لجريدة عمان:
2025-07-11@23:43:44 GMT

الابتكار الإستراتيجي... ضرورة أم رفاهية؟

تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT

بدأت شركات الابتكار التكنولوجي بتطوير وتحديث مسارات نظم تشغيلها منذ أكثر من عقدين من الزمن، حدث ذلك قبل صعود التقنيات المصاحبة للثورة الصناعية الرابعة، في المقابل لم تنجح فرضيات الاستشراف المستقبلي في استقراء الاحتياجات المتغيرة بشكل دقيق، وهذا ما برهنت عليه حالات التفاوت الشاسعة في درجات الاستجابة والتكيف بين المؤسسات أثناء وبعد جائحة كورونا.

فالمؤسسات التي اتخذت النهج الإستراتيجي في الابتكار كانت الأكثر صمودًا، إذ ليس كل نموذج مبتكر هو ابتكار إستراتيجي، وفي الواقع يكتسب التخطيط الإستراتيجي للابتكار أهمية نوعية مع تسارع وتيرة الاكتشافات العلمية والتقنية، إذن أين يكمن الجوهر الحقيقي للابتكارات الإستراتيجية؟ وكيف يمكن للمبتكرين والشركات الناشئة المدفوعة بالابتكار تركيز الجهود التطويرية باستخدام الأطر المتاحة للتخطيط الإستراتيجي لتحقيق الميزة التنافسية وعوائد الاستثمار المضمونة؟

في البدء لا بد أن نتوقف قليلاً عند النقطة المحورية التي تعترض الابتكار الإستراتيجي، وهي الانطباع السائد بأن الابتكار غالبًا ما يرتبط بالمواهب العلمية الخارقة، وبأنه ينتج من استمرار محاولات ترجمة الأفكار الإبداعية إلى منتجات، ولا يحتاج للتخطيط التقليدي القائم على إجراء تحليل للموقف الراهن، وتقييم نقاط القوة والضعف، ثم وضع الأهداف والمبادرات، في الواقع هذا الفكر لا يخلو تمامًا من الصحة، ولكنه في المجمل قد تسبب في تأخير إدماج محور التخطيط الإستراتيجي في الابتكار، ويعتبر ظهور نموذج الآفاق الإستراتيجية الثلاثة للابتكار هو البداية الفعلية للتخطيط الممنهج في التطوير التكنولوجي، ويضع هذا النهج ثلاثة مستويات للتخطيط الإستراتيجي في الابتكار، حيث يركز المستوى الأول على تحسين وتطوير العمليات الأساسية القائمة ومنتجاتها الابتكارية وذلك بشكل تدريجي يضمن تحقيق هدفين متكاملين؛ وهما رفع الكفاءة التقنية وخفض التكاليف.

أما في المستوى الثاني فالتركيز يتمحور حول تخصيص الموارد المستدامة لتطوير منتجات جديدة بناءً على نقاط القوة الحالية، ومواءمتها مع الاحتياجات الناشئة للمستفيدين.

وفي المستوى الأخير تظهر أولويات استكشاف الابتكارات المبتكرة التي تستشرف أسواقا جديدة، ونماذج أعمال غير تقليدية، ويتطلب تحقيق الابتكار الإستراتيجي مهارات عالية في تحقيق التوافق في الاستثمار عبر هذه الآفاق الثلاثة لضمان التدفق الثابت من مدخلات التطوير التدريجي، وإيجاد فرص النمو والاستيعاب للابتكارات الناشئة.

ولكن واقع رحلة الابتكار يختلف إلى حدٍ كبير عن هذه المستويات النظرية ذات الحدود الواضحة، وهذا يشمل جميع الجهود الابتكارية سواءً على المستوى الفردي أو لدى الشركات الناشئة، إذ ليس من الهين تأسيس مساحات للابتكار بحيث تستند إلى الأفكار والبيانات والتفكير الإبداعي، ووضع خطط إستراتيجية متكاملة وقابلة للتكيف مع المستجدات العلمية والتكنولوجية، وتكون في ذات الوقت داعمة لقادة العمل في اتخاذ قرارات مستنيرة؛ لأن التحدي الأساسي الذي يعترض المبتكرين هو معرفة كيفية إذابة ثقافة الجمود، والبقاء في محيط الراحة، والتخوف من التغيير، وكذلك التعامل الذكي مع عدم اليقين، والتحلي بالحكمة في اتخاذ قرارات ذات مخاطر استثمارية عالية فيما يرتبط بالتطوير التكنولوجي، إذ أن معظم المخاطر التي تقع فيها الجهود الابتكارية الناشئة تنشأ من حالة غياب التوازن والتوافق الاستراتيجي بين الابتكار المفتوح والإبداع وبين الالتزام بهامش المجازفة محسوبة العواقب. فالسمة الغالبة على المجموعات البحثية والابتكارية هو الطموح العلمي، وقلما نجد بين هذه المجموعة أعضاء من خارج محيط التخصص البحثي والتطويري مثل مجالات إدارة الأعمال، والتسويق، وإدارة المخاطر، أو ما يسمى بنظام التشغيل الريادي للابتكارات، الذي يعد متطلبا رئيسيا للوصول للابتكارات الإستراتيجية.

