جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-13@21:38:16 GMT

الصبر في زمن الثروات!

تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT

الصبر في زمن الثروات!

 

أحمد بن محمد العامري

ahmedalameri@live.com

"الصبر على المكاره أسهل من الصبر على النعم".

الصبر هو إحدى الفضائل الإنسانية الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها في أي مجتمع يسعى إلى تحقيق التوازن والاستقرار، إلّا أن الصبر لا يُختبر فقط في أوقات الشدة، بل يُختبر أيضًا في أوقات النعم والرخاء.

في واقعنا العربي المعاصر؛ حيث تتوافر الثروات والموارد بشكل غير مسبوق، نجد أن الصبر على النعم أصبح تحديًا حقيقيًا؛ بل يمكن القول إنه أصعب بكثير من الصبر على المكاره.

في القرآن الكريم، نجد نموذجًا عظيمًا للصبر على المكاره في قصة سيدنا أيوب عليه السلام. أيوب عليه السلام كان يعيش حياة مليئة بالنعيم، ولكنه ابتُلي بفقدان ماله وأهله وصحته. ورغم تلك الابتلاءات الشديدة، لم يتزعزع إيمانه أو يصبه اليأس. كان أيوب صابرًا على المكاره بطريقة تبعث على الدهشة والإعجاب، إذ لم يكن صبره مجرد تحمّل للآلام، بل كان تسليمًا كاملًا لإرادة الله وثقة في حكمته.

هذا النوع من الصبر يُظهر القوة الروحية العظيمة التي يمكن أن يتمتع بها الإنسان المؤمن، الذي يدرك أن البلاء ما هو إلّا جزء من اختبار الله لعباده، وأن النجاة من هذا الابتلاء تكمن في الصبر والاحتساب.

وعلى النقيض، نجد أن الصبر على النعم هو تحدٍّ من نوع آخر، يتجلى في قصة سيدنا سليمان عليه السلام. سليمان عليه السلام كان ملكًا عظيمًا، منحه الله ملكًا لم يُمنح لملكٍ من قبله ولا من بعده، مع قدرة على التحكم في الجن والإنس والطيور. هذه النعم الكبيرة كانت اختبارًا لصبره وشكره لله، وليس فقط في قدرته على التحمل كما في حالة أيوب.

سليمان عليه السلام أظهر نوعًا مميزًا من الصبر؛ وهو الصبر على عدم الانجراف وراء مغريات السلطة والثروة. بدلًا من استغلال هذه النعم في تحقيق مصالح شخصية أو زيادة سلطته، استخدمها لتحقيق العدالة ونشر الخير بين الناس. كان سليمان يعلم أن النعم هي اختبار من الله، وأن استخدامها بطريقة صحيحة هو شكل من أشكال الصبر الذي يستحق عليه الشكر.

اليوم، في ظل الثروات الهائلة التي تملكها بعض الدول العربية، نجد أن اختبار الصبر على النعم بات أشد وضوحًا وأهمية. بعض القادة العرب لم يتمكنوا من الصمود أمام هذا الاختبار، فبدلًا من استثمار هذه الثروات في البناء اختاروا مسارًا مختلفًا تمامًا. بعضهم أنفق هذه الثروات على النزاعات الداخلية والخارجية، وعلى مشاريع تدمير دول عربية أخرى، بدلًا من تعزيز الوحدة والتنمية.

هذه السياسات التي تعكس ضعفًا في الصبر على النعم، أدت إلى تدمير الأوطان وتشريد الملايين من الناس، وبدلًا من أن تكون هذه الثروات نعمة، تحولت إلى نقمة على العرب.

من قصتي أيوب وسليمان عليهما السلام، يمكن استخلاص دروس ثمينة حول كيفية التعامل مع النعم والمكاره. القادة الذين يتمتعون بثروات وسلطات كبيرة عليهم أن يدركوا أن هذه النعم هي اختبار لهم، وأنهم مسؤولون أمام الله وأمام شعوبهم عن كيفية استخدامها. الصبر في هذه الحالة لا يعني فقط تحمّل المسؤولية؛ بل يشمل أيضًا التواضع والشكر، واستثمار الموارد في تحقيق الخير والعدل.

على الشعوب أيضًا أن تعي أهمية الصبر على المكاره، وأن تتوحد في مواجهة التحديات، وأن تعمل على تعزيز قيم الشكر والصبر على النعم، حتى لا تتحول إلى نقمة. يجب أن تكون هناك رقابة مستمرة على الحكومات للتأكد من أن الثروات تُستخدم في خدمة الشعب، وليس في تحقيق مصالح شخصية أو في تغذية الصراعات.

