مرّة واحدة انقلبت المنطقة في 25 آب/ أغسطس، من الترقب والانتظار وأحاديث احتمالات الحرب الشاملة، إلى شيء من الاسترخاء، بعد القصف المتبادل بين الاحتلال فيما سمّاه ضربة استباقية وجّهها لمرابض صواريخ حزب الله، وحزب الله الذي قال إنّه بالرغم من القصف الإسرائيلي المسبق فإنّ خطته في الردّ على اغتيال قائده العسكري الكبير فؤاد شكر، قد نُفذّت كما أريد لها.

ولم تكن الضربة الإسرائيلية مفاجئة، بالنظر إلى التمهيد الإسرائيلي المعلن لها بالحديث عن نية حزب الله تنفيذ ردّه خلال 72 ساعة، ووصول رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي سي كيو براون للمنطقة؛ فيما يظهر أنّه إدارة أمريكية مباشرة للمواجهة مع حزب الله، ولمجمل المشهد الراهن من بعد عملية طوفان الأقصى.

يمكن القول إنّ أمريكا أدارت اللعبة بالنحو التالي، سعت من البداية لعزل قطاع غزّة وإطلاق يد الإسرائيلي فيه إبادة وتدميرا، وفي حين لم يكن النظام الرسمي العربي بحاجة إلى من يعزله عن اتخاذ أيّ موقف له قيمة لإسناد غزّة، لأنّه لا يقلّ رغبة عن الإسرائيلي في إنهاء حالة المقاومة في قطاع غزّة وحسم المعركة هناك لصالح إعادة ترتيب المنطقة بقيادة إسرائيلية، فإنّ جبهات الإسناد، وفي طليعتها الجبهة اللبنانية، أخذت تشكّل معضلة باطّراد، لسببين مترابطين، فنشوء الجبهة دفع بعشرات آلاف المستوطنين لمغادرة مستوطناتهم في شماليّ فلسطين المحتلة، وصمود المقاومة في غزّة وطول أمد الحرب حوّل جبهة الإسناد في الشمال إلى قضية إسرائيلية لحوحة، وهو ما صار يتطلب مبادرة إسرائيلية لقلب الموقف الاستراتيجي لصالح الكيان الإسرائيلي، بحيث يبدو أنّه بدأ باستعادة الردع، وتأكيد يده الطويلة، فقاد سلسلة الضربات الكبيرة المتتابعة، في ميناء الحديدة باليمن، واغتيال القائد العسكري لحزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت، ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية في طهران.

مبادرة إسرائيلية لقلب الموقف الاستراتيجي لصالح الكيان الإسرائيلي، بحيث يبدو أنّه بدأ باستعادة الردع، وتأكيد يده الطويلة، فقاد سلسلة الضربات الكبيرة المتتابعة، في ميناء الحديدة باليمن، واغتيال القائد العسكري لحزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت، ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية في طهران
لم يكن للإسرائيلي أن يندفع هذه الاندفاعة التي من شأنها أن تجرّ لمواجهة أوسع، يقال إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريدها، إلا بإذن أمريكي. يبدو أنّ الموقف الأمريكي تجاوز أن يكون إذنا ليصل حدّ التخطيط والإشراف والمشاركة، لأنّ الإدارة الأمريكية نفسها تريد لـ"إسرائيل" توجيه هذه الضربات، وفي الوقت نفسه تدير الولايات المتحدة المواجهة، أولا بالتهديد بالحرب الشاملة بعدما قرأت بدقة أن حلفاء المقاومة في غزّة لا يريدونها، إيران والحزب تحديدا، ومن ثمّ حشدت أساطيلها وعشرات الآلاف من مقاتليها في المنطقة، وأبدت الاستعداد الكامل لخوض المعركة إلى جانب الإسرائيلي، وثانيا بإدارة حملة علاقات عامّة لصالح الإسرائيلي بالحشد لجولة مفاوضات جديدة، ومن الوارد أنّ الولايات المتحدة نفسها، قد تكون معنية بمواجهة أكبر محسوبة تفتح البوابة من جديد لإعادة ترتيب المنطقة لصالح مشاريعها فيها، وفي صدارتها تسييد "إسرائيل" على المنطقة بدمجها في تحالف معلن مع عدد من الدول العربية.

