لجريدة عمان:
2024-09-13@20:54:20 GMT

الحرب القادمة التي لا يذكرها أحد

تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT

أفياري أ. علمي

يوسف حسن

المتاعب لها قرون يمكن أن نمسكها منها ولكن ليست لها ذيول.

يعني هذا المثل الصومالي أن بالإمكان اجتناب وقوع الأزمة لكن ليس من السهل السيطرة عليها بعد وقوعها، ويبدو المثل منطبقا على شرق إفريقيا تمامًا في الوقت الراهن. فمن المؤكد أن المتاعب بدأت. بفضل رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد ومطامحه التوسعية وخططه المتهورة، أصبحت منطقة القرن الإفريقي الآن على شفا حرب من شأنها أن تعرض المنطقة للخطر وتكون لها تبعات في العالم.

ولا بد من إيقافها قبل أن يفوت الأوان.

يتمثل حافز هذا الصراع في هوس مسيطر على أبيي أحمد بأن يجعل من إثيوبيا دولة ساحلية. فقد أعلن في العام الماضي أن إثيوبيا لا يمكن أن تظل دولة حبيسة ولا بد أن يكون لها اتصال بالبحر، إما بالتفاوض أو بالقوة. وكان الصومال -وهو أضعف البلاد المتاخمة لحدود أثيوبيا- هو الهدف الواضح. في الأول من يناير وقع أبيي أحمد مذكرة تفاهم مع رئيس صوماليلاند [أو أرض الصومال Somaliland] ـ وهي جمهورية انفصالية معلنة من جانب واحد في شمال غرب الصومال. ففي مقابل اعتراف رسمي بصوماليلاند، تحصل إثيوبيا على قاعدة بحرية ساحلية باتساع اثني عشر ميلا على خليج عدن. ويحظى أبيي أحمد بساحله.

كان هذا انتهاكًا سافرًا لسيادة الصومال وسلامة أراضيه يجدد ذكرى تدخل إثيوبيا التخريبي في البلد. رفض الصومال فورًا مذكرة التفاهم وشن هجوما دبلوماسيا، وشرح لدول المنطقة والقوى الدولية أن إثيوبيا تسعى إلى السيطرة على أرض صومالية من خلال وسائل غير مشروعة. فأيدت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جميعا موقف الصومال، مؤكدين على ضرورة احترام الحدود الراسخة والسيادة الوطنية.

وبرغم الضغط الدولي، وبخاصة من إدارة بايدن، ظل أبيي أحمد ثابتًا على موقفه. ويبدو أنه يعتقد أننا في اللحظة المناسبة لتنفيذ خطته، إذ يصارع الصومال تمردًا متطرفًا، وتلهي الانتخابات الرئاسية الحكومة الأمريكية المتورطة أصلا في صراعات الشرق الأوسط وأوروبا. فضلا عن ميزة أخرى تتمثل في احتمال فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية إذ يرجو أبيي أحمد أن يكون ترامب إما داعما لأفعاله أو غير مبال بها.

وفي الأسابيع الأخيرة، تصاعدت التوترات ـ التي ظلت تمور على مدار العام. ففي استعراض للقوة بعثت إثيوبيا قواتها إلى الصومال مرتين في يونيو مما أدى إلى شكاوى من الصومال لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي يوليو، قامت ميلشيا محلية في الصومال بنهب شاحنتي أسلحة وذخيرة مبعوثة من إثيوبيا، بما يعني أن الأسلحة ماضية في طريقها إلى داخل البلد أيضا.

من جانبه، هدد الصومال بطرد القوات الإثيوبية من قوات حفظ السلام الإفريقية في البلد، وقام في خطوة جريئة بإقرار معاهدة دفاع مع مصر في يوليو، تضاف إلى معاهدة أخرى تم توقيعها سابقا في العام نفسه مع تركيا. وتقدمت تركيا للوساطة لكنها عجزت عن التوصل إلى حل. وفي ظل احتدام الخلاف بين الطرفين، تكون المنطقة كلها قابعة فوق قنبلة موقوتة.

