لندن- شهدت بريطانيا في الأيام الأخيرة أعمال شغب متصاعدة ضد المهاجرين، إثر حادث طعن بجنوب البلاد، ورأى العديد من المحللين أن خطاب حكومة المحافظين السابقة السياسي أسهم في إشعال الكراهية ضد المهاجرين.

وشكل هذا الملف محور خطط كل الأحزاب السياسية التي وعدت بتقليص أعدادهم، وأربك تقلص أعداد المهاجرين النظاميين وغير النظاميين المشهد، وكشف عن أزمة ربما تهدد استقرار النظام الصحي في بريطانيا إن لم تتدارك باكرا.

وأظهرت إحصائية انخفاض عدد الأشخاص الراغبين في القدوم من الخارج للعمل، خاصة في قطاع الصحة والرعاية الاجتماعية، إذ منحت حكومة المحافظين المنتهية ولايتها نحو 286 ألفا و382 تأشيرة عمل خلال العام الحالي حتى يونيو/حزيران الماضي، بانخفاض بنسبة 11% مقارنة بالعام السابق.

قيود

بينما أوضحت بيانات وزارة الداخلية أن عدد التأشيرات الممنوحة لقطاع الصحة بلغ 89 ألفا و85 تأشيرة منذ بداية 2024 حتى يونيو/حزيران الماضي، بانخفاض بأكثر من 80% مقارنة بالفترة من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران 2023.

ووضعت حكومة المحافظين السابقة قيودا على المهاجرين سواء أكانوا طلبة أو عمالا إذا كان دخلهم منخفضا، ومنعتهم من إمكانية استقدام الزوج والزوجة والأطفال إلى المملكة المتحدة، فدفع ذلك العديد منهم إلى العزوف عن التقدم للوظائف الشاغرة التي بلغت نحو 10 آلاف وظيفة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية.

وقد دعمت الحكومة خطة القوى العاملة وحددت هدفا لتوظيف 51 ألفا إلى 57 ألف ممرض دولي خلال 2023 و2024، لكن لم تنجح الهيئة سوى في تعيين 21 ألفا و511 ممرضا دوليا، أي أقل من نصف العدد المنشود وهو ما يزيد الضغط على النظام الصحي في البلاد.

وتُصدر الحكومة البريطانية قائمة تعرف باسم "قائمة المهن الملحة"، وأعلنت العجز عن استيفاء شروط تلك الوظائف من داخل الدولة، وخصّت في قائمة مستقلة العاملين بالصحة.

وصرح المتحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية -للجزيرة نت- بأن الإحصائيات أظهرت أن الطريق لا يزال طويلا لخفض مستويات الهجرة القانونية المرتفعة تاريخيا، وقال إن الهجرة تمنح بريطانيا العديد من الفوائد، و"لكن تجب السيطرة عليها وإدارتها حتى يكون النظام عادلا".

وأضاف أن العمل جارٍ لمعالجة الأسباب الجذرية وراء التوظيف الدولي المرتفع، وأنهم سيضمنون تدريب القوى العاملة المحلية ويعالجون هذا النقص في المهارات.

عجز كبير

اطلعت الجزيرة نت على تحليل بيانات هيئة الخدمات الصحية الوطنية الحديثة، التي أوضحت أن جميع موظفيها في إنجلترا (1.4 مليون) أكثر من 17% منهم (264 ألفا و815) هم من المهاجرين، بينما أوضح فحص النسب المئوية للمهن ذات الصلة الطبية مثل التمريض أن قرابة 27% من ممرضي هذه الهيئة هم من المهاجرين (99 ألفا و856 من أصل 372 ألفا و605 ممرضين وزائرين صحيين مسجلين).

وتتصدر مصر قائمة أكبر الدول العربية المصدرة للأطباء في المملكة المتحدة منذ سنوات، واحتلت المرتبة الـ14 في قائمة جنسيات الأطباء غير الأوروبيين، في اقتراب شديد من نصيب باكستان التي تملك الحصة الآسيوية الأكبر بعد الهند.

ويقول طبيب من أصل عربي رفض ذكر اسمه -للجزيرة نت- إن هناك إحصائيات أكثر دقة عن مكان ولادة الأطباء وأصولهم وألوانهم، وإن "نسبة 40% على الأقل من الأطباء المسجلين على أنهم بريطانيون التي ذكرتها ستكون لأطباء تم تجنيسهم بحسب قانون تجنيس العمالة الماهرة بعد العمل 6 سنوات في المملكة المتحدة".

كما أوضحت الإحصائيات عجزا كبيرا في موظفي الرعاية الصحية والاجتماعية بلغ أعلى معدلاته في ديسمبر/كانون الأول 2021، وأن حكومة المملكة المتحدة خففت متطلبات الحصول على التأشيرة للعاملين في هذا المجال لمعالجة معدلات الشغور المرتفعة، مما أدى إلى تدفق العمال الأجانب، وخاصة من الهند ونيجيريا وزيمبابوي.

وبحسب منظمة "آيج يو كي"، تستمر معاناة قطاع الرعاية الاجتماعية حيث تظل معدلات الشغور مرتفعة بسبب انخفاض الأجور، وضعف التقدم الوظيفي، والاستخفاف بعمل الرعاية. وأوضحت أن هناك حاجة ماسّة إلى 480 ألف موظف إضافي بحلول عام 2035، وإلى خطة طويلة الأمد للقوى العاملة في مجال الرعاية الاجتماعية.

وتقدر المنظمة أن 1.6 مليون شخص في المملكة المتحدة لا يحصلون على مساعدة كافية في ما يتعلق برعايتهم، وأن 1.4 مليون آخرين يحتاجون إلى الدعم ولكنهم لا يحصلون عليه، كما تحدثت عن تكدس دور رعاية المسنين بهم وسط نقص حاد في العمالة لرعايتهم.

عزوف المهاجرين

يسهم المهاجرون بنحو 83 مليار جنيه إسترليني سنويا في الناتج الاقتصادي للبلاد، ومع ذلك تسعى الحكومة البريطانية للحد من أعداد العمالة الأجنبية.

ومن المتوقع أن تقلص أيضا أعداد المهاجرين غير النظاميين المتقدمين بطلبات لجوء، وقد أظهرت الإحصائية الجديدة انخفاضا في عدد المهاجرين غير النظاميين بصفة طالبي لجوء.

وانخفض عددهم بنسبة 8% مقارنة بالعام السابق، مع أن 80% من طالبي اللجوء وصلوا عبر القوارب الصغيرة التي تعبر القناة الفاصلة بين المملكة المتحدة وفرنسا. وعلى الرغم من إغلاق بريطانيا طلبات اللجوء المقدمة عبر سفاراتها، فإنها ما زالت تتلقاها على أراضيها.

وفي وقت سابق، علقت الحكومة السابقة لحزب المحافظين معالجة طلبات اللجوء تمهيدا لترحيل طالبيه إلى رواندا، ولكن الحكومة الحالية -بقيادة حزب العمال– استأنفت معالجتها نظرا لتقلص فرص العودة إلى البلدان الآمنة، وأوقفت خطة الترحيل إلى رواندا.

وعن انخفاض أعداد المهاجرين غير النظاميين، قال المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية إنهم يتخذون خطوات واضحة لتعزيز أمن حدودهم وإنهاء عمليات عبور "القناة الخطيرة التي تعرّض الأرواح للخطر".

وتابع أن وزير الداخلية اتخذ إجراءات فورية "لتصفية" تراكم طلبات اللجوء وتعزيز قدرة الحكومة على إنفاذ قوانين الهجرة والعودة، وإعادة نشر مئات الموظفين لتعزيز العمليات الأمنية "لإبعاد أولئك الذين ليس لديهم الحق في الوجود هنا".

وأضاف مكتب الوزارة للجزيرة نت "نعلن هذا الأسبوع تجنيد ما يصل إلى 100 ضابط متخصص جديد في وكالة مكافحة الجريمة الوطنية الذين سيعملون جنبا إلى جنب مع قيادة أمن الحدود الجديدة لدينا لاستهداف وتعطيل وتفكيك عصابات التهريب الإجرامية التي تجني الملايين من الأرباح".

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المملکة المتحدة غیر النظامیین

إقرأ أيضاً:

الحكومة الهولندية تريد تشديد القيود على الهجرة

قالت الحكومة الهولندية، اليوم الجمعة، إنها تستهدف تطبيق مجموعة من التدابير للحد من الهجرة في الأشهر المقبلة تتضمن عدم البت في كل الطلبات الجديدة بعد أيام من إعلان ألمانيا ضوابط جديدة بشأن الحدود لمنع توافد المهاجرين.
وقالت الحكومة الجديدة، بقيادة حزب الشعب من أجل الحرية بزعامة السياسي القومي خيرت فيلدرز، إنها ستعلن عن أزمة لجوء وطنية لتتمكن من اتخاذ تدابير للحد من الهجرة دون موافقة البرلمان.
وأكدت الحكومة هدفها في السعي للحصول على إعفاء من قواعد اللجوء في الاتحاد الأوروبي، على الرغم من ترجيح أن تقاوم بروكسل لأن دول الاتحاد الأوروبي وافقت بالفعل على اتفاق للهجرة، وعادة ما تناقش خيارات عدم الالتزام في مرحلة التفاوض.
وقال إريك مامر المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للصحفيين، حين سئل عن احتمال انسحاب هولندا اليوم "اعتمدنا تشريعات، ولا يمكن الانسحاب من تشريعات الاتحاد الأوروبي المعتمدة.. هذا مبدأ عام".
ومن بين الخطوات الأولى التي تعتزم الحكومة الهولندية اتخاذها، وقف تصاريح اللجوء مفتوحة الأجل، ووضع قيود كبيرة على التحاق الأسر بمن حصلوا على اللجوء.
وستبدأ أيضا العمل على قانون طوارئ قد يمنع البت في مصير الطلبات الجديدة لنحو عامين وهذا قد يقلص التسهيلات المقدمة لطالبي اللجوء.
فاز فيلدرز في انتخابات العام الماضي بناء على وعد بفرض أشد قواعد الهجرة صرامة في الاتحاد الأوروبي. لكنه لم يستطع تشكيل حكومة مع ثلاثة شركاء من اليمين في مايو إلا بعد أن تخلى عن طموح تولي منصب رئيس الحكومة.
ويتولى رئاسة الحكومة ديك شوف وهو بيروقراطي غير منتخب بلا انتماء حزبي.
وعلى غرار جارتها ألمانيا، قالت هولندا إنها ستفرض أيضا ضوابط حدودية أكثر صرامة لمكافحة تهريب البشر والحد من الهجرة غير النظامية.

أخبار ذات صلة تعرف على مباريات ربع نهائي «مونديال السيدات» ديباي يتوقع هجرة نجوم أوروبا إلى البرازيل المصدر: آ ف ب

مقالات مشابهة

  • هل الحكومة الإسبانية تخطط لاستقبال 250 ألف موريتاني؟
  • مخاوف أوروبية من تصرفات الرئيس التونسي الاستبدادية وتأثيرها على التعاون في ملف المهاجرين
  • الحكومة الهولندية تريد تشديد القيود على الهجرة
  • بريطانيا تحظر الإعلان عن المأكولات والمشروبات غير الصحية لمكافحة سمنة الأطفال
  • بريطانيا: حظر إعلانات المأكولات غير الصحية لمكافحة سمنة الأطفال
  • غارديان تنشر قائمة بالدول التي حظرت أو قيدت مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل
  • وزير الداخلية الإسباني يتهم أحزاباً يمينية بالعنصرية وكراهية الأجانب بعد دعوتها لترحيل المهاجرين المغاربة
  • المستوردين: الحكومة تعمل على مضاعفة حجم الاستثمارات رغم صعوبة الظروف العالمية
  • تاريخ 15 شتنبر يحرك المصالح الأمنية بشمال المملكة
  • عاجل - هاريس عن ملف الهجرة: لاحقنا المهاجرين غير القانونيين ووجهنا بمراقبة الحدود