الأمين العام لحزب الله بعد اغتيال فؤاد شكر، بدا مدركا لطبيعة التحوّل الذي تقوده الولايات المتحدة، ومن ثمّ تحدّث عن معنى انتصار "إسرائيل" ومن حيث كونه عاصفة من شأنها اقتلاع كلّ شيء من جذوره، ممّا يجعل الموقف بالنسبة لمحور المقاومة أكبر من مجرّد جبهات إسناد. وهذا الإدراك لمعاني تحولات الموقف الإسرائيلي، والتي وصفها نصر الله بأنّها إنجاز إسرائيلي دون أن تكون انتصارا إسرائيليّا، رفع سقف توقعات الكثيرين، بأنّ ردّ المحور عموما، والحزب خصوصا، سيتجاوز مستوى التمادي الإسرائيلي، إلى تعميق جبهات الإسناد لتكون أكثر تأثيرا على مسارات الحرب في غزّة، وبما يمنع الانتصار الإسرائيلي على المقاومة في غزّة، وهو ما يعود بنا إلى الخطابات الأولى للأمين العام لحزب الله التي قال فيها "ممنوع أن تُهزم حماس"، وكذلك فإنّه يمكن أن يفهم من خطابه بعد اغتيال شكر، أنّه ممنوع على الإسرائيلي قلب المشهد الإقليمي لصالحه، إلا أنّ الردّ الذي أعلن عنه حزب الله فجر 25 آب/ أغسطس، بدا للمراقبين، ولأكثر الفلسطينيين، بما في ذلك أكثر الأطراف في المقاومة الفلسطينية حرصا على تكريس التحالف مع حزب الله، أقلّ بكثير من المتوقع، وحتما أقلّ من السقف الذي تبدّى في خطابات الأمين العام لحزب الله، بل جاء الردّ ملتبسا ومجرّدا من الأدلة على بلوغه أهدافه، فكما كان الاغتيال الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية صاخبا ومعلنا ومؤكّد النتيجة، كان ينبغي أن يكون ردّ حزب الله بهذا القدر من الوضوح.

قدّم حزب الله تضحيات جسيمة على مستوى كادره الحزبي والمقاتل، وحتى من بيئته الاجتماعية في جنوبيّ لبنان، وأدّى نزوله إلى الجبهة إلى نزوح عشرات آلاف المستوطنين من مستوطنات شماليّ فلسطين المحتلة كما سلف القول، لكن بقيت المعضلة في القدرة على التأثير على مسارات الحرب في غزّة، وتعميق جبهات الإسناد، وتقديم الحلول الواضحة لمقولة "ممنوع انتصار إسرائيل" أو "ممنوع هزيمة حماس"، فالحرب ستخرج إلى شهرها الثاني عشر، وعمليات الإبادة قائمة، والتدمير الممنهج لغزة يستكمل حلقاته، والمقاومة في غزّة تقاتل بالعزيمة والصبر والإصرار أكثر ممّا تقاتل بالسلاح في ظرف يطبق عليها فيه الحصار، إذ القدرة، ومهما امتلكت هذه المقاومة من العزيمة والإرادة على تعويض الخسائر، مستحيلة، وواقع قطاع غزّة يغني عن المقال.

تقييم ردّ الحزب الذي بدا، إن كان الأمر جرى كما خطّط، أقلّ من الحدث الخاص بالحزب نفسه (اغتيال فؤاد شكر وضرب الضاحية الجنوبية للمرة الثانية أثناء الحرب)، ومن باب أولى أقلّ مما يأمله الفلسطينيون لفتح نافذة لتعميق جبهة الإسناد، وبالتأكيد فإنّ المراجعة لمجمل أداء المحور ينبغي أن تراعي وحدة الحال وحساسية الموقف وتقدير التضحيات، إلا أنّه لا ينبغي التحسس من النقد الموجّه لمستوى ردّ الحزب
وفّرت الضربات الإسرائيلية في الحديدة والضاحية الجنوبية وطهران، إمكان تحويلها إلى فرصة، بالرغم من كونها محنة، وهو ما حاول الإسرائيلي فعله بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فقد سعى لتحويل المحنة إلى فرصة، وبينما كانت عملية السابع من أكتوبر نفسها فرصة للعالم كله للخروج من إطباق الولايات المتحدة على العالم، بما في ذلك لمحور المقاومة، حتى لو كانت العملية مفاجئة لهم، فإنّ الفرصة تكررت بعدما تجاوز الإسرائيلي "الخطوط الحمراء" (مع أن مقولة الخطوط الحمراء بحاجة إلى نقاش كبير) مرات عديدة في سعيه لمدّ يده من جديد واستعادة ردعه الإقليمي، إلا أنّ الموقف ظلّ على الجمود نفسه، من حيث ردود محور المقاومة على اعتداءات الإسرائيلي، وهو ما يعني أنّ الإسرائيلي ممعن في المبادرة والسعي لاستعادة الموقف لصالحه، بينما المحور ممعن في الحذر والتحوط والاستمرار في الدائرة نفسها مما يسمّى قواعد الاشتباك.

