الحياة.. اختيار أم اختبار؟!!
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
أثناء رحلتي العائلية إلى محافظة ظفار، استوقفني أحد تلاميذي الأعزاء، ودار بيننا حديث مُشوق حول بعض القضايا المجتمعية التي أطرحها بانتظام. لقد كان النقاش محيطاً بأهمية استفادة الجيل الحالي من تجارب الأجداد والآباء في الحياة، وكذلك عدم الانسياق بشكل كامل خلف مظاهر التطور التقني دون الالتفات إلى حكمة الماضي.
في الحقيقة، نحن لا نعيش حياتنا وفقًا لرغباتنا فقط، إذ لو كان الأمر كذلك لاختار كل منَّا المكان الذي يُعجبه، والمجتمع الذي يروق له، والأسرة التي يجد فيها سعادته. ولكن، الحياة هي اختبار مُستمر يتطلب منَّا مواجهة التحديات التي تقابلنا بجرأة وإصرار. وبما أن السعادة التي نتوق إليها ليست سوى نتيجة لقرار يتخذ بعناية، فإنِّه يتعين علينا أن ندرك أنَّ الحياة ليست دائمًا ما نريدها أن تكون، ولكن يمكننا أن نجعلها أفضل من خلال اتخاذ القرارات الصحيحة.
إذا نظرنا إلى الحياة من منظور أنها اختبار، فإننا سنرى أنَّ الأخطاء التي نقع فيها ليست سوى جزء من طبيعتنا الإنسانية. وبالرغم من أنَّ تلك الأخطاء تعتبر مراحل تعلم ننمو من خلالها، فإن الالتزام بالمثالية المطلقة ما هو إلا تمثيل يتعارض مع طبيعتنا البشرية. ولنا في قصة أبينا آدم وأمنا حواء عبرة؛ فعندما وسوس لهما الشيطان وأكلا من الشجرة التي نهاهما عنها الله، كان ذلك بمثابة اختبار لم ينجحا فيه. ومع ذلك، فإن هذا الخطأ لم يكن نهاية، بل كان بداية جديدة لتجربة أخرى. قال الله تعالى: "فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ." (سورة البقرة: 37)
إذًا، نستطيع أن نستخلص من هذه القصة أن الحياة هي اختبار يسعد من يجتازها بنجاح، وأن السعادة الحقيقية تأتي من اتخاذ القرارات الصحيحة. لذلك، ينبغي لكل من يقرأ هذه السطور أن يسأل نفسه: هل أنا أعيش حياتي بسعادة وقد تجاوزت كل اختبارات الحياة وتأقلمت معها؟ وهل فعلاً أنا سعيد بتفاصيل حياتي بعد اتخاذي للقرارات المناسبة؟
التفكير في هذه الأسئلة بعمق يقودنا إلى إعادة تقييم كيفية تعاطينا مع الحياة، وهل نحن نقبل بها كاختبار أم نعيشها كمجرد واقع مفروض؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تفتح أمامنا آفاقًا جديدة لفهم أعمق للحياة وكيفية التعامل معها. وعلاوة على ذلك، فإن اتخاذ القرارات الصحيحة ليس مجرد اختيار سطحي، بل هو عملية مدروسة تستند إلى الخبرات والمعرفة.
وعندما نفكر بإيجابية، فإننا نفتح الباب أمام تحسين جودة حياتنا والاستمتاع بها. ولا شك أن التفكير الإيجابي ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو أساس قوي لتحسين نوعية الحياة. ومن خلال التركيز على الإيجابيات، يمكننا خلق مساحة للتنمية الذاتية واستقبال الروحانيات التي تعزز صحتنا النفسية وتساعدنا في تحقيق أهدافنا. وبما أن التفكير الإيجابي هو استراتيجية علمية نحتاج إليها في حياتنا اليومية، فإنه من المهم أن نبتعد عن السلبية التي تتغلغل في مجتمعنا من خلال الحوارات السلبية أو المشاركات السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي.
