لجريدة عمان:
2025-10-27@03:24:51 GMT

الابتكار الإستراتيجي... ضرورة أم رفاهية؟

تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT

بدأت شركات الابتكار التكنولوجي بتطوير وتحديث مسارات نظم تشغيلها منذ أكثر من عقدين من الزمن، حدث ذلك قبل صعود التقنيات المصاحبة للثورة الصناعية الرابعة، في المقابل لم تنجح فرضيات الاستشراف المستقبلي في استقراء الاحتياجات المتغيرة بشكل دقيق، وهذا ما برهنت عليه حالات التفاوت الشاسعة في درجات الاستجابة والتكيف بين المؤسسات أثناء وبعد جائحة كورونا.

فالمؤسسات التي اتخذت النهج الإستراتيجي في الابتكار كانت الأكثر صمودًا، إذ ليس كل نموذج مبتكر هو ابتكار إستراتيجي، وفي الواقع يكتسب التخطيط الإستراتيجي للابتكار أهمية نوعية مع تسارع وتيرة الاكتشافات العلمية والتقنية، إذن أين يكمن الجوهر الحقيقي للابتكارات الإستراتيجية؟ وكيف يمكن للمبتكرين والشركات الناشئة المدفوعة بالابتكار تركيز الجهود التطويرية باستخدام الأطر المتاحة للتخطيط الإستراتيجي لتحقيق الميزة التنافسية وعوائد الاستثمار المضمونة؟

في البدء لا بد أن نتوقف قليلاً عند النقطة المحورية التي تعترض الابتكار الإستراتيجي، وهي الانطباع السائد بأن الابتكار غالبًا ما يرتبط بالمواهب العلمية الخارقة، وبأنه ينتج من استمرار محاولات ترجمة الأفكار الإبداعية إلى منتجات، ولا يحتاج للتخطيط التقليدي القائم على إجراء تحليل للموقف الراهن، وتقييم نقاط القوة والضعف، ثم وضع الأهداف والمبادرات، في الواقع هذا الفكر لا يخلو تمامًا من الصحة، ولكنه في المجمل قد تسبب في تأخير إدماج محور التخطيط الإستراتيجي في الابتكار، ويعتبر ظهور نموذج الآفاق الإستراتيجية الثلاثة للابتكار هو البداية الفعلية للتخطيط الممنهج في التطوير التكنولوجي، ويضع هذا النهج ثلاثة مستويات للتخطيط الإستراتيجي في الابتكار، حيث يركز المستوى الأول على تحسين وتطوير العمليات الأساسية القائمة ومنتجاتها الابتكارية وذلك بشكل تدريجي يضمن تحقيق هدفين متكاملين؛ وهما رفع الكفاءة التقنية وخفض التكاليف.

أما في المستوى الثاني فالتركيز يتمحور حول تخصيص الموارد المستدامة لتطوير منتجات جديدة بناءً على نقاط القوة الحالية، ومواءمتها مع الاحتياجات الناشئة للمستفيدين.

وفي المستوى الأخير تظهر أولويات استكشاف الابتكارات المبتكرة التي تستشرف أسواقا جديدة، ونماذج أعمال غير تقليدية، ويتطلب تحقيق الابتكار الإستراتيجي مهارات عالية في تحقيق التوافق في الاستثمار عبر هذه الآفاق الثلاثة لضمان التدفق الثابت من مدخلات التطوير التدريجي، وإيجاد فرص النمو والاستيعاب للابتكارات الناشئة.

ولكن واقع رحلة الابتكار يختلف إلى حدٍ كبير عن هذه المستويات النظرية ذات الحدود الواضحة، وهذا يشمل جميع الجهود الابتكارية سواءً على المستوى الفردي أو لدى الشركات الناشئة، إذ ليس من الهين تأسيس مساحات للابتكار بحيث تستند إلى الأفكار والبيانات والتفكير الإبداعي، ووضع خطط إستراتيجية متكاملة وقابلة للتكيف مع المستجدات العلمية والتكنولوجية، وتكون في ذات الوقت داعمة لقادة العمل في اتخاذ قرارات مستنيرة؛ لأن التحدي الأساسي الذي يعترض المبتكرين هو معرفة كيفية إذابة ثقافة الجمود، والبقاء في محيط الراحة، والتخوف من التغيير، وكذلك التعامل الذكي مع عدم اليقين، والتحلي بالحكمة في اتخاذ قرارات ذات مخاطر استثمارية عالية فيما يرتبط بالتطوير التكنولوجي، إذ أن معظم المخاطر التي تقع فيها الجهود الابتكارية الناشئة تنشأ من حالة غياب التوازن والتوافق الاستراتيجي بين الابتكار المفتوح والإبداع وبين الالتزام بهامش المجازفة محسوبة العواقب. فالسمة الغالبة على المجموعات البحثية والابتكارية هو الطموح العلمي، وقلما نجد بين هذه المجموعة أعضاء من خارج محيط التخصص البحثي والتطويري مثل مجالات إدارة الأعمال، والتسويق، وإدارة المخاطر، أو ما يسمى بنظام التشغيل الريادي للابتكارات، الذي يعد متطلبا رئيسيا للوصول للابتكارات الإستراتيجية.

