تونس- اعتبر مراقبون أن قبول المحكمة الإدارية في تونس طعن المرشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة عبد اللطيف المكي في قرار هيئة الانتخابات التي رفضت أوليا قبول ملفه، مؤشرا إيجابيا لعودته للسباق الانتخابي مع مرشحين آخرين لتحقيق منافسة جدية مع الرئيس قيس سعيد.

وقد أعلن اليوم الناطق باسم المحكمة الإدارية فيصل بوقرة عن قبول المحكمة الإدارية في طور الاستئناف طعن المرشح للانتخابات الرئاسية عبد اللطيف المكي شكلا وأصلا، ناقضة بذلك قرار هيئة الانتخابات التي كانت قد ألغت ترشحه بحجة عدم استيفاء الشروط اللازمة.

ومن أصل 17 ترشحا كانت هيئة الانتخابات قد أسقطت 14 ترشحا وأبقت على 3 مرشحين فقط وهم الأمين العام المستقيل من حركة "عازمون" العياشي الزمال والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي والرئيس الحالي قيس سعيد الذي يسعى لولاية ثانية من 5 سنوات.

وتصاعدت أصوات المعارضة للاحتجاج على هيئة الانتخابات بدعوى أنها ارتكبت خروقات قانونية فادحة للتضييق على المرشحين وإقصائهم بشروط تعجيزية أو لأتفه الأسباب نزولا عند رغبة الرئيس قيس سعيد وتعبيدا للطريق له للاستمرار بالتفرد بالسلطة، وفق قولهم.

وعقب قبول المحكمة الإدارية اليوم الطعن المقدم من المرشح عبد اللطيف المكي أصبح نظريا الأخير في حلبة السباق الانتخابي في انتظار صدور بقية قرارات المحكمة الإدارية الخميس المقبل الخاصة بالمرشحين منذر الزنادي وعبير موسي وعماد الدائمي والبشير العواني.

#عاجل | مصادر للجزيرة: المحكمة الإدارية بتونس تنقض قرار هيئة الانتخابات وتقبل ترشح عبد اللطيف المكي لانتخابات الرئاسة pic.twitter.com/w37tFFJigL

— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 27, 2024

ترحيب بالقرار

ورحبت أطراف معارضة وحقوقية اليوم بقرار المحكمة الإدارية معتبرة أنه يعطي جرعة أمل في دفاع القضاء الإداري عن استقلالية القضاء في وجه ضغوط السلطة الحاكمة، في الوقت الذي تنتقد فيه المعارضة الرئيس سعيد بالتدخل في القضاء وتخويف القضاة بعزلهم.

ويقول أحمد النفاتي رئيس الحملة الانتخابية للمرشح عبد اللطيف المكي إن المحكمة الإدارية أنصفت المكي بإعادته للسباق الانتخابي بعدما كانت هيئة الانتخابات رفضت ترشحه بحجة عدم استيفاء شرط جمع التزكيات، مؤكدا أن حكم المحكمة أصبح باتا وغير قابل للطعن.

النفاتي يوضح للجزيرة نت أن هيئة الانتخابات تعسفت على المرشح عبد اللطيف المكي برفض ترشحه بعد إلغاء مئات التزكيات الشعبية التي جمعها من أنصاره، لافتا إلى أن 8 قضاة من المحكمة الإدارية تنقلوا إلى مقر هيئة الانتخابات وتثبتوا من صحة التزكيات.

من جانبه، يقول المحامي والناشط الحقوقي العياشي الهمامي للجزيرة نت إن قرار المحكمة الإدارية بإنصاف المرشح للرئاسية عبد اللطيف المكي ليس مفاجئا لأن ملف ترشحه جدير بالقبول، معتبرا أن رفض ترشحه في البداية من قبل هيئة الانتخابات فيه تعسف ظالم.

