يرى محللون أن حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة تحاول فرض إستراتيجيتها القائمة على تهويد الضفة الغربية كلها وطرد الفلسطينيين منها بالتزامن مع حرب الإبادة التي تخوضها ضد المدنيين في قطاع غزة بدعم أميركي، في حين يقول آخرون إن ما تعيشه الضفة ليس سوى عرض جانبي يمكن وقفه في حال خرجت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من المشهد.

فقد نفذت قوات الاحتلال العديد من عمليات القتل والاغتيال في مخيم نور شمس وغيره وهو ما اعتبره البعض سياسة ممنهجة للتعامل مع الضفة باعتبارها ساحة من ساحات الحرب الحالية.

ووفقا للأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، فإن ما يحدث حاليا هو إبادة ممنهجة للفلسطينيين في الضفة الغربية التي قال إنها محتلة بالكامل من جانب إسرائيل.

وأضاف البرغوثي -خلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"- أن إستراتيجية الاحتلال باتت واضحة بشكل كامل؛ حيث يحاول بنيامين نتنياهو وحكومته الفاشية نقل الحرب في قطاع غزة إلى الضفة الغربية؛ فباتوا يقصفون الفلسطينيين فيها -وخصوصا في المخيمات- بالطائرات والمسيّرات.

وأشار إلى أن ما يقوم به الاحتلال ضد الفلسطينيين في مخيمات الضفة يتزامن مع عمليات قتل يقوم بها المستوطنون لتوسيع الاستيطان بشكل خطير ومتنوع بما فيه الاستيطان الرعوي من خلال نشر مستوطنين مع الأغنام للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض.

ويرى البرغوثي أن إسرائيل تحاول اجتثاث المقاومة واقتلاع الفلسطينيين وتهويد الدولة وتهجير سكان غزة والضفة معا خلال هذه الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة بشكل كامل.

الضفة تختلف عن غزة

في المقابل، يقول كبير الباحثين في معهد صوفان للدراسات الإستراتيجية والأمن الدولي كينيث كوتزمان، إن واشنطن تحاول حل الأزمة في غزة بطريقة تختلف عن تلك التي تتعامل بها مع الضفة "التي تعيش حالة اضطراب مصاحبة للحرب في غزة ويمكن احتواؤها في حال توقف القتال".

وقال كوتزمان إن الضفة فيها سلطة شرعية تتعاون مع إسرائيل، وإن العنف الحاصل حاليا فيها سببه الرئيسي هو الحرب في غزة "التي تحاول إدارة جو بايدن استثناءها من السباق الانتخابي ومن السياسة الخارجية الأميركية التي تقوم على إقرار السلام في الشرق الأوسط".

بيد أن المشكلة -كما يقول المتحدث- هي أن إدارة بايدن "تتفق تماما مع نتنياهو في ضرورة اجتثاث حماس تماما، بحيث تكون الحرب الحالية هي الأخيرة وتتولى بعدها وجوه جديدة حكم القطاع".

لكن البرغوثي يرد على هذا الطرح بقوله إن السلطة الفلسطينية لا تسيطر على أي شيء بالضفة بدليل أن كل عمليات الجيش الإسرائيلي تتم في المنطقة (أ) التي يفترض أنها خاضعة لها بموجب اتفاقية أوسلو.

وقال البرغوثي إن الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان سلطة عملية في غزة ولا تقبلان بأي حكومة وطنية بدليل أنها لم تقبلا بالديمقراطية عندما جاءت بحماس إلى السلطة عام 2006 وتسببتا في إسقاط الحكومة الوطنية التي كانت تضم كل المكونات الفلسطينية.

وفي حين يقول البرغوثي إن اتفاق أوسلو أصبح ميتا لأن إسرائيل لم تنفذ حرفا منه، يقول كوتزمان إن الاتفاق قابل للتنفيذ في حال تم القضاء على حماس وأصبحت السلطة هي الممثل الوحيد للفلسطينيين.

وأضاف أن "الرئيس محمود عباس لا ينتهج العنف وبالتالي يمكنه إيجاد حالة من الهدوء رغم أنه ليس مثاليا ويرفض إجراء انتخابات منذ 20 عاما فضلا عن أنه محاط بشبهات فساد"، حسب قوله.

