اكتظاظ قياسي في سجون المغرب.. بيان رسمي يدق جرس الإنذار
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
اشتكت مؤسسة مغربية رسمية من اكتظاظ السجون بالمعتقلين، محذرة من أن ذلك قد يتسبب بانفلاتات أمنية، في حين اعتبر متحدثون لموقع "الحرة" بلاغ المندوبية السامية للسجون "مقلقا" رغم أن كان يجب أن يوجه للحكومة مباشرة.
وفي بيان الثلاثاء، عبرت المندوبية عن قلقها بخصوص ارتفاع عدد المحتجزين في المؤسسات السجنية، مشيرة إلى أن الاكتظاظ "القياسي" قد يكون ناتجا عن "الوتيرة الحالية" للاعتقال، داعية السلطات القضائية والإدارية إلى الإسراع لإيجاد حلول كفيلة بحل إشكالية الاكتظاظ في المؤسسات.
وأثار بلاغ المؤسسة جدلا في المملكة، إذ سارعت جمعية تمثل القضاة في المغرب إلى الرد على البلاغ واعتبرته موجها لها.
وقالت جمعية رابطة قضاة المغرب إنها تفاجأت ببلاغ المندوبية واعتبرته نوعا من محاولة التأثير على قرارات الاعتقال التي قد تتخذها في المستقبل، وهذا مخالف للدستور والقانون والمعايير الدولية المتعلقة باستقلالية القضاء، وكذلك "الخطب الملكية السامية التي ما فتئت تحث على ضرورة احترام هذه الاستقلالية".
كما دعا رئيس نادي قضاة المغرب، عبد الرزاق الجباري، عبر "فيسبوك"، الجهات المشرفة على السجون إلى ضرورة "مراجعة القيام بأدوارها في التهذيب والتربية وتوفير شروط التهذيب لنزلاء المؤسسات السجنية، وأيضا بتوفير ما يلزم من تلك المؤسسات".
"جرس إنذار"يرى الإعلامي الباحث، يوسف منصف، أن النقاش الحالي بين كل من المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج والرابطة المغربية لقضاة المغرب حول إشكالية الاكتظاظ بالسجون يعود "إلى سياق إعداد قانون العقوبات البديلة، الذي تم إيداعه بمجلس النواب للتصويت عليه".
ويرى منصف في حديث لموقع "الحرة" أن بلاغ مندوبية السجون هو أيضا "بمثابة جرس الإنذار للوضعية المؤسفة لسجون المملكة نتيجة الاكتظاظ وحالة العودة، وكأن جهود المؤسسات السجنية ومعها الفلسفة العقابية تذهب سدى، ما دامت وتيرة ارتفاع نزلاء السجون في تصاعد مطرد، دون اعتماد حلول قانونية شاملة تحد من تضخم عدد المسجونين واعتماد عقوبات بديلة عن الاحتجاز".
ويقر الباحث أن السياسة القضائية الحالية التي تجنح للاحتجاز وسلب الحرية "تعد عائقا للنجاعة القضائية، بالأخص أمام الأساليب المتطورة لتطبيق العقاب الجنائي. والتي تبنى بعضها مشروع قانون العقوبات البديلة المعروض على البرلمان المغربي".
أما أستاذ العلوم الدستورية، رشيد لرزق، فيقول في حديث لموقع "الحرة"، إن من يتحمل المسؤولية "هو المشرّع والحكومة بالذات، كونها لا توفر الاعتمادات المالية لإنشاء سجون، ولم تعدل القانون الجنائي وإقرار العقوبات البديلة للعقوبة السّالبة للحرية".
وتشير رابطة قضاة المغرب في ردها على بلاغ المندوبية إلى ارتفاع نسبة الجريمة بكل أنواعها خصوصا الخطيرة منها داخل المجتمع بشكل ملفت للنظر متهمة العديد من المؤسسات بالتراجع عن القيام بأدوارها في التهذيب والتربية، وشددت "على ضرورة توفير الأمن للمواطنين أفرادا وجماعات، مع ملاحظة عدم مواكبة ذلك ببناء مؤسسات سجنية لإعادة تأهيل الجناة واستيعاب عددهم المتزايد".