ويؤكد أن قرار المحكمة الإدارية اليوم بقبول طعن المرشح عبد اللطيف المكي هو نهائي وباتّ ولا يقبل أي وجه من أوجه الطعن، قائلا "ليس الآن على هيئة الانتخابات إذا أرادت احترام القانون إلا أن تعيد إدراج عبد اللطيف المكي ضمن المرشحين في القائمة النهائية".

مؤشر إيجابي

ووفق القانون الانتخابي يتعين على هيئة الانتخابات أن تصدر القائمة النهائية للمترشحين بعد انتهاء آجال الطعون لدى المحكمة الإدارية، وفق الهمامي. ومن المنتظر أن تصدر هيئة الانتخابات في الرابع من سبتمبر/أيلول المقبل القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات.

ويرى الهمامي أن قرار المحكمة الإدارية بإرجاع عبد اللطيف المكي لسباق الانتخابات مؤشر إيجابي يعطي جرعة أمل للتونسيين للذهاب والمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل رغم المناخ المتسم بالتضييق على خصوم الرئيس.

ويرى الهمامي أن عبد اللطيف المكي مرشح يمتلك خزانا انتخابيا واسعا باعتبار أنه يمثل ما يسمى في تونس بالتيار المحافظ الذي يشمل الإسلاميين بصفة عامة، مرجحا أن يصوت هذا التيار للمكي إذا لم تحصل مقاطعة للانتخابات من قبل الناخبين.

كما يرى أن للمكي حظوظا وافرة لتجميع الأصوات ومنافسة الرئيس الحالي قيس سعيد الذي صعد لسدة الحكم في الانتخابات الرئاسية المبكرة في 2019 ثم اتخذ إجراءات استثنائية في يوليو/تموز 2021 جعلته متفردا بالحكم، وفق وصف المعارضة.

ومن وجهة نظر المحلل السياسي صلاح الدين الجورجي فإن إرجاع المرشح عبد اللطيف المكي لحلبة السباق الانتخابي مؤشر جيد على أن المحكمة الإدارية ما زالت تشكل في المنظومة القضائية عنصرا مهما وداعما لمبدأ الحقوق والحريات خاصة في هذا الوضع الدقيق.

قرار مزعج

ويقول الجورجي للجزيرة نت إن حكم المحكمة الإدارية قد أزعج هيئة الانتخابات باعتبار أنه يتناقض مع مصلحتها ومع قراراتها وفلسفتها في إدارة الشأن الانتخابي، لكنه يستطرد "علينا الآن أن ننتظر قليلا لنعرف إن كان هذا الحكم كافيا لإرجاعه إلى سباق الانتخابات أم لا".

وبشأن الحكم الصادر مطلع هذا الشهر ضد المكي بـ8 أشهر سجنا ومنعه من الترشح للانتخابات مدى الحياة بحجة أنه قام بتزوير التزكيات، قال مدير حملته الانتخابية أحمد النفاتي إن هذا الحكم ابتدائي قابل للطعن في طور الاستئناف، آملا في أن ينصفه القضاء العدلي.

وحول تقديره لشعبية المرشح عبد اللطيف المكي ومدى قدرته على تجميع الأصوات من حوله، يقول المحلل صلاح الدين الجورشي إن الأمر لا يتعلق بثقله الشعبي بقدر ما يتعلق بالمناخ العام الذي ستجرى فيه الانتخابات الذي يعطي انطباعا بإقصاء المرشحين لمصلحة الرئيس.

لكنه يرى أن خصوم الرئيس يتابعون التطورات المتعلقة بالشأن الانتخابي للتعبير عن إرادتهم في اختيار شخص منافس للرئيس سعيد خاصة إذا كان هناك دور ثان في الانتخابات الرئاسية، مجددا قوله إن الإشكال لا يتعلق بنتيجة حكم المحكمة بقدر ما يتعلق بمناخ الانتخابات.

