دلالات اعتقال مؤسس «تليجرام» في فرنسا
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
رغم المسوغات التي ساقتها السلطات الفرنسية لإقدامها أمس الأول «الاثنين» على اعتقال الملياردير الروسي المولد «بافيل دوروف» الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة «تليجرام» التي تدير منصة التواصل العالمية التي تحمل اسمها، فإنني أشعر أن هناك يدا صهيونية أمريكية فرنسية في أمر الاعتقال، باعتبار أن تطبيق «تليجرام» الذي يستخدمه أكثر من 950 مليون شخص أصبح المنصة الوحيدة المتاحة أمام حركة المقاومة «حماس» لنشر أخبار عملياتها ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي، وتسويق سردها للأحداث في الحرب الطاحنة التي تخوضها في مواجهة آلة القتل والإبادة الجماعية الإسرائيلية المدعومة أمريكيا وغربيا.
لم تقنعني الأسباب التي قدمتها السلطات الفرنسية لاعتقال الرجل الذي وُلد في روسيا ويعيش الآن في دبي، وأسس «تليجرام» مع شقيقه، وتقدر ثروته بنحو 15 مليار دولار، وأهمها إساءة معاملة الأطفال على تطبيق المراسلة، لأنه إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تعتقله فرنسا من قبل خاصة وأنه يحمل الجنسية الفرنسية إلى جانب الجنسية الإماراتية، ويتردد على فرنسا كثيرا.
إن قراءة ما بين السطور تكشف أن موضوع الأطفال رغم احتمال صحته جزئيا ليس هو السبب الرئيس للقيام بهذه الخطوة التي تهدف في تقديري إلى ممارسة ضغوط على الرجل لإسكات الصوت الفلسطيني وأصوات المظلومين في العالم الذين أصبحوا يلجؤون إلى هذه المنصة بعد أن ضاقت بهم المنصات العالمية الأخرى مثل فيسبوك وإكس وإنستجرام وغيرها. ولعل هذا ما عبرت عنه المدعية العامة الفرنسية التي قالت إن «دوروف احتجز للتحقيق معه في اتهامات بتوزيع مواد اعتداء جنسي على الأطفال، ومخدرات، وغسيل الأموال، والعمل مع منظمات الجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابية». ومن المعلوم أن فرنسا تصنف «حماس» باعتبارها جماعة إرهابية كونها مدرجة أيضا في قائمة المنظمات الإرهابية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي.
من المؤكد أن اعتقال «دوروف» جاء بعد رفضه إغلاق قنوات وحسابات حركات المقاومة الفلسطينية، ورفضه كذلك تزويد الحكومات الغربية بالمعلومات عن أصحابها والكشف عن الرسائل الخاصة المتبادلة بين مستخدمي تلك القنوات. لقد لجأت حماس إلى «تليجرام» نتيجة التضييق الشديد الذي تتعرض له، وكذلك كل المتعاطفين معها على الشبكات الأخرى. وأصبحت بيانات وفيديوهات المقاومة تُنشر أول ما تُنشر على هذه المنصة ومنها تتدفق إلى وسائل الإعلام. ونجحت حماس من خلال المنصة ومنصات تليفزيونية أخرى من تسويق سرديتها للأحداث ودحض المزاعم الصهيونية والتأثير في الرأي العام العالمي. وكان من الطبيعي أن تعمل الصهيونية العالمية على حرمان المقاومة من معقلها الإعلامي الوحيد. وأكاد أجزم أن «دوروف» أثناء اعتقاله سوف يتعرض لضغوط لحذف قنوات المقاومة من المنصة في مقابل الإفراج عنه، في محاولة لتجفيف كل المنابع الإعلامية المتبقية للمقاومة في غزة.
وإذا كان اعتقال «دوروف» قد أعاد إحياء النقاش بين المدافعين عن حرية التعبير التي قتلتها الشبكات الاجتماعية بوضع قيود على المحتوى المناهض لإسرائيل والصهيونية العالمية وبين الشركات التي تخشى التدخل الحكومي القاسي في عملها وتسمح للحكومات بمراقبة مستخدميها، فإنه أيضا يفتح على الجانب الآخر نقاشا حول جدوى تعدد منصات التواصل الاجتماعي إذا كان المضمون موحدا ومتفقا عليه، ويسمح لطرف بالتعبير الحر عن رأيه وتقديم رؤيته للأحداث، وأعني هنا الصهاينة والمتعاطفين معهم، بينما يحرم الطرف الآخر «الفلسطينيون والمتعاطفون معهم» من ذلك.
ولا شك أن اعتقال مؤسس «تليجرام» بدعوى فشل المنصة المزعوم في إدارة المحتوى بشكل كافٍ، يهدد حرية التعبير ويحرم المعارضين للسياسات الأمريكية والغربية من التعبير عن رأيهم، ويمنح الحكومات قدرًا كبيرًا من السلطة للإطاحة بحق أصيل من حقوق الإنسان وهو الحق في الاتصال.
أين كانت فرنسا والولايات المتحدة والدول الغربية عموما عندما كان «تليجرام» يمثل المنصة الوحيدة المتاحة لتنظيم داعش والمركز الإعلامي الرئيس له لعقد من الزمان. لم يتحرك أحد وقتها لاعتقال صاحب المنصة لأن داعش كانت صناعة أمريكية غربية في الأساس، ولكنه تحرك عندما أغضب التطبيق، الذي يعد أحد أكثر تطبيقات المراسلة شعبية على مستوى العالم، إسرائيل ومن يدور في فلكها من حكومات ودول، بعد أن فشلت جميعها في إقناع الشركة بتزويدها بالمعلومات عن المحادثات الجماعية الخاصة التي تتم عليه. وقد كشفت دراسة أجرتها اليونسكو في عام 2022 إلى أن ما يقرب من نصف المحتوى المتعلق بالهولوكوست والذي تمت مشاركته علنًا على «تليجرام» يحتوي على إنكار المحرقة اليهودية، وهو أمر لا يسعد الصهاينة بالتأكيد.
