كُلُّ التوقعات واردة، ولم يتبقَّ سوى إشعال فتيل الحرب، لا سِـيَّـما أن واشنطن لا تريد حلاً حقيقيًّا يتضمن وقف جرائم الإبادة الصهيونية في غزة، بل تتحَرّك في مسار مضاد يتمثل في ضرب كُـلّ من يحاول المساندة للمقاومة الفلسطينية، وترهيبه.

ويبقى السؤال الأكثر تردّداً: هل ستنزلق الأوضاع إلى حرب مدمّـرة، أم سيتم تلافيها وإيقاف العدوان والحصار على قطاع غزة؟

يرى الكاتب والمحلل السياسي يحيى الشرفي أن “التحشيدات الأمريكية في المنطقة العربية، الممتدة من اليمن إلى البحر الأبيض المتوسط، تأتي في ظل استمرار معركة (طوفان الأقصى) والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتحمل أبعادًا سياسية وعسكرية متشابكة تتعلق بالعديد من الأطراف الإقليمية والدولية”.

ويقول : إن “الأبعاد السياسية من التحشيدات الأمريكية تتمثَّلُ في عددٍ من الأهداف، أهمُّها ضمانُ استمرارية مصالح واشنطن في المنطقة، ودعمُ وحمايةُ كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يمر بوقت حرج،

ويواجه الكيانُ المؤقَّتُ تحدياتٍ عسكريةً غير مسبوقة من فصائل المقاومة في غزة وحلفائها الإقليميين؛ ولهذا فَــإنَّ التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة مع بريطانيا وبعض الدول الأُورُوبية والعربية يعكس التزامَ هذه القوى بالحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي واستقراره بما يجعله قادراً على استمرار عدوانه وحرب إبادته التي يشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهو أمرٌ بالغ الأهميّة في الحسابات السياسية الغربية”.

ويبيِّن أن هذه التحشيدات “تعكس أَيْـضاً رغبة الولايات المتحدة في إبقاء نفوذها في المنطقة وتعزيز حماية حلفائها، خَاصَّة في ظل التوترات المُستمرّة”، منوِّهًا إلى أن من ضمن الأهداف الأمريكية من التحشيد، مواجهة ما تسميه واشنطن “النفوذ الإيراني وحلفائه”، واليمن، كجزء رئيسي من محور المقاومة، يمثل تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، ودعم صنعاء العسكري لغزة عبر استهداف كيان الاحتلال وفرض حظر بحري يعزز هذا المحور والتحالف بين القوى الإقليمية المناهضة للولايات المتحدة و”إسرائيل”، لافتاً إلى أن التحشيدات الأمريكية تشير إلى محاولات للحد من تصاعد هذا النفوذ، ومنع المزيد من تدهور الهيمنة الأمريكية في منطقتنا العربية والذي يغيِّرُ في ميزان القوى لصالح المحور الفلسطيني المكوَّن من فلسطين واليمن ولبنان وإيران والعراق وسوريا”.

ويؤكّـد الشرفي أن “التحشيداتِ العسكريةَ الأمريكية قد تكون جزءًا من استراتيجية أوسعَ تهدفُ إلى إعادة ترتيب المشهد الإقليمي بعد انتهاء معركة (طوفان الأقصى)، وأن التحالفات الجديدة والإجراءات العسكرية قد تُستخدم لضمان بقاء الكيان الإسرائيلي في موقع القوة بعد انتهاء العمليات العسكرية في غزة، ولمنعِ أية تغييرات جوهرية في موازين القوى الإقليمية، رغم أن المعركة منذ بدايتها قد غيَّرت بالفعل، بل نسفت ميزانَ القوة الذي كان سائداً قبل (طوفان الأقصى)”.