في المقابل يرى بعض المراقبين أن إعادة المرشح عبد اللطيف المكي إلى سباق الانتخابات تصب في مصلحة الرئيس قيس سعيد باعتباره كان قياديا في حركة النهضة التي حكمت البلاد ضمن تحالفات سياسية، لكنها أخفقت بحسب المراقبين في إدارة الحكم ما أدخل البلاد في أزمات.

وكان عبد اللطيف المكي أحد صقور حركة النهضة وقد تقلد خلال قيادته فيها منصب وزير الصحة قبل أن يعلن استقالته منها بسبب رفضه لاستمرار راشد الغنوشي على رأس الحزب، ثم أسس حزبا جديدا أطلق عليه اسم حزب العمل والإنجاز في صيف 2022.

كما يتوقع مراقبون بعد إرجاع عبد اللطيف المكي لسباق الانتخابات أن تتم إعادة المرشح عماد الدائمي المحسوب وفق رأيهم على التيار الإسلامي، من أجل تشتيت أصوات حركة النهضة وشق صفوفهم من أجل حسم الفوز لصالح الرئيس قيس سعيد، وفق رأيهم.

ويتهم أنصار الرئيس قيس سعيد حركة النهضة وأتباعها من الأحزاب التي حكمت معها خلال العقد الماضي بعد الثورة أنها فشلت في إدارة البلاد ما جعلها تغوص في أزمات اقتصادية واجتماعية حادة، هيأت الأرضية للرئيس قيس سعيد للإعلان عن تدابيره الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی الانتخابات الرئاسیة قرار المحکمة الإداریة هیئة الانتخابات الرئیس قیس سعید حرکة النهضة

إقرأ أيضاً:

مقالةٌ في الصراع العبثي ضد هيئة الانتخابات التونسية

كان تأسيس الهيئة العليا للانتخابات في 18 نيسان/ أبريل 2011 من قبل "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي"؛ حدثا مهما في تاريخ الانتقال الديمقراطي ومحاولات تفكيك منظومة الفساد والاستبداد. فلأول مرة منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا أصبحت الانتخابات تحت إشراف هيئة مستقلة منتخبة من نواب الشعب، بعد أن كانت تتم تحت إشراف وزارة الداخلية منذ سنة 1956.

وقد عرفت هيئة الانتخابات قبل "تصحيح المسار" عدة أزمات كان أشهرها أزمة 2017، كما كانت مظهرا من مظاهر التوافقات البرلمانية والتسويات/الصفقات السياسية التي غلبت على المشهد السياسي قبل 2021. ولكن الهيئة حافظت على مصداقية كبيرة سواء في علاقتها بمختلف الأجسام الوسيطة أو في علاقتها بالرأي العام، بحكم تمثيليتها لطيف واسع من الفاعلين الجماعيين.

كان إنشاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات جزءا من توجه مجتمعي عام قصد إرساء هيئات دستورية "تعمل على دعم الديمقراطية"، و"تتمتع هذه الهيئات بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية وتُنتخب من قبل مجلس نواب الشعب بأغلبية معزّزة"، كما أكد المشرّع أنّ "على الدولة تيسير علمها" كما جاء في الفصل 125 من دستور 2014. وهذه الهيئات المدسترة (أي غير المؤقتة) هي هيئة الانتخابات (المعروفة اختصارا بـ"الإيزي")، وهيئة الإعلام (المعروفة اختصارا بـ"الهايكا")، وهيئة حقوق الإنسان، وهيئة التنمية المستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة، وهيئة الحَوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.

لا نعتبر "تصحيح المسار" انقلابا أصليا، بل نعتبره حلقة في سلسة انقلابية بدأت منذ هروب المخلوع. وقد أكد تصحيح المسار أن "نجاح" الانتقال الديمقراطي سياسيا لم يكن إلا وهما، كما أكد أن منطق "الإصلاح الذاتي" للقطاعات وللمنظمات لم يكن هو الآخر إلا كذبة كبيرة لا محصول تحتها
وبعد الإعلان عن "تصحيح المسار"، قام الرئيس التونسي بتجميد عمل هذه الهيئات، ثم قام بإلغاء أربعة منها من دستور 2022 واستبقى هيئة الانتخابات، مع النص على تعيين أعضائها بدل انتخابهم من البرلمان.


