ستيفن كورنيش: سيحتاج الأمر أكثر من مجرد إسكات البنادق في السودان
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
ستيفن كورنيش*
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، اطلعت على شهادة طفل نزح من الخرطوم مع عائلته في الأيام الأولى من الحرب بحثا عن مأوى في شرق السودان. وعلى الرغم من الأهوال من حوله، كان أشد ما يقلقه أن صوت إطلاق النار والغارات الجوية يعني أنه سيجوع. بالنسبة لهذا الطفل، كانت الحرب تعني فقدان الأساسيات الحياتية اليومية، كالحصول على الغذاء.
اليوم، وأنا أقرأ الأخبار عن السودان، تتجه أفكاري إلى مفاوضات وقف إطلاق النار في جنيف، على بعد بضعة كيلومترات من المكان الذي أكتب فيه هذه المقالة.
تهدف محادثات السلام التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تستضيفها كل من المملكة العربية السعودية وسويسرا، إلى جلب الأطراف المتحاربة في السودان إلى طاولة المفاوضات. وهي خطوة أولى ضرورية في عملية طويلة وصعبة من بناء أساس للسلام في هذا البلد الذي مزقته الحرب. لكنها لا تعدو مجرد خطوة.
وفي حين أن الحوار السياسي ضروري، لكن الأمر سيتطلب أكثر بكثير من إسكات البنادق لاستعادة الكرامة والعافية والرعاية الصحية لملايين الأشخاص. يتطلب الطريق إلى السلام التزاما جماعيا على المدى الطويل من كلا الطرفين المتحاربين. ويجب احترام المرافق الصحية، ويجب السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين.
أزمة السودان متعددة الأوجه. نزح 10 ملايين شخص، أي حوالي خمس السكان، مما يجعلها أكبر أزمة نزوح في العالم. وينتشر سوء التغذية على نطاق واسع في العديد من المناطق، ويهدد حتى الخرطوم، التي تقع على خط المواجهة منذ أبريل/نيسان 2023.
وقد وصل سوء التغذية إلى مستويات كارثية، حيث عالجت أطباء بلا حدود أكثر من 20 ألف طفل يعانون من سوء التغذية بين يناير/كانون الثاني، ويونيو/حزيران 2024. وانهارت المنظومة الصحية، مع توقف 70-80% من المرافق عن العمل، تاركة عددا لا يحصى من الناس دون رعاية.
وبعد 16 شهرا من الحرب، يواصل الطرفان المتحاربان عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، ومنع المساعدات بشكل منهجي من الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها خصومهم. وغالبا ما يكون الوصول مقيدا، مع عدم وجود ضمانات لسلامة عمال الإغاثة، أو أحيانا، يكون الوصول غير متاح على الإطلاق.
وقد أجبرت هذه الظروف منظمة أطباء بلا حدود على تعليق بعض الأنشطة، ومع ذلك تواصل فرقنا العمل في 8 ولايات من أصل 18 ولاية في السودان.
ومنظمتنا هي واحدة من منظمات الإغاثة الدولية القليلة التي لا تزال تعمل في المناطق التي يسيطر عليها طرفا النزاع، لكن قدرتنا مستنفدة، والاحتياجات هائلة.
فر مليونا شخص إلى بلدان مجاورة مثل تشاد. وعندما زرت مخيم أدري المؤقت في شرق تشاد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كان معظم اللاجئين السودانيين الذين قابلتهم قد غادروا بسبب ارتفاع مستويات العنف وبسبب قلة الطعام. وتمنع الحرب المزارعين من الزراعة والحصاد، مما يترك الأسواق فارغة أو الأسعار مرتفعة للغاية بحيث لا يستطيع الكثيرون تحمل تكاليف الغذاء.
ولمنع المزيد من التدهور، يجب منح إمكانية الوصول الآمن وغير المقيد لعملية إنسانية واسعة النطاق، بغض النظر عن أي وقف لإطلاق النار. ويجب أن تتوقف ممارسة تقييد أو تحديد أولويات المساعدات على أساس السيطرة على الأراضي، مع التركيز على ضمان الوصول والأمن والحماية للمدنيين والبعثات الإنسانية.
تعد المساعدات القادمة عبر الحدود أمرا حيويا، خاصة أن موسم الأمطار يجعل طرق الإمداد المعتادة غير قابلة للعبور. وقد تعطل الإنتاج الغذائي المحلي وأسواق الاستيراد التقليدية بشدة، وسيستغرق الأمر وقتا طويلا واستثمارا كبيرا للتعافي، وهي مدة لا يستطيع السكان تحملها.
إن آمال السلام في حالة من الفوضى حاليا وستتطلب التزاما منسقا وطويل الأجل من المجتمع الدولي لإعادة ترسيخها وتمويلها بشكل كافٍ. حتى مع اختتام محادثات السلام، ستستمر الأزمة الإنسانية في السودان.
سيتطلب الطريق نحو التعافي في السودان أكثر من مجرد استجابات طارئة. تحتاج البلاد إلى شركاء على المدى الطويل -منظمات إنسانية ووكالات تنمية وصناديق إعادة إعمار- يلتزمون بمساعدة الشعب السوداني على إعادة بناء حياته.
تعد محادثات جنيف للسلام ضرورية لتهيئة بيئة للتقدم السياسي، لكن الدبلوماسية وحدها لن تكون كافية لمعالجة الأزمة الإنسانية الملحة والاحتياجات المتصاعدة لبلد مزقته الحرب الأهلية لأكثر من عام.
يجب أن تكون عملية السلام مصحوبة بإجراءات ملموسة على الأرض، إجراءات تضمن حماية المدنيين إلى جانب الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والخدمات الأساسية لجميع السودانيين.
العمل الحقيقي ينتظرنا. عندها فقط يمكننا أن نأمل في رؤية سودان تسكت فيه البنادق، ويمكن لشعبه أن يعيش بكرامة وأمن وأمل في المستقبل.
* المدير التنفيذي لمركز عمليات أطباء بلا حدود في سويسرا
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حريات فی السودان أکثر من
إقرأ أيضاً:
«الجوع يضرب غزة».. وعصابات الاحتلال تستولى على شاحنات المساعدات الإنسانية
قال يوسف أبو كويك، مراسل قناة «القاهرة الإخبارية» من خان يونس، إن سلاح التجويع والسياسة التي ينتهجها الاحتلال لا تقل خطورة عن القصف المستمر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والآليات التي تتوغل في مختلف مناطق القطاع.
وأضاف «أبو كويك» خلال تغطيته للقاهرة الإخبارية، أن هناك مجاعة حقيقية في كل محافظات القطاع، مشيرًا إلى أنه في بداية شهو العدوان كان الحديث ينصب عن المجاعة في شمال القطاع، لكن الأوضاع تفاقمت، ومحافظات القطاع تعيش تحت وطأة الجوع.
ولفت إلى أنه لا يوجد دقيق توزعه الجهات الإغاثية كما كان في الشهور في الماضي، موضحًا أن هناك شاحنات محملة بالدقيق وصلت منذ أيام لكنها لا تكفي شئ مقارنة بحاجة السكان.
وتابع: «ما يزيد من تعقيدات المشهد الإنساني، أن هناك بعض الجهات التي باتت وفق مؤسسات وإعلام غربي تتعامل بشكل مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ أنها باتت أشبه بالعصبات المنظمة التي تسيطر على وتستولي على شاحنات المساعدات القادمة من معبر كرم أبو سالم».