لكن البرغوثي رد بأن الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي وقّع اتفاق أوسلو "لم يأخذ شيئا وقد سمموه عندما رفض التنازل عن القدس والمسجد الأقصى، كما أن واشنطن التي تتحدث عن فساد عباس لا تتحدث عن فساد نتنياهو الذي يواصل الحرب هربا من السجن".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی غزة

إقرأ أيضاً:

بلا عقاب.. كيف استولى المتطرفون على إسرائيل؟ تقرير أمريكي

تحت هذا العنوان، نشرت "نيويورك تايمز مغازين" في 16/5/2024 تقريرا مفصلا من ثلاثة أجزاء عن حركة الاستيطان في الضفة الغربية، يروي قصة انتقال أيديولوجية راديكالية من الأطراف إلى قلب السلطة السياسية الإسرائيلية، ويوثق نظام العدالة غير المتكافئ الذي نما حول المستوطنات في الضفة الغربية، ويوضح كيف تم استهداف الفلسطينيين على يد هؤلاء المتطرفين، ويبين كيف سيطروا على إسرائيل نفسها. نعم، قامت إسرائيل على التطرف في كل شئ؛ لكن التطرف الذي يتناوله التقرير هو أخطر أنواع التطرف، وأشدها إجراما.

وقد أعد التقرير اثنان من أبرز المراسلين المتخصصين في الشأن الإسرائيلي، هما:

ـ رونين بيرغمان: يتخذ من تل أبيب مقرًا له، ومن أحدث إصداراته كتاب "انهض واقتل أولا: التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية".

ـ مارك مازيتي: مراسل استقصائي يقيم في واشنطن العاصمة، ومتخصص في الأمن القومي والاستخبارات والشؤون الخارجية.

تطلب إعداد التقرير أجراء مقابلات على مدى سنوات مع أكثر من مائة مسؤول إسرائيلي، من السابقين أو الحاليين، وأربعة رؤساء وزراء سابقين. وتطلب أيضا استعراض وثائق حكومية سرية وتقارير تكشف كيفية أفلتت حركات الاستيطان المتطرفة من العقاب. ونقدم في هذا المقال عرضا موجزا لهذا التقرير المهم، خصوصا وأن الأوضاع في الضفة والقطاع معرضة للاشتعال بعد وعد ترامب البلفوري الجديد:

التمرد على القانون هو القانون       

خمسون عامًا من الفشل في وقف عنف وإرهاب متطرفي المستوطنين ضد الفلسطينيين، والسبب أن تمردهم على القانون أصبح هو القانون نفسه. هذا العنف موثق جيدًا؛ لكن حماية الأشخاص الذين يمارسونه هو السر المظلم للعدالة الإسرائيلية، ويمثل تاريخا من الصمت أو التحريض من المسؤولين الإسرائيليين الذين يرون أن المقاومة الفلسطينية هي الأكثر تهديدًا لإسرائيل.

من حركة قومية إجرامية إلى تيار رئيسي

كشفت المقابلات التي أجراها الكاتبان وتقارير لجان التحقيق التي حصلا عليها عن تاريخ طويل من الجريمة، قال عنه العديد من المسؤولين: "إنه لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل يهدد إسرائيل نفسها". وقدم العديد منهم سردا تاريخيا لحركة قومية إجرامية، سُمح لها بالعمل مع الإفلات من العقاب، لتصبح تدريجياً التيار الرئيسي للمجتمع الإسرائيلي.

المتطرفون والدولة كيان واحد

تكشف هذه المقابلات والوثائق السرية عن وجود حكومة في حالة حرب مع نفسها. تصف إحدى الوثائق اجتماعًا في مارس آذار 2024، قدم فيه رئيس القيادة المركزية الإسرائيلية المسؤولة عن الضفة الغربية، سردا باهتا للجهود التي بذلها سموتريش لتقويض إنفاذ القانون في الأراضي المحتلة، وكيف تضاءلت بسببه جهود تضييق الخناق على بناء المستوطنات غير القانونية. وقد استغل المستوطنون حرب غزة لتطهير أجزاء من الضفة الغربية من الفلسطينيين مدعومين بالتجاهل الكاسح وغير المسبوق للدولة، وموافقتها الضمنية على عمليات النقل الجماعي. وبعد خمسين عامًا من الإفلات من العقاب، أصبح المستوطنون العنيفون والدولة في كثير من الأحيان كيانًا واحدًا. يقول عامي أيالون، الرئيس الأسبق للشين بيت: "إن الحكومة ورئيس الوزراء يعطون الانطباع للشاباك بأن مقتل يهودي أمر مروع؛ أما قتل عربي ليس جيدًا، إلا أنه ليس نهاية العالم".

