لجريدة عمان:
2025-10-17@11:21:08 GMT

اقتصاد الكرنفالات

تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT

ماريانا مازوكاتو

ألفارو بارينجتون

في هذا الشهر، تعود واحدة من أعظم الاحتفالات بالثقافة الكاريبية إلى شوارع غرب لندن. كرنفال نوتنج هِل -مثله كمثل كرنفالات عديدة في مختلف أنحاء العالم- من بنات أفكار أحفاد أفارقة، استعانوا بتقاليد الموسيقى والأداء. تنتشر روائح الدجاج الجامايكي المشوي وتتردد أصداء موسيقى السوكا وأصوات المقالي الفولاذية في الشوارع، فتسترشد بها فِـرَق الـتَـنَـكُّـر المتشحة بألوان زاهية، وريش، وخرز.

مع ذلك، سوف يمر العرض عبر أشد مناطق لندن تفاوتا، حيث تنتصب قصور قيمة كل منها 15 مليون جنيه إسترليني (19.5 مليون دولار) إلى جانب موقع برج جرينفيل، حيث أسفر حريق قبل سبع سنوات عن مقتل وإصابة مئات من السكان من ذوي الدخل المنخفض. وبعد صيف متوتر من أعمال الشغب المناهضة للهجرة، يمثل الكرنفال العكس تماما: فهو احتفال بالتنوع والإبداع الجماعي. كرنفال نوتنج هِل ليس مجرد مهرجان؛ بل هو واحد من أكبر الأحداث الثقافية «السوداء» على هذا الكوكب واحتفال عالمي بالشتات الإفريقي. كان الهدف من إنشاء هذا الكرنفال تخفيف التوترات في نوتنج هِل، بعد مقتل النجار المولود في أنتيجوا، كيلسو كوشران، في عام 1959 وأعمال الشغب العنصرية في ستينيات القرن العشرين. منذ ذلك الحين، تحول الكرنفال إلى احتفال بالتماسك الثقافي، حيث يجمع بين مجتمعات لندن المتنوعة ويستعرض أفضل ما في الثقافة الكاريبية. تحكي الموسيقى وعروض الأداء قصة التحرر من العبودية وتسلط الضوء على الأعمال المبهرة التي أتى بها الإبداع الفردي والجماعي. مع ذلك، لا تزال أعمال الشغب تلقي بظلالها على الكرنفال، حيث تصوره التغطية الإعلامية الكسولة والمشوهة غالبًا على أنه حدث خطير عامر بالجرائم ومكلف للمجتمع المحيط به. يتجاهل هذا التوصيف الزائف القيمة العامة الهائلة التي يخلقها الكرنفال لصالح الأفراد والمجتمعات.

الاحتفالات والمهرجانات مفتوحة للجميع، بفضل الجهود غير التجارية بقيادة المجتمعات المحلية التي تنظمها وكالة ائتمان قرية الكرنفال (CVT)، وهي مؤسسة خيرية مسجلة، بتمويل من هيئة لندن الكبرى، والبلدية الملكية في كينسينجتون وتشيلسي، ومجلس وستمنستر. وكما يقول أمين المهرجان هانز أوبريست، فإن الكرنفال إنتاج ثقافي بلا أبواب، حيث يُـرَحَّـب بالجميع للنزول إلى الشوارع والمشاركة في الروح الإبداعية لهذه المناسبة، دون أي من التسلسلات الهرمية التقليدية التي نجدها في أشكال أخرى من الإنتاج الثقافي. لكن الكرنفال، مثله في ذلك كمثل أحداث ثقافية ومبادرات مجتمعية أخرى، واجه صعوبات متزايدة في تأمين التمويل. وهذا جزء من أزمة أوسع نطاقًا. يساهم قطاع الفنون والثقافة بأكثر من 125 مليار جنيه إسترليني في اقتصاد المملكة المتحدة ويوظف أكثر من 2.4 مليون شخص، لكنه برغم ذلك واجه تخفيضات تمويلية شديدة، الإنفاق العام الأقل كثيرًا من نظيره لدى جيران بريطانيا الأوروبيين.

الأمر ينطوي على قضية أعمق. الواقع أن النهج السائد في صناعة السياسات ينظر إلى القيمة من خلال عدسة الثمن الضيقة، والتي لا تصلح على الإطلاق لتقدير القيمة الديناميكية الكامنة في الفن والثقافة. ويُنظَر إلى الدعم المالي للثقافة باعتباره تكلفة، وليس مُدخلًا تحويليًا للاقتصاد والمجتمع.

