منذ يناير/كانون الثاني الماضي، بدأت الحكومة الإسرائيلية حملة رقمية تستهدف وكالة "الأونروا" عبر شراء الإعلانات على غوغل، والهدف هو تشويه سمعة وكالة الإغاثة الأساسية في قطاع غزة، في سعي إسرائيل للتأثير على الرأي العام والحد من التمويل الدولي الموجه للوكالة، وفقا لما جاء في تقرير من موقع "وايرد".

حملة موجهة

في منتصف يناير/كانون الثاني، اكتشفت المديرة التنفيذية لوكالة الأونروا في الولايات المتحدة، مارا كروننفيلد، حملة إعلانية موجهة ضد منظمتها حين كانت تجري بحثا روتينيا على محرك بحث غوغل عن اسم "الأونروا".

وما أثار دهشتها أنها وجدت أن أول نتيجة من نتائج البحث كانت إعلانا يبدو أنه يروّج للوكالة، ولكن عندما ضغطت عليه توجهت إلى موقع حكومي إسرائيلي يطلق اتهامات متنوعة ضد الأونروا، ويصورها كواجهة لحركة حماس، كما يدعو الجمهور للتشكيك في حياد الوكالة وفعاليتها، حسب ما أشار تقرير وايرد.

وسرعان ما أدركت كروننفيلد أن هذا الإعلان يمثل جزءا من حملة إعلانية منسقة ومستمرة تقودها الحكومة الإسرائيلية على الإنترنت.

كانت تلك الإعلانات مصممة بصورة مضللة للتأثير على وجهة نظر المتبرعين المحتملين لوكالة الأونروا في الولايات المتحدة، وهي منظمة غير ربحية تجمع التبرعات لدعم عمليات الوكالة في قطاع غزة.

أثار توقيت اكتشاف هذه الحملة قلق الوكالة، خاصة أنه جاء بالتزامن مع اتهام إسرائيل لـ12 من موظفي الأونروا بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

اتهامات الحكومة الإسرائيلية لوكالة الأونروا ليست جديدة، لكن بعد الحرب على قطاع غزة صعّدت إسرائيل من لهجتها ضد الأونروا، ووصفتها بأنها منظمة خطرة يجب وقف دعمها الدولي.

ويبدو أن تلك الحملة الإعلانية الموجهة على الإنترنت جزءٌ من إستراتيجية إسرائيلية أوسع تستهدف الوكالة، خاصة في نظر المتبرعين الدوليين.

فمن خلال شراء إعلانات غوغل لكلمات بحث مثل "الأونروا" و"الأونروا في الولايات المتحدة"، سعت الحكومة الإسرائيلية إلى توجيه المانحين المحتملين إلى صفحات مواقع تحوي سلسلة من الاتهامات للوكالة.

وتزعم هذه الصفحات أن الأونروا لم توضح موقفها من توظيف أعضاء من حركة حماس ومدى حياد الوكالة، كما تدّعي أن الوكالة تفشل في فحص مرافقها بالشكل الكافي ضد أي ممارسات متطرفة.

صممت الحكومة الإسرائيلية تلك الادعاءات لإثارة الشكوك بمصداقية الأونروا ونزاهتها في وقت حساس كانت الوكالة تقدم فيه مساعدات ضرورية لسكان قطاع غزة.

اتهامات الحكومة الإسرائيلية لوكالة الأونروا ليست جديدة لكن بعد الحرب على قطاع غزة صعّدت إسرائيل من لهجتها ضد الأونروا (رويترز) تأثير الحملة

أثرت تلك الحملة الإسرائيلية بصورة واضحة على جهود جمع التبرعات للأونروا في الولايات المتحدة، رغم صعوبة تحديد حجم هذا التأثير بدقة، كما ذكرت مارا كروننفيلد.

ففي عام 2023، وبعد اندلاع الحرب على قطاع غزة، ارتفعت التبرعات لمصلحة وكالة الأونروا في الولايات المتحدة، إذ جمعت أكثر من 32 مليون دولار من نحو 73 ألف متبرع، مقارنة بنحو 5 ملايين دولار فقط من نحو 5700 متبرع في العام السابق.

