لجريدة عمان:
2025-01-03@00:30:17 GMT

الابتكار الإستراتيجي... ضرورة أم رفاهية؟

تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT

بدأت شركات الابتكار التكنولوجي بتطوير وتحديث مسارات نظم تشغيلها منذ أكثر من عقدين من الزمن، حدث ذلك قبل صعود التقنيات المصاحبة للثورة الصناعية الرابعة، في المقابل لم تنجح فرضيات الاستشراف المستقبلي في استقراء الاحتياجات المتغيرة بشكل دقيق، وهذا ما برهنت عليه حالات التفاوت الشاسعة في درجات الاستجابة والتكيف بين المؤسسات أثناء وبعد جائحة كورونا.

فالمؤسسات التي اتخذت النهج الإستراتيجي في الابتكار كانت الأكثر صمودًا، إذ ليس كل نموذج مبتكر هو ابتكار إستراتيجي، وفي الواقع يكتسب التخطيط الإستراتيجي للابتكار أهمية نوعية مع تسارع وتيرة الاكتشافات العلمية والتقنية، إذن أين يكمن الجوهر الحقيقي للابتكارات الإستراتيجية؟ وكيف يمكن للمبتكرين والشركات الناشئة المدفوعة بالابتكار تركيز الجهود التطويرية باستخدام الأطر المتاحة للتخطيط الإستراتيجي لتحقيق الميزة التنافسية وعوائد الاستثمار المضمونة؟

في البدء لا بد أن نتوقف قليلاً عند النقطة المحورية التي تعترض الابتكار الإستراتيجي، وهي الانطباع السائد بأن الابتكار غالبًا ما يرتبط بالمواهب العلمية الخارقة، وبأنه ينتج من استمرار محاولات ترجمة الأفكار الإبداعية إلى منتجات، ولا يحتاج للتخطيط التقليدي القائم على إجراء تحليل للموقف الراهن، وتقييم نقاط القوة والضعف، ثم وضع الأهداف والمبادرات، في الواقع هذا الفكر لا يخلو تمامًا من الصحة، ولكنه في المجمل قد تسبب في تأخير إدماج محور التخطيط الإستراتيجي في الابتكار، ويعتبر ظهور نموذج الآفاق الإستراتيجية الثلاثة للابتكار هو البداية الفعلية للتخطيط الممنهج في التطوير التكنولوجي، ويضع هذا النهج ثلاثة مستويات للتخطيط الإستراتيجي في الابتكار، حيث يركز المستوى الأول على تحسين وتطوير العمليات الأساسية القائمة ومنتجاتها الابتكارية وذلك بشكل تدريجي يضمن تحقيق هدفين متكاملين؛ وهما رفع الكفاءة التقنية وخفض التكاليف.

أما في المستوى الثاني فالتركيز يتمحور حول تخصيص الموارد المستدامة لتطوير منتجات جديدة بناءً على نقاط القوة الحالية، ومواءمتها مع الاحتياجات الناشئة للمستفيدين.

وفي المستوى الأخير تظهر أولويات استكشاف الابتكارات المبتكرة التي تستشرف أسواقا جديدة، ونماذج أعمال غير تقليدية، ويتطلب تحقيق الابتكار الإستراتيجي مهارات عالية في تحقيق التوافق في الاستثمار عبر هذه الآفاق الثلاثة لضمان التدفق الثابت من مدخلات التطوير التدريجي، وإيجاد فرص النمو والاستيعاب للابتكارات الناشئة.