يمكن لأيّ منّا أن يضع نفسه مكان الحزب ويحاول التفكير بعقله وفهم ظروفه واعتباراته وحيثياته، وأحسب أنّ أكثر منتقدي الحزب ممن يقدّرون تضحياته لا تغيب عنهم حسابات الحزب، ويمكن التفكير مليّا فيما جرى فجر 25 آب/ أغسطس، من تضارب الروايات بين الحزب والاحتلال، ومن ثمّ تقييم ردّ الحزب الذي بدا، إن كان الأمر جرى كما خطّط، أقلّ من الحدث الخاص بالحزب نفسه (اغتيال فؤاد شكر وضرب الضاحية الجنوبية للمرة الثانية أثناء الحرب)، ومن باب أولى أقلّ مما يأمله الفلسطينيون لفتح نافذة لتعميق جبهة الإسناد، وبالتأكيد فإنّ المراجعة لمجمل أداء المحور ينبغي أن تراعي وحدة الحال وحساسية الموقف وتقدير التضحيات، إلا أنّه لا ينبغي التحسس من النقد الموجّه لمستوى ردّ الحزب، فالهول في غزّة يفوق في حجمه وفي مخاطره وبحسب قراءة الأمين العام للحزب نفسه كلّ حساسية أخرى، لكن لا يقتصر تقييم الردّ ومستوى جبهات الإسناد فقط على ما تحتاجه غزّة ومقاومتها، فتقييم الأفعال بالنسبة للخطابات هو الأمر الطبيعي، والمؤكّد أنّ خطابات المحور قبل السابع من أكتوبر وبعده أعلى بكثير من المساهمة في هذه الحرب، وهذا التقييم بالنسبة للخطاب لا ينبغي أن يغضب أحدا.

x.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حزب الله الإسرائيلي المقاومة إسرائيل غزة حزب الله المقاومة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الضاحیة الجنوبیة اغتیال فؤاد شکر جبهات الإسناد لحزب الله حزب الله ینبغی أن إلا أن وهو ما

إقرأ أيضاً:

لبنان.. مقتل 24 شخص وإصابة 134 جراء القصف الإسرائيلي

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، الحصيلة الإجمالية لعدد القتلى والمصابين الذين سقطوا يوم الأحد 26 يناير جراء القصف الإسرائيلي.

وقال مركز عمليات طوارئ الصحة العامة، “إن 24 شخصا قتلوا من بينهم 6 نساء، وأصيب 134 من بينهم 14 امرأة و12 طفلا خلال محاولتهم الدخول إلى بلداتهم التي لا تزال محتلة في جنوب لبنان”.

وأفاد المركز بأن “القتلى والمصابين سقطوا في عيترون، وحولا، ومركبا، وكفركلا، والعديسة، وبليدا، والضهيرة (مقتل عسكري)، وميس الجبل، وبني حيان، ومارون الراس، زبنت جبيل، وعيناتا، ووادي السلوقي، وبيت ياحون، وشقرا، ودير ميماس، ورب تلاتين، والطيبة، ويارون، وطلوسة، وعيتا الشعب”.

ويوم الأحد 26 يناير، انتهت مهلة الـ60 يوما المحددة في اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان من دون أن تسحب القوات الإسرائيلية جنودها من كامل قرى جنوب لبنان، وفق ما نص عليه الاتفاق، حيث أعلن رئيس الوزراء بنيامن نتنياهو، عن عدم سحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان بعد انتهاء المهلة.

أمين عام “حزب الله”: لن نقبل بأي مبرر لتمديد مهلة خروج الاحتلال الإسرائيلي من أراضي لبنان

أكد أمين عام “حزب الله” اللبناني نعيم قاسم، “أن مبررات تمديد مهلة الـ 60 يوما لانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية مرفوضة، مشددا أنه على إسرائيل أن تخرج من لبنان”.