وبعد الجدل الذي رافق بلاغها الأول، عادت المندوبية للسجون في بلاغ توضحي لتشير إلى أن بلاغها خضع "لتأويلات غير صحيحة".
وقالت في بيان جديد نشرته وكالة الأنباء المغربية أنه "على إثر بلاغ المندوبية العامة المنشور بتاريخ 07 غشت (أغسطس) 2023 الذي تنبه فيه إلى الإكراهات التي يطرحها الاكتظاظ المتزايد بالسجون، فيما يخص ظروف الاعتقال والتأهيل لإعادة الإدماج، تم تسجيل تأويلات غير صحيحة لهذا المعطى، وذلك بتبخيس الجهود المتواصلة التي تبذلها المندوبية العامة في هذا المجال".
يقول المحامي أحمد مجيب، في حديث لموقع "الحرة" إن المندوبية العامة "أحيانا تلبس لباس النيابة العامة لتكيل الاتهامات لجهة ما، وأحيانا أخرى لباس وزارة الداخلية، متجاوزة صلاحيتها المحددة بنصوص القانون".
ويضيف المحامي "ما يثير الاستغراب هذه المرة أن بلاغها جاء موجها للسلطة القضائية ومن يطلع على البيان قد يعتقد أنه صادر عن منظمة حقوقية أو نشطاء".
ويرى مجيب "أن المنطق كان يُلزم المؤسسة أن تتوجه إلى المؤسسات الرسمية المعنية بالاعتقال الاحتياطي وما ينجم عنه منه من اكتظاظ".
ويعتبر مجيب أن رد القضاة، رغم أنه "لامس جزءا من المسؤولية عندما اعتبر بلاغ المندوبية مجانبا للأطر القانونية والدستورية، إلا أنه لم يتحل بالجرأة الكافية للتطرق إلى مشكل الاعتقال الاحتياطي كمشكل يؤرق المؤسسات الرسمية".
من جانبه، يقول المختار الطبيطبي، أستاذ باحث متخصص في القانون العام، في حديث لموقع "الحرة" أنه "بعيدا عن إلقاء اللوم، فالمسؤولية مشتركة بين عدة جهات، وهي فشل المنظومة التربوية والوسط الأسري".
ويرى أنه يجب التطرق إلى مشاكل بعينها لحل مسألة الاكتظاظ، "لأن الكثير من السجناء يأتون من قضايا مثل شغب الملاعب أو الغش في الامتحانات"، وهي حالات تجد السلطات نفسها مضطرة إلى "وسائل الردع والتي تؤدي حتما إلى السجون".
ويرى الخبير في القانون أن إجراءات إعادة الإدماج الحالية "دون جدوى"، داعيا إلى اللجوء للعقوبات البديلة.
وسبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو هيئة رسمية، أن أوصى في تقرير حول أوضاع السجون بتجنب الاعتقال الاحتياطي وتعويض عقوبة السجن بأخرى بديلة لتخفيف الاكتظاظ وضمان حقوق أفضل للسجناء.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المندوبیة العامة
إقرأ أيضاً:
في ظل الحكم الجديد في سوريا.. هل تولد نسخةٌ مطورة من “داعش”..!
الجديد برس|
تشهد الساحة السورية مؤخراً تحركات مقلقة تشير إلى عودة تنظيم «داعش» إلى واجهة المشهد الأمني، بعد سنوات من التراجع.
وفي ظل الحكم الجديد في سوريا والذي كان جزءاً من هذه الدائرة المتطرفة فإن المخاوف تتحول الى استقراء لما يمكن ان تمثله الوضع القائم في سوريا من بيئة مناسبة ليس لعودة التنظيم فحسب بل لولادة نسخة ارهابية مطورة منه .
فبحسب تقييمات أممية وأميركية، بدأ التنظيم المتطرف بإظهار نشاط متجدد، شمل تصعيداً في عدد الهجمات وتجنيد مقاتلين جدد، ما أعاد إشعال المخاوف من زعزعة استقرار بلد لم يتعافَ بعدُ من أزمات عقد كامل من الحرب والاضطرابات السياسية، وفق تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز».
