"المقاومة ومزيد من المقاومة"
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
سالم الكثيري
سُئِل المُفكِّر المصري الراحل الدكتور عبدالوهاب المسيري في لقاء تلفزيوني، عن أفضل طريق للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي، فجاءت إجابته مباشرة ومختصرة إلى حد بعيد قائلًا "المُقاومة ومزيد من المُقاومة".
المسيري- الذي يُعد من أشهر الباحثين في الشأن الإسرائيلي في القرن العشرين من خلال موسوعته المعروفة "اليهود واليهودية والصهيونية" التي قضى ربع قرن في تأليفها- فسَّر رؤيته بأنَّ الجيوب الاستيطانية مآلها إلى الزوال حتمًا؛ حيث قسّم هذه الجيوب إلى قسمين؛ قسم قائم على إبادة السكان الأصليين، وأبرز مثالين على ذلك أمريكا وأستراليا، وقسم آخر لم يتمكن من إبادة السكان الأصليين بحُكم انتشار وسائل الإعلام في العصر الحديث التي لم يُعد ممكنًا معها إخفاء جرائم الإبادة، مثلما حصل في حالتي أمريكا وأستراليا، وتمثل هذا القسم الثاني: جنوب أفريقيا وإسرائيل، اللتان تنتميان إلى النمط الإحلالي.
وفي حالة توقف أحد هذه العناصر أو أحدهما لا بُد وأن ينتهي هذا الجيب الاستيطاني مهما طال بقاؤه، وهذا ما بدأت تخشاه إسرائيل حاليًا؛ فلم تعد الرغبة في الهجرة من أوروبا وغيرها من الدول مثلما كانت عليه في بداية تأسيس الكيان المحتل، وقد اتضح لكثير من هؤلاء المهاجرين أنَّ إسرائيل لم تعد ذلك الفردوس المفقود الذي يبحثون عنه، وإنما باتت ساحة حرب شرسة ومعركة خاسرة. كما إن مقولة "أرض بلا شعب" لم تكن إلّا كذبة كبرى؛ حيث تبيّن مع الأيام أن فلسطين أرض مليئة بالسكان الأصليين.
وفي إجابة عن سبب هذا التعنُّت الإسرائيلي، أجاب المسيري أن السبب هو الدعم الأمريكي اللامحدود والغياب العربي اللا محدود، وبغياب هذين العنصرين أو أحدهما أيضًا لن تقوم لهذا الكيان قائمة. وبحسب المسيري، فإن أمريكا تنظُر إلى إسرائيل باعتبارها حاملة طائرات، وبدونها ستضطر أمريكا لإرسال 5 حاملات طائرات لحماية مصالحها في البحر الأبيض المتوسط، تُكلِّف كل واحدة منها 10 مليارات دولار؛ بما مجموعة 50 مليار دولار سنويًا، بينما هي لا تمنح إسرائيل سوى 10 مليارات دولار فقط، هذا فضلًا عن المواجهة المباشرة مع العالم العربي التي لا تود أمريكا أن تُجاهر بها علنًا، وهي التي تمثل العالم الحُر المسالم والمتسامح بحسب زعمها.
تشير بعض التقارير إلى أنَّ إسرائيل حصلت منذ الحرب العالمية الثانية على 145 مليار دولار كدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهي بذلك تكون أكبر مُتلقٍ للمساعدات الأمريكية الخارجية على مستوى العالم. وقد يُفسِّر لنا هذا الدعم الهائل ما صرّح به الرئيس الأمريكي جو بايدن، عندما كان عضوًا في مجلس النواب في ثمانينيات القرن الماضي، قائلًا بصريح العبارة "لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان على أمريكا أن تُوجدها؛ وذلك لحماية مصالحها في المنطقة"، مشيرا في ذات الوقت إلى أن أفضل 3 مليارات استثمرتها أمريكا في حينه هي تلك التي قدمتها دعمًا لإسرائيل، وهذا في سياق الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل.
أما في سياق الغياب العربي، فإنَّ الأمر وإن بدا مُحيِّرًا ومُحرجًا على مستوى الشعوب والجماهير، فهو ليس بمستغرب أو جديد على مستوى معظم النخب العربية الحاكمة. فلا يخفى على كل متابع للقضية الفلسطينة منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي إلى اليوم، ما عاناه الشعب الفلسطيني من خذلان. فلم تكن مواجهة الجيوش العربية للجيش الإسرائيلي في حرب 1948 إلّا مواجهة شكلية ضعيفة، افتقدت للقيادة المُوحَّدة والرؤية الواضحة؛ بل وحتى العزيمة الأكيدة للتصدي للاحتلال، لتبدأ نكبة الشعب الفلسطيني إلى يومنا هذا. تلتها حرب 1967، التي وصلت بالأمة إلى أسوأ حالاتها سياسيًا وعسكريًا ومعنويًا؛ حيث استطاعت إسرائيل في ظرف 6 أيام- فيما عرف بـ"نكسة يونيو"- هزيمة كل دول الطوق واحتلال الجولان السورية وسيناء المصرية وجنوب لبنان وغزة؛ لتصيب الأمتين العربية والإسلامية في مقتل، وتُلحق بهما هزيمة نفسية بالغة الأثر.
