دعم المواهب فى القرى مسئولية المبدعين والدولةالإبداع وظيفة الكاتب وليس إرضاء الذائقة العامة ضرورة إتاحة الميادين والساحات لإقامة حفلات فنية وأدبيةالكتابة جزء من اكتشاف العالم أحتفى بالإنسان لأنه يستحق أفكارى لا تلاوعنى وأحب محاورة عقل القارىء ما يهمنى من المشهد الثقافى الكتابة الجيدة فقطيحتاج التجريب إلى ذكاء من المبدععلى الكاتب أن يتجاوز فرحة فوزه بالجوائز

 

فى كتاباته التى تنوعت بين الرواية والقصة، يقف الفخرانى فى منطقة كاشفة، فما إن تشرع فى القراءة حتى يصدمك سؤال ملح: هل أنا من أقرأ أم أن الكاتب هو من يقرأنى؟ هكذا يأخذ الفخرانى بيد قارئه، يشدك شدا نحو عمق ما يكتب، يحاورك كشريك أصيل فى الفكرة، يلاعب عقلك كمنافس فى لعبة شطرنج، يرسل إليك الكرة ثم يستقبلها بمهارة ليعاود إرسالها من حيث لا تتوقع، هكذا تجد نفسك غارقا فى مباراة تنس طاولة، لا تدرك أيكما الفائز، لكن حتما ستكون الغلبة للمتعة، للإبداع.

فى مزيج يبدو مختلفا ومربكا فى آن واحد، يخلط الفخرانى بين الواقعى والمتخيل، ولا مانع من التجريب الذى يدخلك عوالم شتى ويستفز عقلك أيما استفزاز، تتجلى قدرته التى لا ينافسه فيها أحد على التشخيص واستنطاق الأشياء، يتلبسها، أو هى التى تتلبسه، يتحدث مثلها ويدير الأحداث كما لو كان شجرة أو حربا أو حتى شعورا.. فتسمع للسرد صوتا وتشم له رائحة وتشعر له بملمس، هكذا تجد الكذب متجسدا، تدرك دوافعه وأفكاره وطبيعة صداقاته، هكذا تجد المتعة امرأة لا تنفصل عن الكذب، ويخلصان لبعضهما كحبيبين، 

وكأن الفخرانى هنا يعيد ترتيب الأشياء فى داخلنا، بل يعيد وضع التعريفات وسوقها السياق الذى لا قبل لنا به.. وربما وجدنا أنه فى الحقيقة يعيد تعرفنا إلى ذواتنا من جديد. 

ينجح الفخرانى فى صنع كل تلك الحيل والألعاب السردية، لكنه لا يغفل الجانب الإنسانى، بل هو القالب الذى تدور داخله كل تلك الفنيات، فها هو الحب والإنسانية يطغيان على العداء، بل إن من شأنهما أن ينهيا حربا بكاملها، ويهزما مشاعر سلبية تطيح بالبشرية.

يرى الفخرانى أنه يعيد ترتيب العالم وتقديمه بطريقته الخاصة، وصنع عالم موازٍ، والواقع الذى نلمسه بعد الانتهاء من قراءة عمل له، أنه يعيدنا نحن إلى أنفسنا... إلى الخير والحب والجمال، إلى ما خلقنا الله عليه.. 

فقدرته على صنع الدهشة والمتعة وخلق الحيرة فى نفس القارىء كانت أول أسبابى لإجراء حوار معه، ذهبت إليه وأنا أعى تماما قيمة ومساحة ما حققه من شهرة واسم فى عالم الإبداع، إلا أن ذلك لم يكن محط اهتمامى، فقط كنت محملة بأسئلة مندهشة، كقارئة وناقدة قبل أن أكون صحفية، حملت أسئلتى ومعها دهشتى وذهبنا سويا لنلقاه.. نلقى الكاتب محمد الفخرانى..

ومحمد الفخرانى، كاتب مصرى، وُلِدَ فى 23 مارس 1975، حاصل على بكالوريوس علوم- جيولوجيا- ويعمل كاتبا حرا. 

-صَدَرَ له: «بنت ليل»، قصص، عام 2002. «فاصل للدهشة»، رواية، عام 2006.»قبل أن يعرف البحر اسمه»، قصص، عام 2010. «قصص تلعب مع العالم»، عام 2011. «طُرق سرية للجموح»، قصص، عام 2013. 