وتستغل واشنطن هذا التطورات لمضاعفة وجودها العسكري في سوريا، ليصل إلى نحو 2000 جندي، بعد ان كانت تدعي ان ستتقلص وجودها العسكري في المنطقة .
ونفذت واشنطن عدة ضربات جوية استهدفت أوكار التنظيم في مناطق صحراوية. إلا أن المحللين يرون أن هذه التحركات لن تكون كافية إذا لم يتم التعامل مع التهديد من جذوره، لا سيما أن التنظيم لا يزال يحتفظ بكنز استراتيجي، يتمثل في آلاف المقاتلين المتشددين المحتجزين في سجون شمال شرقي سوريا.
وتحذر التقارير من أن التنظيم يسعى لتحرير ما بين 9 آلاف و10 آلاف سجين من مقاتليه، بالإضافة إلى نحو 40 ألفاً من أفراد عائلاتهم المحتجزين في مخيمات، ما قد يمنحه دفعة معنوية ودعائية كبرى، ويعزز صفوفه بشدة.
ويصف كولين كلارك، رئيس قسم الأبحاث في مجموعة «سوفان»، هذه السجون بأنها خزان بشري قادر على إعادة تشكيل التنظيم بوجه أكثر صلابة.
وجاء في تقرير للاستخبارات الأميركية، عُرض أمام الكونغرس مؤخراً، أن التنظيم قد يستغل أي فراغ أمني يخلّفه تفكك النظام السوري أو انشغال خصومه، ليشن عمليات تهدف إلى إطلاق سراح عناصره واستعادة قدراته السابقة في التخطيط وتنفيذ الهجمات.
ووسط هذا المشهد المعقد، تظهر المؤشرات أن التنظيم المتطرف، المنبثق عن تنظيم «القاعدة» في العراق، لم يعد مجرد خطر من الماضي. ففي عام 2024 وحده، أعلن مسؤوليته عن نحو 294 هجوماً في سوريا، مقارنة بـ121 هجوماً في العام السابق، فيما قدرت لجنة المراقبة الأممية العدد بنحو 400، ما يعكس تصاعداً خطيراً في أنشطته.
ويعزز هذا التصعيد القلق من تكرار سيناريوهات دامية، خصوصاً أن التنظيم استعاد زخمه سابقاً مستغلاً فوضى الحرب الأهلية السورية، ليعلن دولته التي امتدت على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وارتكب فيها فظائع وثقتها منظمات دولية.
وفي الشمال الشرقي من سوريا، حيث تُشرف قوات سوريا الديمقراطية على تأمين سجون ومخيمات مقاتلي التنظيم، ويتعرض الوضع الأمني لضغوط كبيرة بسبب هجمات ميليشيات مدعومة من تركيا.
وتُعد هذه السجون هدفاً محتملاً لهجمات جديدة، كما حدث في سجن الحسكة عام 2022، حين فرّ مئات السجناء قبل أن تتمكن القوات الخاصة الأميركية من دعم «قسد» في استعادة السيطرة.
وفي مخيم الهول، الذي يأوي نساء وأطفال مقاتلي التنظيم، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن التنظيم بدأ يختبر حدود السيطرة مجدداً، في ظل حالة من الفوضى أعقبت تراجع النظام السوري وداعميه.
ويحذر كاوا حسن، الباحث في مركز «ستيمسون»، من أن أي ضعف في القوات الكردية سيخلق فراغاً، وتنظيم «داعش» هو الطرف الأكثر جاهزية للاستفادة من هذه الفوضى.
تتجلى اليوم الحاجة إلى استراتيجية شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية لعودة التطرف، الذي تمثل خلفية النظام الجديد الحاكم في دمشق وارتباطاته احد أسبابها ، ولابد من التأكد من أن لا تتحول السجون والمخيمات إلى محطات انطلاق لنسخة أكثر عنفاً من تنظيمٍ لطالما كان العنوان الأبرز للفوضى والدمار والقتل في المناطق التي سيطر عليها في كل من العراق وسوريا .