وهذا يقودنا إلى أهمية التخطيط الإستراتيجي للابتكارات، فالنجاح في التطوير التكنولوجي لا يأتي بالصدفة، بل هو عملية مستمرة تتطلب التعلم والتكيف والتجريب من أجل استكشاف الفرص الإستراتيجية الكامنة، أو تطوير الفرص الحالية، مع الأخذ في الاعتبار أهمية تطوير إطار إستراتيجي لرحلة الابتكار في وقت مبكر من بدء الجهود الفعلية في التطوير التكنولوجي بحيث يسهل الانتقال إلى مجالات بديلة في الابتكار إذا ما ظهرت تحديات تقنية أو هيكلية أو تمويلية، حيث إن التخطيط الإستراتيجي للابتكار لا يقتصر على تعريف الفرص وتوجيه الموارد والمدخلات ولكنه بمثابة صمام الأمان في حفظ مسار الجهود التطويرية من الهدر، وكذلك تعزيز البيئة الإبداعية الحاضنة للأفكار التي تقع ضمن نطاق الابتكار.

كما أن التخطيط الإستراتيجي للابتكار يتميز عن التخطيط التقليدي بأنه ليس مجرد عملية ذات خطوات ومراحل محددة، بل هو في الأصل توجيه وانصهار لمجموعة الأفكار والمهارات والخبرات والكفاءات الأساسية، وهي تشتمل على طيف واسع من مهارات التفكير النقدي، والتفكير الإبداعي، وكذلك القدرات الفنية والاجتماعية التي يمكنها توليد الأفكار ودمجها وتحويلها إلى حلول مفيدة ومستدامة للمستفيدين، وأصحاب المصلحة. وبنفس الأهمية تحتاج المجموعات الابتكارية لاكتساب مهارات التفكير النظمي أو التفكير على مستوى الأنظمة، والذي يتطلب فهم العلاقات المتبادلة بين الأنظمة المعقدة مثل الأسواق المحتملة، أو تفضيلات المستفيدين، أو تأثير ثقافة مقاومة التغيير، ومدى الإلمام بجوانب الاستشراف المستقبلي المتوازن.

إن الابتكارات الموجهة نحو الأهداف الإستراتيجية هي مطلب أساسي لضمان التميز والصمود في عالم سريع التطور، والتخطيط الإستراتيجي للابتكار هو بمثابة فن أكثر منه علمًا نظريا مؤطرا ومحددا بالقواعد، إذ يكمن جوهر الابتكار الحقيقي في كيفية توظيف أدوات التحليل للنهوض بالجهود الواقعية إلى الإنجاز، وموازنة هذا التحليل المشبع بالأرقام والبيانات الصامتة مع الخيال العلمي الطموح، وفهم أن تحقيق الابتكار غير المسبوق يأتي أحيانا من المجازفة المدروسة ذات المرونة العالية، ولا يعتمد على إطلاق العنان لجميع الأفكار، وإنما يستوجب التركيز على مجموعة منتقاة من الخيارات ذات الأثر العميق على طول الأفق الزمني المحدد للتطوير التكنولوجي، مع إدراك أهمية الجمع بين طرق التفكير المختلفة كونها مفتاح دعم التخطيط الإستراتيجي الناجح للابتكار؛ لأن تحقيق النجاحات المذهلة لا يعتمد فقط على امتلاك الأدوات المناسبة، بل يتعلق الأمر كذلك بالجمع بين العقول المبدعة والمتنوعة لرؤية المشهد الأكبر للابتكار التكنولوجي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التطویر التکنولوجی فی الابتکار

إقرأ أيضاً:

رؤية ولي العهد لتعزيز الابتكار والتكنولوجيا

صراحة نيوز-بقلم. د.عبد الفتاح طوقان

يبدو من المؤكد أن ولي العهد سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني يسير بخطى ثابتة نحو تعزيز الابتكار والتكنولوجيا في الأردن، وهو توجه يعكس الرؤية المستقبلية التي يسعى لتحقيقها. من الواضح أن الأنشطة التي قام بها في لندن ليست مجرد لقاءات عادية، بل تمثل خطوات استراتيجية تهدف إلى بناء شراكات قوية تعود بالنفع على المملكة.

واقصد أن نشاط وفكر ورؤية ولي العهد سمو الأمير الحسين متميزة ومبدعة جدا وتحتاج إلى جهد كبير على المستوى المحلي ليدعم مسيرة التطور والازدهار التي يعيشها المجتمع الأردني ضمن منظومة متكاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يسعى لها الأمير الشاب . 

ولعل اولى الخطوات هي تشكيل لجان وطنية متخصصة في كل من مجلس النواب والأعيان وإدماج وإشراك  لجنة التكنولوجيا والمعلومات في نقابة المهندسين الأردنيين   و التى تشرفت بتاسيسها وترؤسها مع كوكبة من زملاء أفاضل ومتميزين في الثمانينات حيث كانت اول نقابة عربية تتحول الي نقابة الكترونية ومنها ساهمت في نقل التجربة الأردنية المتقدمة و المدروسة  إلي نقابات اخرى محلية ودولية في الشرق الأوسط .