«ألف جناح للعالم»، رواية، عام 2016. «عشرون ابنة للخيال»، قصص، عام 2017. «مزاج حُرّ»، رواية، عام 2018. «أراك فى الجنة»، رواية، عام 2020. «لا تمت قبل أن تحب»، رواية، عام 2022. «غداء فى بيت الطباخة»، رواية، عام 2023. «حدث فى شارعى المفضل»، رواية عام 2024.

-حصل على عدة جوائز أدبية، منها: جائزة الدولة التشجيعية للقصة القصيرة، عام 2012، جائزة «يوسف إدريس» للقصة القصيرة، عام 2012، الجائزة الأولى من نادى القصة بالقاهرة، عام 2002.

-تُرجِمَتْ روايته «فاصل للدهشة» إلى الفرنسية، وصدرت عن دارEdition» DU Seuil»، وحصلت على جائزة معهد العالم العربى، عام 2014.

جائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب 2024، عن روايته الأخيرة «غداء فى بيت الطباخة». 

وإلى نص الحوار: 

** علاقته بالإنسان والعالم:

توجهت إليه بسؤال وبداخلى فضول كبير عن روافد قراءاته وتطور موهبته، فقال لى:

بدأت الكتابة بشكل جيد وواضح فى الصف الثانى الثانوى، وكنت أقرأ لوقت طويل فى الفلسفة وعلم النفس، وبعد دخولى عالم الأدب وجدت أن الرافد الأول للكتابة لديّ هو علاقتى الأساسية بالعالم والإنسان، ربما لم أقرأ أدبا حتى لا أتأثر به أثناء الكتابة، فقد اهتممت بمراقبة الناس، فأنا أحب أن أراهم وأتكلم معهم وأشاهد وأستمتع. 

** التجربة الإنسانية ورؤية العالم:

هكذا أكد لى، أنه دائما ما يقول إن أى كاتب لابد أن يتوفر لديه شيئان؛ التجربة الإنسانية ورؤية للعالم، وأوضح الفخرانى: أما التجربة الإنسانية ففى رأيى أنها تنتج من الشارع والناس وتحليل الأفكار والشخصيات، أما رؤية العالم فهى تتحرك فى اتجاهين، مرة وأنت بداخل هذا العالم، وأخرى وأنت خارجه، كأنها رؤية مراقبة، وكأنك خرجت من ذاتك، وبرأيى أن رؤية العالم لابد وأن تعتمد على التجربة الإنسانية. 

* لماذا يكتب محمد الفخرانى؟

أجابنى بقوله: منذ فترة مضت كان يمكننى أن أقول إننى أكتب لأقدم جمالا ومتعة للعالم، إلا أن هذا المعنى قد تطور داخلى سريعا، ويمكننى أن أجيب الآن من خلال وصفى لعلاقتى بالكتابة وأقول إننى قد أستغنى بها عن العالم، أصنع من خلالها عالما موازيا، أعيد بناء العالم بالكتابة، يمكننى أن أفعل أى شىء وكل شىء بالكتابة. 

** طقوس الكتابة لديه:

ولأن لكل كاتب طقوسه الخاصة جدا التى يفضل ممارستها أثناء الكتابة، سألته عن طقوسه، فقال: أحب أن أكتب وبجانبى نافذة مفتوحة على سماء ممتدة، وعلى أنغام موسيقى هادئة، وربما أختار نوعا معينا من الموسيقى أراه متماشيا مع ما أكتب، وقد أكرر نفس المقطوعة طوال فترة الكتابة لأنها استدعت تلك الحالة، حتى أنتهى من الكتابة.

ويضيف، إلا أنه إذا لم تتوفر تلك الظروف فلا يهم، فقط يكفينى ورقة وقلم لأشرع فى الكتابة، هكذا كتبت كثيرا أثناء جلوسى فى مقاهٍ، وأنا فى قطار، وغيرها، فمادامت الفكرة حاضرة فإن العالم ليس موجودا، ذلك أننى أمرر من عالمى الخارجى ما أحتاجه فى تلك اللحظة، ولا أعير غيره اهتماما. 

