نشرت صحيفة ذا أتلانتيك هذا الأسبوع، قائمة بخمسة كتب غيرت حياة القراء، ومنذ ذلك اليوم وأنا أفكر في الكتب التي غيرت حياتي. لا أستطيع الآن إلا أن أتذكر كتاب «حياة غير آمنة» لشفيق الغبرا، الذي كتب فيه عن سيرته الذاتية في مشاركته في المقاومة الفلسطينية داخل لبنان في الثمانينيات ضد دولة الكيان الصهيوني، وبالتقادم يصبح هذا الكتاب أكثر أهمية من السابق، فعلى الرغم من تحفظات جيلنا على اليسار العربي المشرقي على وجه الخصوص، إلا أن هذه التجربة قد تعيد قراءتنا لتلك المرحلة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
غيّر كتاب «الهوية غير المكتملة» الذي يقع في ستين صفحة لأدونيس حياتي أيضا، كنتُ في بداية حياتي الجامعية عندما أعدتُ التفكير في الأدب والدين والسياسة والجنس في الثقافة العربية، كان بمثابة مدخل بالنسبة لي للنظر نقديا في المحرمات وتطوير حساسية نحوها في الواقع الذي أعيش فيه. تبع ذلك قراءة موسعة لأعمال أدونيس الفكرية التي كانت ممنوعة في الكويت حيث تلقيت تعليمي الجامعي. لكننا تحايلنا على السلطة وحصلنا على الكتب وقرأناها في مجموعات شبابية، كانت قد بدأت ربيعها العربي خلال تلك السنوات، ومن الصعب إيقافها عن الحلم ورغبتها بمستقبل أفضل.
كان لكتاب «جماليات المكان» لغاستون بلاشار تأثير واسع على حياتي، فبه تمكنت من معرفة اسم تلك الأفكار التي تراودني عبر مخيلتي فحسب، الحنين الذي وصفه سيوران في كتابه تاريخ ويوتيوبيا بالشوق للمستقبل عبر تصوره وهو لم يأتِ بعد. ارتكزت أعمال غاستون باشلار الذي يعتبر أهم فلاسفة الظاهراتية على النظر في أحلام يقظة المادة، الشعر في المادة، في النار وفي الهواء وفي أثاث المنزل. لطالما ربيتُ شعورا بالتعلق تجاه هذه الأشياء، وأصبح لها مشروعية أخيرا مع لغة باشلار وتفكيره، وهو القادم من عالم الفيزياء إلى الشعر. حصلتُ على الطبعة الأولى من الترجمة العربية للكتاب بعد رحلة طويلة، وتأثرت بمقدمة مترجمها الكاتب العراقي غالب هلسا الذي فرق بين الأدب الكوزموباليتاني والأدب العالمي، وشجعني على النظر في القصص المحلية وقراءة الكوني فيها الذي يمكن أن يتقاطع مع أي إنسان على وجه الأرض.
تعلقتُ لفترة من الزمن بكتاب «الوجودية» لسارتر، كان من المهم أن أعرف ما الذي يأتي أولا، ماهيتنا، أم نحن، هل نأتي بحياة حتمية لا فرصة لتغييرها، أم أننا أحرار بما يكفي لنختار الطريق الذي نسلكه، وعلى الرغم من بساطة هذا الكتاب الذي كان في واقع الأمر محاضرة لسارتر، إلا أنه فتح لي أبواب هذه الفلسفة، فقرأت البير كامو، وكولن ولسون وسيمون دي بوفوار وآخرين، كانت الوجودية أشبه بتقليعة على الثقافة المضادة منذ 2010 وحتى 2015 وكنا نفكر كثيرا بالفرق بين عدمية سارتر وعبثية كامو وكأن الأمر سيوصلنا إلى بر الأمان، وكأننا سنستمر في دفع صخرة سيزيف بقوة أكبر. نفاضل بينهما، كامو لم يقف مع الجزائر واستعمار فرنسا لها رغم أصوله الجزائرية، وكتب عن أنه مكترث بأمه فحسب، أما سارتر فلطالما كان حساسا تجاه الاستعمار، ورفض الإمبريالية بشجاعة وراجع موقفه من الاشتراكية، لكننا أحببنا أعراس التي كتب فيها كامو عن شواطئ البحر في الجزائر وقضائه عطلة هناك.