خمسون عامًا من الفشل في وقف عنف وإرهاب متطرفي المستوطنين ضد الفلسطينيين، والسبب أن تمردهم على القانون أصبح هو القانون نفسه. هذا العنف موثق جيدًا؛ لكن حماية الأشخاص الذين يمارسونه هو السر المظلم للعدالة الإسرائيلية، ويمثل تاريخا من الصمت أو التحريض من المسؤولين الإسرائيليين الذين يرون أن المقاومة الفلسطينية هي الأكثر تهديدًا لإسرائيل.وقال الجنرال الأمريكي مارك شوارتز، الذي أشرف على دعم التعاون بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية: "إن التاريخ الطويل لجرائم المستوطنين والعمليات الإسرائيلية القاسية في الضفة الغربية يعكس غياب المساءلة، ويؤدي إلى تآكل الثقة، ويهدد استقرار وأمن إسرائيل والأراضي الفلسطينية".

أوسلو وإرهاب الدولة والمستوطنين

أدت أوسلو إلى نشوء نظام قانوني معقد وغامض في الأراضي المحتلة، وهو في صميمه نظامان منفصلان وغير متساويين للعدالة: واحد لليهود، وآخر للفلسطينيين. وبمقتضى هذا النظام، خضع الفلسطينيون لقانون عسكري يمنح الجيش والشاباك سلطات واسعة، ويُحاكمون أمام محاكم عسكرية لا مدنية. ويُصنف معظم العنف ضد اليهود كهجوم إرهابي مما سمح للجماعات المتطرفة بالعمل دون عواقب، وأوجد حماية لهم. والآن، يقود بعض هؤلاء الأشخاص إسرائيل، فقد استعاد بنيامين نتنياهو السلطة بتشكيل تحالف مع قادة متطرفين من حزب الصهيونية الدينية وحزب القوة اليهودية، مما أدى إلى تمكين شخصيات متطرفة جدًا من الوصول إلى السلطة مثل سموتريش و بن غفير، الذين قضوا عقودًا يتعهدون بالاستيلاء على الضفة الغربية وغزة. وقبل يوم من أداء اليمين الدستورية للحكومة الجديدة، أكد نتنياهو الأيديولوجية القومية لحلفائه، معلنًا أن "لليهود حق حصري وغير قابل للتصرف في كل أرض إسرائيل".

ميلاد حركة غوش إيمونيم

نتيجة انتصارها في حرب 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية، وقطاع غزة، وسيناء، والجولان، والقدس الشرقية. وواجهت حينها خيارًا صعبًا: هل تضم الأراضي الجديدة؟ أم تتفاوض عليها كجزء من دولة فلسطينية مستقبلية؟ لكن الإجابة كانت واضحة لدى مجموعة من الشباب الإسرائيلي الذين أسسوا حركة دينية سياسية "غوش إيمونيم" أو "كتلة المؤمنين" لاستيطان الأراضي المحتلة، والتي يعتقد أعضاؤها أنهم يمكن أن يُسرّعوا من مجيء المسيح إذا استوطنوا الأراضي المحتلة. ويرون أن هذه الأراضي جزء من "إسرائيل الكبرى"، وأنهم ينفذون مشيئة الله لخلق ما أسماه بعضهم "حقائق على الأرض". وهذا يضعهم في صراع مع الفلسطينيين، وعلى الأقل مع السلطات الإسرائيلية المسؤولة عن منع انتشار المستوطنات غير القانونية. يقول كارمي جيلون، مدير الشاباك في منتصف التسعينات: "عندما أدركنا أن غوش إيمونيم تتمتع بدعم العديد من السياسيين، علمنا أنه لا يجب أن نتدخل".

مترو الأنفاق اليهودي

في عام 1977، وصل حزب الليكود برئاسة مناحيم بيغين إلى الحكم، الذي سعى إلى تقنين الاستيلاء على الأراضي الفلسطينيية، بما يسمح للمستوطنات بالتوسع بدعم كامل من الدولة. وهو ما فعلته وزارة العدل الإسرائيلية، التي قدمت له تفسيرا أدى إلى إنشاء أكثر من 100 مستوطنة يهودية جديدة، سمتها كاتبة التفسير "أطفالي".

