#نحو_النهضة -2-
د. #هاشم_غرايبه
في الجزء الأول من هذا الموضوع الذي قدمته في مقالة الأحد، وكنت بدات فيها بعرض وجهة نظري في أهم المعيقات للنهضة الفكرية التي أعتقد أنها ضرورية للتمهيد لنهضة الأمة، التي تحتاج برنامجا تفصيليا للتغيير الجذري.
لأنه لا يكفي لمن يتبنى المنهج الإسلامي سياسيا القول بأن الإسلام هو الحل، بل يجب أن يقدم برنامجا تفصيليا يعالج كل القضايا المعاصرة التي تعيق حركة التقدم تقنيا، واعتمادا على الاستقلال الاقتصادي، وتحقيق الرفاه الاجتماعي المرتكز على ارساء العدالة المجتمعية وتلبية المتطلبات للجميع، والمنعة السياسية التي تحول دون الخضوع لهيمنة القوى الأكبر.
لكن ما يمهد الطريق لكل ذلك هو القاعدة الفكرية، لأنها بمثابة الأرض الصلبة التي ستتحمل ذلك البنيان الشامخ.
في المقالة السابقة عالجت أولى القضايا وهي دور المرأة، وفي هذه المقالة سأتطرق الى قضية هامة أخرى، تعتبر من التحديات الأساسية لقيام نظام سياسي يتبنى منهج الله (الإسلام) في الحكم، وهي مفهوم المواطنة في الدولة الإسلامية، والذي يتقاطع وجوبيا مع كيفية الحفاظ على حقوق الأقليات غير المسلمة التي تعيش في كنف هذه الدولة، وأهمية هذه القضية تنبع من أنها أول مسألة يطرحها معادو قيام الدولة الإسلامية، وأكثر ما يقلق المواطنين من غير المسلمين.
ابتداء فالمؤكد تاريخيا في جميع حالات مراحل تاريخ الدولة الاسلامية، سواء تلك الملتزمة تماما بمنهج الله كالدولة الراشدية، او التي انحرفت عنه بدرجات متفاوتة فيما بعدها، لم تسجل حالة واحدة سجل فيها اضطهاد او انتقاص من حقوق جماعة بناء على اختيارها بعدم اتباع الاسلام، حتى السلاطين الذين كانوا ينكلون بمعارضيهم، لم يسجل أي أذى بناء على اختلاف الدين.
وما كان القلق يعمر نفوس غير المسلمين أحيانا من حدوث أحداث، هي حدثت حقيقة من قبل الأغلبية المسلمة، بل يتبين دائما أنها اما مدسوسة أو مفبركة بهدف تبرير البطش بجهات معارضة، مثل الأحداث ضد الأقباط في مصر، أو لتحريض الأقليات ضد المجتمع المسلم وتبرير عدوان الغرب على المسلمين، كما حدث بترتيب اعتداءات ضد اليزيديين في العراق.
من هنا يجب التأكيد على ما يلي:
1 – المبدأ الإسلامي في عدم أكراه الناس على الإسلام واضح: “لا اكراه في الدين” ، وليس دخول الإسلام شرطا في الحصول على حقوق المواطنة “لكم دينكم ولي دين”.
2 – لذلك فالدولة الإسلامية في المدينة هي أول من أرسى مفهوم المواطنون متساوون بغض النظر عن معتقدهم الديني، وبنص مدون في الوثيقة المدنية، والنص متاح على الانترنت لمن يرغب في المعرفة.
بالمقابل لم تصل أية دولة حتى الآن الى هذا المستوى، فالدول العلمانية الحديثة تفرض على من يريد الحصول على المواطنة أن يتبع الثقافة السائدة، وهو المسمى البديل للعقيدة كونهم لا يعترفون بها أصلا، ويدعون ذلك من باب المراوغة (الانخراط في المجتمع)، مما يدل أن من يرفض اتباع معتقداتهم (ثقافتهم) لا تقبل مواطنته.
3 – إذاً فالإسلام يقبل أن ينخرط في مجتمعه من لا يؤمن بمعتقده، ولا يضار ولا يناله أذى جراء ذلك، بل ولم يشهد التاريخ أن منع غير المسلم من إقامة بيوت العبادة الخاصة بعقيدته وممارسة طقوس الدينية علنا، بالمقابل يجد المسلمون الذين يعيشون في المجتمعات غير المسلمة، وعبر كل الحقب التاريخية، وبدرجات متفاوتة، كثيرا من المضايقات والرقابة (اسلاموفوبيا)، وتحديدا لممارساتهم التعبدية.
4 – لا يقيم الإسلام وزنا للمنابت والأصول والانتماءات القومية: “يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى”، فخطاب التآخي جاء لعموم الناس وليس للمؤمنين فقط.
وأكثر قيمة رفع من شأنها كانت القيم المدنية، وعلى رأسها علاقات حسن الجوار بين المواطنين، بغض النظر عن عقيدتهم.