* الجيولوجيا وأثرها فى كتاباته 

ولأنه ترك عمله فى الجيولوجيا ليتفرغ للكتابة، سألته عن تأثير عمله كجيولوجى سابق فى كتابته، وهل هناك ظلال لعمله تبدت بين سطوره، فأكد لى أن عمله جعله أكثر احتكاكا بالناس، بل وأقرب لطبقات متباينة، مما أكسبه معرفة أكثر بطوائف وشخصيات مختلفة وبالتالى كان لذلك أثره الواضح فى كتابته فيما بعد. 

** أهمية الحب فى حياة المبدع:

وعن أهمية الحب فى حياة المبدع يقول الفخرانى: الحب جزء من التجربة الإنسانية، وأعنى به الحب بمعناه الأشمل والأكبر، وهو محبة العالم أجمع، أن ترى كل شىء بطريقة مختلفة، وأن تكون هناك علاقة خاصة بينك وبين الأشياء والكائنات من حولك، فأنا أثق تماما بأن كل شىء بالعالم له لغته، وإن صدق الكاتب ذلك فإن تلك الأشياء ستمنحه لغتها. 

** اللغة وأهميتها للكاتب: 

وهنا كان لزاما عليّ أن أتوجه إليه بسؤال عن رؤيته للغة وأهميتها فى الكتابة، فقال: 

أن يكون وجودها بنفس درجة أهميتها، فيصدق الكاتب أنه حين يلمس غير العاقل من أشياء وكائنات، فإنه أيضا يلمسه ويشعر به، كالشجر والهواء والشارع، فإن إيماننا بذلك يجعلنا نحس بها بشكل مختلف، وبالتالى نكتب عنها بشكل مختلف.

وتابع الفخرانى: 

ذلك أن كل شىء حولنا وله طاقة، فالكائنات ليست مصمتة، بل تحس بنا وبطريقتنا الخاصة فى التعامل معها.

** الرومانسية فى كتابات الفخرانى:

عن تلك الشحنة من الرومانسية التى تغلف كتاباته، حتى تلك التى استنطق خلالها الحرب فى روايته «غداء فى بيت الطباخة»، سألته، فأجابنى:

لا أراها رومانسية، خاصة فيما يخص كتابتى عن الحرب، بقدر ما هى طريقة وأسلوب مختلف قدمت به الحرب بعيدا عما قدم من قبل، وهى تلك الطريقة التى اعتدت على فعلها، أن أستنطق غير العاقل، لأننى أمارس تلك اللعبة طوال الوقت، فيصبح من السهل عليّ أن أضع نفسى مكان أى حياة بالعالم، لأننى ببساطة أريد أن أكون كل شىء وأسكن كل شىء، فأعرف ما الذى تراه تلك الأشياء، ما الذى يراه الشجر وكل الكائنات، كيف تنظر للعالم من حولها وكيف تفكر فيه، هكذا أريد أن أصاحب كل هذا العالم. 

* بدهشة المأخوذ سألته هل انتهيت من البشر أو مللت منهم فقررت أن تتجه للأشياء من حولك وتستنطقها؟

فقال لى: لا، لم أنته من البشر، فهم جزء من التجربة، لم أسقطهم منها، ولكننى اتخذت خطوة أخرى ومساحة جديدة وهى رؤية الأشياء والشعور بها. 

* فاصل من الدهشة.. 

ذلك العالم الواقعى الذى حمله قلم الفخرانى سحرا خاصا، من خلال رؤيته الخاصة جدا، عبر روايته «فاصل من الدهشة»، لكنه لم يلج ذلك العالم مرة أخرى رغم أنه كتب عنه ببراعة دفعت الرواية للفوز بجائزة وللترجمة للفرنسية، تساءلت فى دهشة عن سر هجر الفخرانى لذلك العالم، فأجابنى:

تركته لأنه ناجح، فمن السهل أن نكمل فى عالم نجح، فقد أصبح لعبة سهلة، والكتابة لابد أن تقوم على التحدى، فهى جزء من اكتشاف العالم ونفسك، ولذلك فلن أظل طوال الوقت فى منطقة بعينها لأننى ناجح بها.