علاوة على ذلك، فإنَّ كثيرين في مجتمعنا يتبعون تلك السلبيات دون التروي أو التفكير النقدي، ينقلونها من دون إدراك لتأثيرها السلبي الذي ينتشر كالنار في الهشيم. هذا الانتشار السريع للسلبيات يعمق الإحساس بالإحباط ويزيد من تعقيد التحديات التي نواجهها في حياتنا اليومية. ولهذا السبب، رسالتي للجميع هي: تمتعوا بالإيجابية واعملوا على خلقها حتى لو لم تكن موجودة في محيطكم. استعملوا عقولكم في البحث عن الجوانب الإيجابية التي تساعدكم على النجاح في حياتكم. وتعلموا كيف تتغلبون على من يحاول أن يغمر حياتكم بكمية من السلبيات التي قد تؤدي بكم إلى التعاسة.
إضافة إلى ذلك، يجب أن نتذكر أن السعادة ليست هدفًا بعيد المنال، بل هي نتيجة لقرارات يومية نتخذها بإرادتنا. في الواقع، نحن نملك القدرة على تغيير حياتنا للأفضل من خلال تبني مواقف إيجابية تجاه ما يحدث لنا. ومن هنا، يجب أن ندرك أن الحياة مليئة بالتحديات، ولكنها أيضًا مليئة بالفرص. وعندما نتعامل مع الحياة كاختبار مستمر، فإننا نفتح أمامنا أبوابًا جديدة لتحقيق السعادة.
في الختام، يجب أن نتذكر دائمًا أن الحياة هي رحلة مستمرة من التعلم والتطور. وبما أن الحياة اختبارٌ لا يتوقف، فإنه من خلال قراراتنا، يمكننا أن نصنع السعادة التي ننشدها. ومن المهم أن يكون لدينا الوعي بأن ما نواجهه من تحديات ليس سوى جزء من رحلتنا، وأن السعادة ليست مجرد هدف نصل إليه، بل هي قرار نتخذه في كيفية مواجهة تلك التحديات. وبما أن الحياة، بما فيها من اختبارات، تمنحنا فرصة لإعادة تقييم أنفسنا وتحديد ما هو الأهم بالنسبة لنا، فإنه عندما نركز على الإيجابيات ونتخذ القرارات الصحيحة، نصبح قادرين على اجتياز هذا الاختبار بنجاح، ونحقق السعادة التي نطمح إليها.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الشيخ رمضان عبد المعز: القناعة سر السعادة والرضا عن رزق الله.. فيديو
أكد الشيخ رمضان عبد المعز، الداعية الإسلامي، أن المؤمن يسعى ويأخذ بالأسباب ويبذل جهده في تحقيق أهدافه، ولكن النتائج بيد الله عز وجل، مشيرًا إلى أن الرزق والعطايا هي من تقسيم الله سبحانه وتعالى.
وقال الداعية الإسلامي خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم الاثنين: "المؤمن عنده حالة من الرضا، وهو يعلم أن ما يكتبه الله له هو الأفضل، ويكفيه أن يكون راضيًا بما قسم الله له، ليكون أغنى الناس".
وأضاف الشيخ رمضان عبد المعز أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن القناعة هي سر السعادة، فكلما كان الإنسان قانعًا بما قسم الله له، كلما كان أشكر الناس لله، موضحا أن هناك فرقًا بين القناعة وبين الكسل، حيث أن القناعة ليست بمعنى الرضا بالضعف أو الفقر، بل هي الرضا بما قسّمه الله مع السعي والاجتهاد.
وقال: "المؤمن لا يجب أن يكون كسولًا، بل عليه أن يستعين بالله ويأخذ بالأسباب، ولكن في النهاية النتائج بيد الله، والرضا بالقضاء والقدر هو من أسمى صفات المؤمن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسمى مثال على ذلك، لقد كان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس قناعة وزهدًا في الدنيا، فقد عرضت عليه الدنيا فأعرض عنها زاهدًا، وكان لو شاء لكان له من الدنيا ما يشاء، لكنه اختار الزهد في الدنيا وفضل الآخرة".
وشدد الشيخ رمضان عبد المعز على أن الرزق مقسوم وأن الدنيا دار ممر، بينما الآخرة هي دار المقام، مشيرًا إلى أن المؤمن يجب أن يحرص على العيش بحسن الظن بالله وبقناعة في رزقه.