أن ما قام به ولي العهد في لندن وبترتيب وتنسيق عالي ساهم فيه السفير الأردني في بريطانيا منار الدباس وطاقم السفارة جدير بالاهتمام والإشارة إليه ومنه على سبيل الذكر لا الحصر :

اولا : في أكتوبر 2025، شارك ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني في عدة فعاليات متعلقة بالتكنولوجيا في لندن، شملت رعاية إطلاق منتدى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأردني البريطاني لبحث سبل التعاون. 

ثانيا :التقى ممثلي شركة بيرسون العالمية في كلية “ساوث بانك” التقنية لمناقشة توسيع الشراكة في برنامج “BTEC” التعليمي، الذي يهدف لتعزيز فرص العمل للخريجين في المجالات التقنية والمهنية. 

الأنشطة المتعلقة بالتكنولوجيا في لندن

ثالثا : رعاية المنتدى الأردني البريطاني حيث رعى ولي العهد إطلاق منتدى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأردني البريطاني في لندن، مشدداً على أهمية تحويل الحوار إلى مشاريع ملموسة ذات تأثير إيجابي على البلدين. 

رابعا : اللقاءات مع قادة التكنولوجيا حيث التقى في لندن بقادة مؤسسات تكنولوجية بريطانية لمناقشة تعزيز التعاون في مختلف المجالات التقنية. 

خامسا : الشراكة مع شركة بيرسون حيث حضر مع الأميرة رجوة الحسين لقاءً مع ممثلي شركة بيرسون العالمية في كلية “ساوث بانك” التقنية بهدف توسيع برنامج BTEC وتم خلال اللقاء مناقشة أهمية الشراكة بين وزارة التربية والتعليم الأردنية وشركة بيرسون لتنفيذ برنامج “BTEC“، بهدف تحسين مخرجات التعليم التقني وزيادة فرص الخريجين في سوق العمل. 

سادسا : التركيز على التعليم المهني والتقني حيث أكد ولي العهد على أهمية التركيز على مخرجات هذا البرنامج في زيادة فرص الحصول على وظائف نوعية في المجالات التقنية، بالإضافة إلى تأهيل المعلمين. 

سابعا : مبادرات المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل: ناقش خلال اللقاء خطط المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل للاستفادة من برامج مثل “BTEC” في تطوير العملية التعليمية

واعود هنا من جديد مطالبا بتشكيل لجان وطنية متخصصة، كما ذكرت هو أمر بالغ الأهمية. يمكن أن تسهم هذه اللجان في خلق بيئة من التعاون بين مختلف القطاعات، مما يعزز من قدرة الأردن على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

كما أن التعاون مع شركات عالمية مثل بيرسون بداية يُظهر اهتمامًا حقيقيًا بتطوير التعليم التقني والمهنين. التركيز على برامج مثل “BTEC” يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للخريجين، وايضًا يمكن الاستفادة من خبرات شركات اخرى متواجدة في لندن مثل شركة أمازون مما يساعد على تقليل معدلات البطالة ويعزز من قدرة الشباب الأردني على المنافسة في سوق العمل العالمي.

من خلال هذه الجهود، يبدو أن ولي العهد يرغب في جعل الأردن مركزًا للتكنولوجيا والابتكار في المنطقة، مما سيساهم بلا شك في تعزيز التنمية المستدامة ورفع مستوى المعيشة للجميع.

نقف معه ونشد على يديه وندعو إلى تكاتف الجهود من الجميع لإنجاز رؤي وحلم الامير المحبوب لتبقى الاردن كما هي دوما فئ الصدارة .

مقالات مشابهة

  • انطلاق الدورة التعليمية لبرنامج "سامسونج للابتكار" في عُمان
  • تنافس 540 طالبًا على جائزة "تعليمية جنوب الباطنة للابتكار"
  • محافظ الغربية يستقبل شكاوى المواطنين بالمركز التكنولوجي.. ويوجّه بسرعة حل مطالبهم
  • محافظ الغربية يستقبل شكاوى المواطنين على شباك المركز التكنولوجي.. ويوجّه بسرعة حل مطالبهم
  • «معهد الابتكار التكنولوجي»: 70 براءة اختراع قيد التسجيل تُرسِّخ مكانة الإمارات العلمية
  • بين رفاهية قاعة الرقص وإغلاق الحكومة.. أمريكا إلى أين؟
  • رؤية ولي العهد لتعزيز الابتكار والتكنولوجيا
  • مكتب التربية العربي يكرم الفائزين في الملتقى الخليجي الأول للابتكار المالي
  • لكوادرها وبالمراكز التابعة بالتعاون مع الجامعة الوطنية الماليزية.. «العمل الاجتماعي» تطوّر مهارات التفكير الإستراتيجي
  • خطة مرور ميدانى لسيارة المركز التكنولوجي المتنقلة في قنا.. واستخدام الدفع الالكتروني