كان لكتاب «لوليتا في طهران» لآذر نفسي مكانة خاصة في قلبي، وعلى الرغم من نظرتي التي تغيرت الآن للكتاب ونظرته للعالم، وحساسيتي تجاه الاستشراق كيفما كان، إلا أن الفتيات في تجمعهن مع آذار نفيسي في بيتها وهي معلمتهن في الأدب في الجامعة التي يرتدنها، وتدارسهن الأدب بحرية في منزل نفيسي، مع رصد ما حدث في الثورة الإيرانية عام 1979 والحراك المحافظ واليساري آنذاك، ومآلات ما وصلت إليه الثورة على صفوف الدراسة في الجامعة والواقع المعاش للإيرانيين واشتباك كل هذا مع أعمال أدبية قد تبدو بعيدة إلا أنها ليست كذلك، مثل لوليتا للروسي فلاديمير نابكوف، فكيف لقصة حب، أن تعني ما يحدث في ثورة داخل إيران.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إلا أن
إقرأ أيضاً:
الشاعر سلطان الصريمي.. تاريخ حافل في مجالات الأدب والسياسة
خليل المعلمي
غادر دنيانا الشاعر الكبير والسياسي المخضرم الدكتور سلطان الصريمي الاثنين الماضي 29 جمادى الآخرة 1446هـ الموافق 30 ديسمبر 2024م، بعد حياة حافلة بالإبداع والتميز والكفاح والعمل الوطني في مختلف المجالات السياسية والتنموية والإبداعية، عن عمر ناهز الـ76عاماً تنقل خلالها بين كثير من المناطق داخل اليمن وخارجها، وشغل العديد من المناصب السياسية والإدارية وكان أهمها فوزه بعضوية مجلس النواب خلال الدورة (93 – 1997م).
وقد نعته كل من وزارة الثقافة والسياحة وكذا اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، (الأمانة العامة وفرع صنعاء) وأشاروا في بيانات النعي إلى أن اليمن فقد برحيله واحدا من رموز المشهد الثقافي والأدبي والإبداعي.
ومما جاء في بيانات النعي: «إن فقدان الأديب والمثقف والشاعر الكبير سلطان الصريمي سيترك أثرا كبيراً في الساحة الثقافية اليمنية والعربية».. منوهة بما تميزت به تجربته وما مثلته من إضافة كبيرة للشعر اليمني إلى جانب ما تركه من بصمات وحضور فاعل في المشهد الثقافي اليمني طيلة العقود الماضية.
وأكدوا أن الشاعر الصريمي بتجربته الشعرية المتميزة وقصائده الزاخرة بالتنوع سيبقى مدرسة للأجيال اليمنية.
وتطرقا إلى خصوصية التجربة الشعرية في قصيدة سلطان الصريمي، التي ظلت على مدى أكثر من خمسة عقود تقدم إضافات نوعية لتجربة الشعر اليمني، منوهًا بعلاقة الشاعر الإبداعية بالفنان عبدالباسط عبسي اللذين مثلا معا ثنائيا إبداعيا في تجربتهما الشعرية والغنائية على مدى عقود.
ونوهوا بقرب قصيدة الصريمي من تفاصيل الحياة اليومية لليمنيين حتى برز كشاعر مختلف في علاقته بالهم العام في اليمن، مؤكدا أن الصريمي كان أحد الأسماء التي فتحت آفاقا جديدة للقصيدة الشعبية الحديثة في اليمن علاوة على تجربته ضمن مؤسسي الاتحاد الذين كان لهم الدور الفاعل والمؤثر في إرساء مداميك مؤسسة الاتحاد كمؤسسة وحدودية.
