د. عبد المنعم مختار

استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة

تم إعداد هذا المقال بمساعدة فعالة من برنامج الذكاء الاصطناعي Chat GPT4

منذ أبريل 2019، دخل السودان مرحلة جديدة من الحكم العسكري الذي ارتدى في بعض الأحيان قناع الواجهة المدنية، وفي أحيان أخرى كانت القيادة المدنية فعلية ولكنها محدودة النفوذ.

هذه المرحلة كانت حاسمة في تشكيل ملامح الصراع السياسي والاجتماعي في البلاد، وأدت إلى تهيئة المسرح لاندلاع الحرب الأهلية في أبريل 2023. نحاول في هذا السياق تسليط الضوء على كيفية استغلال النظام العسكري للواجهات المدنية وتحجيمه للقوى المدنية الحقيقية، والدور الذي لعبته هذه الواجهات في تعزيز السلطة العسكرية وتهميش القوى المدنية الفعلية.

#### 1. **الحكومة الانتقالية ذات الطابع المدني**

في محاولة لتهدئة المجتمع الدولي والحصول على الدعم المالي، قام الجيش بتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية. وعلى الرغم من أن هذه الحكومة بدت في الظاهر مدنية، إلا أنها كانت في الواقع تحت سيطرة الجيش بشكل كبير. فقد كان الجيش يحتفظ بالسلطة الفعلية في القرارات الرئيسية والسياسات الكبرى، بينما كان المدنيون يشاركون في الحكومة بنفوذ محدود. هذا الوضع خلق حالة من الغموض حول من يتحكم فعليًا في السودان، مما أدى إلى تصاعد الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية.

#### 2. **الدور المحوري للمجلس السيادي**

تم تشكيل المجلس السيادي ليكون الهيئة الرمزية العليا للحكم في السودان خلال الفترة الانتقالية. هذا المجلس ضم ممثلين من العسكريين والمدنيين، لكن مع مرور الوقت، اتضح أن المجلس كان أقوى أجهزة الحكم، وأصبح يعمل كأداة بيد الجيش للسيطرة على السلطة. فقد كان العسكريون يحتفظون بالكلمة الأخيرة في القرارات المهمة، مما جعل المدنيين في المجلس مجرد واجهة لتحسين صورة النظام.

#### 3. **التحالفات الهشة مع القوى المدنية**

بعد انقلاب أكتوبر 2021، أصبح من الضروري للنظام العسكري تأمين نوع من الشرعية على الصعيدين المحلي والدولي. لتحقيق هذا الهدف، لجأ النظام إلى تشكيل تحالفات هشة مع بعض القوى التقليدية التي شملت إدارات أهلية وزعامات قبلية وشيوخ طرق صوفية، بالإضافة إلى بعض القوى المدنية الحديثة التي غالبًا ما كانت تتكون من أحزاب سياسية صغيرة، وأيضًا بعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام. كانت هذه القوى والحركات، بسبب ضعفها وسعيها للحصول على دور في المشهد السياسي، عرضة للاستقطاب من قبل النظام العسكري. ومع ذلك، كانت هذه التحالفات سطحية في جوهرها، حيث ظلت القوات المسلحة تتحكم في زمام الأمور، بينما كانت هذه القوى المدنية والحركات المسلحة تلعب دورًا محدودًا وواجهات لا تأثير لها على القرارات الاستراتيجية الحقيقية.

#### 4. **التلاعب بالمطالب الشعبية**

اعتمد النظام العسكري على استغلال المطالب الشعبية لتحقيق مكاسب سياسية على المدى القصير. في حين كانت الجماهير تطالب بالتحول الديمقراطي وتحسين الأوضاع المعيشية، قدم الجيش وعودًا فارغة بتحقيق هذه المطالب من خلال الواجهات المدنية التي أنشأها. ولكن في الحقيقة، كانت هذه الوعود تهدف إلى كسب الوقت واحتواء الاحتجاجات دون نية حقيقية لإجراء أي إصلاحات جوهرية. هذا الأسلوب من التلاعب بالمطالب الشعبية ساهم في تعميق الفجوة بين الجيش والشعب، مما زاد من حدة التوتر والصراع في البلاد.

#### 5. **تهيئة الأجواء للحرب الأهلية**

أدت السياسات العسكرية التي تم تنفيذها تحت غطاء الواجهات المدنية إلى تأجيج الصراعات الداخلية، حيث شعرت العديد من الفصائل بأنها مستبعدة من العملية السياسية وأن مصالحها قد تم تهميشها. هذا الشعور بالإقصاء، بالإضافة إلى الفشل المستمر في تحقيق توافق وطني حقيقي، أدى إلى تصاعد التوترات بين مختلف الأطراف، مما خلق بيئة ملائمة لانفجار الوضع إلى حرب أهلية في أبريل 2023. هذه الحرب كانت النتيجة الحتمية لسلسلة من السياسات الفاشلة التي اتبعتها القيادة العسكرية في محاولتها للاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن عبر استخدام الواجهات المدنية كستار.