في ورقة بحثية حديثة لتقييم القيمة الديناميكية لهيئة الإذاعة البريطانية، نوضح أنا وزملائي في إعداد البحث أن هذه المؤسسة تحقق عوائد كبيرة على المستويات الفردية والمجتمعية والصناعية. وينطبق ذات الأمر على كرنفال نوتنج هِل. فهو يخلق قيمة هائلة من ذلك النوع الذي يصعب التعبير عنه من خلال مقاييس الأسعار الثابتة.

في النهاية، يزود الكرنفال رجال الأعمال والشركات المملوكة لأقليات (بما في ذلك مئات من بائعي المواد الغذائية) بمنصة تسمح لهم بالنمو والوصول إلى أسواق أوسع، وهو يؤسَّس بشكل مشترك من قِـبَـل مجموعة متنوعة من المجتمعات المحلية والأسر التي تساهم بوقتها وطاقاتها. ويعمل الأداء في الفرق الموسيقية، وبناء العوامات، وتصميم الأزياء، وطهي الطعام، والمساهمة بطرق أخرى على توليد ما يقرب من 100 مليون جنيه إسترليني من القيمة الاقتصادية. ويخلف الكرنفال، الذي يُـعَـد إبداعا جماعيا بامتياز، تأثيرًا مضاعفًا يحفز الاقتصاد المحلي، ويولد البنية الأساسية المجتمعية، ويديم دورة حميدة من النشاط الاقتصادي والاجتماعي. والمجتمعات التي تشارك في خلق الكرنفال تنقل أيضا مهارات قَيّمة وتدفع بثقافة ريادة الأعمال والإبداع. إذ تُـكَـرَّس مليون ساعة عمل لتصميم وتصنيع 15000 زي معروض يدويًا والتدرب على عروض أكثر من 80 فرقة.

يخلق المهرجان خلية إنتاجية تولد، مثل جميع الأنشطة الثقافية، فوائد اجتماعية واقتصادية بعيدة الأمد: تحسين الصحة العقلية، وتعزيز النتائج التعليمية ورفاهة المجتمع، والمهارات القابلة للتوظيف. من المؤسف أن المصالح الخاصة تستولي غالبًا على قيمة مثل هذه الإبداعات المجتمعية المشتركة، وهذا يعني أن العائدات لا يُعاد استثمارها في الناس والشبكات التي تجعلها في حكم الممكن. لقد اجتاحت موجات عديدة من التحديث والترقية المجتمعات الفنية وأدت إلى إبعادها عن متناول اليد إلى حد كبير، ما يجعل من الضروري بدرجة أعظم أن تجد المنظمات الثقافية مثل كرنفال نوتنج هِل طرقا خَـلّاقة لحماية وإدامة القيمة الهائلة التي تخلقها. ومن الممكن أن تساعد مؤسسات جديدة في ضمان سيطرة المجتمع ومنع سرقة أحداث مثل الكرنفال. على سبيل المثال، بوسع المنظمات الثقافية أن تتطلع إلى تجربة صندوق الثروة المجتمعية في كامدن، الذي نجح في حشد وتحفيز إعادة الاستثمار المجتمعي. في غياب مثل هذه الآليات، تُستَخرَج القيمة والثروة العامة وتوزع غالبا على قوى فاعلة خاصة. هذا هو ما حدث مع High Line في نيويورك وTate Modern في لندن. في كل من الحالتين، استُخدِم التمويل العام لتجديد وإعادة تأهيل المناطق بمساعدة المجتمعات المحلية والمبدعين، لكن الفوائد المالية جرى تخصيصها مع ارتفاع أسعار العقارات إلى عنان السماء واتساع فجوة التفاوت. بينما أعربت حكومة حزب العمال الجديدة في بريطانيا التزامها بدعم الفنون، فإن استعادة التمويل العام بعد 14 عامًا من التخفيضات الكبيرة تشكل تحديًا كبيرًا.

ولأن نماذج الخزانة الحالية محدودة بمقياس الثمن، فإنها تفشل في التعبير عن القيمة العامة العريضة التي تخلقها أحداث مثل كرنفال نوتنج هِـل. إذا كانت الحكومة تقدر الثقافة كقوة تحويلية، فمن الواجب عليها أن تبذل مزيدا من الجهود لتسخير قيمتها من خلال تشكيل الأسواق.