ويواصل: “كذلك تهدفُ إلى السيطرة على طرق التجارة والممرات البحرية؛ لأَنَّ الحظر الذي فرضته اليمن على الملاحة الإسرائيلية من العبور عبر البحر الأحمر يهدّد بشل الحركة التجارية للكيان الصهيوني، والذي يعتمد بشكل كبير على هذه الممرات، ومن هنا فَــإنَّ التحشيدات الأمريكية تهدف إلى تأمين هذه الممرات الحيوية، وإعادة فتحها؛ لضمان استمرار التدفق التجاري والاقتصادي بما يخدم مصالحَ حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وفي المقدمة بالطبع الكيان المحتلّ”.

حمايةٌ وردع:

وحولَ الأبعاد العسكرية من التحشيد الأمريكي، يؤكّـد المحلِّلُ السياسي الشرفي، أن “تشكيلَ التحالف العسكري البحري بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا يأتي كرَدِّ فعل مباشر على الحظر الذي فرضته اليمن على الملاحة “الإسرائيلية” في البحر الأحمر”، مؤكّـداً أن “الفشل الأمريكي منذ ٨ أشهر في رفع هذا الحظر يعكس مدى التحديات العسكرية التي تواجهها القوات الأمريكية وحلفاؤها في تأمين هذه الممرات البحرية؛ ولهذا فَــإنَّ التحشيدات العسكرية من وجهة نظر واشنطن تهدف إلى تأمين حركة الملاحة البحرية الغربية والإسرائيلية؛ بما يجعلها تحت السيطرة والتحكم العسكري الأمريكي، لكنها أَيْـضاً تعكس قلقًا متزايدًا من تصاعد العمليات الهجومية من قبل القوات المسلحة اليمنية التي تفاجئ العدوّ بين الحين والآخر بتقنيات وتكتيكات حربية جديدة قلبت موازينَ المعارك البحرية التقليدية، وجعلت واشنطن بكل ما لديها من أنظمة تسليحية تفشل فشلاً ذريعاً في مواجهة القوات اليمنية”.

وبالإضافة إلى ذلك -ووفقاً للشرفي- فَــإنَّ التحشيدات العسكرية تهدف إلى “بناء قوة ردع ضد الهجمات اليمنية التي استهدفت “إسرائيل” عبر البحر؛ فاستخدام اليمن لقواتها الصاروخية وسلاح الطيران المسيّر لفرض حظر بحري على “إسرائيل” يعكس تطورًا نوعيًّا في القدرة العسكرية اليمنية؛ ولهذا ترى واشنطن أن الرد من قبلها وحلفائها يعكس ضرورة مواجهة هذه التهديدات العسكرية المتزايدة والعمل على منع انتشارها إلى مناطقَ أُخرى”.

وبخصوص التحشيداتِ الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط، يوضح الشرفي أن ذلك التحشيدَ يهدفُ إلى “تعزيز التواجد العسكري الغربي في المنطقة لمنع أي تصعيد إضافي أَو تهديد محتمل لكيان الاحتلال الإسرائيلي بصفته الحليفَ المدلَّلَ للولايات المتحدة، وأية هجمات يمنية قد تمتد إلى هذا البحر قد تشعل مواجهة أوسع تشمل ساحات جديدة للصراع؛ وهو ما تسعى واشنطن إلى تفاديه عبر استعراض القوة في المنطقة، وكذلك تهدف أَيْـضاً إلى التأكيد على استمرار التفوق العسكري الأمريكي في المنطقة، سواء من خلال تأمين قواعده العسكرية أَو تعزيز تواجد قواته البحرية والجوية، لمواجهة أية تحَرّكات معادية أَو مفاجآت استراتيجية من قبل اليمن وحلفائه الإقليميين”.

من جانب آخر يرى سياسيون، أن التحشيد الأمريكي له أهداف عسكرية وسياسية أُخرى، أبرزها المساعي الأمريكية لاستعادة هيبتها في المنطقة، بعد أن كُسرت على يد القوات المسلحة.

