية مستنيرة.
كما أثنى وزير الثقافة على التعاون والتكامل بين المؤسسات الدينية المصرية، مشيرًا إلى أن قيادات هذه المؤسسات تحرص على الحضور والمشاركة في أجنحة بعضها بعضًا وفي الندوات المقامة خلال المعرض بما يُسهم في إفادة الجمهور من علومهم وخبراتهم، ويعزز رسالة الدين في نشر القيم النبيلة ومواجهة التحديات الفكرية.