يعود هذا النجاح جزئيا إلى إعلانات البحث على محرك غوغل، التي استهدفت المستخدمين الباحثين عن معلومات عن قطاع غزة وكيف يمكنهم تقديم المساعدات الإنسانية.

ومع ذلك، تسببت الحملة الإعلانية الإسرائيلية في تعطيل تلك الجهود. فوفقا لبيانات الأونروا في الولايات المتحدة، وخلال الفترة من مايو/أيار إلى يوليو/تموز 2024، ظهرت الإعلانات الإسرائيلية المضللة بنسبة 44% من الوقت في نتائج البحث على غوغل. في المقابل، ظهرت إعلانات الأونروا بنسبة 34% فقط من الوقت.

هذا التفاوت أجبر وكالة الأونروا في الولايات المتحدة على إنفاق عشرات الآلاف من الدولارات، بالإضافة إلى كثير من وقت موظفيها، في محاولة للتفوق على الإعلانات الإسرائيلية في نتائج بحث غوغل.

ورغم هذه التحديات، استمرت الأونروا في الولايات المتحدة في جمع مبالغ تبرعات كبيرة، إذ كانت التبرعات في النصف الأول من العام الجاري تعادل مجموع التبرعات للعام الماضي 2023 بأكمله.

ومع ذلك، لا تزال مارا كروننفيلد قلقة إزاء التأثيرات الطويلة الأجل لتلك الحملة الإسرائيلية، خاصة في ما يتعلق بفهم الجمهور الأميركي لدور وكالة الأونروا.

وتخشى أن يؤدي تعرض المستخدمين الأميركيين لما تصفه بالدعاية الإسرائيلية إلى تقليل الدعم المستقبلي من الحكومة الأميركية التي كانت أكبر مانح للأونروا عبر التاريخ، وهو ما حدث فعلا في 27 يناير/كانون الثاني الماضي حين أعلنت الولايات المتحدة تعليق دعمها المالي للأونروا، كما اتخذت 9 دول أخرى قرارات مماثلة، بناء على ادعاء إسرائيل أن موظفين يعملون بالوكالة شاركوا في عملية طوفان الأقصى.

وكالة الأونروا أُسّست عام 1949 وتتعرض للتصفية بالتزامن مع تكثيف الحصار والعدوان الإسرائيلي على غزة (رويترز)

 

تواطؤ غوغل

طلبت مارا كروننفيلد وفريقها المساعدة من غوغل، على أمل مواجهة هذه الحملة المضللة. ولكن رد غوغل كشف عن العلاقة المعقدة التي تحافظ عليها الشركة مع عملائها، خاصة مع الحكومة الإسرائيلية، وفقا لتقرير وايرد.

كشف العديد من موظفي غوغل الحاليين والسابقين أن الحملة على الأونروا كانت جزءا من سلسلة أوسع من الإعلانات التي تنظمها حكومة إسرائيل، وأثارت شكاوى داخل الشركة وخارجها. وأوضح هؤلاء أن الحملة على الأونروا لم تكن حادثة منفصلة، بل واحدة من حملات إعلانية حديثة متعددة أثارت تساؤلات عن دور غوغل في تسهيل الدعاية السياسية لإسرائيل.

في المقابل، دافعت المتحدثة باسم غوغل، جاكل بوث، عن سياسات الشركة، مشيرة إلى أن الحكومات مسموح لها بنشر إعلانات تتوافق مع قواعد غوغل، وأن الشركة تشجع المستخدمين والموظفين على الإبلاغ عن أي انتهاكات.

كما أكدت بوث أن غوغل تطبق سياساتها بصورة عادلة ومن دون تحيز، وأن أي إعلانات تخالف القواعد ستحذفها الشركة سريعا. لكن رغم هذه التأكيدات، استمرت شكاوى الأونروا في الولايات المتحدة، خاصة حول الإعلانات التي تنتهك سياسات غوغل فعلا بشأن المعلومات المضللة واستخدام العلامات التجارية.

في البداية، أزالت غوغل بعض الإعلانات الإسرائيلية بعد تلك الشكاوى، ولكن سرعان ما عدلت الحكومة الإسرائيلية حملتها، واستأنفت جهودها بإعلانات جديدة بصياغة معدلة قليلا.