وأعربوا عن خالص العزاء وصادق المواساة لكافة أفراد أسرته.. سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
وقد حفل تاريخ الشاعر الدكتور سلطان الصريمي بالعطاءات الإبداعية الفذة، وبالمواقف المنحازة دائماً للكلمة والإبداع انحيازها للقضايا التي ترفع راية الوطن ومجده، وشعارات الذود عن الإنسان وحقوقه، فوق كل الرايات الأخرى، التي كثر ما كانت تأتي دوناً من ذلك في مسيرة الفقيد، سواء على الصعيد الثقافي والأدبي أو على صعيد العمل الوطني والسياسي..
عاش لسنوات صراعاً مريراً مع المرض، وتاركاً وراءه طيفاً واسعاً من الإنتاج الثقافي والإبداعي ورصيداً كبيراً يشار إليه من النضال في سبيل الكلمة والوطن، والدفاع عن الحريات، بالإضافة إلى كمٍ هائلٍ من الذكريات والمواقف التي تستحق التوقف عندها، وتدوينها لتكون مساراً مكتوباً وضوءاً منيراً لمن يليه من أدباء ومثقفي الساحة اليمنية على امتدادها..
ولد الدكتور سلطان في الحجرية بمحافظة تعز في العام 1948م وتلقى هنالك تعليمه الأولي، ثم انتقل مع والده إلى جيبوتي حيث واصل تعليمه هناك، وبعد عودته مباشرة إلى أرض الوطن حلق مجدداً في العام 1980م إلى روسيا لإكمال تعليمه العالي، ليحصد هناك درجة الماجستير في الأدب الشعبي، ثم الدكتوراه في فلسفة العلوم الاجتماعية.
شغل الفقيد الصريمي مكانه الدائم في عضوية وقيادات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، متنقلاً بين المجلس التنفيذي والأمانة العامة، وكان عضواً في اتحاد الأدباء والكتاب العرب.. كما كان عضواً برلمانياً وقيادياً فاعلاً في الحزب الاشتراكي اليمني، على الصعيد السياسي، وشغل مناصب حزبية وصحفية، إذ كان عضواً في المكتب السياسي للحزب وترأس تحرير صحيفة الثوري الصادرة عنه..
وقد ترك في إثر مساره الأدبي الكبير الكثير من الإنتاج والإنجاز الشعري المتميز، خصوصاً في مجال الشعر الشعبي والغنائي، ومن أبرز عناوين إصداراته الشعرية: «أبجدية البحر والثورة»، «نشوان وأحزان الشمس»، «قال الصريمي»، «هموم إيقاعية»، «أربع وردات وقصيدة»، «الهواجس»، «زهرة المرجان».
وبهذا المصاب الجلل، تكون الساحتان الثقافية والوطنية قد خسرتا علماً إبداعياً ووطنياً بارزا، وهي خسارة موجعة وباعثة على الحزن والأسى.
كان له كتابات متنوعة في الأدب وعلم الاجتماع وبحوث أدبية واجتماعية وسياسية، نشر له في معظم الصحف والمجلات العربية واليمنية الشهرية واليومية والدورية.
وغنى له عدد من الفنانين اليمنيين وفي مقدمتهم الفنان محمد مرشد ناجي، أيوب طارش عبسي، عبدالباسط عبسي، أحمد فتحي، محمد صالح شوقي، نجيب سعيد ثابت، عبدالجليل العسبي، جابر علي أحمد، عبداللطيف يعقوب، ومن العرب فرقة الطريق العراقية، حميد البصري، فرقة محمد حسين منذر السورية، شوقية العطار، قيس العراقي.
ومن أشهر قصائده المغناة «تليم الحب»، لحن وغناء الفنان الكبير أيوب طارش عبسي، وكذا قصيدة «نشوان» والتي غناها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي وقد أحدثت جدلاً كبيراً ولاتزال خلال فترة حساسة من تاريخ بلدنا المعاصر.
وقد شكّل الشاعر الدكتور سلطان الصريمي مع الفنان الكبير عبدالباسط عبسي ثنائياً راقياً من خلال عشرات الأغاني التي لا يزال صداها في ذاكرة الأجيال.