وفي الوقت نفسه، عقد بيغين مع السادات اتفاقية كامب ديفيد التي انسحب بموجبها من سيناء، ووعد بحكم ذاتي أكبر للفلسطينيين في الأراضي المحتلة مقابل علاقات طبيعية مع إسرائيل. لكن غوش إيمونيم وجماعات يمينية أخرى رفضوا كامب ديفيد. ومن هذا البئر من الغضب نشأت حملة جديدة من الترهيب. وأنشأت الحركة فرعًا عسكريًا يسمى "مترو الأنفاق اليهودي" الذي قام في 1980 بعدة عمليات بسيارات مفخخة ضد قيادات فلسطينية، نتج عنها بتر ساقي بسام الشكعة رئيس بلدية نابلس، وبتر قدم كريم خلف رئيس بلدية رام الله. وأشاد الحاخام المتطرف كاهانا بهذه العمليات، وكان قد قال قبلها في مؤتمر صحفي: "يجب على الحكومة الإسرائيلية تشكيل جماعة إرهابية يهودية لإلقاء القنابل على العرب لقتلهم". وأيد هذه العمليات أيضا الحاخام حاييم دوركان زعيم الحركة وعضو الكنيست. وعلق عليها الجنرال بنيامين بن إليعازر، القائد العسكري للضفة الغربية، فقال:  "إنه لأمر مخز أنهم لم يضربوهم أعلى قليلاً".

التقرير المدفون

مع انتشار العنف، أرسلت مجموعة من الأساتذة في جامعة تل أبيب والجامعة العبرية في القدس رسالة إلى المدعي العام الإسرائيلي، عبروا فيها عن قلقهم من النشاط غير القانوني ضد الفلسطينيين، والتواطؤ المحتمل بين المستوطنين والسلطات.

رأى المدعى العام في الرسالة أن من شأنها أن تدحض ادعاء الحكومة الإسرائيلية بأن القانون يتم تطبيقه على قدم المساواة، ويمكن أن تصبح فضيحة محلية وفضيحة دولية، فكلف نائبته "جوديث كارب" بقيادة لجنة تحقيق. تقول كارب: "سرعان ما أصبح واضحًا لي أن ما تم وصفه في الرسالة لم يكن شيئًا مقارنة بالواقع الفعلي على الأرض. وكانت الشرطة تتعاون مع المخربين المستوطنين في كل أعمالهم، وفعلوا كل ما في وسعهم لردع الفلسطينيين حتى عن تقديم الشكاوى".

وفي مايو آيار 1982، قدمت كارب ولجنتها تقريرًا حددت فيه أن عشرات الجرائم لم يتم التحقيق فيها بشكل كافٍ. ولاحظت اللجنة أيضا أن الشرطة زودتهم بمعلومات غير كاملة ومتناقضة وزائفة جزئيا. وخلُصت إلى أن ما يقرب من نصف التحقيقات التي فُتحت ضد المستوطنين أُغلقت دون أن تُجري الشرطة حتى تحقيقا مبدئيا. وفي الحالات القليلة التي تم التحقيق فيها، وجدت اللجنة عيوبًا عميقة. وبدلا من أن يتم التحقيق في وقائع التقرير، دعا وزير الداخلية يوسف بورج كاتبة التقرير إلى منزله، ووبخها بلغة قاسية.

خطة لتفجير مسجد قبة الصخرة

في أبريل نيسان 1984، أحبط الشين بيت خطة يهودية لتفجير خمس حافلات مليئة بالفلسطينيين، واعتقل حوالي عشرين من أعضاء "مترو الأنفاق اليهودي" الذين ارتكبوا أيضا عمليات الهجوم على الكلية الإسلامية وتفجيرات رؤساء البلديات الفلسطينية عام 1980. وبعد أسابيع من استجواب المشتبه بهم، علم "شين بيت" أن مترو الأنفاق اليهودي كان يطور مخططًا لتفجير مسجد قبة الصخرة. وقد تضمن التخطيط عشرات الرحلات إلى المسجد الأقصى لجمع المعلومات الاستخباراتية، وتقدير كمية المتفجرات، ومكان وضعها. لم يكن الهدف أقل من جر الشرق الأوسط بأكمله إلى حرب، والتي اعتبرها مترو الأنفاق اليهودي شرطًا مسبقًا لمجيء المسيح؛ لكنه تخلى عن تنفيذها "لأن الشعب اليهودي لم يكن مستعدًا بعد".