لا شك في أن القارئ قد لاحظ مركزية الدور البرلماني في إنشاء الهيئات الدستورية وضبط صلاحياتها. وهو أمر منطقي في ظل النظام البرلماني المعدل وتحت سقف الديمقراطية التمثيلية بالمعنى الليبرالي لكلمة الديمقراطية. ولا شك أيضا في أن الفلسفة السياسية لتصحيح المسار لم تكن لتسمح ببقاء السلطة المرجعية للبرلمان حتى من داخل منظومتها السياسية ذاتها. فالديمقراطية المباشرة أو المجالسية تتحرك مفهوميا وواقعيا ضد الديمقراطية التمثيلية وأجسامها الوسيطة، ولا تعترف بأي وسيط بين الإرادة الشعبية والسلطة غير سلطة "الزعيم/المنقذ" باعتباره رأس "الوظيفة التنفيذية" والمستأمن الأوحد على تجسيد مطالب الشعب بمساعدة الوزراء وغيرهم.

وقد تجسدت هذه الفلسفة السياسية منذ الأيام الأولى لـ"تصحيح المسار" (عندما كان النظام يتحرك بمنطق "حالة الاستثناء المؤقتة") بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، ثم تجسدت في حل البرلمان والإعلان عن خارطة طريق لبناء جمهورية جديدة بدستورها وبنظامها الرئاسوي (عندما أظهر النظام أنه يعتبر حالة الاستثناء مرحلة انتقالية بين جمهوريتين أو زمنين سياسيين مختلفين جذريا).

للوقوف على أهم أسباب نجاح الرئيس والنواة الصلبة للمنظومة القديمة في الانقلاب على الهيئات الدستورية، ولفهم علة نجاح المنظومة الحاكمة في حمل جزء معتبر من الرأي العام على القبول بتوصيف مرحلة الانتقال الديمقراطي بـ"العشرية السوداء"، فإننا نحتاج إلى نحت مفهوم "قابلية الانقلاب"، أي نحتاج إلى فهم الأسباب العميقة لتلك القابلية البنيوية داخل مسار الانتقال الديمقراطي للانقلاب على ذاته والتفريط في مكتسباته بحكم فقدانه لأي قدرة حقيقية على المقاومة. ونحن نذهب إلى أن الجواب عن هذه الإشكالية لا يستقيم إلا إذا ما اعتبرنا فلسفة الانتقال الديمقراطي نفسه ليست إلا "انقلابا مشتقا" من انقلاب أصلي أو توليدي؛ بدأ منذ اعتماد منطق "استمرارية الدولة" وتكرس بسياسة التوافق وما صاحبها من صراعات هوياتية قاتلة وفقدان تدريجي لمشروعية الإنجاز في المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

انطلاقا مما تقدم فإننا لا نعتبر "تصحيح المسار" انقلابا أصليا، بل نعتبره حلقة في سلسة انقلابية بدأت منذ هروب المخلوع. وقد أكد تصحيح المسار أن "نجاح" الانتقال الديمقراطي سياسيا لم يكن إلا وهما، كما أكد أن منطق "الإصلاح الذاتي" للقطاعات وللمنظمات لم يكن هو الآخر إلا كذبة كبيرة لا محصول تحتها.