ويستطرد الفخرانى: لكن ورغم ذلك، أعترف بأن الكتابة عن الشوارع وعالم المشردين قد أوحشتنى، لكن التحدى أن أعود للعالم ذاته ولكن بتقنيات كتابة مختلفة تماما.

** تنوع الكاتب بين الأجناس الأدبية المختلفة: 

عن ذلك التنوع فى الكتابة ومدى أهميته وشروطه تحققه، يقول الفخرانى:

إن أى كاتب يمكنه أن يتنوع فى كتاباته، ويتنقل بين نوع وآخر، بشرط أن يمتلك الطاقة والقدرة على ذلك، فقد يكتب الشعر والرواية والقصة، وقد يدخل عالم التمثيل والرسم وغيرها من الفنون، لكن عليه أن يفعل كل ذلك بالقوة والقدرة نفسها.

ويتابع: وبالنسبة لى فلو أننى سأتجه إلى نوع أدبى آخر فلابد إذن أن أنجز شيئا قويا فيه، فالتنوع بالنسبة لى مهم، وأكتب فى القصة والرواية بالدرجة نفسها من القوة، ولا أميل لأحدهما عن الآخر، بل إننى أميل لما أكتبه فى اللحظة الآنية، وقد يحدث العكس، فأشعر بافتقاد للرواية مثلا، بينما أكتب الآن مجموعة قصصية، أو العكس. 

** أدب الحرب.. فائض أم متاح؟

قال الفخرانى يوما إن هناك فائضا كبيرا فى أدب الحرب، ورغم ذلك فقد كتب عن الحرب فى روايته «غداء فى بيت الطباخة»، ليجيب دهشتى، قائلا إن هناك أفكارا من المهم أن يتناولها الكاتب، ولكن عليه أن يفعل ذلك بشكل مختلف تماما عما قدمه غيره، وأعتقد أن هذا ما فعلته عندما قدمت للحرب فى قالب لم يقدمها فيه غيرى من قبل، فقد استنطقت الحرب وجعلتها تتحدث عما تشعر به، وهو فى حد ذاته يعد تحديا، أن أستخدم فكرة تم تناولها كثيرا وعليّ أن أكتبها بشكل مختلف، يمتعنى أنا أولا ككاتب. 

ويعيد الفخرانى توضيح الأمر قائلا: إن هناك أفكارا رئيسية فى العالم يتم تداولها بين الكتاب، وهى أفكار لا تخيب أبدا، ودائما ما تحقق نجاحا، مثل علاقة الرجل بالمرأة، فلا أحد يقاوم الإقبال على قراءة مثل تلك الفكرة مثلا، مادام التناول هنا سيكون مختلفا عما سبق.

فأنا مثلا عندما أفكر فى تلك الفكرة الرئيسة، وهى علاقة الرجل بالمرأة، أفكر فى كتابة «ثلاثية للحب»، عن طريق طرح أفكار ثلاث للحب، وعلاقة الطرفين، ولكنى هنا سأكتب عنها من زوايا تناول مختلفة تماما.

** روح الكاتب:

سألته: هل تعد كتاباتك انعكاسا لما تراه، فتتبدى روحك وأفكارك من خلالها، أم هى انعكاس لعالم موازٍ تتمناه؟

فقال: أحب طرح الأفكار من خلال الكتابة، كما أحب محاورة عقل القارىء، فأنا لا أحب الحكايات المرسلة، بل أفضل محاورة العقل واللعب معه، وقد أوقف السرد وأجرى حوارا عقليا مع القارىء، وبالطبع فإن الأفكار التى تتضمنها أعمالى تعبر عنى، فهى انعكاس لعقلى وفكرى، وربما كانت عالما موازيا، واشتركت وحقيقيا لا نراه؛ لذا أحب أن أقترحه على القارىء، وأشير إليه بأن هناك عالما أفضل يمكنه أن يحياه. 

** متعة أم رسالة؟

راودنى سؤال عن مدى اقتناع الفخرانى بمبدأ الفن للفن أم أنه يؤمن بضرورة تضمين رسالة ما فى أى عمل، فقال: لابد أن يكون القارىء مستمتعا أثناء القراءة، لا أن أقدم له رسالة صماء دون متعة، ودون عصف ذهنى أو عاطفى أو جسدى.