ولكن واقع رحلة الابتكار يختلف إلى حدٍ كبير عن هذه المستويات النظرية ذات الحدود الواضحة، وهذا يشمل جميع الجهود الابتكارية سواءً على المستوى الفردي أو لدى الشركات الناشئة، إذ ليس من الهين تأسيس مساحات للابتكار بحيث تستند إلى الأفكار والبيانات والتفكير الإبداعي، ووضع خطط إستراتيجية متكاملة وقابلة للتكيف مع المستجدات العلمية والتكنولوجية، وتكون في ذات الوقت داعمة لقادة العمل في اتخاذ قرارات مستنيرة؛ لأن التحدي الأساسي الذي يعترض المبتكرين هو معرفة كيفية إذابة ثقافة الجمود، والبقاء في محيط الراحة، والتخوف من التغيير، وكذلك التعامل الذكي مع عدم اليقين، والتحلي بالحكمة في اتخاذ قرارات ذات مخاطر استثمارية عالية فيما يرتبط بالتطوير التكنولوجي، إذ أن معظم المخاطر التي تقع فيها الجهود الابتكارية الناشئة تنشأ من حالة غياب التوازن والتوافق الاستراتيجي بين الابتكار المفتوح والإبداع وبين الالتزام بهامش المجازفة محسوبة العواقب. فالسمة الغالبة على المجموعات البحثية والابتكارية هو الطموح العلمي، وقلما نجد بين هذه المجموعة أعضاء من خارج محيط التخصص البحثي والتطويري مثل مجالات إدارة الأعمال، والتسويق، وإدارة المخاطر، أو ما يسمى بنظام التشغيل الريادي للابتكارات، الذي يعد متطلبا رئيسيا للوصول للابتكارات الإستراتيجية.

وهذا يقودنا إلى أهمية التخطيط الإستراتيجي للابتكارات، فالنجاح في التطوير التكنولوجي لا يأتي بالصدفة، بل هو عملية مستمرة تتطلب التعلم والتكيف والتجريب من أجل استكشاف الفرص الإستراتيجية الكامنة، أو تطوير الفرص الحالية، مع الأخذ في الاعتبار أهمية تطوير إطار إستراتيجي لرحلة الابتكار في وقت مبكر من بدء الجهود الفعلية في التطوير التكنولوجي بحيث يسهل الانتقال إلى مجالات بديلة في الابتكار إذا ما ظهرت تحديات تقنية أو هيكلية أو تمويلية، حيث إن التخطيط الإستراتيجي للابتكار لا يقتصر على تعريف الفرص وتوجيه الموارد والمدخلات ولكنه بمثابة صمام الأمان في حفظ مسار الجهود التطويرية من الهدر، وكذلك تعزيز البيئة الإبداعية الحاضنة للأفكار التي تقع ضمن نطاق الابتكار.

كما أن التخطيط الإستراتيجي للابتكار يتميز عن التخطيط التقليدي بأنه ليس مجرد عملية ذات خطوات ومراحل محددة، بل هو في الأصل توجيه وانصهار لمجموعة الأفكار والمهارات والخبرات والكفاءات الأساسية، وهي تشتمل على طيف واسع من مهارات التفكير النقدي، والتفكير الإبداعي، وكذلك القدرات الفنية والاجتماعية التي يمكنها توليد الأفكار ودمجها وتحويلها إلى حلول مفيدة ومستدامة للمستفيدين، وأصحاب المصلحة. وبنفس الأهمية تحتاج المجموعات الابتكارية لاكتساب مهارات التفكير النظمي أو التفكير على مستوى الأنظمة، والذي يتطلب فهم العلاقات المتبادلة بين الأنظمة المعقدة مثل الأسواق المحتملة، أو تفضيلات المستفيدين، أو تأثير ثقافة مقاومة التغيير، ومدى الإلمام بجوانب الاستشراف المستقبلي المتوازن.

إن الابتكارات الموجهة نحو الأهداف الإستراتيجية هي مطلب أساسي لضمان التميز والصمود في عالم سريع التطور، والتخطيط الإستراتيجي للابتكار هو بمثابة فن أكثر منه علمًا نظريا مؤطرا ومحددا بالقواعد، إذ يكمن جوهر الابتكار الحقيقي في كيفية توظيف أدوات التحليل للنهوض بالجهود الواقعية إلى الإنجاز، وموازنة هذا التحليل المشبع بالأرقام والبيانات الصامتة مع الخيال العلمي الطموح، وفهم أن تحقيق الابتكار غير المسبوق يأتي أحيانا من المجازفة المدروسة ذات المرونة العالية، ولا يعتمد على إطلاق العنان لجميع الأفكار، وإنما يستوجب التركيز على مجموعة منتقاة من الخيارات ذات الأثر العميق على طول الأفق الزمني المحدد للتطوير التكنولوجي، مع إدراك أهمية الجمع بين طرق التفكير المختلفة كونها مفتاح دعم التخطيط الإستراتيجي الناجح للابتكار؛ لأن تحقيق النجاحات المذهلة لا يعتمد فقط على امتلاك الأدوات المناسبة، بل يتعلق الأمر كذلك بالجمع بين العقول المبدعة والمتنوعة لرؤية المشهد الأكبر للابتكار التكنولوجي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التطویر التکنولوجی فی الابتکار