ولعلّ أخطر ما أثبته تصحيح المسار فيما يتعلق بالهيئات الدستورية هو أنها كانت بلا سند نخبوي أو شعبي حقيقي. ولا شك عندنا في أن تلك الهيئات لم تكن مطلبا نخبويا مبدئيا، بل كانت جزءا من الصراعات السياسية الهادفة إلى إضعاف حركة النهضة وبناء سلطات موازية؛ بدعوى الحد من تغوّل الحركة ومشروع "أخونة الدولة". كما أن أداء أغلب تلك الهيئات لم يكن في مستوى انتظارات عموم المواطنين والعديد من النخب (خاصة أداء هيئة مكافحة الفساد وهيئة الإعلام)، أو على الأقل كان عملها خارج التغطية الإعلامية التي يُهيمن عليها ورثة المنظومة القديمة. ولذلك لم يجد النظام مقاومة حقيقية عند إلغائها، كما لم يجد مقاومة تذكر عند تغيير القانون المنظم لعمل هيئة الانتخابات باعتبارها الهيئة الوحيدة الناجية من استراتيجية نزع الصفة الدستورية من كل الهيئات الرقابية والتعديلية

التعامل مع هيئة الانتخابات باعتبارها جهة "تحكيمية" في المسألة الانتخابية هو ضرب من المثالية، كما أن مصارعتها بمنطق "القانون" هو ضرب من العبث
إن فهم دور هيئة الانتخابات في "الجمهورية الجديدة" لا يمكن أن يتم -كما ذكرنا أعلاه- دون استحضار الفلسفة السياسية لتصحيح المسار باعتبارها الواجهة السياسية الجديدة للنواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الداخلي. ففي إطار "التعامد الوظيفي" يمنح تصحيح المسار لتلك النواة الصلبة "شرعية" جديدة تستعيض بها عن شرعية الديمقراطية التمثيلية وتحيّد بها الأجسام الوسيطة، أما هي فإنها تمنح للمشروع الرئاسي "الشّوكة" اللازمة للحكم في ظل غياب أي مصدر مستقل للقوة (حزب، تاريخ نضالي، لوبي جهوي.. الخ).

ولا يمكن في هذا الواقع السياسي الجديد بوجود سلطة موازية لسلطة "الوظيفة التنفيذية" أو مستقلة عنها، ولذلك غاب منطق الانتخاب وحضر منطق التعيين، وهو أمر لا ينحصر في هيئة الانتخابات بل يتعداها ليشمل المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية. فمنطق "تصحيح المسار" لا يقبل بوجود أي سلطة تعديلية أو رقابية مستقلة عن رئاسة الجمهورية، والرئيس هو الممثل الأوحد للإرادة الشعبية وهو لا يقبل المساءلة دستوريا.

في ظل هذا الواقع، فإن التعامل مع هيئة الانتخابات باعتبارها جهة "تحكيمية" في المسألة الانتخابية هو ضرب من المثالية، كما أن مصارعتها بمنطق "القانون" هو ضرب من العبث، أو هو تحديدا ضرب من التصعيد المعبر عن فشل المعارضة في تغيير موازين القوى بالوسائل القانونية الأخرى (كالضغط الشعبي وتحريك الشارع للاحتجاج، وكالتوحد في جبهة معارضة سياسية جامعة تتجاوز منطق الانقسام التقليدي القائم على مركزية الأيديولوجي).

تصحيح المسار عندنا ليس إلا محاولة لتجاوز الأزمات الدورية للحقل السياسي التونسي بعد الثورة من خلال شيطنة الديمقراطية التمثيلية وأجسامها الوسيطة، ولكنها محاولة فاشلة بحكم انقلابها واقعيا إلى جزء من تلك الأزمات الدورية التي لا يمكن مواجهتها دون مراجعة أسس الدولة الوطنية ذاتها
إن هيئة الانتخابات الحالية هي ابنة "تصحيح المسار" وهي جزء بنيوي فيه. وقد ذكرنا في أكثر من مقال أن تصحيح المسار يتحرك بمنطق البديل الجذري لا بمنطق الشريك، كما ذكرنا أن فلسفته السياسية القائمة على التفويض الشعبي وعلى "البناء الثوري الجديد" لا تقبل بمنطق التداول على السلطة حتى بين "الصادقين" في ظل وجود الزعيم-المؤسس، فكيف تقبل بمنطق التداول على السلطة مع "أعداء الشعب" من "المتآمرين" و"الخونة" و"الفاسدين"؟