إن الاستثمار العام في الفن والثقافة قادر على المساعدة ليس فقط في دفع عجلة النمو الاقتصادي، بل وأيضا في تحسين رفاهة المجتمع، والصحة العقلية، والتماسك الاجتماعي ــ وهي عوامل رئيسية في تحديد مستويات الجريمة ونتائج الصحة. إن نماذج التمويل وآلياته المبدعة مثل صناديق الثروة المجتمعية قادرة على توفير الأدوات اللازمة لتسخير هذا الشكل الديناميكي من القيمة العامة.

ويُـعَـد كرنفال نوتنج هِل مثالا خالصا للسبب الذي يجعلنا في احتياج إلى سرد جديد في صُنع السياسات والتنمية الاقتصادية. ينبغي لنا أن ننظر إلى الفنون باعتبارها مسؤولية حكومية أساسية، وأن نتعامل مع التمويل الطويل الأجل الذي تستلزمه بوصفه استثمارًا وليس تكلفة. فالفنون تخدم مهمة اجتماعية حيوية، وهي مهمة كفيلة بأن تساعد الحكومات في التصدي لفجوات التفاوت وإتاحة الفرص لكثيرين. إن تراثنا الثقافي المتنوع ينطوي على قيمة هائلة، وهو ملك لنا جميعا.

ماريانا مازوكاتو أستاذة اقتصاديات الابتكار والقيمة العامة في جامعة كوليدج لندن، وهي مؤلفة كتاب قيمة كل شيء: التصنيع والأخذ في الاقتصاد العالمي، واقتصاد المهمة: دليل القمر لتغيير الرأسمالية.

ألفارو بارينجتون فنان تدرب في نيويورك ولندن. يستكشف عمله في المقام الأول الطبيعة المترابطة للثقافة والتبادلات الثقافية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القیمة العامة

إقرأ أيضاً:

صندوق النقد يرفع توقعاته لنمو اقتصاد كوريا الجنوبية

رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد كوريا الجنوبية لعام 2025 بشكل طفيف إلى 0.9%، قائلاً إن تأثيرات الرسوم الجمركية الأمريكية كانت أقل من المتوقع حتى الآن.

 

 صندوق النقد الدولي

 

وفي أحدث تقرير له حول آفاق الاقتصاد العالمي، رفع صندوق النقد توقعاته لرابع أكبر اقتصاد في آسيا بمقدار 0.1 نقطة مئوية عن توقعاته السابقة الصادرة في يوليو.

 

وأبقى صندوق النقد الدولي على توقعاته لنمو اقتصاد كوريا الجنوبية لعام 2026 عند 1.8%، وفقاً لوكالة "يونهاب" الكورية للأنباء.

 

وقال صندوق النقد: "تفاوضت الولايات المتحدة على صفقات تجارية مع مختلف البلدان وقدمت إعفاءات متعددة، وامتنعت معظم الدول عن اتخاذ إجراءات انتقامية، بل أبقت النظام التجاري مفتوحاً إلى حد كبير، ونتيجة لذلك، كان ارتفاع الرسوم الجمركية وتأثيره أقل من المتوقع حتى الآن".

 

وتتوافق أحدث توقعات صندوق النقد الدولي لكوريا الجنوبية تقريباً مع توقعات المؤسسات الاقتصادية الرئيسية الأخرى.

 

وقد رفع بنك كوريا المركزي مؤخراً توقعاته لنمو اقتصاد كوريا الجنوبية إلى 0.9% لهذا العام، في حين توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية معدل نمو بنسبة 1%.

 

لكن صندوق النقد قال إنه على الرغم من استقرار النمو في النصف الأول من هذا العام، فإن التوقعات تظل هشة والمخاطر تظل تميل إلى الجانب السلبي.

 

وقال الصندوق: "الخطر الرئيسي هو أن الرسوم الجمركية قد تزيد أكثر بسبب التوترات التجارية المتجددة وغير المحلولة، وقد يؤدي ذلك، إلى جانب اضطرابات سلسلة التوريد، إلى انخفاض الناتج العالمي بنسبة 0.3% في العام المقبل".