إقرأ أيضاً:

"مصر للمعلوماتية" تُطلق مركز الابتكار وريادة الأعمال لتعزيز الاقتصاد الرقمي

أكدت الدكتورة ريم بهجت رئيس جامعة مصر للمعلوماتية أن موافقة مجلس أمناء الجامعة على انشاء مركز الابتكار وريادة الأعمال بالجامعة سيسهم في تعزيز بيئة الابتكار والأبحاث التطبيقية في قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات خاصة أن المركز الجديد سيكون من ضمن مهامه الأساسية مساعدة ودعم الشباب المصري على تحويل أفكارهم الابداعية والمبتكرة إلى مشاريع تجارية ناجحة مما يعظم من حجم الاقتصاد الرقمي ويدعم جهود الدولة لتحقيق التنمية المستدامة.
وقالت إن المركز سيوفر بيئة داعمة وحاضنة للمبدعين ورواد الأعمال حيث سيقدم لهم خدمات متنوعة مثل التدريب، والاستشارات المالية والتقنية، والدعم القانوني، بالإضافة إلى تأسيس حاضنات أعمال لمساعدتهم على انشاء مشاريع قابلة للنمو، مشيرة الى أن المركز هو جزءًا من رؤية الجامعة لتعزيز ثقافة الابتكار وتشجيع البحث العلمي والتطوير في المجالات التقنية الحيوية، مما يعكس التزام الجامعة بمواكبة التحديات العالمية وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للابتكار وريادة الأعمال.
وأضافت أن مركز الابتكار وريادة الأعمال سيسعى لأن يكون أحد المراكز الرائدة إقليميًا ودوليًا في مجال ريادة الأعمال والابتكار، مع التركيز على التقنيات الرقمية الحديثة والأفكار الإبداعية وذلك من خلال توفير بيئة ملائمة للمبتكرين ورواد الأعمال لإقامة مشاريع ناجحة، مما يعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويخلق فرص عمل للشباب المصري. 
وأوضحت أن إدارة الجامعة وضعت أهدافا استراتيجية للمركز تتمثل في نشر ثقافة الابتكار وريادة الأعمال وتطوير مهارات المبتكرين ورواد الاعمال من خلال الدورات وورش العمل والبرامج والفعاليات المختلفة، وتنمية التفكير الريادي لدى طلاب الجامعة والشباب المهتم بمجالات الثورة الصناعية الرابعة وتعزيز قدراتهم التنافسية مع العمل على نشر ثقافة العمل الجماعي والتشاركي بين طلبة الجامعة، وتوطيد العلاقات مع مراكز تنمية المبادرات وجهات التمويل محليا ودوليا لمساعدة رواد الأعمال المصريين في تأسيس وتسويق مشاريعهم، وتشجيع ثقافة الابداع والابتكار، وبراءات الاختراع عن طريق بناء علاقات مميزة مع الباحثين وشركاء جامعة مصر للمعلوماتية من كبرى جامعات العالم المتخصصة في مجال التقنية، وقطاع الأعمال والمجتمع.
وأشارت الى أنه لتحقيق تلك الاهداف سنعمل على تدشين حاضنات أعمال لدعم تأسيس وتمويل الشركات الناشئة بالقطاع التكنولوجي مع توفير الدعم الفني واللوجستي عن طريق إتاحة استخدام معامل الجامعة لتطوير النماذج الأولية للأفكار الابتكارية القابلة للتطبيق والتسويق حيث سيعمل المركز أيضا على تسويق مخرجات الجامعة الإبداعية محليا وعالميا، ولذا نسعى لعقد شراكات استراتيجية محلية ودولية بين مركز الابداع والابتكار والجهات الرائدة في هذا المجال.