تضمنت تلك الإعلانات عناوين مثل "حياد الأونروا موضع شك" و"إسرائيل تكشف مشكلات الأونروا"، واستمرت في الانتشار داخل الولايات المتحدة وأوروبا.

ويرى فريق الأونروا في الولايات المتحدة أن هذه الإعلانات المعدلة لا تزال تنتهك سياسات شركة غوغل، لكنها استمرت في الظهور، لتزيد من تعقيد جهود جمع التبرعات، وأوضح هذا الأمر مدى تواطؤ شركة غوغل مع الحكومة الإسرائيلية.

الحملة الإعلانية الإسرائيلية على الأونروا تشكل جزءا من إستراتيجية أوسع وأكثر تطورا تهدف إلى التأثير على الرأي العام والتأثير على الدعم الذي تتلقاه الوكالة (شترستوك) استهداف الشرق الأوسط

تشكل الحملة الإعلانية الإسرائيلية على الأونروا جزءا من إستراتيجية أوسع وأكثر تطورا تهدف إلى التأثير على الرأي العام والتأثير على الدعم الذي تتلقاه الوكالة.

ولا تقتصر هذه الإستراتيجية على إعلانات البحث في غوغل فحسب، بل نشرت الحكومة الإسرائيلية أيضا إعلانات فيديو على غوغل في الولايات المتحدة تتهم الوكالة بتوظيف الإرهابيين.

كما تمتد الحملة الرقمية الإسرائيلية إلى ما هو أبعد من الأونروا، ففي أبريل/نيسان الماضي بدأ بعض المستخدمين في الشرق الأوسط يبلغون عن ظهور إعلانات إسرائيلية باللغة العربية على منصة يوتيوب، تصور حماس على أنها المسؤول الأساسي عن الحرب الجارية، وتقترح أن الحرب قد تنتهي إذا أطلقت حماس سراح الرهائن وتخلّت عن سيطرتها على قطاع غزة.

وقد أثارت هذه الإعلانات، التي ظهرت للمستخدمين في دول مثل مصر والأردن والبحرين، انتقادات واسعة، إذ اتهم بعضهم منصة يوتيوب بأنها منصة للدعاية الإسرائيلية، كما أشار تقرير وايرد.

كذلك أعرب موظفو غوغل عن قلقهم من دور الشركة في تسهيل تلك الإعلانات، خاصة في ظل الحوادث السابقة حين أزيلت إعلانات إسرائيلية لانتهاكها سياسات الشركة.

ففي أكتوبر/تشرين الأول 2023، أزالت غوغل نحو 30 إعلانا إسرائيليا يحتوي على صور عنيفة بعد تحقيق أجرته مجلة "بوليتيكو" الأميركية، وفي وقت سابق من العام نفسه تعرض موقع يوتيوب لانتقادات بسبب سماحه بعرض إعلانات إسرائيلية تحتوي على مشاهد عنيفة في تطبيقات الألعاب المخصصة للأطفال.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحکومة الإسرائیلیة الحملة الإعلانیة لوکالة الأونروا على الأونروا على قطاع غزة جزءا من

إقرأ أيضاً:

الحكومة الأميركية تطلب من القضاء إجبار “غوغل” على بيع متصفّحه “كروم”

21 نوفمبر، 2024

بغداد/المسلة: طلبت الحكومة الأميركية الأربعاء من القضاء إجبار “غوغل” على بيع متصفّحها “كروم”، في إجراء يهدف إلى مكافحة الممارسات الاحتكارية المتّهم بارتكابها عملاق التكنولوجيا.

ويشكّل هذا الطلب تغييرا عميقا في استراتيجية هيئات المنافسة التابعة للحكومة الأميركية والتي تركت عمالقة التكنولوجيا لحال سبيلها منذ فشلها في تفكيك مايكروسوفت قبل عقدين تقريبا.

وفي وثيقة قضائية اطّلعت عليها وكالة فرانس برس، طلبت وزارة العدل من المحكمة فصل نشاطات غوغل التابعة لمجموعة “ألفابت”، بما في ذلك عبر منع المجموعة من إبرام اتفاقات مع شركات مصنّعة للهواتف الذكية تجعل من محرك بحثها المتصفح الأساسي في هذه الهواتف، ومنعها كذلك من استغلال نظام تشغيل أندرويد الخاص بها.