وهذا يقودنا إلى أهمية التخطيط الإستراتيجي للابتكارات، فالنجاح في التطوير التكنولوجي لا يأتي بالصدفة، بل هو عملية مستمرة تتطلب التعلم والتكيف والتجريب من أجل استكشاف الفرص الإستراتيجية الكامنة، أو تطوير الفرص الحالية، مع الأخذ في الاعتبار أهمية تطوير إطار إستراتيجي لرحلة الابتكار في وقت مبكر من بدء الجهود الفعلية في التطوير التكنولوجي بحيث يسهل الانتقال إلى مجالات بديلة في الابتكار إذا ما ظهرت تحديات تقنية أو هيكلية أو تمويلية، حيث إن التخطيط الإستراتيجي للابتكار لا يقتصر على تعريف الفرص وتوجيه الموارد والمدخلات ولكنه بمثابة صمام الأمان في حفظ مسار الجهود التطويرية من الهدر، وكذلك تعزيز البيئة الإبداعية الحاضنة للأفكار التي تقع ضمن نطاق الابتكار.

كما أن التخطيط الإستراتيجي للابتكار يتميز عن التخطيط التقليدي بأنه ليس مجرد عملية ذات خطوات ومراحل محددة، بل هو في الأصل توجيه وانصهار لمجموعة الأفكار والمهارات والخبرات والكفاءات الأساسية، وهي تشتمل على طيف واسع من مهارات التفكير النقدي، والتفكير الإبداعي، وكذلك القدرات الفنية والاجتماعية التي يمكنها توليد الأفكار ودمجها وتحويلها إلى حلول مفيدة ومستدامة للمستفيدين، وأصحاب المصلحة. وبنفس الأهمية تحتاج المجموعات الابتكارية لاكتساب مهارات التفكير النظمي أو التفكير على مستوى الأنظمة، والذي يتطلب فهم العلاقات المتبادلة بين الأنظمة المعقدة مثل الأسواق المحتملة، أو تفضيلات المستفيدين، أو تأثير ثقافة مقاومة التغيير، ومدى الإلمام بجوانب الاستشراف المستقبلي المتوازن.

إن الابتكارات الموجهة نحو الأهداف الإستراتيجية هي مطلب أساسي لضمان التميز والصمود في عالم سريع التطور، والتخطيط الإستراتيجي للابتكار هو بمثابة فن أكثر منه علمًا نظريا مؤطرا ومحددا بالقواعد، إذ يكمن جوهر الابتكار الحقيقي في كيفية توظيف أدوات التحليل للنهوض بالجهود الواقعية إلى الإنجاز، وموازنة هذا التحليل المشبع بالأرقام والبيانات الصامتة مع الخيال العلمي الطموح، وفهم أن تحقيق الابتكار غير المسبوق يأتي أحيانا من المجازفة المدروسة ذات المرونة العالية، ولا يعتمد على إطلاق العنان لجميع الأفكار، وإنما يستوجب التركيز على مجموعة منتقاة من الخيارات ذات الأثر العميق على طول الأفق الزمني المحدد للتطوير التكنولوجي، مع إدراك أهمية الجمع بين طرق التفكير المختلفة كونها مفتاح دعم التخطيط الإستراتيجي الناجح للابتكار؛ لأن تحقيق النجاحات المذهلة لا يعتمد فقط على امتلاك الأدوات المناسبة، بل يتعلق الأمر كذلك بالجمع بين العقول المبدعة والمتنوعة لرؤية المشهد الأكبر للابتكار التكنولوجي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التطویر التکنولوجی فی الابتکار

إقرأ أيضاً:

مندوبية التخطيط : النمو الاقتصادي إرتفع 4.6 في المائة خلال الفصل الثاني لسنة 2025

زنقة 20. الرباط

 

أفادت المندوبية السامية للتخطيط أنه ي رجح أن يكون النمو الاقتصادي قد سجل، خلال الفصل الثاني من عام 2025، ارتفاعا بنسبة 4،6 في المائة.