وتهدف هذه التحشيدات إلى إظهار القوة؛ مِن أجلِ ممارسة الضغوط النفسية، على الأنظمة العربية والإسلامية، التي ترى في ذلك التحشيد أنه إعدادٌ من قِبل أمريكا للحرب.

وكان وزير الدفاع، اللواء الركن محمد العاطفي، قد أكّـد في كلمة له سابقة قبل أَيَّـام أن “التحشيدات العسكرية الأمريكية في المنطقة تأتي للدفاع عن الكيان الإسرائيلي”، مؤكّـداً أنها “لا تعني شيئاً، وسيتم التصدي لها بقوة وصلابة ودون هوادة، وسيكون مصيرها الفشل الذريع”،

مُشيراً إلى أن “درجات الجهوزية القتالية والمعنوية واللوجستية عالية لتنفيذ ضربات موجعة في عمق الكيان الصهيوني الغاصب، وإلى مواقعَ حساسة وخطيرة لا يتوقعها أبداً”.

وَجَــدَّدَ الوزير العاطفي التأكِيدَ على أن “الكيان الصهيوني لن يجدَ منا إلا كُـلَّ قوة وغِلظة وصلابة، وسيدفع الثمن باهظاً؛ رَدًّا على تماديه في انتهاك سيادة الوطن واستهدافه الأعيان المدنية في مدينة الحديدة، وجعله يدرك أنه اندفع في مغامرة غير محسوبة، وآن له أن يتحمل الأعباء الثقيلة من المواجهة، وعليه هو ومن يدعمه بأن يستوعبوا بأن هذا العدوان ليس فقط انتهاكاً صارخاً للقوانين والمواثيق الدولية، بل يعكس أَيْـضاً تجاهُلاً فاضحاً لقيم الإنسانية”،

موضحًا أن “القرار العسكري القتالي قد تدارس كُـلّ المحدّدات العسكرية، وقرأ جيِّدًا عناصر الضعف لدى العدوّ الصهيوني، وخرج بخلاصة متكاملة تؤكّـد أن أهم نقاط بنك الأهداف الصهيونية قد تم رصدُها وتحديدُها بعناية وبدقة متناهية، وخضعت لعملية تحليل معلوماتي واستخباراتي عميق ووفق قواعد اشتباك بخصوصية يمنية لا تضعُ أي اعتبار لسقوف المواجهة أَو أية خطوط حمراء وبما يضمن تحقيق الهدف المنشود”.

وتُثبِتُ تصريحاتُ اللواء العاطفي أن المرحلةَ المقبلةَ لن تكونَ سهلةً على العدوّ الأمريكي، وأنه مهما حشد سيواجَهُ بأقسى الضربات من قبل القوات المسلحة اليمنية، وهو ما تخشاه واشنطن وتعملُ له ألفَ حسابٍ؛ فهي تتحَرّك بكل قوتها للحفاظ أولاً على مصالحها في المنطقة، وثانياً لحماية العدوّ الإسرائيلي، وثالثاً لإظهار رسالة لقوى المحور ولحلفائها بأنها الأقوى والأكثر صلابةَ في المنطقة، وعلى الجميع أن يستشعر هذه الحقيقة.

 

لصحيفة “المسيرة”p style="text-align: justify;"> 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة فی فی المنطقة أ ی ـضا من قبل ف ــإن

إقرأ أيضاً:

3.5 تريليون دولار والعامل الإيراني: لماذا ترفض واشنطن مغادرة العراق؟

13 يناير، 2025

بغداد/المسلة: تشهد التطورات السياسية في منطقة الشرق الأوسط تحولات معقدة تعيد تشكيل المواقف الاستراتيجية للدول الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة، في ظل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتصاعد التوترات الإقليمية.

و عودة ترامب، التي تمثل نقطة تحول في السياسة الخارجية الأمريكية، أعادت ملف الانسحاب الأمريكي من العراق إلى واجهة النقاش، وسط توقعات بتأثيرها الكبير على مستقبل العلاقات بين بغداد وواشنطن.