أناس طيبون يستحقون العفو!!

عندما تم تقديم أعضاء المترو اليهودي للمحاكمة عام 1984، أُدينوا، وصدرت ضدهم أحكام تتراوح من الحبس بضعة أشهر إلى السجن مدى الحياة. ومع ذلك، أبدوا قليلًا من الندم، وجرت حملة عامة للعفو عنهم، ووصفهم وزير الخارجية إسحاق شامير بأنهم أناس ممتازون وطيبون أخطأوا في طريقهم وأفعالهم، واقترح أن الرأفة قد تمنع تكرار الإرهاب اليهودي. وفي نهاية المطاف، وقع رئيس إسرائيل حاييم هرتسوغ قرارات العفو والتخفيف للمتآمرين. وتم إطلاق سراحهم، واستقبلهم مجتمع المستوطنين كأبطال، وتقلد بعضهم مناصب بارزة في الحكومة ووسائل الإعلام الإسرائيلية. وفعليًا، حصل معظم اليهود المتورطين في الهجمات الإرهابية ضد العرب على مدى العقود الماضية على تخفيضات كبيرة في مدة السجن.

كل شئ يبدأ من الشارع

قال عامي أيالون رئيس الشاباك: "يجب أن تفهم سبب أهمية كل هذا. نحن لا نتحدث عن الإرهاب اليهودي؛ لكننا نتحدث عن فشل إسرائيل. فالشاباك رغم امتلاكه للمعلومات الاستخباراتة لا يتخذ أي إجراء!!"، لأنه كما قال إيالون: "يجد المجتمع القانوني صعوبة بالغة في مواجهة المجتمع السياسي الذي يحظى بدعم الشارع. وهكذا، يبدأ كل شيء مع الشارع".

غالبية المتطرفين مجانين

في عام 1987، اندلعت الانتفاضة الأولى. وانتشرت حركة غوش إيمونيم، وتم استجواب زعيمها عدة مرات للاشتباه في دوره في عدة هجمات عنيفة، وأخبر أحد العملاء الشاباك أنهم لم يروا سوى جزء بسيط من الصورة بأكملها. وقال: "غالبية النشطاء كانوا مجانين، ومن الصعب للغاية التأكد من أنهم لن يستهدفوا الفلسطينيين، وأنهم لن يؤذوا سوى الممتلكات". وفي سبتمبر 1988، قتل زعيم الحركة، صاحب متجر عربي، وأصاب آخر بحجة الدفاع عن النفس، وقال في المحاكمة: "لم يكن لي شرف قتل العرب". وقد أُدين بارتكاب جريمة قتل، وحُكم عليه بالسجن خمسة أشهر، وأُفرج عنه بعد ثلاثة أشهر فقط.

مذبحة باروخ جولدشتاين

باروخ جولدشتاين طبيب يهودي أمريكي من أتباع مئير كاهانا رئيس رابطة الدفاع اليهودية. في عام 1983 هاجر إلى إسرائيل، حيث عمل في الجيش، ثم كطبيب طوارئ في مستوطنة كريات أربع بالقرب من الخليل. وفي 25 فبراير شباط 1994، في فجر أحد أيام شهر رمضان، حمل جولدشتاين بندقيته، وتوجه إلى المسجد الإبراهيمي في الخليل، وأطلق 108 طلقات قبل أن يتم جره إلى أسفل وضربه حتى الموت. أسفرت المجزرة عن مقتل 29 من المصلين المسلمين وإصابة أكثر من 100. وأصبح قبر جولدشتاين مكانًا دائمًا لحج اليهود الذين أرادوا الاحتفال بـ "القديس الذي مات من أجل إسرائيل بأيد نظيفة وقلب نقي"!!.

بن غفير ولعنة الموت

كان أحد المستوطنين المتطرفين الذي يذهب بانتظام إلى قبر جولدشتاين هو مراهق متطرف يُدعى إيتمار بن غفير، والذي كان يجمع أحيانًا أتباعًا آخرين للاحتفال بالقاتل المقتول. وفي إحدى المناسبات، التي تم التقاطها بالفيديو، ارتدى بن غفير زي جولدشتاين. ولأفعاله هذه، استجوبه المحققون عدة مرات، ورفض الجيش تجنيده.