وحول الهيكل التنظيمي للمركز الجديد قالت الدكتورة أماني حسن، رئيس تطوير الأعمال بجامعة مصر للمعلوماتية أن المركز سيشمل أربع إدارات الاولى إدارة دعم ريادة الأعمال والابتكار وستكون مسئولة عن تقديم الاستشارات المالية والإدارية والقانونية للشركات الناشئة، ومساعدتها في صياغة العقود وحماية الملكية الفكرية ووضع الخطط المالية وكيفية إنشاء وإدارة الشركات. كما ستدعم هذه الإدارة جميع أنشطة نشر ثقافة ريادة الأعمال والابتكار وتنظيم اللقاءات والمنتديات والأحداث المختلفة.
وأضافت أن الإدارة الثانية هي إدارة الدعم التقني التي ستقدم الدعم التقني وخدمات تطوير البرمجيات والبنية الرقمية للشركات الناشئة، ومساعدتها في حل التحديات التقنية التي قد تواجهها، والثالثة إدارة الحاضنات وستركز على دعم الأفكار الابتكارية وتحويلها إلى مشاريع تجارية قابلة للنمو والمنافسة. وتقديم حزمة متكاملة من الخدمات تشمل الدعم الفني واللوجستي، الاستشارات القانونية والمالية، تطوير المنتجات، التدريب، وإعداد النماذج الأولية.
وأوضحت أن إدارة الحاضنات وضعت برنامج احتضان متدرج يمر بثلاث مراحل: مرحلة ما قبل الاحتضان وتُركز على تجهيز المشاريع وتأسيس الكيان القانوني لها، ثم مرحلة الاحتضان وتقدم الدعم لتطوير المشروع وتحقيق أهدافه التجارية، وأخيرا مرحلة التخرج وتُعنى بمتابعة المشاريع الناجحة وتقييم أدائها لضمان استدامتها بعد الخروج من الحاضنة.
وأكدت أن الإدارة الرابعة بالمركز هي وحدة إدارة المشروعات البحثية والخدمات الاستشارية، وستكون بمثابة منصة بحثية استشارية لتقديم حلول استشارية متخصصة وتنفيذ مشروعات بحثية داخلية وخارجية تخدم المجتمعين الأكاديمي والصناعي، وبما يحقق ثلاثة أهداف الاول تعزيز التعاون مع الجهات الخارجية  من خلال تقديم خدمات استشارية وبحثية للقطاعين العام والخاص، والثاني تطوير المشروعات الداخلية عبر تنفيذ مبادرات تسهم في تحسين قدرات المركز وخدماته، والثالث دعم الاقتصاد المعرفي عبر توظيف قدرات المركز لدعم المشروعات التكنولوجية والتي بلا شك سيكون لها إسهام في تحقيق التنمية المستدامة.

مقالات مشابهة

  • شرطة دبي: الدبلوم التخصصي في الابتكار والقيادات الدولية ينطلق 13 يناير
  • حب مسموم.. رواية تناقش قضية النرجسية في ضوء التطور التكنولوجي
  • رئيس جهاز دمياط الجديدة يتفقد المركز التكنولوجي للمرافق وإيرادات مياه الشرب
  • حاضنات رواد الأعمال: منصة للابتكار ودافع للتنمية الاقتصادية في سلطنة عُمان
  • نائب محافظ كفر الشيخ يتفقد المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين بدسوق
  • "مصر للمعلوماتية" تُطلق مركز الابتكار وريادة الأعمال لتعزيز الاقتصاد الرقمي
  • روسيا تحاول صنع وحدات تحكم ألعاب للاستقلال التكنولوجي
  • «المجهول المعروف» في مهارات الابتكار
  • جلسة حوارية حول أدب الطفل بين الابتكار والهوية في صحار
  • المؤتمر يوصي بدعم الابتكار في تصميم الأجهزة والتطبيقات التي تلبي احتياجات ذوي القدرات الخاصة