توقيف المعارض الجزائري فتحي غراس واقتياده إلى مكان مجهول
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
أوقف عناصر من الشرطة المعارض الجزائري فتحي غراس، الثلاثاء، واقتادوه إلى مكان مجهول، وفق ما أفادت زوجته واللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين.
ونشرت زوجته والناشطة السياسية مسعودة شاب الله على صفحتها على « فايسبوك » فيديو تحت عنوان « أين فتحي غراس؟ » قالت فيه « اليوم تم توقيف فتحي على الساعة العاشرة في البيت العائلي من طرف ثلاثة رجال شرطة بالزي المدني، وأخبروه بأنه صدرت بحقه مساءلة ولم يقدموا له أي استدعاء ».
وتابعت « لما سألنا إلى أين سيتم أخذه أخبرونا أنه سيكون في مركز الشرطة المركزي » بوسط العاصمة، في مقر مديرية الأمن.
ولكنها قالت إنها عندما ذهبت إلى هناك قيل لها إنه « غير موجود » ما جعلها تستنتج أن « فتحي غراس تم اختطافه ولا ندري إلى أين تم اقتياده ».
وكذلك أعلنت اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين توقيف فتحي غراس واقتياده إلى مركز الشرطة الرئيسي في وسط العاصمة.
ولم يصدر أي بلاغ رسمي من النيابة أو مصالح الأمن حول توقيف غراس (49 سنة) الذي سبق أن حكم عليه بالسجن عامين قبل أن يتم تخفيف العقوبة في الاستئناف إلى عام واحد منه ستة أشهر نافذة. وقضى غراس نحو تسعة أشهر في السجن بين نهاية يونيو 2021 ومارس 2022.
حوكم فتحي غراس بتهم « الإساءة إلى رئيس الجمهورية » و »إهانة هيئة نظامية » و »نشر معلومات كاذبة من شأنها تعريض النظام العام للخطر وتقويض الأمن والوحدة الوطنية ».
وشارك غراس وهو ناشط معروف في صفوف اليسار والمعارضة العلمانية منذ عام 2019 في الحراك الاحتجاجي من أجل الحرية.
وقام القضاء بتجميد نشاط حزبه الحركة الديمقراطية والاجتماعية، وريث الحزب الشيوعي الجزائري وقت الاستعمار الفرنسي ثم حزب الطليعة الاشتراكية الذي ظل ينشط في سرية حتى إلغاء حكم الحزب الواحد في 1989.
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
سامح قاسم يكتب | فتحي عفيفي.. رسّامُ الغبار النبيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في الزوايا التي لا تزورها الكاميرات، حيث لا يجلس الشعراء ولا يمرّ السائحون، وُلدت لوحات فتحي عفيفي. لم يُولد من رحم الضوء، بل من رحم الغبار، من سعال الآلات، من عرق العامل الذي نسي اسمه، وتذكرَ فقط صوت المخرطة.
فتحي عفيفي ليس فنانًا يرسم، بل كائنٌ يُصغي. يُصغي للحديد وهو يتألم، للحائط وهو يتقشّر، للقلب وهو يُطوى داخل بدلة زرقاء. خرج من حيّ السيدة زينب، لكن قلبه ظلّ هناك، يشرب من كوب الشاي المرّ، ينام على صوت الراديو العتيق، ويتأمل وجوه الرجال الذين لم يتعلموا البكاء، فصاروا يُسرّبونه في صمتهم الطويل.
كل لوحة له، ليست عملًا فنيًا، بل مَعلمًا من معالم الأرواح المنسية. كأنه لا يرسم بفرشاته، بل بأظافر جدته، بحنين أبيه، بأحزان أم لم تتعلم القراءة لكنها تحفظ وجه الله في التجاعيد.
في مصنع ٥٤ الحربي، تعلّم أن الحديد له قلب. أن الآلة تُحب. أن الندبة في ذراع العامل ليست عيبًا، بل ختمًا سماويًا. هناك، صادقَ الصدأ، وراقبَ الحزن وهو ينسكب على الخشب والبشر معًا، ثم عاد إلى مرسمه كي يُعيد رسم العالم كما يراه: عالم لا يخجل من شقوقه، ولا يتجمّل.
لوحاته ليست أنيقة. بل صادقة.
ليست لامعة. بل دامعة.
فيها صوت السلم المكسور، وهمهمة الخوف، وبكاء الليل في أذن امرأةٍ تصنع الغداء من الهواء.
هو فنان من طينة نادرة، لا يرى في الألوان بهجة زائلة، بل يرى فيها توثيقًا للعابر، للمنكسر، للهامشي الذي لا تكتبه الصحف. في الأحمر يرى الجرح، وفي الأزرق يرى الغياب، وفي الأبيض يرى جسدًا خرج من العمل ولم يعد.
لوحات فتحي عفيفي ليست مُجرد صُورٍ للمكان، بل هي رحلة في ذاكرة الإنسان، رحلة في قلب العالم الذي يعجّ بالآلات والبشر، بالأحلام التي لا تُكتب، وبالأفكار التي لا تتسع لها الصحف. هنا، في تفاصيل هذا العالم، تجدُ الأجساد غير المرئية تُحاول أن تصرخ، لكنهم لا يمتلكون سوى فمٍ صامت وأيدٍ مهشمة. ولهذا، فقد حمل عفيفي هذه الهمسات الصامتة في لوحاته، وأعطاها حقها في التعبير. فنراه يغير وجه الحياة في كل لون يرسمه، في كل حركة فرشاة تُمرّ على القماش، كأنه يعيد استكشاف المعنى في الأشياء البسيطة.
في جوائزٍ مثل جائزة التحكيم في بينالي القاهرة السابع عام 1998، وجائزة الدولة للتفوق في الفنون عام 2023، كان تكريمًا له، ولكن في حقيقة الأمر كان تكريمًا لكل هذه الوجوه التي رسمها، لكل هذه الأرواح التي لم تجد طريقًا للتعبير عنها سواه. لم يكن عفيفي بحاجة إلى الكلمات ليُعبّر عن نفسه؛ فقد كانت أعماله هي اللغة الأكثر صدقًا، وهي الأداة التي لم تترك بابًا مغلقًا إلا وفتحته، ولم تترك ملامح غريبة في عالمه إلا وأخرجتها من الظلام إلى النور.
لكن الفضل الأكبر في أعماله لا يكمن في الجوائز ولا في التصفيق الحاد، بل في قدرته على جعلنا نرى الحياة كما هي، دون تكلف، دون تجميل، فقط بكل شجاعتها وأحزانها. هو لم يرسم الحياة كما نريدها، بل كما هي بكل قبحها وجمالها. وفي لوحاته، نجح في أن يجعلنا نتأمل في تفاصيل تلك الحياة التي تمرّ دون أن نلتفت إليها. هو لم يكن فنانًا يخبئ الحقيقة في ألغازٍ معقدة، بل كان يضعها أمامنا كما هي، بشكل مباشر، عميق، وحميم.
فقد عرفت لوحاته الطريق إلى القلب، كما عرفت طريقها إلى الذاكرة. فتحي عفيفي، بكل ما يحمله من حزنٍ وطموح، رسم لنا مدينة من صمت وأصوات، مدينة لا نراها، لكنها دومًا في قلوبنا. وبذلك، لم يكن فقط فنانًا يقتصر عمله على الألوان والفرشاة، بل كان شاعرًا أيضًا، يسرد تاريخًا ضاع بين الزوايا، ويغني للأشياء التي لا يسمعها سوى الصامتون.