الكاهانيون وقتل رابين

بعد مذبحة جولدشتاين، وجه الكاهانيون غضبهم مباشرة إلى رابين لتوقيعه على اتفاقية أوسلو. وبدأ الشاباك في إصدار نوع جديد من التحذير: "لم يعد الإرهابيون اليهود يهددون العرب فقط؛ لقد هددوا اليهود". وأشارت التحذيرات إلى أن الحاخامات في مستوطنات الضفة الغربية، إلى جانب بعض السياسيين من اليمين، يدعون الآن علانية إلى العنف ضد المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين، وخاصة رابين. وفرض الحاخامات المتطرفون لعنة الموت على رابين، وقدموا تبريرًا لقتله. وكان كارمي جيلون رئيس الشاباك قلقا بشكل خاص من نتنياهو وشارون، اللذين كانا يؤججان غضب الحاخامات اليمينيين وزعماء المستوطنين في معاركهم مع رابين. وقد أراد الشاباك محاكمة الحاخامات الذين وافقوا على أحكام الإعدام ذات الدوافع الدينية ضد رابين؛ لكن مكتب المدعي العام رفض محاكمتهم.

وفي أكتوبر تشرين الأول 1995، تحدث بن غفير إلى كاميرات التلفزيون الإسرائيلية، وتفاخر بتحطيم السيارة الرسمية لرئيس الوزراء خلال مظاهرات فوضوية مناهضة لأوسلو أمام الكنيست، وقال: "وصلنا إلى سيارته، وسنصل إليه أيضًا". وهذا ما تحقق، ففي الشهر التالي، قُتل رابين.

تقرير تاليا ساسون

أثناء الانتفاضة الثانية، وفي 2001، تولى شارون رئاسة الوزراء. وبدا أن صعوده يمثل انتصارًا للمستوطنين. لكنه في 2003، وفي واحدة من أكثر الانعكاسات إثارة للدهشة في التاريخ السياسي الإسرائيلي، أعلن فك ارتباط إسرائيل عن غزة، مع إبعاد المستوطنين - بالقوة إذا لزم الأمر - على مدى العامين التاليين.

وفي يوليو تموز 2004، وبعد ضغط من جورج بوش الابن، طلب شارون من تاليا ساسون، رئيسة شعبة المهام الخاصة في مكتب المدعي العام، صياغة رأي قانوني حول موضوع البؤر الاستيطانية غير المصرح بها في الضفة الغربية. وقالت ساسون في مقابلة بعد عقدين من الزمن: كان شارون يعرف ما هو الوضع على الأرض، وكان يتوقع استنتاجات خطيرة. لكن جهودها للعثور على إجابات على أسئلتها لصياغة هذا الرأي القانوني قوبلت بالتأخير والتجنب والأكاذيب الصريحة. واكتشفت ساسون أن الضفة تدار بقوانين خاصة، بدت لها مجنونة تمامًا. ولاحظ تقريرها أن من يدير وزارة البناء والإسكان ناشط سياسي تحدث في بداية حياته المهنية بصراحة عن طرد جميع العرب من الضفة الغربية، وبدأ في بناء تحالف مهني مع بنيامين نتنياهو، وكان له دور فعال في ضمان بقائه السياسي.

شارون وحلم الاستيطان

قالت ساسون في تقريرها: "إن الشبكة السرية لبناء المستوطنات غير المأذون بها تعمل بتمويل ضخم من دولة إسرائيل، دون شفافية أو معايير إلزامية". ولكن، لم يكن لتقريرها أي تأثير تقريبًا. حتى شارون، وجد نفسه عاجزًا عن مواجهة الآلة الموجودة لبناء وحماية وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. وأصبح شارون بقراره إزالة المستوطنات من غزة في أغسطس آب 2005، هو ثالث رئيس وزراء إسرائيلي يهدد حلم المستوطنين بإسرائيل الكبرى. وقد أثار ذلك معارضة قوية من المستوطنين ومن جزء متزايد من المؤسسة السياسية. أما نتنياهو، الذي صوت سابقًا لصالح الانسحاب، فقد استقال من منصبه كوزير للمالية في حكومة شارون احتجاجًا  على القرار وطمعا في الوصول إلى منصب رئيس الوزراء.