ستكون الحرب مهلكة. بتورط بلاد متنافسة وجيدة التسليح، وطوائف عرقية، وجماعات دينية وداعمين دوليين، سيكون من شأن هذا الصراع أن يريق دما ويثير أزمة لكلا البلدين. ولن يقوى الصومال على احتمال ذلك وهو البلد الذي يتعافى ببطء من حرب أهلية استمرت 3 عقود. وإثيوبيا بالفعل غارقة في مستنقع صراعات عديدة داخل حدودها، كما في مناطق تيجاري وأمهرة وأوروميا، وتواجه صراعات على حدودها مع إريتريا والسودان. ومن شأن جبهة جديدة ممتدة لآلاف الأميال أن تؤدي إلى انهيار البلد.

سوف تتعرض المنطقة -المعرضة أصلا لاضطرابات الحرب في السودان- للمزيد من الاضطراب. وقد يجتذب الصراع دول البحر الأحمر والتي تعد هذا المسطح المائي ضروريا لأمنها الوطني. كما أن للولايات المتحدة والصين ودول أوروبية بالفعل حضورًا عسكريًا في البحر الأحمر، فضلًا عن أن دولًا أخرى قد دخلت الحلبة أخيرًا. فقد تصبح المنطقة بسرعة ميدان معركة لقوة عالمية وإقليمية.

برغم هشاشة منطقة شرق إفريقيا فإنها تبقى مهمة للتجارة والأمن الدوليين. فخليج عدن والبحر الأحمر يربطان آسيا بأوروبا والأمريكيتين، بينما يمثل القرن الإفريقي بوابة آسيا على كامل القارة الإفريقية. وبإعاقة المسارات الملاحية المحورية، من شأن حرب في المنطقة أن تهدد التجارة العالمية. ومن المثير للقلق بالقدر نفسه أن من شأن هذه الحرب أيضًا أن تحيي الجماعات الإسلامية المتطرفة من قبيل جماعة الشباب التي زعمت فعلا أنها قامت بتجنيد آلاف الشباب الصوماليين لمحاربة الإثيوبيين. وإذن فإن اضطراب شرق إفريقيا ينطوي على مخاطرة يتعرض لها العالم كله.

والوقت قصير: فقد فشلت محاولة تفاوضية أخرى هذا الشهر. ومن أجل منع المنطقة من التردي إلى صراع كارثي، لا بد أن يتواصل العالم كله -بقيادة الولايات المتحدة- مع أبيي أحمد لإبلاغه أنه لن يتم التسامح مع مطامحه التوسعية. ويجب على أثيوبيا -شأن أي دولة حبيسة غيرها-ـ أن تسعى إلى الوصول تجاريا إلى البحر من خلال تكامل اقتصادي تعاوني، وليس من خلال اتفاقات مع الانفصاليين. ولا بد لواشنطن -التي استثمرت استثمارات هائلة في المنطقة- أن تضغط على قادة بلاد شرق إفريقيا لتعزيز الحوار وكذلك للمصالحة بين الصومال وصوماليلاند.

ولن يكون الأمر يسيرًا. لكن البحر الأحمر وخليج عدن أهم كثيرًا من أن يتحولا إلى منطقة حرب أخرى، وشرق إفريقيا أشد هشاشة من أن تحتمل مغامرات طائشة. ولا بد أن يمسك العالم هذه المشكلة من قرنيها. لأنها في حال اندلاعها لن يكون لها من ذيول يمكن كبحها منها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البحر الأحمر شرق إفریقیا ولا بد من شأن

إقرأ أيضاً:

لبنان عالق بين نموذجَيْ سوريا والأردن

كتبت هيام القصيفي في" الاخبار": يعيش لبنان على إيقاع حرب مواجهة أكثر منها مساندة، فيما الدول المحيطة كالأردن وسوريا تقدّم نموذجيْن مختلفيْن في مقاربة المشهد الإسرائيلي الفلسطيني.قبل أسابيع قليلة، كان زوار غربيون في عمّان يستطلعون الوضع الأردني بعد أقل من سنة على اندلاع المواجهة بين إسرائيل وحماس في غزة، قبل انتقالها أخيراً إلى الضفة الغربية. ولمس هؤلاء مدى قلق السلطات الأردنية على مصير المنطقة، في خضمّ اتجاهات الحرب غير المسبوقة والانقلاب الذي تعيشه إسرائيل ما بعد 7 تشرين الأول. ونقلوا أن ثمة ترقباً وقلقاً حيال أوضاع المنطقة ككل، في سياق تأثيرات إيران في دول المنطقة، وما تفرضه إسرائيل من إيقاعات جديدة على مسار الوضع لم يسبق أن شهدتها المنطقة. وهذا التحول الإسرائيلي لا يزال موضع دراسة أردنية معمّقة حيال ما يمكن أن تحمله إسرائيل مستقبلاً نحو دول الجوار وأي تسويات محتملة ولو كانت مؤقّتة. ولا تغفل السلطات الأردنية القلق على وضع الأردن، رغم توافر الحمايات الغربية وإلى حد ما العربية له. لا تزال حرب الاستنزاف تفرض واقعاً عسكرياً على لبنان، كجبهة قائمة مرشّحة لأن تبقى كذلك إلى وقت غير معلوم في سوريا الأمر مختلف. منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس ومن ثم مع حزب الله، لم تدخل سوريا في وحدة الساحات. في لبنان، يُنظر إلى سوريا والأردن كنموذجين مختلفين، الوضع اللبناني عالق بينهما. ما يميز هذا الوضع الاختلاف الجذري في قراءة الموقف اللبناني العام غير الموحّد من حرب الإسناد ومن أصل القضية التي تخاض من أجلها الحرب، وثمة تخوّف لا يزال قائماً من تسوية أميركية - إيرانية لا تأخذ في الاعتبار كامل المصلحة اللبنانية، تقابله نظرة مشكّكة كذلك بحجم التدخل العربي الذي يبتعد كلياً عن لبنان، لصالح الهاجس الإيراني، فتغلّب دول عربية وخليجية فاعلة، مصالح الاستقرار الخليجي، في التهدئة مع إيران، على الوقوف موقفاً متماسكاً من موقع حزب الله في المعادلة اللبنانية، وبعدما دفع لبنان ثمن إبعاد المشكلات الإقليمية عن الدول العربية لسنوات طويلة، يدفع مرة أخرى ثمن حرب الإسناد.  

مقالات مشابهة

  • الخارجية الصومالية: لن نتورط في مسار تفاوضي عقيم مع إثيوبيا
  • إثيوبيا تمنع القوات المصرية من الوصول إلى الصومال بتصعيد مفاجئ
  • مجموعة الأزمات: تنظيم الدولة يتشكل من جديد بالصومال ويهدد المنطقة كلها
  • إغلاق “المكتبة الثقافية المصرية” في هرجيسا و”أرض الصومال” تستعد لتوقيع اتفاقية رسمية مع إثيوبيا
  • شجار وضرب في برلمان إثيوبيا.. ما حقيقة الفيديو؟
  • تعرف على تفاصيل أغنية سيمون القادمة
  • هوكشتاين سيصل إلى المنطقة.. ما هي الرسالة التي يحملها إلى إسرائيل؟
  • "أرض الصومال" يقترب من توقيع اتفاقية مثيرة للجدل مع إثيوبيا
  • عادل حمودة يكتب: لعبة الأمم فى الصومال.. آبى أحمد من رجل دولة إلى مهرج فى البلاط
  • لبنان عالق بين نموذجَيْ سوريا والأردن