### الخلاصة

من الضروري الإقرار بأن الفترة الانتقالية التي تلت ثورة ديسمبر 2018 في السودان، رغم مزاعم القيادة المدنية، كانت في جوهرها فترة حكم عسكري بدرجة كبيرة. استخدم الجيش القوى والواجهات المدنية لإضفاء شرعية على حكمه، دون أن يمنح تلك القوى والواجهات أي نفوذ حقيقي في اتخاذ القرارات الكبيرة. هذه الديناميكية بين القوى العسكرية والمدنية، ومحاولات الجيش المستمرة للسيطرة على المشهد السياسي عبر تلك الواجهات، كانت السبب الرئيسي في تعقيد الأزمة السياسية في السودان، وهيأت الظروف لاندلاع الحرب الأهلية الأخيرة.

moniem.mukhtar@googlemail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوى المدنیة فی السودان کانت هذه

إقرأ أيضاً:

قائد الجيش: لبنان يحمي الطوائف وليست الطوائف هي التي تحميه

 التقى قائد الجيش العماد جوزاف عون تلامذة ضباط السنة الأولى في الكلية الحربية بحضور قائد الكلية والمدربين، وتوجّه إليهم بكلمة هنّأهم فيها على نجاحهم في مباراة الدخول إلى الكلية نتيجة جهدهم وتصميمهم، وانضمامهم إلى مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء.   وقال العماد عون في كلمته: "اتخذتم قرار الدخول إلى الكلية الحربية عن إيمان واقتناع، ما يحمّلكم مسؤولية كبيرة بخاصة في هذه الظروف الصعبة. ستبقى المؤسسة إلى جانبكم لمساندتكم بجميع إمكاناتها".     وأضاف: "لا تعبؤوا بالشائعات الهادفة إلى النيل من الجيش، فهو من المؤسسات القليلة التي لا تزال صامدة، وهو صخرة لبنان وأحد أهم عوامل استمراره. ابذلوا قصارى جهدكم لأن مساركم في الكلية الحربية صعب، لكنه ليس مستحيلًا، وهو ضروري لبناء مستقبلكم".   وتابع: "نفتخر بكم لأنكم تمثلون مستقبل الجيش والوطن، وتذكّروا أن الجيوش تبنى لأوقات الشدائد، وأن التضحية قدرُنا حتى الشهادة إذا دعانا الواجب. ليَكن حزبكم لبنان وطائفتكم البزة العسكرية. لبنان يحمي الطوائف وليست الطوائف هي التي تحمي لبنان. بعد ثلاث سنوات ستُقْسمون يمين القيام بالواجب حفاظًا على علم البلاد وذودًا عن الوطن، فابقوا أوفياء للقسم". ولفت إلى أن هناك ثلاثة يقسمون اليمين في الدولة اللبنانية، رئيس الجمهورية والقاضي والعسكري، لأن مهمتهم مقدسة".   واعتبر العماد عون أن" التلامذة سيشكلون عند تخرجهم عامل قوة للوحدات العسكرية المنتشرة على مساحة لبنان، وسيساهمون في تعزيز أدائها الاحترافي الذي نال ثقة اللبنانيين والدول الصديقة".     وختم مهنئًا التلامذة بمناسبة الأعياد المجيدة ومتمنيًا لهم "التوفيق وصولًا إلى التخرج".

مقالات مشابهة

  • في اشارة إلى الحزب الديمقراطي.. الجعيدي: “المتأسلمون” أشد ضرراً من العلمانيين في المشهد السياسي
  • معاوية عوض الله: العقوبات التي تصدر تجاه قادة الجيش لن تزيدنا إلا قوة وصلابة
  • سفارة روسيا في لشبونة: الأضرار التي لحقت بالسفارة البرتغالية في كييف كانت بسبب قوات الدفاع الجوي الأوكرانية
  • من هي أبرز الشخصيات التي تدير المشهد في سوريا الجديدة؟.. وزراء ومحافظون
  • وزراء باقون رغم الأداء المتراجع.. من يدفع ثمن الجمود السياسي؟
  • هل صارت الخدمات من أدوات الصراع السياسي في السودان؟
  • ونيس: اجتماع بوزنيقة وضع معالم المسار السياسي
  • (عودة وحيد القرن) كانت من أنجح العمليات التي قام بها قوات الجيش السوداني
  • عضو السياسي الأعلى النعيمي يعزي في وفاة المناضل ناصر الحرورة
  • قائد الجيش: لبنان يحمي الطوائف وليست الطوائف هي التي تحميه