والصيف الماضي، دان القاضي الفدرالي في واشنطن أميت ميهتا مجموعة “غوغل” بارتكاب ممارسات غير شرعية لتأسيس احتكارها في مجال البحث عبر الإنترنت والحفاظ عليه.

ومن المتوقّع أن تعرض غوغل دفوعها على هذا الطلب في ملف قضائي تقدمه الشهر المقبل، على أن يعرض الجانبان قضيتهما في جلسة استماع تعقد في نيسان/أبريل.

وبصرف النظر عن القرار النهائي الذي سيصدر في هذه القضية، من المتوقع أن تستأنف غوغل الحكم، ما سيطيل العملية لسنوات وربما يترك الكلمة الفصل للمحكمة العليا الأميركية.

بالمقابل، يمكن أن تنقلب القضية رأسا على عقب بعد أن يتولى الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة في كانون الثاني/يناير. ومن المرجح أن تقوم إدارة ترامب بتغيير الفريق الحالي المسؤول عن قسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل.

ورشح ترامب برندن كار لرئاسة الهيئة الناظمة للاتصالات الأميركية والذي يسعى إلى “تفكيك كارتل الرقابة” الذي تفرضه شركات التكنولوجيا العملاقة “فيسبوك” و”غوغل” و”أبل” و”مايكروسوفت”.

إلا ان الرئيس المنتخب أشار كذلك إلى أن قرار التفكيك سيكون مبلغا به.

تريد وزارة العدل أن تتخلى “غوغل” عن متصفّح “كروم” وهو الأكثر استخداما في العالم، لأنه نقطة دخول رئيسية إلى محرك البحث، ما يقوض فرص منافسين محتملين.

وبحسب موقع “ستات كاونتر” المتخصّص، استحوذت “غوغل” في أيلول/سبتمبر على 90 % من سوق البحث العالمية عبر الإنترنت.

وكشفت المحاكمة على امتداد عشرة أسابيع، المبالغ الضخمة التي دفعتها “ألفابت” لضمان تنزيل “غوغل سيرتش” على الهواتف الذكية خصوصا من شركتَي “آبل” وسامسونغ”.

وبدأت الإجراءات القضائية خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب (2017-2021) واستمرت في عهد الرئيس جو بايدن.

وستعيد مقترحات السلطات، إذا قبل بها القاضي، تشكيل سوق البحث عبر الإنترنت.

وتواجه شركة “غوغل” حملة قضائية أوسع نطاقا على خلفية شبهات في انتهاكات لقوانين المنافسة في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي تشرين الأول/أكتوبر، أمر قاض فدرالي “غوغل” بالسماح بإتاحة منصات منافسة في متجرها للتطبيقات (“بلاي ستور”) لصالح شركة “إبيك غيمز” الناشرة لألعاب الفيديو التي أطلقت الإجراء القضائي في حق المجموعة الأميركية العملاقة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • محلل: لبنان طلب من الولايات المتحدة منع الضربات الاستباقية الإسرائيلية
  • خبير تكنولوجي: الحكومة الأمريكية تتحرك لمواجهة بيع جوجل كروم
  • الحكومة الليبية تطلق حملة لتقييم كفاءة الأجهزة الطبية في بنغازي
  • الحكومة الأميركية تطلب من القضاء إجبار غوغل على بيع كروم
  • الحكومة الأميركية تطلب من القضاء إجبار “غوغل” على بيع متصفّحه “كروم”
  • الولايات المتحدة: إسرائيل تحقق أهدافها وتقترب من نهاية حربها مع حزب الله
  • عمرو خليل: قانون حظر الأونروا جزء من حرب الإبادة الإسرائيلية على فلسطين
  • مندوب الصين بمجلس الأمن: الولايات المتحدة تواصل إمداد إسرائيل بالأسلحة
  • كفرالشيخ تزيل 35 إعلانًا مخالفًا في حملة بالحامول
  • حملة مكبرة لرفع اللافتات الإعلانية غير المرخصة بمطاي