يرى محللون أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستتبنى موقفاً أكثر صرامة تجاه إيران، وهو ما يجعل الانسحاب من العراق خياراً غير مرجح. فالوجود الأمريكي في العراق، وفقاً لدوائر صنع القرار في واشنطن، يمثل ركيزة أساسية لاحتواء النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة. من جهة أخرى، تعد العراق محوراً مهماً لاستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خاصة بعد خسارتها لنفوذ كبير في سوريا لصالح المحور الإيراني.

التقارير الأمريكية، ومنها ما نشرته منظمة ستميسون، تؤكد أن الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق لا يعدو كونه تصريحات إعلامية تهدف إلى تهدئة الأوضاع، حيث إن واشنطن تعتبر العراق جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومي وأمن حلفائها في المنطقة.

و يعود ذلك إلى عقيدة السياسة الخارجية الأمريكية منذ عهد الرئيس جيمي كارتر، التي تركز على حماية أمن الخليج العربي ومواجهة التهديدات الإيرانية.

و في هذا السياق، تبدو فكرة الانسحاب مستبعدة، ليس فقط بسبب المصالح الأمنية، بل أيضاً بسبب التكاليف الاقتصادية الباهظة التي تحملتها واشنطن في العراق منذ عام 2003، والتي تجاوزت 3.5 تريليونات دولار.

من الناحية العراقية، يشير مراقبون إلى تحول في مواقف الفصائل المعارضة للوجود الأمريكي. فبينما كانت تلك الفصائل تقود حملة شرسة ضد القوات الأمريكية، أصبح خطابها اليوم أقل حدة، مما يثير تساؤلات حول وجود تفاهمات ضمنية أو اتفاقيات غير معلنة بين الجانبين. في المقابل، لا تزال الحكومة العراقية متمسكة بخططها المعلنة لإنهاء وجود القوات الأجنبية على أراضيها، وهو ما أكده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في تصريحات سابقة، رغم أن تنفيذ تلك الخطط يبدو محفوفاً بالتحديات الإقليمية والدولية.

التغيرات الراهنة تلقي الضوء على الدور الذي يلعبه العراق في التوازنات الإقليمية. فبينما تعزز الولايات المتحدة وجودها العسكري والسياسي، تحاول قوى أخرى، مثل إيران، الاستفادة من أي فراغ قد ينجم عن تقليص الدور الأمريكي.

في هذا الإطار، يرى محللون أن الانسحاب الأمريكي من العراق قد يؤدي إلى إعادة ترتيب المشهد الجيوسياسي، حيث ستسعى أطراف مختلفة إلى ملء هذا الفراغ وتعزيز نفوذها في المنطقة.

 

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • محافظة البحر الأحمر تبحث موقف تنفيذ مشروعات المثلث الذهبي بسفاجا والقصير
  • بحث موقف تنفيذ مشروعات المثلث الذهبي فى البحر الأحمر
  • البحر الأحمر والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية للمثلث الذهبي يبحثان موقف تنفيذ المشروعات بالمحافظة
  • مباحثات عسكرية يجريها رئيس الاركان الفريق بن عزيز مع الملحق العسكري المصري
  • محافظ مطروح: مستهدف إقامة 400 مصنع في أول منطقة صناعية بفوكة
  • 3.5 تريليون دولار والعامل الإيراني: لماذا ترفض واشنطن مغادرة العراق؟
  • تحالف الفتح: حكومة السوداني غير جادة بإخراج القوات الأمريكية من العراق
  • العمليات العسكرية اليمنية ترهق العدو الصهيوني وتفقد البحرية الأمريكية هيبتها
  • الأبحاث الجيولوجية: النشاط الزلازالي ببحيرة سد الرصيرص يتماشى مع السلوك التكتوني للمنطقة
  • أمريكا ولبنان.. من ميشال عون إلى جوزيف عون..