صحيح أن بعض الحكومات في العالم حظرت التطبيق أو طلبت منه حذف محتوى محدد، مثل حكومة البرازيل الذي حظرته مؤقتا في العام الماضي بعد اتهامات غير مؤكدة بأن مجموعات من النازيين الجدد استخدموه لشن هجمات على المدارس. وفي العام نفسه، طلبت الحكومة الهندية من الموقع حذف كل صور الاعتداء الجنسي على الأطفال. ولكن لم يجرؤ أحد على اعتقال صاحب ومؤسس التطبيق إلا بعد استخدام المقاومة الفلسطينية له. ولعل أهم ما يقلق الصهيونية العالمية من استمرار التطبيق هو أنه - وفقا لشروط الخدمة المعلنة له - لا يدير ولا يتدخل في الرسائل الخاصة بين المستخدمين أو المحادثات الجماعية الخاصة، كما أنه كما يقول على موقعه الإلكتروني «لم يكشف عن بايت واحد من بيانات المستخدمين لأطراف ثالثة بما في ذلك الحكومات» مثلما تفعل المنصات الأخرى.
في عام 1981 نشرت منظمة اليونسكو تقرير لجنة الأيرلندي الحائز على جائزة نوبل للسلام شون ماكبرايد عن مشاكل الإعلام والاتصال في العالم تحت عنوان لافت هو «أصوات متعددة.. وعالم واحد» والذي طالب بإقامة نظام إعلامي عالمي جديد. والآن وبعد 43 عاما من صدور هذا التقرير التاريخي لم يتغير شيء على الصعيد الإعلامي العالمي بل ازداد الأمر سوءا، ولم يعد بالإمكان الحديث عن إقامة نظام إعلامي عالمي جديد متوازن وعادل، بعد أن سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على كل المنصات التي أنتجتها شبكة الإنترنت، وأصبح لدينا - إذا صح التعبير- «منصات متعددة وصوت واحد»، هو صوت الغرب المتحالف مع الصهيونية العالمية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الصهیونیة العالمیة
إقرأ أيضاً:
المقاومة الفلسطينية تسلم 3 أسرى صهاينة ضمن الدفعة السادسة من صفقة تبادل الأسرى
سلمت المقاومة الفلسطينية، اليوم السبت، 3 أسرى صهاينة إلى الصليب الأحمر في خان يونس لنقلهم إلى جانب العدو الإسرائيلي ضمن الدفعة السادسة من صفقة التبادل حسب اتفاق وقف إطلاق النار.
وتم إيصال الأسرى الثلاثة لتسليمهم للصليب الأحمر الدولي بمركبة من التي تم اغتنامها من جيش العدو يوم بدء معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023.
ونصبت المقاومة منصة ضخمة، زينت بصور قادتها الشهداء، على رأسهم محمد الضيف ومروان عيسى، وعبارات بالعربية والانجليزية والعبرية، فيما انتشر مقاومون من كتائب القسام وسرايا القدس في المكان، الذي يحيط به الركام من كل جانب، إثر حرب الإبادة الصهيونية.
واصطف عشرات المقاتلين من القسام والسرايا في محيط المنصة، إلى جانب اعتلاء مقاتلين عدة مركبات بيضاء.
وظهر من بين المقاتلين، عدد من عناصر كتائب القسام يرتدون زي جيش العدو العسكري، ويحملون أسلحة اغتنمت خلال معارك طوفان الأقصى.
وخُطت العديد من العبارات في الصور المنصوبة على المنصة، عبرت فيها المقاومة عن ثباتها ومسعاها نحو التحرير.
ومن تلك العبارات “نحن الجنود يا قدس فاشهدي”، على صورة لمقاتلين يحملون أعلام دول عربية ويسيرون نحو القدس.
وكتبت جملة “لا هجرة إلا القدس” على صورة ثانية، يجلس فيها شخص على كرسي، تيمّنًا بالصورة المشهور للشهيد يحيى السنوار، وأمامه فتحة في جدار خرج منها طفل يحمل علم فلسطين ويسير نحو قبة الصخرة.
وأسفل المنصة، علقت صور جوية تبدو أنها من آثار عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، يعلو كلا منها مثلث أحمر، وجملة “عبرنا مثل خيط الشمس” باللغات الثلاث.
واصطف عشرات المقاتلين من القسام والسرايا في محيط المنصة، إلى جانب اعتلاء مقاتلين عدة مركبات بيضاء.
وسبق أن سلمت المقاومة اثنين من الأسرى الإسرائيليين في ذات المكان، وهو يبعد مئات الأمتار عن منزل السنوار المدمر.
وخلال ذلك، نشرت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي مقطعًا مصورًا أظهر لحظة تلقي الأسير الإسرائيلي لديها ساشا الكسندر تروبنوف، قرار الإفراج عنه، حيث رد بابتسامة وعبارة “الحمد لله”.
وستفرج المقاومة اليوم عن الأسرى الإسرائيليين الثلاثة، ساشا الكسندر تروبنوف، ساغي ديكل حن، يائير هورن، وهم الذين أعلنت كتائب القسام أسماءهم أمس الجمعة.
ومقابل ذلك، سيتحرر من سجون العدو 369 أسيرا فلسطينيا، من بينهم 36أسيراً من ذوي الأحكام المؤبدة، و333 من أسرى قطاع غزة الذين اعتقلهم الاحتلال بعد الـ7 من أكتوبر، وتعرضوا في سجونه لعمليات تعذيب وتجويع وإذلال.