إنَّ الصبر في زمن الثروات ليس مجرد فضيلة؛ بل هو ضرورة لتحقيق نهضة حقيقية. وفي عالم مليء بالتحديات والمغريات، يصبح الصبر على النعم اختبارًا حقيقيًا لإيمان القادة والشعوب. وعلى القادة والزعماء أن يدركوا أن النعم التي يمتلكونها هي أمانة من الله، وأنهم سيُسألون عنها يوم القيامة. وعليهم أن يستخدموا هذه النعم بحكمة لتحقيق التنمية والرخاء، بدلًا من تدمير الأوطان وزرع الفتن. بهذه الطريقة فقط يمكن تحقيق نهضة حقيقية في عالمنا، تُبنى على أسس الصبر، والشكر، والعدل.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ميلاد الرحمة والإصلاح

مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ميلاد الرحمة والإصلاح، في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام هجري، يحتفل المسلمون بذكرى ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جاء ليكون رحمة للعالمين ومصلحًا للبشرية. 

تعتبر هذه المناسبة فرصة للتفكر في الأثر العميق الذي أحدثته رسالة النبي في تغيير المفاهيم الاجتماعية والدينية، وإلهام الأجيال بالقيم الإنسانية الرفيعة.

 ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل كان بداية لمرحلة جديدة من الإصلاح والرقي الروحي، والذي استمر ليشكل حياة الملايين حول العالم.

الخلفية التاريخية لميلاد النبي

عاش العرب في فترة قبل الإسلام في مجتمع متسم بالجهل والتخلف، حيث كانت سائدة قيم الظلم والتمييز والجاهلية. 

مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ميلاد الرحمة والإصلاح

جاء ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا السياق، ليكون شعاعًا من النور يضيء طريق البشرية نحو الهدى.

 كان ميلاده في مكة المكرمة، التي كانت تعتبر مركزًا هامًا للعبادة والأنشطة التجارية في ذلك الوقت، لكن تعاليم النبي أحدثت تحولًا جوهريًا في كل جوانب الحياة.

 رسالة النبي وأثرها على المجتمع

حملت رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعوة للتوحيد، وإصلاح الأخلاق، وتعزيز قيم العدالة والمساواة. 

من خلال تعاليمه، تعلم المسلمون كيف يتعاملون مع الآخرين برحمة وكرم، وأصبحت هذه القيم أساسًا لبناء مجتمع أكثر تسامحًا وإنسانية. 

كانت الرسالة النبوية شاملة، تضمنت توجيهات حول حقوق الأفراد، وسبل التعامل مع الفقر، وأهمية العدالة الاجتماعية.

المولد النبوي الشريف  كيفية إحياء ذكرى مولد النبي

في ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يقوم المسلمون بعدة أنشطة تعبيرًا عن محبتهم للنبي وتقديرهم لرسالته. تشمل هذه الأنشطة:

مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ميلاد الرحمة والإصلاح

- **إقامة المحاضرات والمجالس الدينية**: حيث يتم تلاوة القرآن الكريم وذكر سيرة النبي وأخلاقه.
- **الاحتفالات المجتمعية**: مثل إنشاد الأناشيد والمدائح النبوية التي تمجد النبي وتعزز من قيمه.
- **الأعمال الخيرية**: تقديم الطعام والمساعدات للفقراء والمحتاجين، تجسيدًا لمبادئ العطاء والرحمة التي دعا إليها النبي.

أهمية التأمل في سيرته

تُعد سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مصدر إلهام للمسلمين في حياتهم اليومية، حيث توفر دروسًا قيمة حول كيفية التصرف بإنسانية وأخلاق عالية.

 من خلال التأمل في حياته وتعاليمه، يمكن للأفراد والمجتمعات أن يتعلموا كيفية التغلب على التحديات، وتعزيز قيم التعاون والتسامح، والعمل نحو تحقيق العدالة.

مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم: إشراقة الأمل في تاريخ الإنسانية

ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو ذكرى تتجاوز كونها حدثًا تاريخيًا لتصبح رمزًا للإصلاح والرحمة التي غيّرت وجه البشرية.

 من خلال إحياء هذه المناسبة، يتجدد في النفوس الإيمان بقيم النبي وتعاليمه، ويُعزز التزام المجتمع بالمبادئ الإنسانية الرفيعة التي حملها. 

إن الاحتفال بمولد النبي هو تذكير دائم بأهمية العمل على تحقيق السلام، والعدل، والرحمة في حياتنا اليومية.

مقالات مشابهة

  • الفنان أيوب طارش يواجه انتقادات واسعة بعد قرار صادم يخص النشيد الوطني والأغاني الوطنية
  • فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
  • أحمد عمر هاشم: حظيت برؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام
  • فضائل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ميلاد الرحمة والإصلاح
  • دعاء الستر كما رود عن النبي «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة»
  • خريس: المرحلة الراهنة خطيرة ودقيقة وتستدعي المزيد من الصبر والوحدة الوطنية
  • أبرز الفعاليات التي تُقام في الدول المختلفة للاحتفال بمولد النبي عليه السلام
  • طقوس وممارسات الاحتفال بمولد النبي عليه السلام
  • الثورة الرقمية في إدارة الثروات: طريق البنوك نحو التوسع والربحية