 

صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3.2% في 2025

 

أصدر صندوق النقد الدولي تقريره الجديد حول آفاق الاقتصاد العالمي، والذي أشار إلى تأثير محدود للرسوم الجمركية على النشاط الاقتصادي العالمي حتى الآن، مع تحسن طفيف في معدلات النمو المتوقعة خلال العامين المقبلين.

 

ورفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في عام 2025 إلى 3.2%، بزيادة قدرها 0.2 نقطة مئوية عن تقديراته السابقة، فيما أبقى على توقعاته لعام 2026 عند 3.1%.

 

 

وعلى صعيد الاقتصادات الكبرى، رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي إلى 2% في 2025، بزيادة قدرها 0.1 نقطة مئوية، كما رفعها إلى 2.1% لعام 2026.

 

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)، عدّل صندوق النقد الدولي توقعاته أيضًا، ليرتفع معدل النمو المتوقع إلى 3.3% في 2025 و3.7% في 2026.

 

أما بالنسبة إلى الاقتصاد السعودي، فقد رفع الصندوق توقعاته للنمو إلى 4% في عامي 2025 و2026، بزيادتين قدرهما 0.4 و0.1 نقطة مئوية على التوالي، ما يعكس استمرار التعافي المدعوم بقطاعي الطاقة والاستثمارات غير النفطية.

 

من المتوقع أن يتسارع نمو منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من 2.6% في عام 2024 إلى 3.5% في عام 2025 ثم إلى 3.8% في عام 2026، مع تلاشي آثار اضطرابات إنتاج النفط والشحن البحري وتراجع تأثير الصراعات المستمرة، بحسب الاسواق العربية.

 

وبالمقارنة مع توقعات شهر أبريل، فقد تم رفع تقديرات النمو لعام 2025 بمقدار 0.5 نقطة مئوية، ويُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى تطورات في دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما المملكة العربية السعودية، حيث جاء إلغاء تخفيضات إنتاج النفط أسرع من المتوقع، وكذلك مصر التي سجلت أداءً أفضل من المتوقع خلال النصف الأول من عام 2025.

 

ورغم أن المنطقة أقل تأثراً نسبياً بالنظام الجمركي الأميركي الجديد مقارنة بتوقعات أكتوبر 2024، فإن تقديرات النمو لعامي 2025 و2026 انخفضت بمقدار تراكمي يبلغ 0.8 نقطة مئوية، نتيجة الآثار غير المباشرة لتراجع الطلب العالمي على أسعار السلع الأساسية.

 

صندوق النقد والبنك الدوليان يشيدان بدور السيسي في قيادة جهود عملية السلام بالشرق الأوسط صندوق النقد الدولي يخفض توقعات نمو الاقتصاد الروسي إلى 0.6% صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3.2% في 2025 صندوق النقد يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد المصري لـ4.5% العام المالي الجاري صندوق النقد يرفع توقعات نمو اقتصاد أمريكا مع تراجع مخاطر الرسوم الجمركية صندوق النقد يوافق مبدئياً على صرف 244 مليون دولار للأردن صندوق النقد الدولي يتوقع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي خلال عامي 2025 و2026 معيط: أخبار إيجابية بشأن مراجعة صندوق النقد لبرنامج الحكومة المصرية صندوق النقد يضغط على مجموعة العشرين للتركيز على قضايا الديون

 

مقالات مشابهة

  • مطالب من "خبراء الضرائب" باستثناء عقود المقاولات الحالية من تعديلات "القيمة المضافة"
  • بعد تحريك أسعار الوقود.. القيمة الجديدة لـ تعريفة الركوب في القاهرة
  • البيض الأبيض أم الأحمر؟.. إليك القيمة الغذائية لكلًا منهما
  • صندوق النقد الدولي يتوقع نمو اقتصاد العراق بنسبة 3.6% العام المقبل
  • التعبئة والتغليف.. أداة استراتيجية لتعزيز القيمة المضافة للمنتج المصري وتحقيق الاستدامة
  • كيف يتسنى للبلدان النامية اليوم قيادة اقتصاد العالم غدا؟
  • صندوق النقد يرفع توقعاته لنمو اقتصاد كوريا الجنوبية
  • نحو اقتصاد المعرفة: الجامعات الأردنية بوابة الابتكار والاستثمار
  • الشهادات العليا.. بين القيمة الحقيقية والوجاهة الزائفة
  • ورشة تدريبية لتزويد موظفي "التعليم العالي" بمهارات تطبيق مفاهيم "القيمة المحلية المضافة"