لو أخذنا ما سبق في الاعتبار سنجد أنه لا يوجد أي دليل على أن الدولة الاسلامية الحديثة سوف تضطهد مواطنيها من غير المسلمين، بل على العكس، فلأنها سترسي المفاهيم الحقيقية للعدالة الاجتماعية التي هي مبدأ أساس في الإسلام، الذي جاء ليخرج الانسان من جور الإنسان الى عدالة الدين، فسوف تكون هذه الدولة أفضل ألف مرة للمسلم ولغير المسلم على السواء من الدول العربية العلمانية، التي ظلمت الجميع وأفقرتهم. مقالات ذات صلة هل بدأت الحرب؟ 2024/08/27
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: نحو النهضة
إقرأ أيضاً:
النهضة التونسية ومنظمات تدين الانحراف الخطير في التعامل مع ملف التآمر
عبرت حركة "النهضة" التونسية ومجموعة من المنظمات والجمعيات عن إدانتها لـ"الانحراف الخطير" في التعامل مع ملف معتقلي قضية "التآمر"، وذلك بعد قرار المحكمة عقد جلسة عن بعد غدا الجمعة، ودون حضور المتهمين رغم رفضهم للقرار ودخولهم في إضراب جماعي احتجاجي.
ونبهت الأحزاب والمنظمات إلى أن المحاكمة تعد خرقا سافرا للحقوق وانقلابا مكتمل الأركان على ما تبقى من استقلالية القضاء.
"انحراف"
وقالت حركة النهضة إنها تدين "الانحراف الخطير وهذه الممارسات الخارجة عن القانون"، معتبرة أن "المحاكمة سياسية بحتة، الغاية منها الإقصاء الممنهج للأصوات المعارضة والتنكيل بهم عبر الضغط على القضاء قصد توظيفه في إقصاء رموز المعارضة".
ومن المنتظر أن تنعقد الجمعة الحادي عشر من نيسان/ أبريل الجاري جلسة محاكمة للنظر في ملف "التآمر" والذي يشمل التحقيق فيه أكثر من 40 شخصا بينهم 6 في حالة إيداع بالسجن منذ أكثر من سنتين وهم، عبد الحميد الجلاصي، رضا بالحاج، خيام التركي، عصام الشابي، غازي الشواشي، وجوهر بن مبارك وهم جميعا يخوضون إضرابا احتجاجيا على المحاكمة ويرفضون عقدها عن بعد.
وأكدت الحركة في بيان لها الخميس، "تضامنها المطلق مع المساجين المضربين عن الطعام ومع كل المعتقلين السياسيين، مطالبة بإطلاق سراحهم واحترام الحق الدستوري في المعارضة والنشاط السياسي المدني".
ودعت الحركة السلطات إلى "الكف عن سياسة إلهاء الرأي العام بهذه المحاكمات السياسية للتعمية على فشلها في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين والتصدي للمخاطر الحقيقية التي تهدد الدولة والمجتمع التونسي بعد الانفراد التام بكل السلطات والصلاحيات".
يشار إلى أن القيادي بحركة "النهضة" السيد الفرجاني والمشمول أيضا بالتحقيق في القضية قد قرر بدوره الدخول في إضراب احتجاجا على التهم الموجهة له في هذا الملف.
"عبث وانقلاب"
بدورها، عبرت الشبكة التونسية للحقوق والحريات (مجموعة منظمات وأحزاب)، عن بالغ استنكارها ورفضها القاطع لما آلت إليه المحاكمة السياسية المعروفة بـ"قضية التآمر على أمن الدولة"، والتي تحوّلت إلى مسرح عبثي لانتهاك الحقوق وتصفية الحسابات تحت غطاء قضائي مخترق ومُسخَّر بالكامل لخدمة السلطة التنفيذية، على حد وصفها.
ورأت الشبكة في قرار المحكمة عقد الجلسة عن بُعد "استهزاءً سافرا" بحقوق الدفاع وعلنية الجلسات، بل "يُعد جريمة في حق العدالة وانقلابًا مكتمل الأركان على ما تبقى من استقلالية القضاء".
وأضافت في بيان الخميس، "إن هذه المحاكمة، التي تُدار خلف الشاشات وتحت الحراسة الأمنية المشددة، دون أي ضمانات قانونية، تكشف الوجه الحقيقي لسلطة تستعمل القضاء كأداة للبطش السياسي، وتغتال به كل صوت مخالف".
وأدانت المنظمات بأشدّ العبارات هذا القرار "القمعي"، معتبرة المحاكمة عن بعد "شكلاً من أشكال المحاكمات السياسية المغلقة، تفتقر إلى أدنى شروط العدالة، وتؤسس لممارسات استبدادية خطيرة تُنذر بانهيار منظومة الحقوق في تونس".
وطالبت بالإيقاف الفوري لهذه المهزلة القضائية، وتمكين المتهمين من حضور محاكمتهم بشكل مباشر وعلني، وفق ما يضمنه الدستور والمعايير الدولية، محملة "السلطة القضائية كامل المسؤولية في هذا الانحدار، ومطالبة "القضاة الشرفاء بكسر جدار الصمت والانتصار لقيم العدالة".
وبالتزامن مع انعقاد الجلسة دعت أحزاب معارضة ومنظمات وجمعيات، إلى التظاهر أمام المحكمة تنديدا بهذه المحاكمة الصورية والانتهاكات الخطيرة للتصفية تحت غطاء قضائي وفق تقديرهم.