سياسة أمريكا مع إيران فاشلة بشكل تام
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
يرجع تفسير الصراع بين إسرائيل وإيران، والذي تصاعد في الأشهر الأخيرة بشكل كبير، إلى اعتباره امتدادًا للحرب التي تشنها إسرائيل المحتلة على غزة، وقوى المقاومة حماس، فإدارة حماس لديها علاقات قوية مع إيران، وكلاهما يهدف إلى تحقيق غاية مشتركة وهي القضاء على إسرائيل.
إلا أن الأمر أكبر من ذلك، فباعتباري مختصًا في الدراسات الأمنية، وقد قمت بالبحث في الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط لأكثر من 20 عامًا، أزعم بأن سنوات طويلة من السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط قد باءت بالفشل، خاصة في احتواء طموحات إيران، بل إن السياسة الخارجية الأمريكية ساهمت في تصعيد التوترات التي تشهدها المنطقة حاليًا.
وتعمل إيران على توسيع نفوذها الإقليمي، وذلك من خلال تمويل وكلائها في الدول المجاورة لها، ويقوم وكلاؤها بدورهم بمهاجمة أعدائها.
ولربما يمكننا القول إن هذه السياسة الإيرانية قد صنعت لها، على مدى العقد الماضي، دولة تعتبر القوة العظمى الأكثر نفوذًا في منطقة الشرق الأوسط.
وإلى غاية الفترة الأولى من القرن الواحد والعشرين، كان الوكيل الأقوى والحقيقي لإيران في منطقة الشرق الأوسط هو «حزب الله»، الجماعة السياسية العسكرية، أما اليوم فقد توسعت الدائرة لتشمل «الحوثيين» في اليمن، وجماعات أخرى في العراق، بل حتى في سوريا.
وفي الأحداث الأخيرة، التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، بين إسرائيل وحماس، فقد قامت الجماعات الموالية لإيران، بشن هجوم على إسرائيل وعلى عدد من القواعد والأهداف الأمريكية، وتكرر هذا الهجوم أكثر من 170 مرة، ما أدى إلى زعزعة استقرار البلدان الحاضنة لتلك الجماعات مثل لبنان وسوريا واليمن والعراق إلى الحد الذي جعل بعض المسؤولين الأمريكيين يصفونها بأنها دول أصبحت ضحية لأفعال إيران، وفي ذات الفترة أصبحت إيران تملك برنامجًا نوويًا عسكريًا متقدمًا جدًا أكثر من أي وقت مضى، ففي يوليو 2024، أي بعد ست سنوات من انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الدولي، هذا الاتفاق الذي كان يهدف إلى عرقلة تطور الأسلحة الإيرانية وإبطاء تقدمها، حذَّر وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلينكن» من أن إيران لا تملك سوى أسابيع لإتمام ترسانتها الضخمة من الصواريخ الباليستية ذات الرؤوس النووية.
رغم هذا التطور الإيراني في امتلاك الأسلحة، وهيمنتها على الجماعات في الشرق الأوسط، إلا أن الحكومة الأمريكية لا تزال تقلل من شأن إيران وطموحات طهران في الهيمنة الإقليمية، وتقوم بذلك باستمرار، ولكن في تقديري أرى أن الولايات المتحدة قد بالغت في جدوى سياسات «القوة الناعمة» التي تنتهجها في العادة لاحتواء التصعيد، لذلك نرى في الفترة الماضية أن واشنطن دائمًا ما تعطي الأولوية للإجراءات التي من شأنها تجنب المواجهات العسكرية مع إيران، وبدلاً من ذلك قامت الولايات المتحدة بحظر بيع الأسلحة والتكنولوجيات العسكرية لإيران، بهدف احتواء النفوذ الإيراني المتزايد في الإقليم، كما فرضت عقوبات اقتصادية قوية على طهران، وجمدت الأصول المالية وأبعدت الدبلوماسيين الإيرانيين منها.
ورغم ذلك لا يزال نفوذ إيران يتوسع، وبحسب تقديري للمجريات، فإن سياسة الاحتواء ومحاولة الحد من التصعيد لا يمكن أن توقف إيران عن أهدافها التي تنبع من آيديولوجية دينية، فالشهادة في الحرب قناعة دينية ستكون دافعًا لمواصلة النضال ومحاولة تدمير إسرائيل وقد قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في عام 2015: «لن يكون هناك نظام صهيوني خلال 25 عامًا»، وقد وصف القتال من أجل إبادة إسرائيل بأنه مسألة تتعلق بـ«المعنويات الجهادية». ومن خلال خبرتي أجد أن دبلوماسية التفاوض وفرض العقوبات القانونية والمقاطعات الاقتصادية هي عبارة عن حلول أفضل من الحروب، وذلك في أغلب الصراعات العالمية، ولكن هذه السياسات لا تُجدي مع الأنظمة غير الديمقراطية.