وأوضحت المندوبية، في مذكرة إخبارية حول اللمحة الظرفية للفصل الأول من 2025 وتوقعات الفصلين الثاني والثالث، أن هذا النمو جاء مدفوعا بأداء الأنشطة غير الفلاحية، لا سيما قطاع الخدمات الذي يشهد منذ سنة 2022 وتيرة نمو تفوق بكثير متوسط نموه المسجل بين سنتي 2010 و2019.

وحسب المصدر ذاته، يرتقب أن يكون قطاع الصناعات الاستخراجية قد استفاد من طلب دولي متزايد على الفوسفاط الخام بشكل خاص، ما أسفر عن ارتفاع ملحوظ في صادراته، في ظل استمرار الضغوط على الأسعار العالمية للأسمدة.

وموازاة مع ذلك، سجل نشاط البناء انتعاشا بنسبة 6،8 في المائة، مدعوما بتكثيف الأوراش الكبرى للبنية التحتية.

وواصل نمو القطاع الفلاحي وتيرته التي تناهز 4،7 في المائة خلال الفصل الثاني من سنة 2025، على أساس سنوي، مساهما بـ 0،5 نقطة في النمو الاقتصادي الإجمالي.

وعلى الرغم من ارتفاع إنتاج المحاصيل بشكل عام، ي رتقب أن يظهر اتجاهات متباينة، بسبب الظروف المناخية غير المنتظمة التي ميزت موسمي الخريف والربيع 2024/2025. ومن المتوقع أن يكون ارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب نقص هطول الأمطار غير المتكافئ بين المناطق، قد أثر على بعض المحاصيل، وخاصة الفواكه الشجرية والبذور الزيتية.

في المقابل، من المتوقع أن يتحسن حصاد الحبوب والخضروات الموسمية والمحاصيل السكرية، لا سيما في المناطق المروية وتلك الأقل تأثرا بنقص المياه، مدعوما جزئيا بتدابير الدعم.

وفي ما يخص الإنتاج الحيواني، الذي يشهد تراجعا ظرفيا منذ سنة 2022، يرجح أن يظل دون مستواه الاتجاهي خلال الفصل الثاني من سنة 2025، رغم تحسن أنشطة قطاع الدواجن.

وفي المجمل، يقد ر أن يكون نمو القيمة المضافة لجميع الفروع الإنتاجية قد استقر خلال الفصل الثاني من سنة 2025 عند نفس الوتيرة المسجلة خلال الفصل الأول (زائد 4،5 في المائة).

من جهة أخرى، ذكرت المندوبية أن نسبة نمو الاقتصاد الوطني بلغت 4،8 في المائة خلال الفصل الأول من 2025، ويعزى هذا التسارع إلى تحسن الأنشطة الفلاحية واستمرار تنامي القيمة المضافة للفروع الثانوية والثالثية.

وبلغت مساهمة الطلب الداخلي في نمو الناتج الداخلي الإجمالي 8،5 نقطة خلال الفصل الأول من سنة 2025، مقاربة لأعلى مستوى لها منذ فترة التعافي ما بعد جائحة كوفيد، فيما استمر الطلب الخارجي في فقدان زخمه بوتيرة أسرع خلال الفترة نفسها، مقتطع ا 3،8 نقاط من النمو الاقتصادي.

كما تتوقع المندوبية السامية للتخطيط نموا اقتصاديا وطنيا بنسبة 4.4 في المائة خلال الفصل الثالث من سنة 2025.

وأوضحت المندوبية، في مذكرة إخبارية حول اللمحة الظرفية للفصل الأول من 2025 وتوقعات الفصلين الثاني والثالث، أن “آفاق النمو للفصل الثالث لسنة 2025 تشير إلى استمرار الديناميكية التي بدأت في بداية هذا العام، وإن كان بوتيرة أكثر اعتدالا. ووفقا للتقديرات الأولية، يتوقع أن يصل نمو الناتج الداخلي الخام إلى 4.4 في المائة خلال الفصل الثالث من سنة 2025”.