أما في شأن أحقية الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه؛ فهو حقٌ مشروع تُقرُّه كل القوانين والأعراف الأممية، وإن حاولت إسرائيل نكرانه برعاية أمريكية فظة وصارخة، فقد برَّر أول تصريح للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش بعد عملية "طوفان الأقصى" بما لا يدع مجالًا للشك حق هذا الشعب في مقاومة الاحتلال؛ حيث أكد أنه "لا بُد من الإقرار بأن عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس في السابع من أكتوبر لم تأت من فراغ؛ حيث تعرض الشعب الفلسطيني لاحتلال خانق منذ 56 عامًا وشاهد المستوطنات تلتهم أراضيه بشكل مضطرد، وعانى من العنف، وتلاشت آماله في الوصول إلى حل سياسي".
وقد سبقت هذا التصريح الأخير على مدى عقود العشرات من قرارات الأمم المتحدة التي تقف في صف الشعب الفلسطيني، إلّا أن إسرائيل لم تلتزم بتنفيذ هذه القرارات مطلقًا، بدعم منقطع النظير من أمريكا؛ سواءً أكان عسكريًا من خلال التزويد بالسلاح، أو سياسيًا باستخدام حق النقض "فيتو" في حالة طرح أي مشروع قرار قد يهُز من تواجد إسرائيل.
وعلى ما نراه من خذلان لم نشهد أو نسمع له مثيل على مدار التاريخ لهذا الشعب الأعزل من قبل الأمة؛ بل وحتى التواطؤ مع الكيان المحتل من قبل بعض الأنظمة، إلّا أن ما تكبدته إسرائيل من خسائر مادية وبشرية لم يسبق أن تعرضت لها حتى في حروبها المذكورة مع كل الدول العربية مجتمعةً، بحسب تقارير مؤكدة، هذا فضلًا عن استعادة القضية الفلسطينة بريقها وألقها عالميًا، وتعرُّف شعوب العالم على عدالتها، بعدما ضلَّلَهُم الإعلام الأمريكي والأوروبي لما يزيد عن 7 عقود.
قد يقول قائل إن الدعوة إلى المقاومة في ظل عدم الاستعداد التام للحرب يُعد ضربًا من التهور وذهابًا إلى الهاوية، وإن كنتُ قد مِلتُ شخصيًا إلى هذا الرأي منذ بداية الأمر خوفًا من عواقب "طوفان الأقصى" بعكس جليسي ليلتها، والذي ردَّد مقولة "ما أُخِذَ بالقوة لا يُسترد إلّا بالقوة"، غير أن واقع الحال في غزة لم يعد يحتمل أكثر من خيار واحد، وهو المقاومة؛ فالغزاويون محاصرون منذ عقود حتى من بني جلدتهم، قبل الإسرائيليين، ولم يكونوا يعيشون طيلة هذه السنوات إلّا في سجن كبير، ثم تبين لهم بعد "الطوفان" بما لا يدع مجالًا للشك، أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه واقعيًا، وقد تكالبتْ عليهم كل أحزاب الأرض وكلابها. لهذا.. فإنه كان عليهم التعايش مع قدرهم أخذًا بمقولة "ليس بعد القاع قاع"، وحمل لواء الجهاد دفاعًا عن الأرض والعرض.
لقد أثبتت تجارب التاريخ وتحليلات المفكرين أن الشعوب لا تتحرر إلّا بالمقاومة، ومزيد من المقاومة، وأن الاحتلال سيزول، طال الوقت أم قصر، ولن تكون إسرائيل استثناءً لقاعدة التاريخ، كما هي قناعة المُفكِّر الكبير عبدالوهاب المسيري، وغيره من أصحاب الرؤى المُستَنِيرة والآراء الثاقبة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا
لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.
آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.
لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.
الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.
وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.
فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.
ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.
وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.
مبادرتان استباقيتانفي هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.
صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".
وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.
أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".
والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.
كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".
العامل الأميركيلم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.
فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.
ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.
وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.
على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.
أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.
وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.
هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية