بعد حزب الله.. هل ترد إيران على إسرائيل؟
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
"بداية أم نهاية الرد الإيراني؟، ولماذا جاء منفردا"، تساؤلات صاحبت هجمات حزب الله على الأراضي الإسرائيلية، وسط مخاوف من مغبة انجرار المنطقة لـ"حرب إقليمية" أوسع نطاقا.
وكان محللون توقعوا أن ترد إيران على إسرائيل بالاشتراك مع ميليشياتها في لبنان واليمن والعراق وسوريا، إلا أن حزب الله رد بشكل منفرد، الأمر الذي أثار التكهنات بشأن "الرد الإيراني المرتقب".
الأحد، أعلن حزب الله أنه أطلق مئات المسيرات والصواريخ على إسرائيل ردا على مقتل القيادي العسكري، فؤاد شكر، بضربة اسرائيلية في بيروت في 30 يوليو، بينما أكد الجيش الإسرائيلي إحباط "جزء كبير من الهجوم".
والإثنين، أشادت إيران بالهجوم الذي شنه حليفها حزب الله على مواقع في الأراضي الإسرائيلية، معتبرة أن إسرائيل فقدت "قدرتها الهجومية وقوة الردع".
ولذلك، يشير الخبير الاستراتيجي الإيراني، سعيد شاوردي، إلى أن رد حزب الله "المنفرد، دليل على القوة وليس الضعف".
وأصبح بمقدور أي من أعضاء "محور المقاومة" الرد المباشر على إسرائيل دون الحاجة لمساندة مباشرة من الحلفاء الآخرين، بحسب ما قاله شاوردي لموقع "الحرة".
وعلى جانب آخر، يؤكد المحلل السياسي المقيم في لندن، وجدان عبد الرحمن، أن هجمات حزب الله على إسرائيل قد جاءت "دون التنسيق مع إيران وبشكل منفرد"، بعد تأخر الرد الإيراني.
ولكن في حال شنت إيران هجمات على إسرائيل سوف يشارك حلفاؤها في "الرد الإيراني" الذي سيكون "جماعي"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ومن جانبه، يفرق المحلل السياسي الإسرائيلي، إيدي كوهين، بين "انتقام حزب الله" من جانب و"الرد الإيراني" من جانب آخر.
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يؤكد كوهين أن هجمات حزب الله على الأراضي الإسرائيلية جاءت كرد على مقتل فؤاد شكر، وهو أمر "منفصل تماما" عن توعد النظام الإيراني بـ"الانتقام" لمقتل هنية.
أما المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتِيرن، فيشير إلى أن رد حزب الله جاء "منفردا"، بعدما توقع البعض أن ترد إيران والجماعة اللبنانية بـ"طريقة منسقة".
ولم تشن إيران هجوما "منسقا ومتزامنا" مع حلفائها من عدة جبهات في وقت واحد كما كان متوقعا، لأن "محور المقاومة" غير معني بالذهاب نحو التصعيد مع إسرائيل، وفق حديثه لموقع "الحرة".
وغداة شن حركة حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر، فتح حزب الله عبر الحدود اللبنانية ما أسماه "جبهة إسناد" لقطاع غزة، ويقول إنه يستهدف مواقع عسكرية إسرائيلية في هجماته اليومية.
وترد اسرائيل منذ ذاك الحين بقصف مناطق عدة في لبنان، مؤكدة أنها تستهدف بنى تحتية لحزب الله.
ورغم أن إسرائيل وحزب الله، يتبادلان القصف يوميا منذ أكثر من عشرة أشهر، إلا أن منسوب التوتر ارتفع مؤخرا بعد اغتيال القائد العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر بغارة اسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 يوليو، ثم مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، بعد ساعات في طهران بضربة نسبت إلى إسرائيل.
واتهمت حماس وإيران إسرائيل بـ"قتل هنية"، وتوعدتا بالرد لمقتله، لكن الجانب الإسرائيلي لم يعلن مسؤوليته ولم ينفها.
بداية أم نهاية "الرد الإيراني"؟تشكل الجماعات المدعومة من طهران ما يسمى بـ"محور المقاومة"، وهو تحالف من المليشيات المسلحة التي تضم حماس والجهاد الإسلامي في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثي في اليمن، وجماعات مسلحة عدة في العراق وسوريا، وهي بمثابة خط دفاع أمامي إيراني، وتستخدمها إيران لنشر نفوذها في جميع أنحاء المنطقة، وتصنف غالبيتها الولايات المتحدة كمنظمات "إرهابية".
ومن جانبه، يشدد شاوردي على أن "إيران رسمت معادلة جديدة في صراعها مع إسرائيل مفادها أن طهران من الآن فصاعدا لن تترك أي عمل عدائي إسرائيلي يستهدف الأمن والمصالح الإيرانية داخل وخارج إيران دون الرد والعقاب الحتمي".
والرد الإيراني على مقتل هنية "لم يبدأ حتى ينتهي"، ومن غير الوارد أن تكتفي إيران برد حزب الله للثأر لهنية، وقالت طهران إنها "هي التي ستثأر له بنفسها"، وفق الخبير الاستراتيجي الإيراني.
ويشير شاوردي إلى أن "عدم الاستعجال في الرد، على الاعتداءات الإسرائيلية سواء مقتل هنية في طهران أو غيره، يفسح المجال أمام إيران للتخطيط بشكل أدق".
وتعمل إيران على ضمان نجاح الرد الإيراني على إسرائيل والوصول إلى الأهداف المحددة مع الأخذ بالحسبان الطبقات الدفاعية المتعددة والتعقيدات الأخرى في هذا المجال وقضايا أخرى، وفق شاوردي.
وإيران تشعر على عكس إسرائيل أن الوقت يمضي لصالحها وهي غير مضطرة للرد "في زمن محدد"، وهي تعمل على تراكم القوة في شتى المجالات لمواجهة إسرائيل بالاعتماد على مصادر قوتها "الداخلية العسكرية والأمنية والاستخباراتية والسيبرانية"، حسبما يضيف الخبير الإيراني.
ومن جانبه، يؤكد عبد الرحمن، أن الرد الإيراني "آت لا محالة" لأن طهران "أمام خيارين كلاهما مر".
وإذا لم ترد إيران سيؤثر ذلك "سلبا" على أذرعها بالمنطقة، في ظل استمرار إسرائيل في استهداف الميليشيات التابعة لطهران، وخاصة حزب الله في لبنان، وفق المحلل السياسي الإيراني المقيم في لندن.
وإذا ردت إيران سيكون لذلك "تداعيات خطيرة"، فإسرائيل تحاول "جرها للحرب واستهداف المنشآت الإيرانية"، وهذا ما يجعل طهران "مترددة"، حسبما يضيف عبد الرحمن.
ومن جهته، يتوقع شتيرن، أن يكون هناك رد إيراني "مباشر وغير مباشر" خلال الأسابيع القادمة.
وهناك إمكانية أن يكون هناك "رد غير مباشر منفصل"، من خلال ميليشيا الحوثي المصنفة إرهابية لدى الولايات المتحدة، فضلا عن "رد إيراني مباشر"، بوقت آخر، وفق المحلل السياسي الإسرائيلي.
ويشير شتيرن إلى أن المسافة الكبيرة بين اليمن وإسرائيل، وكذلك بين إيران والأراضي الإسرائيلية "ستمكن الجيش الإسرائيلي بمساعدة حلفائه بالمنطقة وخارجها من التصدي للرد المرتقب".
وجزء من الرد هو محاولة "جعل إسرائيل في حالة انتظار وترقب"، حسبما يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي.
لكن على جانب آخر، يرى كوهين أن إيران "لن تستطيع الرد على مقتل هنية"، لأنها شاهدت "قدرات إسرائيل العسكرية الخارقة"، لكنها سوف تكتفي بـ"التهديدات الأسبوعية"، على حد تعبيره.
ويتوقع المحلل السياسي الإسرائيلي أن تلجأ إيران إلى "ميليشياتها" في العراق وسوريا ولبنان للرد على "إسرائيل"، مستبعدا أن يكون هناك "رد مباشر" بالهجوم على الأراضي الإسرائيلية.
وقد تلجأ إيران بالتعاون مع حلفائها إلى "القيام بهجمات ضد اليهود خارج إسرائيل، والقيام بعمليات إرهابية ضد المصالح الإسرائيلية"، حسبما يتوقع كوهين.
حرب "إقليمية" تلوح بالأفق؟تصاعدت المخاوف من أن يتحول الصراع في قطاع غزة إلى حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط بعد مقتل هنية، وفؤاد شكر، فهل هذا الخطر "مازال قائما"؟
ويعتبر كل من حزب الله وإسرائيل أن هجوم الأحد، الذي جاء ردا على مقتل أحد كبار قادة حزب الله في بيروت الشهر الماضي، قد انتهى في الوقت الحالي، بينما توعدت إيران بالثأر من إسرائيل بعد "مقتل هنية"، لكنها قالت في الوقت ذاته إنها لا تسعى إلى تأجيج التوتر في المنطقة.
ومن جانبه، يكشف شاوردي أن "إيران تعمل على تخريب خطط إسرائيل لبناء تحالفات إقليمية معادية لطهران من خلال التعاون مع دول المنطقة".
ويرى أن "محاولات إسرائيل لخلق تحالف عربي إسرائيلي لمواجهة إيران من خلال اعتماد التطبيع قد فشلت إلى حد كبير".
ويشير إلى أن إيران لم تعد تشعر بأن إسرائيل تشكل خطر استراتيجيا على أمنها بل "على النقيض"، فالجيش الإسرائيلي فقد "قدرته في مجال الهجوم والردع وهذا الضعف بات في حالة ازدياد".
ومن جهته، يرى عبد الرحمن أن خطر اندلاع "حرب إقليمية ما زال قائما".
ومن الوارد جدا، انزلاق المنطقة لـ"حرب إقليمية"، حيث باتت إيران على "أعتاب امتلاك القنبلة النووية"، ما سيدفع إسرائيل للتحرك السريع والقوي لمنع "طهران من ذلك"، وفق المحلل السياسي الإيراني المقيم في لندن.
ويؤكد أن السلطات الإسرائيلية "لن تسمح لإيران بامتلاك القدرات النووية"، وبعد تهديد طهران لـ"الأمن القومي الإسرائيلي، وتدخلها بالمنطقة"، فإن إسرائيل ستجر النظام الإيراني لمعركة تدفع باتجاه "الحرب الإقليمية"، وفق عبد الرحمن.
وفي سياق متصل، يرى شتيرن أن هناك بالفعل مخاطر بانزلاق المنطقة نحو "حرب إقليمية".
لكن محور المقاومة "غير معني بالاتجاه نحو ذلك النوع من التصعيد"، وفق المحلل السياسي الإسرائيلي.
خطر "مؤجل"وفي سياق متصل، قال محللون لـ"واشنطن بوست"، إن خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقا قد تم تأجيله فقط، ولم يتم تجنبه، وسيظل معتمدا إلى حد كبير على تقدم محادثات وقف إطلاق النار في غزة.
وحتى لو أبدى حزب الله رضاه في الوقت الحالي عن الرد على مقتل شكر، فإن إيران راعيته تظل بمثابة ورقة رابحة.
وقال مسؤول دفاعي أميركي لـ"واشنطن بوست"، إن الولايات المتحدة "لم تشارك" في الضربات الاستباقية التي شنتها إسرائيل، الأحد، لكنها قدمت الدعم لإسرائيل في تتبع النيران القادمة من حزب الله وتواصل مراقبة الوضع.
وقد وضع مقتل هنية "طهران في مأزق جديد كانت تصارعه لأسابيع"، حيث كانت مضطرة إلى الرد ولكنها كانت خائفة من إثارة حرب مدمرة.
والقيادة الجديدة في البلاد تكافح بالفعل مع الاضطرابات الداخلية والمشاكل الاقتصادية.
وقال مسؤول ثان من الشرق الأوسط لـ"واشنطن بوست": "من المرجح أن ترد إيران بطريقة أو بأخرى، إلى أي مدى ومتى يكون الرد فهذا غير واضح.. والأمل هو أن يؤدي التقدم في محادثات غزة، إلى خفض التصعيد".
وفي أعقاب مقتل هنية وشكر، توقع البعض أن ترد إيران وحزب الله بـ"طريقة منسقة"، ولكن الآن، يبدو هذا أقل احتمالا، كما يقول محللون.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المحلل السیاسی الإسرائیلی الأراضی الإسرائیلیة وفق المحلل السیاسی محور المقاومة الرد الإیرانی أن ترد إیران حزب الله على على إسرائیل حرب إقلیمیة عبد الرحمن إسرائیل فی مقتل هنیة ومن جانبه إیران على فی لبنان على مقتل من جانب إلى أن
إقرأ أيضاً:
إيران: العقبة الأخيرة في خطة إسرائيل للهيمنة على الشرق الأوسط
ملخص
يتناول المقال استراتيجية إسرائيل، منذ نشأتها عام 1948، للهيمنة على الشرق الأوسط، مع التركيز على اعتبار إيران العقبة الأخيرة أمام تحقيق هذا الهدف. يستعرض الكاتب كيف نشأت إسرائيل بإعلان أحادي دون شرعية دولية، وكيف استخدمت اتفاقيات "الأرض مقابل السلام" لتكريس وجودها، ثم تحولت في التسعينيات إلى تبني نهج "السلام بالقوة" بقيادة نتنياهو، مدعومة من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة. ويبين المقال كيف تم استهداف دول تدعم القضية الفلسطينية مثل العراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان، عبر حروب وتدخلات عسكرية تحت ذرائع ملفقة، أبرزها أسلحة الدمار الشامل. ويؤكد أن إيران، رغم العقوبات والحروب بالوكالة، ما تزال هدفًا مركزياً، ويجري التمهيد لضربها عسكرياً. ويخلص المقال إلى أن ضرب إيران سيكون بمثابة الخطوة الأخيرة قبل إعلان "إسرائيل الكبرى"، في إطار مشروع توراتي توسعي يشمل المنطقة من الفرات إلى النيل.
مولد دولة إسرائيل قرار آحادي دون شرعية دولية
لم تكن هناك دولة تُدعى إسرائيل قبل شهر مايو عام 1948. الدولة التي كانت قائمة حتى منتصف شهر مايو 1948 في الأرض التي تعرف اليوم بدولة إسرائيل كان اسمها الرسمي "فلسطين"، وكانت تحت الانتداب البريطاني. كل المداولات التي جرت في أروقة الأمم المتحدة حول هذه الأرض كانت تحت مسمى "المسألة الفلسطينية" وخيار تقسيم "فلسطين" الى دولتين: دولة لليهود المهاجرين الى فلسطين وأخرى للشعب الفلسطيني. وقد رفض الفلسطينيون، باعتبارهم أصحاب الأرض، خيار التقسيم. علما بأن الهجرات اليهودية الى فلسطين بدأت عام 1882، وشملت الموجة الأولى من المهاجرين 25,000 يهوديا من أوروبا الشرقية.
في 8 ديسمبر 1947 صوت مجلس العموم البريطاني على إنهاء الانتداب على "فلسطين" اعتبارا من يوم 15 مايو 1948. أعلمت بريطانيا مجلس الأمن الدولي بقرارها وأوصت بتقسيم "فلسطين" لبلدين بعد أسبوعين من تاريخ انهاء الانتداب. وفي إجراء استباقي، وقبل يوم واحد من انتهاء الانتداب البريطاني، قامت منظمة الهاغانا اليهودية المسلحة بتنفيذ عملية كيلشون واحتلت المناطق الإستراتيجية في القدس التي أخلاها الجيش البريطاني، واحتلت الأحياء العربية الموجودة خارج المدينة القديمة، كما نفذت عملية سشفيفون واحتلت مدينة القدس القديمة. وفى الساعة الرابعة من عصر يوم 14 مايو 1948 اُعلن في تل أبيب عن قيام دولة إسرائيل كإجراء أحادي لا تسنده أي شرعية دولية. وكان الرئيس الأمريكي ترومان أول من اعترف بدولة إسرائيل، بناءً على وعد سابق قطعه خلال اجتماع سري عقده في 8 مارس 1948 مع الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان حيث تعهد له بالاعتراف بالدولة اليهودية حال إعلانها.
اتفاقات السلام مقابل الأرض
استمرت الحروب مستعرة بين إسرائيل من جانب والفلسطينيين والدول العربية الداعمة لحقهم الشرعي في أرضهم من جانب آخر حتى عام 1973. وفى عام 1979 وقعت مصر وإسرائيل معاهدة سلام على أساس "الأرض مقابل السلام" عرفت باسم اتفاقية كامب ديفيد. بموجب هذا الاتفاق أعادت إسرائيل لمصر شبه جزيرة سيناء التي احتلتها عام 1967 مقابل اعتراف مصر بدولة إسرائيل وانهاء حالة الحرب بين البلدين. وفى عام 1994 وقعت إسرائيل والأردن معاهدة سلام على الأساس نفسه، حيث اعترفت الأردن بدولة إسرائيل وانهت حالة الحرب بين البلدين وأعادت إسرائيل أراضي اردنية كانت قد احتلتها، كما تضمّن الاتفاق تفاهمات لترسيم الحدود بين البلدين وتقاسم المياه.
في عامي 1993 و 1995 وقّعت إسرائيل اتفاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) عرفت باسم اتفاقيات أوسلو(Oslo Accords) . وقد بُنيت الاتفاقات على مبدأ "الأرض مقابل السلام"، ونصت على اعتراف فتح بحق إسرائيل في الوجود مقابل اعتراف إسرائيل بشرعية فتح في تمثيل الشعب الفلسطيني. ونصت التفاهمات على نبذ فتح للعنف ونقل إسرائيل سلطة إدارة الضفة الغربية وغزة للسلطة الفلسطينية.
القطيعة النظيفة والسلام من خلال القوة
في 1996 أحدثت إسرائيل تحولا جذريا في تعاطيها مع الفلسطينيين والدول المساندة لهم في الشرق الأوسط. فقد تبني الساسة الإسرائيليون وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو التوجهات المتطرفة الواردة في التقرير المُسمّى: "قطيعة نظيفة: استراتيجية جديدة لتأمين المملكة" (A Clean Break: A New Strategy for Securing the Realm, 1996). تنفيذ "القطيعة النظيفة" قضى على كل تفاهمات أوسلو، وتنصلت بسببه إسرائيل من التزاماتها، وضيّقت الخناق على الشعب الفلسطيني مما فجر انتفاضات فلسطينية استخدمتها إسرائيل ذرائع لمزيد من القمع ومصادرة أراضي الفلسطينيين ومنعهم من حرية التنقل والحصول على والماء والطعام والدواء.
قام بإعداد التقرير المُسمّى "القطيعة النظيفة" ثمانية أشخاص من صُنّاع الرأي والسياسات في الولايات المتحدة الأميركية ينتمون للمحافظين الجدد (The Neoconservatives or Neocon)، اُعدّ التقرير في إطار "استراتيجية إسرائيلية جديدة نحو عام 2000"، وقُدّم لبنيامين نتنياهو عقب انتخابه رئيساً للوزراء عام 1996 بغرض تغيير قواعد التعامل مع الفلسطينيين ودول الشرق الأوسط. ويقصد "بالقطيعة" التنصل من كل التعهدات والالتزامات والسياسات التي وافقت عليها إسرائيل في التعاطي مع الفلسطينيين ودول الشرق الأوسط. أهم موجهات "القطيعة النظيفة" هي وقف التعامل بمبدأ الأرض مقابل السلام واعتماد مبدأ "السلام من خلال القوة"، وقف التعامل مع تفاهمات أوسلو، ضرورة أن تتصرف إسرائيل بشكل آحادي أكثر عدوانية تجاه الفلسطينيين والدول الداعمة لهم، زيادة عدد المستوطنات إجهاض خيار الدولتين، ملاحقة الفلسطينيين الذين يقاومون إسرائيل في أي مكان، تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، ضرب البنية التحتية لسوريا في لبنان وداخل سوريا و مواجهة حزب الله وايران، إزالة صدام حسين من السلطة في العراق كهدف استراتيجي لإسرائيل، وتجاوز الأعداء بدلا عن احتوائهم. وقد نفّذ بنيامين نتنياهو هذه السياسات بحذافيرها خلال فترات توليه لمنصب رئيس الوزراء من 1996 الى 1999 ثم من 2009 والى يومنا هذا. ولم يشذّ من خلفوه على منصب رئاسة الوزراء في إسرائيل بين 1999 و2009 عن هذه الإستراتيجية.
تغيير الحكومات الداعمة للفلسطينيين بالقوة العسكرية
داخل الولايات المتحدة الأمريكية، توسع نفوذ المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي في التسعينيات. وعندما وصل جورج بوش الابن للرئاسة في 2001 كانت لدى ادارته خطة مسبقة، مصدرها المحافظين الجدد، لضرب سبعة دول هي العراق، سوريا، إيران، لبنان، ليبيا، الصومال، والسودان (راجع مقال بروفسور جفري ساكس: كيف دمرت الولايات المتحدة وإسرائيل سوريا وأسموه سلاما، 12 ديسمبر 2024) باعتبار أنها الدول التي تدعم المقاومة الفلسطينية وحزب الله.
وقد اُستخدمت هجمات 11 سبتمبر 2001 كذريعة لغزو العراق. حيث ادعت إدارة بوش كذبا امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل والارتباط بتنظيم القاعدة المسؤول عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتم غزو وتدمير العراق بالكامل، رغم أن مذكرات داخلية مثل مذكرة رامسفيلد الى مستشارة الأمن القومي الأمريكي كونداليزا رايس في 27 يوليو (شهرين قبل هجمات سبتمبر) 2001 تشير أن قرار غزو العراق اتخذ سلفا قبل هجمات 11 سبتمبر. (راجع ص 33 من كتاب "الخيانة المميتة: الحقيقة وراء غزو الولايات المتحدة للعراق".
في كتابه الصادر عام 2024 بعنوان "الخيانة المميتة: الحقيقة وراء غزو الولايات المتحدة للعراق"، أكد العسكري الأمريكي دينس فرتز (Dennis Fritz) أن "عصابة" مكونة من رامسفيلد(Rumsfeld) ، ولفوفيتز (Wolfowitz) ريتشارد بيرل (Richard Perle) ، دوق فيث (Doug Feith)، و غينغريتش (Gingrich) وضعوا خطة لضرب حماس وحزب الله من خلال تفكيك الأنظمة التي تدعمهما ماليا وعسكريا، "كان هدفنا تقليل أمل الفلسطينيين في إنشاء دولة خاصة بهم ما لم يصنعوا السلام مع إسرائيل وفق شروط إسرائيل، أو يبقوا تحت الاحتلال وسيطرة إسرائيل ولتحقيق ذلك، كان علينا هزيمة حماس وحزب الله من خلال غزو العراق، الذي كان يمول هاتين الجماعتين" (ص 37 و 38).
استند دينس فرتز في كتابه "الخيانة المميتة" على الوثائق الأمريكية الرسمية التي رفعت عنها صفة "السرية" مؤخرا للكشف عن الأسباب الحقيقية لغزو العراق وعن خطط إدارة بوش لغزو سبعة دول داعمة للفلسطينيين في غضون خمسة سنوات. "كانت حرب العراق جزءًا من خطة المحافظين الجدد للهيمنة على الشرق الأوسط دعمًا لإسرائيل... وعلى الرغم من أن العراق كان نقطة البداية، فإن إسرائيل كانت تريد في الأصل أن نغزو سوريا أو إيران أولاً، حيث شعرت إسرائيل أن هذين البلدين كانا أكبر الداعمين لحزب الله وحماس" (ص 57). وأورد دينس فرتز أن الجنرال وسلي كلارك (General Wesly Clark) تسلم مذكرة من مكتب وزير الدفاع (رامسفيلد) تصف خطة غزو سبعة دول في غضون خمسة سنوات، بدءا بالعراق، ثم سوريا ولبنان وانتهاء بإيران (ص 55). "ولو أن غزو العراق قد حدث بسلاسة لتبعه غزو سوريا مباشرة" (ص 58 - 59).
ولا شك أن بنيامين نتنياهو هو مصدر فكرة تفكيك الحكومات الداعمة لحماس وحزب الله. فقد جاء في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي يوم 20 سبتمبر 2001 (بُعيد هجمات 11 سبتمبر) “أنه لا يوجد إرهاب دولي دون دعم من دول ذات سيادة ... انزع كل هذا الدعم الذي توفره الدول، وسينهار بالكامل الهيكل الداعم للإرهاب الدولي ويتحول إلى غبار. يعتمد الإرهابيون الدوليون على أنظمة معينة: إيران، العراق، سوريا، أفغانستان في ظل حكم طالبان، السلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، وعدة أنظمة عربية أخرى، مثل السودان. هذه الأنظمة هي التي تؤوي الجماعات الإرهابية: أسامة بن لادن في أفغانستان، وحزب الله وآخرين في لبنان الخاضع للسيطرة السورية؛ وحماس، والجهاد الإسلامي، والفصائل التي تمت تعبئتها مؤخرًا من فتح وتنظيم في الأراضي الفلسطينية؛ وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من عواصم مثل دمشق، وبغداد، والخرطوم مقرات لها." (ص xiii – xiv: كتاب "محاربة الإرهاب: كيف تهزم الديمقراطيات شبكات الإرهاب الدولي" لبنيامين نتنياهو، الطبعة الثانية 2001). (ملاحظة: صدرت الطبعة الأولى لكتاب بنيامين نتنياهو "محاربة الإرهاب" عام 1995).
التضليل الإعلامي الممنهج
نجح الإسرائيليون، بقيادة بنيامين نتنياهو وبدعم من المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة وأوروبا، في الترويج لفكرة ارتباط الفلسطينيين وحزب الله بتنظيم القاعدة المسؤول عن هجمات 11 سبتمبر، بهدف وصمهم بالإرهاب. وقد ساعدهم ذلك في تشويه صورة الفلسطينيين الذين يناضلون من أجل حقهم في الحياة والتمسّك بأرضهم، كما سعوا إلى شيطنة كل من يدعم القضية الفلسطينية. وقد استخدمت إسرائيل أدوات فعالة للتأثير على الرأي العام الأمريكي وخلق صورة نمطية سلبية عن الإسلام والفلسطينيين ومؤيديهم، من أبرزها الوسائل الإعلامية المنظمة مثل "المشروع الإسرائيلي" (The Israel Project – TIP)، (انظر ويكيبيديا لمزيد من التفاصيل). الغاية الحقيقية من وراء هذه السياسات هي بسط الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط. فالسيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية ليست سوى خطوة أولى في سبيل تحقيق الحلم التوراتي المتمثل في إقامة "إسرائيل الكبرى" (Greater Israel)، التي تمتد حدودها – بحسب بعض التأويلات – من نهر الفرات إلى نهر النيل، لتشمل مصر والأردن ولبنان وسوريا والعراق وأجزاء من السعودية.