وأردف: إن الكتابة لديّ هى أن أقدم كل ما هو ممتع ومدهش وجديد، وله معنى ويحمل فكرة. 

** أفكارى لا تلاوعنى:

عن مدى معاناته ككاتب للحصول على فكرة جديدة، يقول:

ذكرت فى مفتتح أحد أعمالى أنه «لا شىء أجمل من أن تخترع العالم»، وفى آخر قلت « لا شىء أجمل من أن تُصاحِب العالم»، كما قلت «لا شىء أجمل من أن تلعب مع العالم»، وفى كتاب لى قلت «لا شىء أجمل من أن تحب العالم».

ما أقصده من كل ما ذكرت أنه عندما تكون تلك هى علاقتى مع الكتابة، فسوف أصدق بسهولة أننى أستطيع أن أفعل بها ومعها كل شىء، وأنها صارت «لا تلاوعنى»، فنحن فى لعبة مستمرة نمارسها معا، لذا فإننى لا أحتاج جهدا كى تأتينى الأفكار، فاللعبة بيننا صارت سهلة ومفهومة.

** التجريب فى الكتابة وذكاء الكاتب:

ولأن الفخرانى يحترف التجريب فى كتاباته، سألته عن مدى نجاح ذلك النوع على مستوى القراء، فأجابنى: أنا مع التجريب بشرط استخدام الكاتب له بذكاء شديد، فلا يتمادى، على أنه لو أن هناك كاتبا يكتب كتابة تجريبية ولا تصل للقراء فإن ذلك لا ينتقص من كتابته، فقد يظهر قطاع آخر يفهم ويستمتع بما يكتب.

** الكاتب وإرضاء الذائقة العامة:

سألته عن حدود مهمة الكاتب، وهل من ضمن مهامه إرضاء ذائقة القراء، وكتابة ما يتطلبه سوق النشر، أم أن الأمر مختلف، فأجاب بأن الكاتب وظيفته هى الإبداع فقط، يكتب وهو فى الوقت ذاته ملم بمتطلبات السوق، لكن لا يجب أن يكتب ما يتعارض مع مشروعه الإبداعى لمجرد إرضاء الذائقة العامة وتماشيا مع سوق النشر، بل يصنع تياره الأدبى.

وتابع: ورغم ذلك فلا ملاحظات لدى على من يفعل ذلك، لكننى لا أفعل ذلك أبدا، فلدى مشروعى وخطتى التى لا أحيد عنها، لكن ولأن الكاتب لا يجب أن ينعزل عن العالم، فربما حدث أمر عالمى جلل، يدفعنى لإدخال نص لم يكن بالخطة، ولكن بأسلوب يتواءم مع الخط العام لكتابتى ولا يتعارض معها. 

** أحتفى بالإنسان لأنه يستحق:

لاحظت أن الفخرانى يولى اهتماما واحتفاء خاصا بالإنسان، فها هو يقول فى كثير من أعماله جملا تؤكد هذا الاحتفاء، مثل: «يا وجه كل إنسان هل تعرف كم أحبك»، «العالم لا يساوى شيئا بدون الخطأ الإنسانى»، «الإنسان أجمل فكرة فى العالم».

فسألته عن سر هذا الاحتفاء بالإنسان ليقول: لأنه يستحق، البشر يستحقون، فنحن كل يوم فى اختبار ونحاول أن ننجو بيومنا، فالانسان مزيج متحرك من الرغبات والأمنيات والأحلام التى فى معظمها محرمة وبعيدة، نعم، هو مزيج من الضعف والقوة، الخير والشر، فالانسان الذى اخترع الأسلحة المدمرة والمشانق هو ذاته الذى صنع السلم الموسيقى ويكتب الشعر والروايات ويمارس الفنون، لذا فإن تركيبته العجيبة تلك تستحق أن نحبه ونحتفى به.

* الجوائز وأهميتها للكاتب:

عن أهمية الجوائز فى حياة أى كاتب قال الفخرانى: بالتأكيد هى أمر مفرح لأى كاتب، بل وتقرب الكتاب الفائز من القارىء مختصرة فترات طويلة كان قد يستغرقها العمل ليتعرف عليه القارىء وينال الشهرة المنتظرة، وهذا هو ما يهمنى من الجائزة بشكل خاص، أن تقرب العمل من القارىء بشكل أسرع، وتصنع به وحوله زخما وانتشارا أكبر. 