وتشير الدراسات المتعلقة بالجماعات المسلحة إلى أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأً في التعاطي مع وكلاء إيران، بدلاً من التعامل مع هؤلاء الوكلاء كجزء من شبكة معادية واحدة، كانت الإستراتيجية الأمريكية تتمثل في التعامل مع كل وكيل على حدة، متجاهلة الربط بينهم كجزء من تهديد متكامل، هذا النهج كان يعني أن الولايات المتحدة سعت فقط لاحتواء أو تهدئة تصعيد تهديدات كل وكيل بشكل منفصل.
في اليمن، على سبيل المثال، لم تمنع الولايات المتحدة الحوثيين من السيطرة على أراضٍ وإزاحة الحكومة هناك، ومع بدء حرب غزة، بدأ الحوثيون بإطلاق صواريخ على السفن الغربية في البحر الأحمر، ولم تواجه الولايات المتحدة الحوثيين إلا في أوائل عام 2024، عندما ردت على اعتداءاتهم بضربات عسكرية ضد قواعدهم.
وفي العراق، تجاهلت الولايات المتحدة لفترة طويلة دعم إيران للميليشيات العراقية التي تقاتل داعش، طالما أن هذه الميليشيات شاركت في القتال. ولكن هذا التجاهل كانت له عواقب طويلة الأمد، حيث هاجمت هذه الميليشيات القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة.
وفي سوريا، على الرغم من تنامي النفوذ الإيراني بعد الحرب الأهلية، خفضت الولايات المتحدة تدريجيًا دعمها للمتمردين المناهضين للنظام وقوات الأكراد الديمقراطية.
هذه السياسات أدت إلى انهيار فعالية الردع الأمريكي في الشرق الأوسط. لم تعد الولايات المتحدة تمتلك القدرة الكافية لوقف التصعيد الإيراني، وفي أبريل 2024، بعد هجوم إسرائيلي على مسؤولين إيرانيين في سوريا، شنت إيران هجومًا صاروخيًا كبيرًا على إسرائيل، وهو الهجوم الأول من نوعه، رغم ذلك، كانت العواقب هامشية، حيث اقتصرت على العقوبات الاقتصادية والاستنكار الدبلوماسي.
وأظهرت الولايات المتحدة مجددًا تفضيلها لتجنب التصعيد، حيث دعمت حلفاء إسرائيل في اعتراض معظم الصواريخ الإيرانية، واعتبرت الإدارة الأمريكية أن القليل من الصواريخ التي وصلت إلى إسرائيل كان «انتصارًا». كما رفضت الولايات المتحدة الانضمام إلى أي رد انتقامي ضد إيران.
تزايد النفور الأمريكي من التصعيد أصبح واضحًا بعد عمليات قتل قادة حزب الله وحماس. في يوليو 2024، قُتل قائد حزب الله فؤاد شكر في غارة جوية إسرائيلية، وقتل زعيم حماس إسماعيل هنية في تفجير داخل إيران. إيران ألقت باللوم على إسرائيل، وتعهدت بالرد. وفي الوقت نفسه، مارست الولايات المتحدة ضغوطًا على إسرائيل لتجنب المزيد من الخسائر المدنية في حرب غزة، التي أسفرت عن مقتل آلاف الأشخاص.
إذا كانت الولايات المتحدة تهدف إلى تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط، يجب عليها أولاً أن تعترف بفشل سياساتها خلال العقد الماضي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط على إسرائیل المتحدة ا
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة تبدد مخاوف العراق بتعهد ضمني حيال الأحداث في سوريا
بغداد اليوم - بغداد
كشف مصدر مطلع، اليوم الاثنين (16 كانون الأول 2024)، عن تقديم الولايات المتحدة تعهد ضمني يتعلق بالملف السوري لصالح العراق.
وقال المصدر لـ"بغداد اليوم"، إن "واشنطن من خلال سفارتها في بغداد سعت الى ايصال سلسلة رسائل مهمة في الايام الماضية الى القيادات العراقية لتبديد مخاوفهم من طبيعة المتغيرات المتسارعة في سوريا ودفعهم الى عدم الانخراط بها بشكل يؤدي الى تصادم ناري مباشر".
وأضاف أن "من بين أهم التعهدات التي أطلقتها واشنطن لبغداد وبشكل ضمني بأن لديها اسراب من الطائرات في اجواء الشرق الاوسط قد تستخدم في دعم العراق اذا ما تعرض لأي هجوم من قبل الجماعات المسلحة من سوريا وانها ستتعاون استخباريا عبر قدراتها في رصد أي حالات مشبوهة على الشريط الحدودي".
وأشار الى أن "تعهدات أمريكا تأتي من اجل طمأنة بغداد حيال تطورات الاحداث في سوريا والسعي الى منع أي تدخلات قد تفضي الى نتائج عكسية على مستوى الشرق الاوسط".
في الثالث عشر من الشهر الجاري حل وزير الخارجية الأمريكي، إنتوني بلينكن ضيفا على العراق في زيارة غير معلنة ليؤكد خلالها التزام بلاده بأمن العراق. زيارة التقى فيها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تحت عنوان "بحث الوضع في سوريا".
بلينكن الذي شدد في زيارته المفاجئة على أنه "من الضروري تشكيل حكومة تشمل جميع الأطراف في سوريا"، تعهد بـ"أن واشنطن ستمنع عودة تنظيم داعش الى العراق".