وأفاد المصدر ذاته بأن الطلب الخارجي الموجه إلى المغرب سيشهد تباطؤا، في الوقت الذي سيواصل الطلب الداخلي دعمه للنمو الاقتصادي، ليبلغ 6،6 نقطة. وبالنظر إلى دينامية الانتعاش، التي انطلقت منذ نهاية سنة 2024، يتوقع أن يستمر تعافي الاستثمار والاستهلاك خلال الفصل الثالث لسنة 2025، ما سيعزز ارتفاع الأنشطة غير الفلاحية بنسبة 4.2 في المائة على أساس سنوي، مقابل 4.4 في المائة خلال الفصل السابق.

ومن المتوقع أن تظل الضغوط التضخمية محدودة خلال الفترة ذاتها، بناء على فرضية استمرار الاتجاه التنازلي لأسعار النفط.

وفي غياب اضطرابات كبيرة في عرض المنتجات الغذائية، يتوقع أن يستقر معدل التضخم عند 1.1 في المائة، بينما سيقترب مكونه الأساسي، الذي يستثني أسعار المنتجات البترولية والمنتجات المتقلبة والتعريفات المنظمة من نسبة 0.8 في المائة.

وعلى صعيد آخر، أكدت المندوبية السامية للتخطيط أنه لا تزال الشكوك المحيطة بآفاق التجارة الدولية والنشاط الاقتصادي العالمي تتجه نحو الارتفاع بشكل ملحوظ خلال الفصل الثالث من سنة 2025.

وقد يكون للتوترات الجمركية لدى بعض الشركاء التجاريين، على الخصوص، تداعيات سلبية على الطلب الخارجي على المغرب. وبالتالي، يظل سيناريو النمو بالنسبة للفصل الثالث من سنة 2025 عرضة للعديد من أوجه عدم اليقين الاقتصادي.

ويكمن العامل المقيد الأبرز لهذا السيناريو في التأثير المحتمل للرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة المفروضة على أوروبا، حيث يمكن أن تؤدي هذه الصدمة التجارية الخارجية، إلى جانب التباطؤ المستمر في الاقتصاد الأوروبي، إلى تباطؤ في دينامية الصناعات الموجهة نحو التصدير وخاصة نحو أوروبا، لاسيما الأنشطة المتعلقة بقطاعات السيارات والصلب والصناعات الكيماوية والنسيج.

كما تبرز هشاشة إضافية بالنسبة لهذا السيناريو على مستوى القطاع الفلاحي، حيث قد تتأثر مردوديته بتراجع أكثر حدة في الإنتاج الحيواني، لا سيما في حالة اشتداد موجات الحرارة خلال فصل الصيف.

وفي المقابل، قد تساهم بعض العوامل في التخفيف من حدة هذه المخاطر، إذ يمكن لانتعاش قطاع الصناعات الغذائية، المدعوم بارتفاع أنشطة تحويل الحبوب وتعليب الأسماك، أن ي حفز النشاط الصناعي، خاصة إذا استمرت المؤشرات الإيجابية المسجلة في سلاسل الإنتاج الكيميائي خلال هذه الفترة.

من جهة أخرى، قد يساهم تسجيل انخفاض أكبر في أسعار النفط العالمية إلى ما دون 70 دولارا للبرميل، وفي حال عدم وقوع صدمات جيوسياسية جديدة، في احتواء الضغوط التضخمية ودعم وتيرة النمو.

مقالات مشابهة

  • مندوبية التخطيط : النمو الاقتصادي إرتفع 4.6 في المائة خلال الفصل الثاني لسنة 2025
  • محافظ أسوان يطمئن على منظومة العمل بالمركز التكنولوجي بقرية الطوناب بإدفو
  • صيدلة المنصورة تنظم ملتقى الابتكار الافتراضي في الصيف
  • «لوكهيد مارتن» توسّع برنامج التدريب الصيفي في مركز الابتكار
  • جائزة جمعية المعلمين للابتكار تكرم 10 فائزين
  • توسيع برنامج التدريب في مركز الابتكار والحلول الأمنية بأبوظبي
  • «موارد الشارقة» تنظم جلسة «الابتكار الحكومي من الفكرة إلى الأثر»
  • جامعة بني سويف التكنولوجية تكرم الفائزين في مشروعات الابتكار الطلابي
  • الإمارات تؤكد مكانتها كمركز عالمي للابتكار أمام الويبو
  • التعليم العالي: أكبر تحالف بين الجامعات والصناعة لدعم الابتكار