وحسب ما أورد دينس فرتز فإن المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (JINSA) هو من وقف وراء السياسة الأمريكية الرافضة لقيام دولة فلسطينية وهو من رّوج لتغيير حكومات كل من العراق وإيران وسوريا تحت شعار ضمان أمن إسرائيل أيًا كان الثمن (ص 40). أيضا أشار دينس فرتز الى جهود بعض المُشّرعين الأمريكان لعرقلة "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) التي قدمتها عام 2015 لمجلس الأمن كل من الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا وأمريكا من أجل التوصل لاتفاق مع إيران لضمان عدم تطويريها لأسلحة نووية مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها من قبل أمريكا والأمم المتحدة. كم طُرح في مجلس الشيوخ مشروع قانون يلزم الولايات المتحدة الأمريكية تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري لإسرائيل في حال أنها شنت هجوما على إيران بغرض الدفاع عن النفس ضد برنامج إيران النووي. ومن الواضح أن هدف إسرائيل وحلفائها من المحافظين الجدد ليس ضمان عدم امتلاك إيران لسلاح نووي وإنما استخدام دعوى أن إيران تطور أسلحة نووية كذريعة لتوجيه ضربة عسكرية قاضية على إيران تماما مثل ما استخدمت اُكذوبة أسلحة الدمار الشامل لغزو وتدمير العراق. لهذا السبب نسمع هذه الأيام ادعاءات مضللة لا يسندها أي دليل لامتلاك إيران أسلحة نووية كإعداد للرأي العام لقبول توجيه ضربة عسكرية ضدها.
استخدمت إسرائيل وحلفائها داخل أمريكا نفس الحجج لتغيير نظام الحكم في سوريا، ونجحت في تدميرها وتحويلها لدولة فاشلة، وتعمل حاليا على خلق المزيد من الدمار والفرقة داخل سوريا والاستيلاء على أراض سورية بحجة ضمان أمن إسرائيل، وربما استفزاز تركيا بضرب مصالحها في سوريا وجرها لمواجهة مع إسرائيل.
لقد نجحت إسرائيل وحلفائها داخل وخارج أمريكا في شن الحروب وتدمير كل من ليبيا والعراق وسوريا ولبنان والسودان وغزة والضفة الغربية، وضُمَّت اليمن مؤخرا الى القائمة التي أُعدت منذ أكثر من ربع قرن مضى والخاصة بالدول المقصود تدميرها ولم يتبقَّ إلاّ توجيه الضربة القاضية لإيران التي كبلتها العقوبات. ورغم نجاح إيران في تأخير هذه الضربة عبر دعم الحروب بالوكالة، آخرها جر الحوثيين في اليمن للحرب ضد إسرائيل وحلفائها، إلاّ أن هذه الضربة تبدو قريبة جدا حتى ولو رضخت إيران لشروط مجحفة من إسرائيل وحليفتها أمريكا. فقد جرّب صدام حسين من قبل الركوع لأمريكا، ولكن لم يجده نفعا (راجع ص 70 من كتاب "الخيانة المميتة").
هل حان أوان إعلان دولة إسرائيل الكبرى؟
السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي سيحدث بعد ضرب إيران وتحويلها لدولة فاشلة مثل العراق ولبنان وسوريا وليبيا والسودان؟ الإجابة في تقديري: تحويل بوصلة العداء الإسرائيلي-الأمريكي والضربات العسكرية والفوضى إلى مصر ثم السعودية وتتويج ذلك بإعلان "دولة إسرائيل الكبرى" تماما كما اُعلن عن قيام دولة إسرائيل في 14 مايو 1948.
msafieldin@yahoo.com
msafieldin@gmail.com