إن تيسير منطق التداول على منصب الرئاسة -أي التزام الحيادية والنزاهة والشفافية وعدم تطويع القانون ضد خصوم رئيس الجمهورية- هو ضرب من الخيانة للأمانة، وهو أيضا انقلاب على التفويض الشعبي الأصلي غير القابل للمراجعة أو الاستئناف. ولا شك في أن هيئة الانتخابات المعيّنة بمرسوم رئاسي-أي التي تتعامل مع وظيفتها باعتبارها "تكليفا" في إطار المشروع الرئاسي- لا يمكن أن تضع نفسها في موضع الخائنين، كما لا ينبغي لها أن تسهل عودتهم إلى مركز صنع القرار.

ختاما، فإننا نعتقد أنه لا يمكن فهم المشهد الانتخابي دون استحضار هذه المضمرات التي لا تحضر في سطح خطاب الهيئة، ولكنها تتحكم في بنيته العميقة. كما نذهب -على الضد من أطروحات الراغبين في عودة الديمقراطية التمثيلية- إلى أن تصحيح المسار ذاته ليس إلا "زينة" في بناء متداع من جهة الأسس التي قامت عليها الدولة الوطنية (مثله في ذلك كمثل الانتقال الديمقراطي ذاته).

فتصحيح المسار عندنا ليس إلا محاولة لتجاوز الأزمات الدورية للحقل السياسي التونسي بعد الثورة من خلال شيطنة الديمقراطية التمثيلية وأجسامها الوسيطة، ولكنها محاولة فاشلة بحكم انقلابها واقعيا إلى جزء من تلك الأزمات الدورية التي لا يمكن مواجهتها دون مراجعة أسس الدولة الوطنية ذاتها. ولا شك عندنا في أن رفض الأغلب الأعم من الفاعلين الجماعيين (في السلطة والمعارضة) الاعتراف بهذه الأزمة البنيوية والتفكير في آليات تجاوزها "معا"؛ سيجعل بقاء تصحيح المسار أو سقوطه أمرين متطابقين من جهة العلاقة بمنظومة الاستعمار الداخلي، ومن جهة إعادة إنتاج الأزمات الدورية مهما كان شكل النظام الحاكم وهوية المشاركين في واجهته السياسية بعد الانتخابات الرئاسية.

x.com/adel_arabi21

مقالات مشابهة

  • مقالةٌ في الصراع العبثي ضد هيئة الانتخابات التونسية
  • حملة المكي في تونس تطالب هيئة الانتخابات بتطبيق القانون.. سنطعن بالنتائج الباطلة
  • القضاء التونسي يرفض الإفراج عن المرشح الرئاسي العياشي زمال
  • هيئة الانتخابات الرئاسية التونسية تحدد إجراءات متابعة وسائل الدعاية الإلكترونية والوسائط الإشهارية
  • «قادربوه» يشهد ختام الدورة التدريبية الثانية لمديري فروع هيئة الرقابة الإدارية بالقاهرة
  • المحكمة الإدارية تعزل رسمياً رئيس جماعة القنيطرة ونائبيه بسبب خروقات جسيمة
  • هيئة سنتريور تُوصى بإعادة منح جامعة حلوان شهادة الأيزو في الجودة الإدارية
  • ماذا وراء طلب المحكمة الجنائية الاستعجال بإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو؟
  • المحكمة الإدارية تقضي بعزل البرلماني السابق “مول الموسطاش”
  • بدء المناظرة الرئاسية بين المرشح الجمهوري ترامب والديمقراطية هاريس