سموتريش ومحاولة تعطيل انسحاب شارون من غزة

في 2005، تلقى الشاباك معلومات استخبارية حول مؤامرة لإبطاء الانسحاب الإسرائيلي عبر تفجير المركبات على طريق سريع رئيسي، فتم اعتقال ستة مستوطنين، كان أحدهم سموتريتش. وتم استجوابه لأسابيع؛ لكنه طبقا لوصف أحد ضباط الشاباك، ظل "صامتًا طول الوقت مثل مجرم متمرس"، فأُطلق سراحه دون توجيه تهم إليه. ولم يؤحذ بتقرير تاليا ساسون، ودُفن كغيره من التقارير.

الكاهانيون الجدد

أدى صعود نتنياهو كرئيس وزراء يميني متطرف منذ 1996 إلى ظهور جيل جديد من الكاهانيين يتخذ موقفًا أكثر تطرفًا ضد السياسيين الإسرائيليين المعارضين أو غير الداعمين لهم، وضد فكرة الدولة الإسرائيلية الديمقراطية نفسها. وقد دافعت مجموعة تُعرف باسم "شباب التلال" عن فكرة تدمير الدولة الصهيونية بالكامل، وأحد قادتها مئير إيتينجر، حفيد  مئير كاهانا، الذي تبدو آراء جده معتدلة بالمقارنة معه. ويهدف هؤلاء المتطرفون إلى إقامة "حكم يهودي" يتضمن تعيين ملك، وبناء هيكل بدل المسجد الأقصى، وفرض نظام ديني على جميع اليهود. ويعتقد "شباب التلال" أن هذا هو الخلاص والضمان لمستقبل إسرائيل. وفي 2013، شكل إيتينجر وأعضاء من شباب التلال خلية سرية للتحريض على التمرد ضد حكومة تمنعهم من بناء الهيكل، وطرد العرب وإلا سيتم قتلهم دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال. وقد وثّق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 323 حادثة عنف قام بها مستوطنون ضد الفلسطينيين في 2014. وفي 31 يوليو تموز 2015، ألقى أحدهم زجاجة حارقة أدت إلى مقتل ريهام وسعد دوابشة وطفلهما الرضيع. وبحلول العام التالي، صعد المستوطنون دعوتهم العلنية لقتل العرب.

الولايات المتحدة والاستيطان

كان توسيع المستوطنات نقطة خلاف في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. وخلال رحلة قام بها بيغين إلى واشنطن عام 1982، جرى بين السناتور جوزيف بايدن وبيغين حديث غاضب عن الضفة الغربية، وأخبره أن إسرائيل تفقد الدعم في هذا البلد بسبب سياسة المستوطنات؛ لكن ذلك لم يكن إلا مجرد تنفيس شكلي عن غضبهم بشأن هذه القضية دون اتخاذ إجراءات أكثر قوة مثل تقييد المساعدات العسكرية لإسرائيل. وعلى شاكلة ما فعله بايدن مع بيغين، فقد حذر المسؤولون الأمريكيون نتنياهو مرارًا وتكرارًا في جلسات عامة وخاصة من دعمه للمستوطنات.

إن الأمر يستوجب تحركات عربية ودولية لمقاومة الاستيطان، وإنشاء حركة عالمية لمحاكمة هؤلاء المجرمين وحُماتهم من المسؤولين الإسرائيليين في المحاكم الدولية، وتنشيط حركة مقاطعة منتجات المستوطنات وتوسيع دائرتها، والسعي إلى إدراج حركات الاستيطان والشخصيات المؤثرة فيها على قائمة الإرهاب الدولي.ومع ذلك، جاء انتخاب دونالد ترامب في 2016 ليغير المعادلة. إذ قاد صهره جاريد كوشنير سياسة إدارته تجاه إسرائيل، والتي تتماشى مع أجندة نتنياهو الإقليمية فيما يتعلق بإيران، وتسهيل التطبيع مع الدول العربية، وترك القضية الفلسطينية دون حل. واختار ترامب ديفيد فريدمان سفيرا له في إسرائيل، وهو من لعب دورًا في إدارة منظمة أمريكية غير ربحية دعمت مستوطنة بيت إيل، واحدة من مستوطنات غوش إيمونيم في الضفة الغربية، والتي تلقت دعمًا أيضًا من عائلة ترامب لتمويل المدارس والمؤسسات داخل هذه المستوطنة. وأعلن فريدمان بعد توليه منصبه أن "المستوطنات جزء من إسرائيل".