ففى روايتى «غداء فى بيت الطباخة» والتى فازت بجائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب ٢٠٢٤، كنت أرتاب فى مدى تفاعل الشباب معها، لكننى فوجئت بتفاعل قطاع كبير منهم معها.

ويردف الفخرانى: لكن ورغم ما تعنيه الجائزة للكاتب، فإن عليه أن يتجاوز فرحته بها سريعا، حتى لا يستغرق فى الفرحة بما يفصله عن مناخ الكتابة لفترة. 

* المشهد الثقافى بمصر:

هكذا سألته عن رأيه فى المشهد الثقافى بمصر، ليؤكد لى: أنا لا يهمنى من المشهد برمته سوى الكتابة الجميلة، هذا هو ما يشغلنى، المنتج الأدبى وجودته هو ما يعنينى، وقد أقرأ عملا واحدا جميلا فى العام كله وأكتفى به، لأننى أتفهم طبيعة الأدب والفن عموما، فالاغلب أن يكون المميز من الأعمال قليلا، لكنه موجود على كل حال. 

* آفة الشللية فى الوسط الثقافى: 

عن تلك القضية يقول الفخرانى: لست مع المعنى الشائع للفظ شلة، فأنا مع فكرة دعم الأصدقاء بعضهم البعض، ولكن لا يتم فى المقابل الانتقاص والإضرار وتغييب الآخرين.

وأضاف: فى رأيى أن الكتابة الجيدة مهما تم تحييدها فسوف يحين يوم تخرج للعالم وتحصل على حقها كاملا، وفى حياة الكاتب، وقد يختلف ما يرضى الكاتب، وأشكال حصوله على حقه، فهناك من يرضيه أن يعرفه عدد محدد من الناس، وهناك من يرضيه أن يشتهر عمل واحد له ويظل هكذا لسنوات عديدة.

ويختتم الفخرانى إجابته مؤكدا أن دعم الكاتب لا يتأتى من أصدقائه فقط، بل هى وظيفة الناشر فى الأساس، وتختلف باختلاف قدرات كل ناشر وثقافته وقوة فريقه. 

** الثقافة والشارع:

سألته من حيث لا أنتظر إجابة بعينها؛ ماذا يريد المثقفون من وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية؟ فأجابنى من حيث لم أتوقع: نحتاج لأن تنزل الثقافة للجمهور، نعم، يتم إتاحتها فى الشوارع والميادين والساحات، فما المانع من أن يتم تخصيص يوم أسبوعيا فى كل قرية نائية وميدان وساحة لإقامة حفلات توقيع ومسرحيات وحفلات موسيقية، وورش رسم، ينزل الكاتب والفنان ليحتك بالقارىء والأطفال، يحدثونهم عن أهمية الفن والفكر والثقافة والإبداع، يكتشفون بينهم أجيالا من المبدعين، فيأخذون بأيديهم ويدعمونهم، بدلا من أن يظل المبدع حبيس قريته النائية فتموت موهبته بالتبعية.

إذا تم إتاحة ذلك تحت إشراف الوزارة والمؤسسات الثقافية المختلفة فسوف يرحب به كل المبدعين والفنانين دون مقابل، وإن تم تنفيذه بشكل دورى سيكون مردوده عظيما، يكفى أنه سيساهم فى الارتقاء بالذوق العام، بل ستتولد بذلك حالة جميلة يتعرف من خلالها الأطفال على أهمية الفنون وأنها ليست أمرا هامشيا فى حياتنا، وسيطور الكاتب والفنان من أدواته نتيجة الاحتكاك المباشر بالجمهور. 

** العمل المقبل:

وحان السؤال التقليدى الأخير، عن مشاريعه الإبداعية المقبلة، ليؤكد لى أن هناك مجموعة قصصية جديدة فى الأفق، ستصدر فى معرض الكتاب المقبل، كما أن هناك مشروع رواية تشاغلنى جدا الآن. 