وقال قاسم: “المعتدي طلب وقف اعتدائه بشروط ووافقنا على وقف الاعتداء لأننا لا نريده بالأصل ولم نقرر الحرب ابتداء، وافقنا على اتفاق وقف إطلاق النار لأن الدولة قررت التصدي لحماية الحدود وإخراج إسرائيل”.

وأضاف: “هذه فرصة لتؤدي الدولة واجباتها وتختبر قدرتها على المستوى السياسي، التزمنا وفضلنا أن نصبر وألا نرد على الخروق الإسرائيلية رغم حالة الشعور بالمهانة والأعمال الانتقامية”.

ولفت إلى أن “مشهد العودة الذي كان في 27 نوفمبر الساعة الرابعة صباحا الى الجنوب والضاحية والبقاع كان مشهد انتصار فعمت احتفالات النصر كل المناطق والمقاومون في الميدان ولم يغادروه ورؤوسهم مرفوعة والمقاومة ثابتة وقوية”.

وأكد أنه “انتصرنا لأننا رجعنا ولأن المحتل سيخرج وينسحب غصبا عنه. المقاومون لم يغادروا الميدان والمقاومة ثابتة وقوية”، لافتا إلى أن “الراعي الأمريكي للاتفاق هو نفسه الراعي للإجرام الإسرائيلي ولم يقم بدوره مع ذلك قررنا عدم إعطاء أي ذريعة”.

وشدد على أن “ما جرى في خرق الاتفاق يؤكد حاجة لبنان إلى المقاومة. شُنّت علينا حملة مضادة حتى أثناء الحرب جزء كبير منها داخلي لتصويرنا أننا مهزومون، والبعض ربما أصيب بنوبة قلبية لأن أحلامه لم تتحقق بهزيمة المقاومة”، مؤكدا أن “المقاومة وعلى رأس السطح انتصرت”.

وأشار قاسم إلى أن “عمليات المقاومة تصاعدت، ولم تتمكن القوات الإسرائيلية من التقدم إلا مئات الأمتار فقط، وذلك بفضل ثبات المقاومين ودعم النازحين والمواطنين”.

وذكر أن “إسرائيل طلبت وقف إطلاق النار، وتم التوافق على ذلك مع الدولة اللبنانية، معتبرا هذا الأمر انتصارا للمقاومة، ووجه قاسم الشكر إلى “اليمن على تضحياته، وللعراق بشعبه ومرجعيته وحشده، وللبنان الذي قدم سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله”، ولفت إلى أن “العدوان على لبنان وغزة بأنه مدعوم أمريكيا وغربيا دون أي ضوابط”، مؤكدا أن “هذا العدوان كان يهدف إلى إنهاء المقاومة”.

وشدد قاسم على أن هدف “طوفان الأقصى قد تحقق، حيث انهزم المشروع الإسرائيلي الذي سعى لتدمير المقاومة وحركة حماس”، وأكد أن “نصر غزة هو نصر للشعب الفلسطيني ولكل شعوب المنطقة التي ساندت القضية، ولكل أحرار العالم الذين أيدوا ودعموا”.

مقالات مشابهة

  • مغردون: أين الرد اللبناني على قصف إسرائيل للنبطية؟
  • حكومة الاحتلال الإسرائيلي على صفيح ساخن.. شاس يتراجع وسموتريتش يهدد بحل الكنيست
  • الرد على دعوى الخطأ في توقيت صلاة الفجر في الديار المصرية
  • أسباب إرجاء الانسحاب الإسرائيلي ميدانيا واستراتيجيا
  • وزيرة البيئة: العثور علي ورل نيلي بالإسماعيلية وتشكيل لجنة عاجلة لمتابعة الموقف
  • لبنان.. مقتل 24 شخص وإصابة 134 جراء القصف الإسرائيلي
  • عيوننا المرابطة...بيان حزب الله تحذيري
  • حزب الله يعلن اغتيال مسؤول قطاع البقاع الغربي
  • هزيمة مدوية للعدو الإسرائيلي أمام صمود المقاومة في غزة
  • اغتيال قيادي ومجاهد بــ كتائب القسام.. وحماس: دماءهم الزكية لن ‏تذهب سدى وستكون دافعا لتصاعد المقاومة