من الهامش إلى صناعة الملوك

بحلول أوائل الثمانينيات، بدأت حركة المستوطنين تكتسب بعض الزخم داخل الكنيست؛ لكنها ظلت على هامش الحياة السياسية وبعيدة عن التيار السائد. وعندما اُنتخب كاهانا لعضوية الكنيست في 1984، كان أعضاء الأحزاب الأخرى، بمن فيهم الليكود، يعطونه ظهورهم ويغادرون القاعة عندما يقف لإلقاء الخطب. أما في نوفمبر تشرين الثاني 2022، فإن نتنياهو لكي يصبح يصبح رئيسًا للوزراء لولاية سادسة فقد دفع ثمنا غير مسبوق بتحالفه مع حزب القوة اليهودية بزعامة بن غفير وحزب الصهيونية الدينية بزعامة سموتريش، مما يجعلهما صانعي ملوك لأي شخص يحاول تشكيل حكومة ائتلافية. وقد أتى الرهان ثماره، وعاد نتنياهو إلى منصبه بدعم حاسم من اليمين المتطرف. ومن خلال هذا الترتيب، عيّن نتنياهو رجلين من أشد الشخصيات تطرفاً في مناصب عليا في الحكومة الإسرائيلية: بن غفير وزيراً للأمن القومي مع سلطة على الشرطة، وسموتريتش وزيراً للمالية ووزيراً في وزارة الدفاع، ومكلفاً بالإشراف على الشؤون المدنية في الضفة الغربية، مما جعل له سلطة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتعيين أحد كبار الشخصيات الإدارية للإشراف على بناء الطرق وإنفاذ قوانين البناء في الضفة الغربية.

الحرب هي الهدف

في نهاية أكتوبر تشرين الأول 2023، بعث قائد المنطقة المركزية برسالة إلى رئيس الأركان الإسرائيلية، قال فيها: "إن تزايد الإرهاب اليهودي، الذي جاء ردًا على هجمات السابع من أكتوبر تشرين الأول، قد يؤدي إلى اشتعال الأوضاع في الضفة الغربية"، مما يعني أن الحرب قد تكون الهدف الذي يسعى إليه المتطرفون اليهود، وهذا ما أكده إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الأسبق عندما قال: "اعتقد العديد من أعضاء الحكومة أن الانتفاضة هي الدليل الحاسم على أنه لا توجد طريقة لصنع السلام مع الفلسطينيين؛ وإنما توجد طريق واحدة فقط، وهي المضي قدمًا لتدميرهم".

في ضوء هذا التقرير الخطير، وما يقوم به بن غفير من تسليح للمستوطنين، وما يجري من أحداث في الضفة من أعمال قتل وهدم وتدمير للبنية التحتية في جنين وبعض أجزاء الضفة، وما صرح به سموتريش وبن غفير وغيرهما من ضرورة تهجير الفلسطينيين؛ فإن الأمر يستوجب تحركات عربية ودولية لمقاومة الاستيطان، وإنشاء حركة عالمية لمحاكمة هؤلاء المجرمين وحُماتهم من المسؤولين الإسرائيليين في المحاكم الدولية، وتنشيط حركة مقاطعة منتجات المستوطنات وتوسيع دائرتها، والسعي إلى إدراج حركات الاستيطان والشخصيات المؤثرة فيها على قائمة الإرهاب الدولي.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تتسلم شحنة القنابل التي أرسلها ترامب بعد تعليقها من بايدن
  • نتنياهو يرفض تنفيذ البروتوكول الإنساني وترامب يريد تغيير الاتفاق
  • محمد فايز فرحات: يوجد في إسرائيل من يريد إفشال اتفاق وقف إطلاق النار بغزة
  • ما هي وحدة "سابير" التي أنقذت إسرائيل من صواريخ إيران؟
  • أوكرانيا تستعيد جثث 757 جنديًا من ساحة المعركة
  • إغناطيوس: ترامب يريد صنع السلام ونتنياهو يريد الحرب مع إيران.. بيد من القرار؟
  • الأمم المتحدة: على إسرائيل إخلاء مستوطنات الضفة الغربية
  • بلا عقاب.. كيف استولى المتطرفون على إسرائيل؟ تقرير أمريكي
  • المخيمات الفلسطينية.. العقدة التي ظلت تؤرق الاحتلال وتحبط مخططاته
  • «سى إن إن»: الرئيس الأمريكى يريد أن تلعب الصين دورًا فى السلام بين أوكرانيا وروسيا