لملمت أوراقى وأنا أنظر فى ساعتى، هل حقا مرت ساعات من الحوار مع محمد الفخرانى؟ بل هل وصل الحوار معه لمحطته الأخيرة بالفعل؟ ابتسمت وأنا أردد أن تلك طبيعة كل جميل فى حياتنا، أن يمر كعابر، لكنه حتما يترك فى نفوسنا من الأثر ما لن ننساه ما حيينا.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: بشکل مختلف فى الکتابة سألته عن فى حیاة أن هناک کل شىء جزء من

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة الأزهر يشيد بمحاضرة الكاتب بهجت العبيدي في النمسا

 

في محاضرة مميزة ألقاها الكاتب المصري المقيم بالنمسا بهجت العبيدي، ومؤسس الاتحاد العالمى للمواطن المصري بالخارج، أشاد رئيس جامعة الأزهر، الدكتور سلامة داود، بالعرض الشامل والمتميز الذي قدمه العبيدي عن حياة وأعمال العلامة محمد رجب البيومي. 

 

جاءت هذه المحاضرة ضمن سلسلة من الفعاليات الثقافية التي تنظمها الجامعة من خلال قسم البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بإيتاي البارزد بجامعة الأزهر الشريف والتي أدارها ببراعة الدكتور لطفي ناصر؛ لتعزيز الوعي الأدبي والثقافي بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.


العلامة محمد رجب البيومي: حياة حافلة بالعطاء

استعرض العبيدي في محاضرته السيرة الذاتية للعلامة محمد رجب البيومي، الذي ولد عام 1923 في قرية الكفر الجديد بمحافظة الدقهلية. تخرج البيومي من جامعة الأزهر وحصل على درجة الدكتوراه في الأدب والنقد عام 1967. شغل العديد من المناصب الأكاديمية، منها عميد كلية اللغة العربية بالمنصورة ورئيس تحرير مجلة الأزهر.

 

إسهامات البيومي الأدبية والفكرية

 

تطرق العبيدي إلى إسهامات البيومي في الأدب العربي، حيث ألف العديد من الكتب والدواوين الشعرية التي تناولت مواضيع متنوعة مثل الجهاد، التفسير البياني، والأدب الأندلسي. كما أشار إلى دوره البارز في نشر الثقافة الإسلامية من خلال مقالاته في مجلات مثل "الرسالة" و"الهلال".

 

إشادة رئيس جامعة الأزهر والأساتذة المشاركين

 

في ختام المحاضرة، أعرب الدكتور سلامة داود عن تقديره للجهود التي بذلها بهجت العبيدي في تسليط الضوء على حياة وأعمال العلامة البيومي. وأكد على أهمية مثل هذه المحاضرات في تعزيز الوعي الثقافي والأدبي بين الطلاب، مشيرًا إلى أن جامعة الأزهر ستواصل دعم مثل هذه الفعاليات التي تساهم في إثراء المعرفة ونشر الثقافة الإسلامية.

كما أشاد العديد من الأساتذة المشاركين في المجلس العلمي بالمحاضرة، حيث أكدوا: "كانت المحاضرة ثرية بالمعلومات والتحليل العميق، وقدمت لنا رؤية شاملة عن إسهامات العلامة البيومي في الأدب والفكر الإسلامي".


وتأتي هذه المحاضرة كجزء من التزام جامعة الأزهر بتعزيز الثقافة والمعرفة بين طلابها وأعضاء هيئة التدريس، وتأكيدًا على دورها الرائد في نشر العلم والأدب في العالم الإسلامي.

 

مقالات مشابهة

  • الكاتب المعروف بوعلام صنصال يفضح النظام الجزائري أمام العالم والرئيس الفرنسي يطالب بمعرفة مصيره
  • بن ستيتي: “نتائج قرعة “الكان” مقبولة نوعا ما ونيجيريا المرشح الأبرز”
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. الحلم أكسجين الحياة
  • رئيس جامعة الأزهر يشيد بمحاضرة الكاتب بهجت العبيدي في النمسا
  • الكتابة بين الملكية الفكرية والقسم الطبي
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. في بيتنا تلفزيون
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. بيت العيلة
  • لبنان يتمسك بشروط السيادة وضمان أمن إسرائيل في يدها
  • "الأقصر للشعر" يناقش تلاقي الأجناس الأدبية
  • الشهاوي يحصل على جائزة كاثاك الأدبية لعام 2024 في كلكتا الهندية ..صور